الاثنين 30 ديسمبر 2024 الموافق لـ 28 جمادى الثانية 1446
Accueil Top Pub

المعيارُ

سليم بوفنداسة

تحتاجُ المجتمعات إلى أدواتِ قياسٍ مضبوطةٍ لضمان حسن تدبير شؤونها. وتعدّ هذه المقاييس سبيلاً للنجاح أو منحدراً  نحو الفشل.
وقد أتاحت الديمقراطيّة عبر ميكانيزمات الاستحقاق قواعد فرزٍ عاليّة المصداقيّة، دعمتها الأمم العريقة في الديمقراطيّة بأساليب رقابةٍ وضبطٍ تمنع الانحرافات وتلفظ المنحرفين.
وعادة ما تواجه الديمقراطيّة الناشئة عمليّات كبحٍ تقوم بها مجموعات تعتاش على ما تجود بها المناطق الرماديّة من غلال، لعلّها فئة «السماسرة» التي وصفها الكواكبي في منجزه الرّهيب وقدّر نسبتها بنحو خمس عشرة بالمئة في جسم المجتمع، وهي بالمفهوم المتأخّر وسيط غير نزيهٍ بين النّخب الحاكمة وبقيّة مكونات المجتمع، تنجح عادةً في خداعِ الطرفين معاً.
تزول هذه الفئة حين تتمكّن المجتمعات من وضعِ قواعد سيرٍ واضحةٍ، أي حين تحتكمُ إلى المقاييسِ الصحيحةِ في تقدير أمورها: من إسنادِ المهام إلى تقييم السياسات وانتهاء بالتقدير الاجتماعي، لأنّ الخلل هنا يؤدي إلى خلل هناك. وقد رأينا كيف تسبّب الغشّ في الميزان في دمارٍ كاد يأتي على الدولة الوطنيّة
و أصاب المجتمع بوباءٍ يصعب الشفاء منه، حيث ساءت الأخلاق وتحوّل التزوير إلى أسلوب عيشٍ ونال اللّصوص  والمفسدون التقدير الاجتماعيّ عطفاً على ما حصّلوه نهباً، ونُبذ الأخيار وفسد الذوق، بمعنى أصابت الجائحة كلّ مظاهر الحياة من السياسة والاجتماع والعمران إلى الفنون والآداب، ولا تعاني الأخيرة فقط من سوءِ التلقي فحسب، بل من صعودِ المزيّفين وصمودهم، تماماً كما في الحقولِ الشقيقةِ.
هذه الوضعيّة تكرّرت في المجتمعات العربيّة وأحبطت محاولات التحديث والتحرّر وأدامت التخلّف بأشكاله المستحدثة، وفشلت أمامها محاولات التغيير التي تمّت بعنوان  الإصلاح  أو بالثورات.
وبقيت جهود التنوير في دائرةِ الإهمالِ في غياب آليات التجسيدِ، ليس لافتقادها إلى الواقعيّة، بل بسبب التعاطي الاجتماعيّ ايجابياً مع أوضاع شاذّة،  الذي كرّس معايير خاطئة «يُعاقب» الخارجون عنها بالإقصاء.
 و ربما افتقد حلم التغيير بدوره إلى معايير دقيقة تضمن الانتقال إلى وضعٍ جديدٍ، ما تسبّب في خللٍ في تنزيل الديمقراطيّة على أرضيّات لم تفلح لاستقبالها و لم تتخلّص من البرمجيات القديمة، فينتهي طلب الحريّة إلى حربٍ عبثيّة أو قفزةٍ عملاقة إلى الخلف.

المزيد من الأعمدة

حياة في الثقافة

غادر بوداود عميّر فجأة، بعد أن لمّح إلى غيّابٍ مُؤقّت اتقاء شرّ مُنتحلٍ سرق هويّته، قبل أن ينجح...

  • 23 ديسمبر 2024
أبوابٌ ونوافذٌ

بيّنت الأحداث الأخيرة، التي استخدم فيها طرفٌ أجنبيٌّ، كاتبين جزائريين ضدّ بلدهم الأم، في حرب...

  • 09 ديسمبر 2024
صوتُ الحياة

شاخ الوقتُ حولها لكنّها ظلّت في مقتبل الصّبا تسقي الدهشة وتشيعها، لأنّ المنادي الذي نادى النّاس...

  • 25 نوفمبر 2024
المُنمركون !

يصعبُ توقّع ما ستكون عليه الحياة بعد سنوات قليلة، نتيجة التدخّل المفرط للتكنولوجيا فيها، الذي لا...

  • 18 نوفمبر 2024
لا تلوموا أسامة!

يطرحُ الإقبال "غير المتوقّع" على الكاتب السعودي أسامة المسلم في صالون الجزائر الدولي للكتاب،...

  • 11 نوفمبر 2024
«لأسبابٍ سياسيّة» !

قبل سويعات من الكشف عن الفائز بجائزة الغونكور، أمس، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ناشرٍ قوله، إن...

  • 04 نوفمبر 2024
الصّورة و النّص

عاش كاتب ياسين حياةً قليلة وبسيطة، عانى فيها من "سوء الفهم" و الأسطرة، فضلا عن الجدل الذي لم يفتر...

  • 28 أكتوير 2024
المُستريحون

تُخفي الفرحةُ بموت أحدٍ، حالة قهرٍ عاشها الفَرِحُ في وجود الرّاحل الذي حقّقت ميتتُه زوال غمٍّ،...

  • 21 أكتوير 2024
طفولــة

سليم بوفنداسة ينشغلُ عددٌ غير قليل من الجزائريين بنظرة الآخر التي تتحوّل إلى مصدر فخرٍ أو سبب...

  • 15 أكتوير 2024
ضرورة الفرز

سليم بوفنداسة لا يواجه الأدب الجزائري مشاكل في التلقي فحسب بل يواجه أيضًا مشاكل في الكتابة...

  • 01 أكتوير 2024
سُقــــوط

سليم بوفنداسة فرضت ثقافة السّوق التي تهيمن على عالمنا المعاصر نمطًا جديدًا من النّخب، تنتجه...

  • 24 سبتمبر 2024
حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com