سليم بوفنداسة
لا يختفي "الوعيُ" بعد المناسبات التي يزدهرُ فيها، لأنّه حالةٌ متقدمةٌ في تطوّر المجتمعات والأفراد، يُمكّن من قراءةِ المحيطِ قراءةً صحيحةً تُساعد في التدبير.
و لا يمكن تصوّر ظهوره في الخريف واختفائه في الربيع، مثلاً، أو احتلاله للأرواح يوم الجمعة وتبخّره في باقي الأيّام.
لذلك نحتاجُ إلى قراءات هادئة في حالتنا الاجتماعيّة والسيّاسيّة، بعيداً عن الحماسة التي أظهرها كثيرٌ ممّن تصدّوا لشرحِ أحوالنا منذ أكثـر من سنةٍ والذين اكتشفوا نباهةً لا أخت لها في طلب الحريّة، قبل أن ينكروا النّباهة في مناسبة طلبِ الزلابيّة.
قد يحتاجُ وعيُ الدارس والمحلّل إلى دراسةٍ في حالٍ كهذه، لأنّ أدوات تقديره ستصبح محلّ شكّ، وكذلك الشأن بالنّسبة لأصحابِ المواقفِ التي تتغيّر نحو الاتجاه المعاكس بين إحباطِ الخريف والوعدِ بالغلّة في بدايات الصّيْف.
ثمّة مؤشرات ضعفٍ في الوعي الاجتماعيّ، بل وحتى في وعي النّخب تظهر خلال الأزمات، حيث تطغى النزعات البدائيّة ويحدث التدافع، وفق ما تعكسه السلوكات الانتحاريّة في التعامل مع الوباء وقبل ذلك في التهوّر في قيّادة المركبات وركوب البحر بحثاً عن الجنّة وفي عمليات الغشّ والتدليس والسرقة والعنف، وتظهر في مستوى آخر في خطاب الكراهيّة و التصرّفات العنصريّة بين أفراد مجتمعٍ يتبادلون علناً تعابير الأخوّة.
ويبدو هذا الوضع نتيجةً طبيعيّة لعمليّة قفزٍ في الفراغِ، في غياب مؤسسات بديلة للبنى الاجتماعيّة التقليديّة والإخفاقات التي صاحبت بناء الدولة الوطنيّة وبسبب تدمير المؤسسات السيّاسيّة الذي تسبّب في تراجعِ منسوبِ النّضالِ واختفاء حلقةٍ مهمّةٍ بين المجتمعِ والدولةِ، حلقة لن يعوضّها جهدُ الخبراء وأساتذة الجامعات مهما بلغت حنكتهم مثلما يأملُ ناقمون على السياسات الفاشلة التي قادت إلى الكارثة، لأنّ المؤسّسة السيّاسيّة (الحزب) تتعامل مع الواقع بأدواته في حين يقفُ الأكاديميُّ (دون التقليل من دوره) في منبر الملقّن مستخدماً أدواته هو والتي قد لا تمكّنه من الخوضِ فيما تقترحه السيّاسةُ من أوحال.
والبناء الديمقراطيّ عمليّة سيّاسيّة بالأساس يتم بموجبها تجسيد الأفكار ووضع آليات إدارة الحياة العامّة يتولاها ساسةٌ و لا يقوم بها غاضبون في الشارع أو ملثّمون على شبكات التواصل الاجتماعي أو منشطو "وان مان شو" على قنوات فضائيّة.
ملاحظــــة
الوعيُ الزائف هو الرّفيق الدائم للشعبويّة في تاريخها الحافل.