السبت 21 ديسمبر 2024 الموافق لـ 19 جمادى الثانية 1446
Accueil Top Pub

جنود التيه

لم تستخلص الإنسانيّة الدروس من الحروب طيلة تاريخها الدموي، ولم تكن فترات السّلم سوى هدنة تُستغلّ تحضيرا لحربٍ مُحتملة، و لم تنل الحضارات المُتعاقبة من وحشيّة الإنسان، و لم تهذبه النظّم الاجتماعيّة التي استبدلت "الصراع" بالتشريعات ووضعت أطر العيش المشترك، فحوّل الدوّل والتكتّلات إلى قبائل واخترع الدبلوماسيّة كبديل للغزو والإغارة، يستخدمها الأقوياء لأكل قوت الضّعفاء من دون عناء.

هكذا ارتسمت بروتوكولات العيش منذ الصّياد الأول إلى الجنود الإلكترونيّين الذين يخفون الدّمار الشّامل في ذاكرة أصابعهم. تكشف حالات الحرب عن الطّبع الحقيقيّ للإنسان  وعن موت العقل أمام الاندفاع البدائي ويُترجم ذلك تحوّل فلاسفة إلى مُحرّضين على القتل في بلاتوهات الاستعراض التلفزيوني، حيث تُختزل الحماقة الإنسانيّة في كلمات، وحيث تجري صيّاغة سرديات سريعة ومُزيّفة للواقع وحيث يمّرر التّمييز بين البشر في طوفان من الأخبار التي تبشّر بكارثة وتخدم استراتيجيات بعينها، كما تفعل هذه الأيام  صحافة الحلف الأطلسي بكلّ اللّغات(بما فيها العربيّة)، ومن المفارقة أن تجد سيّاسيا حكيماً في صورة دومينيك دوفيليبان ينبّه فيلسوفاً متهورا كبرنار هنري ليفي في أوج دعوته لمواجهة عالميّة مع روسيا، إلى أنّ غزو العراق كان خطأ، أيضا، وكذلك كان غزو ليبيا التي رافق الفيلسوف ثوّارها في خنادقهم بالقميص الأبيض الذي لا يتلوّث مهما كان حجم الغبار، وبالقلب الأسود غير القابل للنقاء مهما كان حجم الألم.
نعم، كل حربٍ مأساة وكلّ قتلٍ جريمةٍ، لكنّ التّمييز بين الضحايا وبين الحروب  يكشف عن خللٍ ومشكلة في الوعي الإنساني وعن طُغيان فلسفة القوّة التي يحاول منتجوها تحويل مخرجاتها لأمر واقع لا تجوز مناقشته، ويصل صداها إلى الضحايا أنفسهم الذين أصبحوا يردّدون خطاب قتلتهم بطريقة غير واعيّة، وتجد بينهم من يشتم في مواقع التواصل الاجتماعي ومنتديات الكلام المجّاني، كل من يستدعي ضحايا الجنوب وحروب الجنوب إلى ساحة المقارنة وكلّ من ينتقد استغلال التظاهرات الرياضية لترويج شعارات "الناتو" الذي وجد أخيرا من يقول له: كفى!   
وحتى وإن كانت الرّجاحة تقتضي عدم الانحيّاز إلى الحروب جميعها، فإنّ الحماقة تتجسّد في فقهاء التحليل الذين ينسبون نشر الحريّة والديمقراطيّة للحلف الأطلسي بمناسبة معركة سيخسر فيها هيمنته على العالم!

سليم بوفنداسة

المزيد من الأعمدة

أبوابٌ ونوافذٌ

بيّنت الأحداث الأخيرة، التي استخدم فيها طرفٌ أجنبيٌّ، كاتبين جزائريين ضدّ بلدهم الأم، في حرب...

  • 09 ديسمبر 2024
صوتُ الحياة

شاخ الوقتُ حولها لكنّها ظلّت في مقتبل الصّبا تسقي الدهشة وتشيعها، لأنّ المنادي الذي نادى النّاس...

  • 25 نوفمبر 2024
المُنمركون !

يصعبُ توقّع ما ستكون عليه الحياة بعد سنوات قليلة، نتيجة التدخّل المفرط للتكنولوجيا فيها، الذي لا...

  • 18 نوفمبر 2024
لا تلوموا أسامة!

يطرحُ الإقبال "غير المتوقّع" على الكاتب السعودي أسامة المسلم في صالون الجزائر الدولي للكتاب،...

  • 11 نوفمبر 2024
«لأسبابٍ سياسيّة» !

قبل سويعات من الكشف عن الفائز بجائزة الغونكور، أمس، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ناشرٍ قوله، إن...

  • 04 نوفمبر 2024
الصّورة و النّص

عاش كاتب ياسين حياةً قليلة وبسيطة، عانى فيها من "سوء الفهم" و الأسطرة، فضلا عن الجدل الذي لم يفتر...

  • 28 أكتوير 2024
المُستريحون

تُخفي الفرحةُ بموت أحدٍ، حالة قهرٍ عاشها الفَرِحُ في وجود الرّاحل الذي حقّقت ميتتُه زوال غمٍّ،...

  • 21 أكتوير 2024
طفولــة

سليم بوفنداسة ينشغلُ عددٌ غير قليل من الجزائريين بنظرة الآخر التي تتحوّل إلى مصدر فخرٍ أو سبب...

  • 15 أكتوير 2024
ضرورة الفرز

سليم بوفنداسة لا يواجه الأدب الجزائري مشاكل في التلقي فحسب بل يواجه أيضًا مشاكل في الكتابة...

  • 01 أكتوير 2024
سُقــــوط

سليم بوفنداسة فرضت ثقافة السّوق التي تهيمن على عالمنا المعاصر نمطًا جديدًا من النّخب، تنتجه...

  • 24 سبتمبر 2024
حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
الخروج من حُجرة الكتابة

خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو...

  • 06 ماي 2024
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com