لم تعُد كرة القدم مجرّد لعبة أو رياضة في المجتمعات "الناشئة" الطامحة إلى لعبِ أدوارٍ على المسرحِ الكونيّ، بل تحوّلت، بسبب تمثّلات، إلى اختبار مصيري في حياة شعوبٍ و أممٍ تفتقد إلى عناوين فخرٍ و أدوات رفاه، فتجعل من النّصر الكرويّ دليل تفوّقٍ في سوق الجدارة.
و هكذا أصبحت المنافسات حدثا طاغيًا تدور حوله صناعةٌ اقتصاديّةٌ ويُصاغُ رأيٌ عامٌّ، بل وتتأجّل الحياة إلى غاية استكمال التباري وانقشاع غبار الحرب، لذلك تُختزلُ الأمة في فريق، و يتحوّل لاعبٌ إلى زعيمٍ مُلهمٍ ورمزٍ وطنيّ، وقد رأينا في قارّتنا السّعيدة كيف يطلب لاعبون رئاسة الدولة بعد تعليقِ الحذاء، بدفعٍ من حبٍّ جماهيريّ أعمى، وسوء تقديرٍ للوظائف و سوء فهمٍ للأدوار.
و إذا كانت الكرةُ في دورانها تمنحُ الدفعة المعنويّة للجماهير، فإنّ إدارة تلك الديناميّة تتطلّب الحذر في المجتمعات المذكورة أعلاه، لأنّها قد تكونُ الكوّة التي يتسلّل منها ذئابُ "الجيوبوليتيك" ولصوصُ الحقول والمستثمرون في المرارة.
لكلّ ذلك نحتاجُ إلى تحصين الذات، تمامًا كتحصين المنتخب حتى تطغى قوّته على احتمالات الحيفِ فلا يفلح "غاساما" حيث أتى!
و لا ينجحُ التحصين، في الحالتين، إلا بالعملِ العقلانيّ الذي لا تحوم حوله الخرافة، أي بتوفير أسباب النّجاح والاعتراف بالأخطاء ومعالجتها، والقطيعة مع ثقافة المخلّص والمهدي المنتظر في الرياضة كما في الثقافة والسيّاسة والاجتماع، لأنّ الإيمان بالرّجل الخارق يحيلُ إلى مُشكلةٍ في مُقاربة الظواهر وفهم العالم، وقد يتحوّل هذا الجنوح نحو الأسطرة إلى مرض يعيق التطوّر، لأنّه يخفي حالة إنكارٍ لخللٍ يستدعي العلاج.
وكذلك الشأن في خلطِ الأدوار والمهام، حيث يجب بقاء المدرّب مدربًا له مهامه وصلاحياته المتعارف عليها والأهداف المحدّدة في عقده، واللاعب لاعبًا طالما أهلته جدارته لانتزاع مكانةٍ بين النّخبة المنتقاة و فق استحقاقٍ واضحٍ، والصحافيّ صحافيًا له وظيفته المحكومة بالأعراف والقوانين والأخلاقيات، كما يجب أن تبقى الكرة كرةً، لأنّها رغم المتعة التي توفرها لنا ورغم السّحر والحالة غير الطبيعيّة التي نعيشها بفضلها، وما تثيره من عواطف وأحاسيس، لن تغيّر الواقع إذا لم تتوفّر أسباب التغيير النابعة من الواقع نفسه.
سليم بوفنداسة