السبت 21 ديسمبر 2024 الموافق لـ 19 جمادى الثانية 1446
Accueil Top Pub

ماذا يفعلُ الشّعراء في العالم؟

لا يستمتعُ الشّعراء باليوم العالمي للشّعر، كما تستمتعُ النّساء بيومهن، ولا ينالون العناية التي تنالها الأشجار في يومها، لأنّ حظّ الشعراء من الحبّ أقلّ من حظّ النّساء ومن حظّ الأشجار.

يبدو الشّاعر مهمومًا بما يحدثُ في العالم وفي الكوكب، لكنّ العالم لا يهتمّ بالشّاعر لأسبابٍ تخصّ الطرفين، ويصعب تحميل أحدهما مسؤوليّة الجفاء.
أول الأسباب تخصّ العصر الذي طوّر شاعريّته إلى فنونٍ بصريّةٍ سرقت بلاغات الفنون الأخرى وخطفت الجماهير، وأطلق اختراعات شيطانيّة مكّنت من الوصول إلى الجمل العصبيّة مباشرة من دون حاجةٍ إلى السّجع والقافيّة. و زاد على ذلك بتوفير المسارح الهستيريّة التي عوّضت المنابر التقليديّة التي كانت تتفتّق فيها العبقريات الشعريّة وتنفجر فيها البارانويا التي هي  جواب الشعراء على خفوت الانتباه،  وبتسهيل التواصل الذي أفرغ مخزونًا هائلًا من طاقة المكبوتات المدرّة للشّعر، حيث لم يعد وصلُ فاطم شاقًا أو يتطلّب إثبات براعةٍ لغويّة، فضلًا عن اختراع العصر لفرسانه من رياضيين وفنانين يحتكرون "النجوميّة" ويستأثرون بالشّغف كلّه.
 و آخر الأسباب تخصّ الشاعر نفسه (في لغتنا الجميلة) الذي لم يجد شفرات التّواصل مع عالم تغيّر بسرعة، في الوقت الذي كان مُنشغلا بصقل موهبته، فوجد صعوبة في التفرّس في الموجودات وفي وصفها في وضعها الجديد غير المنصوص عليه في نواميس الكتب الصفراء، مع ظهور بلاغةٍ جديدةٍ أفرزها "بوم" التواصل تختزلُ التعابير في أيقونات أطلقها فقهاءُ التكنولوجيا نكايةً في القواميس، أجل، إنّ عدد شعراء العربيّة الذين يقيمون في الماضي يفوق بكثير عدد الشعراء الذين يراقبون عصرهم، وساعد ذلك في فرض  مدوّنةٍ سلفيّةٍ على منظومات التعليم، ويكفي مُراجعة ما يُدرّس في المدارس والجامعات العربيّة للوقوفِ على حظّ الخلف في مأدبة السّلف.
وإذا أضفنا إلى اللّائحة صورة الشاعر في المخيال الاجتماعي، فإنّنا سننتهي إلى رسم بورتريه بائس لمهندس الخيال الذي يُشاغب باللّغة في مواجهة سلطان القسوة، فهل انتهى زمن الشعراء؟
سيكون الجواب: كلا!
فالشّعر و إن سرقت فنونُ العصرِ روحه، سيبقى ضروريا لمقاومة القبح الذي تجود به الحياة المعاصرة، ومقاومة الذكاء الصنّاعي أربابه على تحويل الإنسان إلى روبوت قليل التكلفة.

سليم بوفنداسة

المزيد من الأعمدة

أبوابٌ ونوافذٌ

بيّنت الأحداث الأخيرة، التي استخدم فيها طرفٌ أجنبيٌّ، كاتبين جزائريين ضدّ بلدهم الأم، في حرب...

  • 09 ديسمبر 2024
صوتُ الحياة

شاخ الوقتُ حولها لكنّها ظلّت في مقتبل الصّبا تسقي الدهشة وتشيعها، لأنّ المنادي الذي نادى النّاس...

  • 25 نوفمبر 2024
المُنمركون !

يصعبُ توقّع ما ستكون عليه الحياة بعد سنوات قليلة، نتيجة التدخّل المفرط للتكنولوجيا فيها، الذي لا...

  • 18 نوفمبر 2024
لا تلوموا أسامة!

يطرحُ الإقبال "غير المتوقّع" على الكاتب السعودي أسامة المسلم في صالون الجزائر الدولي للكتاب،...

  • 11 نوفمبر 2024
«لأسبابٍ سياسيّة» !

قبل سويعات من الكشف عن الفائز بجائزة الغونكور، أمس، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ناشرٍ قوله، إن...

  • 04 نوفمبر 2024
الصّورة و النّص

عاش كاتب ياسين حياةً قليلة وبسيطة، عانى فيها من "سوء الفهم" و الأسطرة، فضلا عن الجدل الذي لم يفتر...

  • 28 أكتوير 2024
المُستريحون

تُخفي الفرحةُ بموت أحدٍ، حالة قهرٍ عاشها الفَرِحُ في وجود الرّاحل الذي حقّقت ميتتُه زوال غمٍّ،...

  • 21 أكتوير 2024
طفولــة

سليم بوفنداسة ينشغلُ عددٌ غير قليل من الجزائريين بنظرة الآخر التي تتحوّل إلى مصدر فخرٍ أو سبب...

  • 15 أكتوير 2024
ضرورة الفرز

سليم بوفنداسة لا يواجه الأدب الجزائري مشاكل في التلقي فحسب بل يواجه أيضًا مشاكل في الكتابة...

  • 01 أكتوير 2024
سُقــــوط

سليم بوفنداسة فرضت ثقافة السّوق التي تهيمن على عالمنا المعاصر نمطًا جديدًا من النّخب، تنتجه...

  • 24 سبتمبر 2024
حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
الخروج من حُجرة الكتابة

خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو...

  • 06 ماي 2024
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com