تتكرّر الشكوى من ضعفٍ في المضمون الوطني على المسرح الافتراضي على أكثر من صعيدٍ، وتتوالى التحذيرات من التّلاعب بالجزائريّين عبر شبكات التواصل الاجتماعيّ من قبل خبراء يرصدون «الخطر» ويتأخرون في تشخيص أسبابه المرتبطة أساسًا بانفجار تكنولوجي جعل المتحكّمين في «لوغاريتماته» يتسيّدون الأسواق والاقتصاديّات ويوجّهون الأذواق والأفكار ويستثيرون العواطف.
وحتى وإن كان المستقبلُ قد بدأ باكراً، فإنّ المتخلّفين عنه يستفيدون من دروسٍ مجانيّة معروضة دون تشفير لكلّ راغبٍ في الاستدراك والشّفاء من الخوف الناجم عن عدم تكافؤ في المبارزات التي يفرضها العيش في غابتنا الكونيّة.
و بالطبّع فإنّ الافتراض مجرّد محاكاةٍ للواقع بوسائل أسرع وفعاليّة أكبر، فإذا كنتَ قويّاً هنا، ستكون قوياً هناك، وإذا كنت قادراً على الإنتاج في الموقع الأوّل فإنّك ستنتج في الموقع البديل، مع ما يقتضيه التواجدُ الافتراضيّ من براعةٍ هي خلاصة تقدّمٍ في العلوم والمعارف وليست صدفة جاد بها التاريخ على محظوظين.
ويتطلّبُ الخروج من مرحلة الشكوى إلى مرحلة الإبداع استحداث مقاربةٍ جديدة للعالم يتمّ بموجبها إطفاء البرمجيّات القديمة والتدرّب على البرمجيّات الجديدة، ثمّ تقديم «محتوانا» إلى العالم في استثمار يكفي لتحقيقه منح الفرصة للذّكاء الوطنيّ المغفل، الذي سيمكّن الجزائر من إبراز حقيقتها ومفاتنها المهملة أو التي تُقدّم بأساليب تجاوزها الزّمن.
و يمكن أن تلعب المؤسسات الاقتصاديّة والإعلاميّة والثقافيّة والرياضيّة دوراً في هذا الاتجاه إلى جانب الجامعات والمؤسّسات الرسميّة، إن هي أولت «المضمون» الأهميّة التي توليها للشكليّات و الصوّر.
إذ لا يعقل، مثلا، أن يدر لاعبُ كرةٍ جزائري الملايين على غير الجزائريّين بنقرات جزائريّة، مثلما لا يعقل أن تقدّم جزائر خدة و إسياخم و باية ...إلى يومنا هذا بلوحات مستشرقين أنجزت ضمن مشروع كولونيالي تمّ فيه الاشتغال على المخيال الذي يُبرز الجزائر كأرض متوحشّة، نساؤها مجرّد كتل لحميّة معروضة للنّسور ورجالها بهاليل، وتجد بين كتّاب عصرنا السعيد من ينشر هذه اللّوحات على أغلفة كتبه استدعاءً لعراقةٍ كاذبةٍ، هي في حقيقة الأمر احتيالٌ على التاريخ باسم الفنّ.
ملاحظة
تصنعُ الأممُ المؤهلة للعيش في العالم الضوئي مضمونها، تصنع مهرّجيها وعارضاتها تصنع عبثها وجدّها ودسائسها، ومن يتخلّف عن إنتاج مضمونه ينوب عنه في ذلك خصومه.
سليم بوفنداسة