الاثنين 16 سبتمبر 2024 الموافق لـ 12 ربيع الأول 1446
Accueil Top Pub

فضيلة

لم يكن الصّديق الذي تسلّم منها أوراقَ حصّتها الأخيرة بإذاعة قسنطينة يتوقّع صمودها في الغُربة، لذلك كان الوداع مُعفى من مخاوف الفقدان وآلامه، حين بلغا حيّ فيلالي بعد مشوار صباحيّ، فتحت حقيبتها وأخرجت الأوراق: سلّمها لمراد، سيقدّمها هو!
ثم مضت نحو الحافلة التي حملتها لوداعٍ آخر، كان ذلك يومها الأخير في سيرتا، بعد مرحلة عملٍ في الصّحافة التي "ازدهرت" وقتها تماماً كما ازدهر العنفُ والموتُ المجانيّ، وكانت وجهةً للمبدعين الذين تفرّقوا بين صحفٍ، سيُحوّل أصحابها عائداتها إلى عقارات وحوانيت، وقد تجد بينهم من لم يتعب إلى يوم الله هذا من ارتداءِ لقب الإعلاميّ ، ولا يتردّد في تقديم المواعظِ وإطلاقِ الشّتائم في الفايسبوك، بعد أن يفرغ من بيع الأواني!
 مضى زمنٌ على ذلك التاريخ، لكنّها صمدت في غُربتها البيروتيّة حيث مدّت جذورها في جبل لبنان من دون أنّ تغفل لحظة عن أوراسها أو عن قسنطينتها، مثلما ظلّت وفيّة لخطّ سيرها الأوّل الذي جعلها تهجرُ الطّب وتتخذّ من الأدب وسيلة  لإدانةِ الإيديولوجية الذكوريّة التي يفرضها مجتمعٌ أبويٌّ، خطُّ رسمته وهي طالبة في جامعة قسنطينة ، ولا يزال صالحاً للسير، لأنّ وضع المرأة وإن تغيّر بفضل التشريعات واكتساحها سوق العمل الذي يمنحها حصانةً اقتصاديّة، إلا أنّه لا يزال يعاني من تأثيرات المخزون الاجتماعيّ الذي يفرز "التّحقير" ويُسوّقه بتعليبٍ عصريٍّ.
 ومثلما عانت فضيلة الفاروق من سوءِ الفهم وسوء التقبّل في بدايتها، فإنّها مازالت تواجه "السّوء" ذاته مع اختلافٍ في الأساليب و في أدوات الرد.
وربما تتلخّصُ "مشكلتها"، إن جاز أن نُسميّ ذلك مشكلة، في صراحتها التي تجعلها تسميّ الأشياء بمسمّياتها، في الأدب كما في الحياة، أي أنها ظلّت على عفويّتها طفلةً شاويّة لم تشرب من نفاق المُدن ورفضت التمرّن على الحيّل الذي تُتيحه الحياة المدينيّة.
وتتقاسم هذا الوضع مع كتاّبٍ يواجهون "مشكلات التلقي" بسبب الجُرأة في الكتابة والصّراحة في التّصريح، كما هو شأن رشيد بوجدرة، مثلاً، الذي قُوبل منذ ظهوره في السّاحة الأدبيّة بعدوانٍ لا يتوقّف.
تقول إنّها لا تنتظر التّقدير في مجتمعات لا تقرأ الأدب أصلاً، وتعتبر الكتابة أسلوب عيش ونضالٍ، لذلك تستحقّ فضيلة اسمها، وتستحقّه أيضاً لأنّها أمٌّ شرسة لأصدقائها وأفكارها.
سليم بوفنداسة

المزيد من الأعمدة

المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
الخروج من حُجرة الكتابة

خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو...

  • 06 ماي 2024
قطارُ الباطل

سلّطت الاحتجاجاتُ الطلابيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة الضوء على هيمنة اللّوبي الصهيوني على...

  • 29 أفريل 2024
صعلكة

  أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي...

  • 23 أفريل 2024
ضرورة التفكير في المجتمع

  سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا...

  • 16 أفريل 2024
المخفيّ

حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان...

  • 26 فبراير 2024
اختراق

شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة...

  • 19 فبراير 2024
خِفّـــة

يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي...

  • 12 فبراير 2024
وصفُ السّعادة!

تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في...

  • 05 فبراير 2024
القيمة والشّعار

يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك...

  • 01 جانفي 2024
كبارُ "الباعة"!

سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت...

  • 18 ديسمبر 2023
مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة...

  • 11 ديسمبر 2023
في وصف الشّر

تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح...

  • 04 ديسمبر 2023
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com