يجني كاتبٌ مثل "ميشيل والبيك" مليوني أورو من عائدات روايةٍ واحدة فقط، ويُحصّل النّاشرُ و المكتبيّون 10 ملايين بالتّمام والكمال، دون احتساب غلّة التّرجمة، وفق تحقيقٍ بثّته القناة الفرنسيّة الثانيّة نهاية الأسبوع الماضي.
بمعنى أنّ رواية واحدة قد تكون كافيّة ليفرغ بال كاتبها من همّ المعيشة، وينصرف إلى شؤون أخرى، أما الأرقام فتشير ببساطةٍ إلى عنوانٍ اقتصاديّ للأدب في بلدانٍ نميلُ، عادةً، إلى عقدِ مقارنات لا تستقيم معها.
يُعدّ الأدب، في مجتمعات المعرفة، نشاطاً اقتصاديا، يمكن الوقوف على عائداته بحسابٍ بسيطٍ لأرقام السّحب والأسعار المُعلنة عند كلّ طبعة. ولا يحتاج الكتّابُ لتحقيق الانتشار إلى إطلاق نداءات على مواقع التواصل أو نشر صوّرهم في وضعيّات لا يُحسدون عليها، أو الشكوى في وسائل الإعلام، فالكاتب المذكور أعلاه، مثلاً، يرفضُ أصلاً المقابلات الصحفيّة.
ولا تستدعي مقاربة مسألة المقروئيّة جلد الذات، بل فحص الحالة التي نتقاسمها مع شعوبٍ وأممٍ أخرى، جراء أحداثٍ تاريخيّة أثرت في اهتمامات المجتمع، في مقدمتها الاستعمار كمتسبّب رئيسي ، عكس ما يُشيعه ممجّدوه هناك وأتباعهم هنا.
ويفترض أن يقرأ الكُتّاب، قبل غيرهم، هذه الوضعيّة قراءةً صحيحة، تعفيهم من الألم و من السكيزوفرينيا ومن الخطابات التّعيسة التي تُرافق الكتابة، والناتجة ربّما عن توهّم أدوار اجتماعيّة، لا يجود بها الواقع في الحالة الجزائريّة.
و لا يمكن إجبار النّاس على القراءة وشراء الكتب، ولا يُمكن دفعهم إلى الاهتمام بالكتّاب والتصرّف معهم كنجوم الكرة و الغناء، مثلما يحلو لكثيرٍ منهم التّصريح والتّلميح، لأنّ كيمياء النجوميّة عندنا تستثني من خلطتها النشاطات المرتبطة بأفعال لا تهمّ النّاس كالكتابة، وحتى الشّهرة التي تصيب كتاباً، تعود عادة إلى مواقفهم السيّاسيّة والتصريحات، جالبةُ السُّخط، التي يطلقونها وليس إلى انتشار أدبهم بين النّاس.
هذه المعاينة لا تدعو إلى التّخلي عن الأدب أو عدم الاكتراث بممارسيه، ولكنّها تشير إلى عدم تجاوب المجتمع مع الآداب والفنون لأسبابٍ يطول شرحها، وإلى عدم تحقيق مردود اقتصادي لهذا "النّشاط" ويكفي أن تطلّع على أرقام نشر الكتب (والظاهرة لا تخصّنا وحدنا) لتقدّر حجم التّعاسة التي يكون عليها كاتبٌ يتحدّث بحماسةٍ، في زماننا، عن سيرته ومسيرته وأثره!
سليم بوفنداسة