السبت 21 ديسمبر 2024 الموافق لـ 19 جمادى الثانية 1446
Accueil Top Pub

ساندروم

يواجه الأفرادُ في المجتمعاتِ الأبويّة صعوبةً في الخروج عن الأنساق المرسومة سلفاً، بشكل يُعيقهم عن الإبداع ويحرمُ المجتمعات نفسها من التطوّر الطبيعيّ.

و يمكنُ أن يقف الدارسُ بسهولة على انتشار "الخلايا الأبويّة" في أجسام مؤسّسات حديثة كالجامعات، على سبيل المثال، حيث تُحكم عشائر وعائلات سيطرتها و تسود مُجاملات في الفضاءات العمليّة كالملتقيات ومناقشة الرسائل وتنقسم "النّخب" بين شيوخٍ ومُريدين.
 وهكذا تتحوّل مؤسسات مُنتجة للمعرفة، يفترض أنّها تضع قواعد النّقاش الرّصين وتدرّب مرتاديها على تقبّل المختلف، إلى نسخٍ من المؤسّسة الاجتماعيّة التقليديّة التي تحتكم إلى روابط الدم والجغرافيا والولاء، أي تُعيد إنتاج البنية الأبوية بنفس الميكانيكا التي تشتغلُ داخل المجتمع.
و إذا كانت هيئة حديثة تتحرّك على سكّة قديمة فإنّنا، بكل بساطة، أمام التعريف  الدقيق للمأزق، فالمجتمع المدعو إلى التطوّر لا يتطوّر تلقائيا ويحتاج في انتقاله إلى قطائع وصدمات ورجّات وتأهيل تقوم به نخبة تنتمي إلى هذا العصر، وليس النّخبة الظّاهرة في المشهد، النّخبة السلفيّة التي تعرّف المستقبل بالماضي ويعاني أفرادُها من "ساندروم النبوّة" الذي يدفع المُصاب إلى تبني القول الفصل في كلّ مسألة والاحتماء بالخطاب الديني أو الوطني بدل تقديم الحُجج و مواجهة المختلف بخطاب العنف و الإسراف في الحديث عن الذات وتقديم السيرة العطرة كنموذج وعدم تقبّل النّقد ( وقد رأينا مؤخرا كيف تعرّض ناقد للشّتم على مواقع التواصل الاجتماعيّ بطريقة تجاوزت الوقاحة من فنّانين لأنّه نشر في كراس الثقافة قراءة في مسرحيّة عُرضت على المسرح الوطني).
ويكفي لتشخيص ضحايا "الساندروم" الاطلاع على منشورات على مواقع التواصل أو الاستماع إلى حوارات يعيد فيها الضّيف الكريم سرد تاريخ النبوّة بضمير المتكلّم.
يؤجّر الشيخ الغابر جسد المثقّف المعاصر، فينتج عن هذا التزاوج خطابٌ مستبدٌّ لا يقبل الاختلاف يلتفّ حوله مريدون طلباً لمزية أو خوفاً من بطش. هكذا يُصنع الباتريارك المعاصر في مختلف الحقول لتعزيز البنية الكلاسيكية المذكورة وإطالة عمرها وعرقلة التطوّر والتحديث.
ويقتضي إخراج الشيخ القديم  من الجسد "المسكون" مراجعة نظام التعليم  من الجامعة إلى الروضة لأنّ إعادة إنتاج "النّمط" تبدأ هناك.

سليم بوفنداسة

المزيد من الأعمدة

أبوابٌ ونوافذٌ

بيّنت الأحداث الأخيرة، التي استخدم فيها طرفٌ أجنبيٌّ، كاتبين جزائريين ضدّ بلدهم الأم، في حرب...

  • 09 ديسمبر 2024
صوتُ الحياة

شاخ الوقتُ حولها لكنّها ظلّت في مقتبل الصّبا تسقي الدهشة وتشيعها، لأنّ المنادي الذي نادى النّاس...

  • 25 نوفمبر 2024
المُنمركون !

يصعبُ توقّع ما ستكون عليه الحياة بعد سنوات قليلة، نتيجة التدخّل المفرط للتكنولوجيا فيها، الذي لا...

  • 18 نوفمبر 2024
لا تلوموا أسامة!

يطرحُ الإقبال "غير المتوقّع" على الكاتب السعودي أسامة المسلم في صالون الجزائر الدولي للكتاب،...

  • 11 نوفمبر 2024
«لأسبابٍ سياسيّة» !

قبل سويعات من الكشف عن الفائز بجائزة الغونكور، أمس، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ناشرٍ قوله، إن...

  • 04 نوفمبر 2024
الصّورة و النّص

عاش كاتب ياسين حياةً قليلة وبسيطة، عانى فيها من "سوء الفهم" و الأسطرة، فضلا عن الجدل الذي لم يفتر...

  • 28 أكتوير 2024
المُستريحون

تُخفي الفرحةُ بموت أحدٍ، حالة قهرٍ عاشها الفَرِحُ في وجود الرّاحل الذي حقّقت ميتتُه زوال غمٍّ،...

  • 21 أكتوير 2024
طفولــة

سليم بوفنداسة ينشغلُ عددٌ غير قليل من الجزائريين بنظرة الآخر التي تتحوّل إلى مصدر فخرٍ أو سبب...

  • 15 أكتوير 2024
ضرورة الفرز

سليم بوفنداسة لا يواجه الأدب الجزائري مشاكل في التلقي فحسب بل يواجه أيضًا مشاكل في الكتابة...

  • 01 أكتوير 2024
سُقــــوط

سليم بوفنداسة فرضت ثقافة السّوق التي تهيمن على عالمنا المعاصر نمطًا جديدًا من النّخب، تنتجه...

  • 24 سبتمبر 2024
حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
الخروج من حُجرة الكتابة

خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو...

  • 06 ماي 2024
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com