تُثير المسائل التاريخيّة صُداعاً مزمناً في الجزائر، بسبب معالجات إعلاميّة غير مهنيّة أو استغلال سياسويّ يقدّم قراءات انتقائيّة أو يتناول وقائع بعيدة بمعطيات راهنةٍ أو يتبنى رواية غير دقيقة لبعض الأحداث.
و هكذا تتحوّل "مادة تاريخيّة" إلى موضوع ساعة بين جماهير مواقع التواصل الاجتماعيّ، إذ يكفي أن يُلقي أحدهم بحجرٍ في البحيرة حتى يشتعل الجدلُ الذي قد ينتهي بتبادل التّهم وبخطابات كراهيّة بين مختلف مكوّنات المجتمع.
ويعود السّبب الأوّل في ذلك إلى عدمِ احترامِ الاختصاص، سواء في مسائل علميّة خطيرة على صلة بالصّحة العموميّة أو ظواهر طبيعيّة أو في قضايا وأحداث تاريخيّة، فتجد من يُنكر وباء وفق براهين غير علميّة، و من يبشّر في وسائل إعلام بزلازل مدمّرة، وأصبحنا نرى كيف بات أيّ كان يقتحم تخصّصات معقّدة وينزلُ فيها دلوه من دون توجّس.
وتبدو الحاجة ملحّة، اليوم، لضبط أداء وسائل الإعلام حتى تؤدي مهامها وفق القواعد المعمول بها عالمياً، خصوصاً حين يتعلّق الأمر بمهنة حسّاسة كالصّحافة، التي من المفيد أن نكرّر بأنّها استبيحت لسنوات طويلة وأصبحت مُمارستها متاحة لأيّ مواطن ضاقت به السّبل، ولا يحتاج في ذلك، في حالات مؤكّدة، إلى مستوى تعليميّ أو ثقافيّ وحتى مهارة.
و كذلك الشّأن بالنّسبة لإنشاء وسائل الإعلام، وهذه ليست دعوة للتضييق على الحريات بل إشارة إلى المخاطر التي قد تتسبّب فيها ممارسةٌ غير مهنيّة للإعلام والأضرار التي قد تسبّبها للأشخاص
و للمجموعة الوطنيّة.
إذْ لا يُعقل أن تُناقش وسيلةُ إعلامٍ بحجم تلفزيون قضايا اجتماعيّة مع طبيبِ أسنان، أو تُسند تنشيط حصصٍ إلى "يوتبر" لا علاقة له بالمهنة، أو تُكلّف داعيّةً بإجراء تحقيقات يعرض فيها أطفالا فقراء على الجمهور طلباً لإعانة، دون تقدير الضّررِ الذي يُلحقه بضحاياه عن حسن نيّة، مثلما لا يعقل أن يُناقش صحافيون لمجرّد أنّهم يحملون الصّفة مسائل استراتيجيّة أو سياسيّة بأساليب المقاهي، دون تكليف أنفسهم عناء الاطلاع أو الاستعانة بأهل الاختصاص.
وبالطّبع فإنّ معالجة القضايا التاريخيّة في وسائل الإعلام تحتاجُ إلى معارف وقواعد وإلى متدخلين مختلفين من ذوي الاختصاص، بل و إلى أبحاثٍ قد تستغرقُ سنوات و لوجيستيك لإعادة بناء الوقائع، وليس إلى كاميرا وصحفيّ يُؤمّن على ما يقوله متحدّثٌ، خصوصاً في مجتمعات هشّة، أو مجتمعات ما قبل المعرفة التي تأخذ ما يُثار في وسائلِ الإعلام على محملِ الجدّ !
سليم بوفنداسة