السبت 21 ديسمبر 2024 الموافق لـ 19 جمادى الثانية 1446
Accueil Top Pub

ميزان

لم تعُد كرة القدم مجرّد لعبة أو رياضة في المجتمعات "الناشئة" الطامحة إلى لعبِ أدوارٍ على المسرحِ الكونيّ، بل تحوّلت، بسبب تمثّلات، إلى اختبار مصيري في حياة شعوبٍ و أممٍ تفتقد إلى عناوين فخرٍ و أدوات رفاه، فتجعل من النّصر الكرويّ دليل تفوّقٍ في سوق الجدارة.

و هكذا أصبحت المنافسات حدثا طاغيًا تدور حوله صناعةٌ اقتصاديّةٌ ويُصاغُ رأيٌ عامٌّ، بل وتتأجّل الحياة إلى غاية استكمال التباري وانقشاع غبار الحرب، لذلك تُختزلُ الأمة في فريق، و يتحوّل لاعبٌ إلى زعيمٍ مُلهمٍ ورمزٍ وطنيّ، وقد رأينا في قارّتنا السّعيدة كيف يطلب لاعبون رئاسة الدولة بعد تعليقِ الحذاء، بدفعٍ من حبٍّ جماهيريّ أعمى، وسوء تقديرٍ للوظائف و سوء فهمٍ للأدوار.
 و إذا كانت الكرةُ في دورانها تمنحُ الدفعة المعنويّة للجماهير، فإنّ إدارة تلك الديناميّة تتطلّب الحذر في المجتمعات المذكورة أعلاه، لأنّها قد تكونُ الكوّة التي يتسلّل منها ذئابُ "الجيوبوليتيك" ولصوصُ الحقول والمستثمرون في المرارة.
لكلّ ذلك نحتاجُ إلى تحصين الذات، تمامًا كتحصين المنتخب حتى تطغى قوّته على احتمالات الحيفِ فلا يفلح "غاساما" حيث أتى!
و لا ينجحُ التحصين، في الحالتين، إلا بالعملِ العقلانيّ الذي لا تحوم حوله الخرافة، أي بتوفير أسباب النّجاح والاعتراف بالأخطاء ومعالجتها، والقطيعة مع ثقافة المخلّص والمهدي المنتظر في الرياضة كما في الثقافة والسيّاسة والاجتماع، لأنّ الإيمان بالرّجل الخارق يحيلُ إلى مُشكلةٍ في مُقاربة الظواهر وفهم العالم، وقد يتحوّل هذا الجنوح نحو الأسطرة إلى مرض يعيق التطوّر، لأنّه يخفي حالة إنكارٍ لخللٍ يستدعي العلاج.
وكذلك الشأن في خلطِ الأدوار والمهام، حيث  يجب بقاء المدرّب مدربًا له مهامه وصلاحياته المتعارف عليها والأهداف المحدّدة في عقده، واللاعب لاعبًا طالما أهلته جدارته لانتزاع مكانةٍ بين النّخبة المنتقاة و فق استحقاقٍ واضحٍ، والصحافيّ صحافيًا له وظيفته المحكومة بالأعراف والقوانين والأخلاقيات، كما يجب أن تبقى الكرة كرةً، لأنّها رغم المتعة التي توفرها لنا ورغم السّحر والحالة غير الطبيعيّة التي نعيشها بفضلها، وما تثيره من عواطف وأحاسيس، لن تغيّر الواقع إذا لم  تتوفّر أسباب التغيير النابعة من الواقع نفسه.

سليم بوفنداسة

المزيد من الأعمدة

أبوابٌ ونوافذٌ

بيّنت الأحداث الأخيرة، التي استخدم فيها طرفٌ أجنبيٌّ، كاتبين جزائريين ضدّ بلدهم الأم، في حرب...

  • 09 ديسمبر 2024
صوتُ الحياة

شاخ الوقتُ حولها لكنّها ظلّت في مقتبل الصّبا تسقي الدهشة وتشيعها، لأنّ المنادي الذي نادى النّاس...

  • 25 نوفمبر 2024
المُنمركون !

يصعبُ توقّع ما ستكون عليه الحياة بعد سنوات قليلة، نتيجة التدخّل المفرط للتكنولوجيا فيها، الذي لا...

  • 18 نوفمبر 2024
لا تلوموا أسامة!

يطرحُ الإقبال "غير المتوقّع" على الكاتب السعودي أسامة المسلم في صالون الجزائر الدولي للكتاب،...

  • 11 نوفمبر 2024
«لأسبابٍ سياسيّة» !

قبل سويعات من الكشف عن الفائز بجائزة الغونكور، أمس، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ناشرٍ قوله، إن...

  • 04 نوفمبر 2024
الصّورة و النّص

عاش كاتب ياسين حياةً قليلة وبسيطة، عانى فيها من "سوء الفهم" و الأسطرة، فضلا عن الجدل الذي لم يفتر...

  • 28 أكتوير 2024
المُستريحون

تُخفي الفرحةُ بموت أحدٍ، حالة قهرٍ عاشها الفَرِحُ في وجود الرّاحل الذي حقّقت ميتتُه زوال غمٍّ،...

  • 21 أكتوير 2024
طفولــة

سليم بوفنداسة ينشغلُ عددٌ غير قليل من الجزائريين بنظرة الآخر التي تتحوّل إلى مصدر فخرٍ أو سبب...

  • 15 أكتوير 2024
ضرورة الفرز

سليم بوفنداسة لا يواجه الأدب الجزائري مشاكل في التلقي فحسب بل يواجه أيضًا مشاكل في الكتابة...

  • 01 أكتوير 2024
سُقــــوط

سليم بوفنداسة فرضت ثقافة السّوق التي تهيمن على عالمنا المعاصر نمطًا جديدًا من النّخب، تنتجه...

  • 24 سبتمبر 2024
حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
الخروج من حُجرة الكتابة

خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو...

  • 06 ماي 2024
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com