تحوّل المعرض الدولي للكتاب إلى مُناسبة تُختصر فيها "قصّة الكتاب" في بلادنا، إلى درجة أنّ كثيرا من النّاشرين والكتّاب أصبحوا يُبرمجون أنفسهم على هذا الموعد، قبل أن يطمئنوا في هجعة طويلة.
و الذنب هنا ليس ذنب المعرض ولا القائمين عليه ولا السّاعين إليه، لأنّنا أمام نتيجة طبيعيّة لمسارٍ انتهى إلى ما انتهى إليه، بسبب ربط نشاط صناعة الكتاب بالريع أحياناً و إهماله في كثير من الأحيان.
والغريب أنّ "طيّبات" الرّيع وقعت حين هبّت على طارئين قدموا مع ريحه وذهبوا معها، وبقيّ الكتاب بين اثنين: أيدٍ حانيّة ترعاه وتُجّار من دون همّ يعملون بقاعدة ادفع تطبع.
و يجب أن نتفق، هنا، أنّ النّشر نشاط ربحيّ، و من غير المعقول أن نُطالب ممارسيه بالتضحيّة أو التطوّع، كما تعوّدنا في الحقل الثقافيّ الذي يبرز فيه متطوّعون وما هم بالمتطوّعين، كما أنّ خصوصيّته تستدعي دعماً من المجموعة الوطنيّة كالدّعم الموجه للمواد الغذائية الأساسيّة، مثلاً، مع فرزٍ دقيقٍ للمُمارسين الحقيقيين الذين حافظوا على مقام الكتاب في ظروف صعبة وغيرهم ممن لا ضرورة لذكرهم، و وضع آليات ومعايير شفافة لمساعدة القطاع على النهوض و ميثاق شرف مهني يُبعد موظفي الثقافة وعائلاتهم عن أي مُمارسة احتكارية لعدم تكرار التجارب السابقة.
وحتى وإن كان احتضان الجزائر لأحد أكبر معارض الكتاب في العالم أمراً إيجابيا، فإن ذلك لا يعكسُ حقا "حياة الكِتاب" ولا يُشير إلى حالة ازدهار، بل إنّ المعرض بات يخفي وضعيّة قاسية تحتاج إلى تشخيص ومعالجة إذا أردنا أن نجعل من القراءة حدثاُ دائما وليس طقساً سنويا.
و ليعيش الكتابُ وأهله عيشة راضيّة، لا بدّ من مصالحته مع "المستهلك" عبر إحياء زراعة القراءة في الأجيال الجديدة من الجزائريين وهي مهمّة بسيطة يُفترض أن تنهض بها قطاعات التربية والتعليم ووسائل الإعلام، في تضامن واعٍ للمساهمة في بناء الإنسان و بناء مجتمع المعرفة الذي تصبح فيه المنتجات الثقافيّة والفنية أساسيّة، يدفعُ النّاس للحصول عليها ويبحثون عنها ويفتقدونها، بل ويتلهفون عليها كما نتلهّف اليوم على ما تضنّ به الأرضُ وما يخفيه التجارُ!
سليم بوفنداسة