أصبح جمعُ أخبار الموت هواية تُمارسُ على نطاق واسع على شبكات التواصل الاجتماعيّ ويتعامل أصحابُها مع فجائع الآخرين بأسلوبٍ يجانب الأخلاق في الكثير من الأحيان، فما معنى أن يسارع أشخاصٌ إلى نشر إعلانات وفاة لموتى لا تربطهم بهم صلة قرابة، وقد لا يرغب أهلهم أصلاً في مرافقةِ الموت بالدعاية؟
و المخيف في القصّة أن تجد بين ممارسي هذه الهواية بعض «المؤثّرين» في المجتمع من الفنّانين والكتّاب والصّحافيين وأساتذة الجامعات، ومنهم من يقوم بنشر صوّر الفقيد في وضعيّات تنتهك خصوصيّته ولا تحترم ذكراه.
علينا أن ننتبه إلى أنّ الترويج المبالغ فيه للموت قد يتحوّل، أيضاً، إلى وباءٍ له أثره الوخيم على الصّحة النفسيّة للمجتمع، لأنّه يدفع بطريقة غير واعيّة إلى الاستسلام ويسقط جدار المقاومة المشكّل من الاحتراز والعلاج. وقبل ذلك علينا احترام القيم الإنسانيّة و ما تقتضيه بعض الوضعيات من تصرّفات، إذ لا يعقل أن يتحوّل حدث الموت المؤلم إلى «فرجة» أو مناسبة للتباهي والادعاء، كما يحدث عند وفاة وجوه عموميّة ومشاهير، حيث يُخرج «المُعلنون» صور العناق من الأرشيف في محاولة مُحزنة لسرقة بطولة الموت من الميت الذي قد يصبح قريباً وعمّاً ونديماً لجميع النّاس!
ولا يُعقل أيضاً أن يكون الغياب مناسبةً لتقديم شهادات غير صحيحة أو أسطرة الغائب وتقديمه بصورة لم يكنها على الإطلاق في الواقع، حين يتعلّق الأمر بشخصيات معروفة أو استغلال حالات المرض والضّعف لتقديمها لعموم الجماهير في صوّر مهينة كما حدث مع كتّاب وفنّانين.
يمكن تفسير «عناق الموتى» برغبة في الظهور على مسرح الأحداث، لكنّه يحيل أيضاً إلى ثقافة تحتفي بالموت وتجعل منه لحظة كمال بحكم الحروب المتتاليّة التي تستمرّ في اللاوعي الجمعي حين تخمد في الواقع وتشيع مفاهيم الشهادة التي يتحوّل بموجبها الموت إلى أعظم ما يمكن أن يقوم به الفرد، وبالتالي يحاول الأفراد الذين لم يموتوا بعد مشاركة الميت في المجد الذي حصّله.
تجد هذه الوضعيّة البدائيّة علاجها في إشاعة قيّم تربويّة جديدة في المجتمع يتمّ بموجبها الاحتفاء بالحياة وإعادة تعريف البطولة وفكّ الارتباط بينها وبين الموت، خصوصاً في الخطاب السيّاسي والمعالجات الإعلامية، فيدرك الفرد أن بإمكانه أن يكون بطلاً في موقعه الخّاص بما تقدّم يداه ونجماً وهو يعانق ابنه أو أباه، ولا يحتاج في إثبات الذات إلى معانقة «وجيهٍ» حيّ أو ميت.
سليم بوفنداسة