الاثنين 16 سبتمبر 2024 الموافق لـ 12 ربيع الأول 1446
Accueil Top Pub

درس موديانو

قدّم باتريك موديانو في خطبة نوبل الأسبوع الماضي درسا بليغا حول الكتابة، وأعاد تذكير العالم بتلك السلالة النادرة من الكتّاب التي تعيش في الكتابة ولا تكتب لتعيش، أي تلك الفئة التي تختفي خلف أسوار العزلة لتصوغ منجزها الذي لا يستهدف مجدا أو مكانة، بل يساعد صاحبه في استدراج الحياة إلى اللغة، فقط لا غير.
يعلّمنا موديانو أن الروائيّ يأتي من الصّمت وهو أبعد الناس عن الكلام  حتى في اللحظات التي يضطرّ فيها إلى الخروج من الكتابة، كأن يفوز بجائزة نوبل ويجد نفسه مجبرا على مقاومة تلعثمه كطفل يتوقّع أنّ أحدهم سيوقف تدفّق كلماته بعد حين.
بل أنّ الكاتب سيستغرب لماذا مُنح جائزة الجوائز وهو الذي كان يعتقد أنّه يسير في الطريق الخطأ كلّما بدأ كتابة الصفحات الأولى من رواية ثم يشعر بعدم الرضا في نهايتها فيبحث عن التوازن في كتاب جديد.
ويعلّمنا موديانو أن الروائيّ أعمى لا يستطيع أن يكون قارئا لنفسه أو يرى أبعد مما هو فيه.
نعم، بين العمى  والصمت تنمو الكتابة حتى تصير غابة، تماما كما في حالة موديانو الذي يتساءل كيف ستعبّر الأجيال الجديدة أدبيّا في زمن توغّلت فيه الشبكات الاجتماعية إلى مناطق حميمة وسريّة كان يحتكرها الأدب؟
سؤال يخفي خوفا على مستقبل الأدب الذي خدمت سرعة وحرية النشر المتجاسرين عليه. وربما لن يكون الأمر مطروحا بحدّة في بلد  له تقاليده في  الكتابة والقراءة كفرنسا، لكن  الخوف سيكون  أشدّ هنا في أقاليمنا التي تعاني من فوضى ذهنيّة هي نتيجة التخلّف وضعف التعليم وغياب الديمقراطية  والفرز الذي  ينتج عن ثقافة الاستحقاق، حيث باتت تُنسب كل كتابة إلى عائلة الأدب دون الحاجة إلى التأكد من نسبها، تماما كما تُنسب الكثير من الأشياء  إلى غير آبائها وكما تظل أشياء كثيرة بلا نسب.
ولعل الدرس الأهم الذي نستخلصه من خطبة موديانو يتمحور حول الخدمة التي يوفرها الصمت للكتابة، طرح يتقاسمه الكاتب مع أكبر الروائيين في صورة ميلان كونديرا الذي لا يتكلم أبدا خارج الأدب،
 درس قد يكون مزعجا  لكتاب العصر والأوان الذين ما إن يكتب أحدهم رواية تُقرأ في سويعة حتى يملأ العالم بالصخب ولا يكتفي في “كلامه” بإعادة النظر في تاريخ الأدب بل يعيد، مشكورا، النظر في نواميس الكون.

سليم بوفنداسة

المزيد من الأعمدة

المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
الخروج من حُجرة الكتابة

خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو...

  • 06 ماي 2024
قطارُ الباطل

سلّطت الاحتجاجاتُ الطلابيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة الضوء على هيمنة اللّوبي الصهيوني على...

  • 29 أفريل 2024
صعلكة

  أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي...

  • 23 أفريل 2024
ضرورة التفكير في المجتمع

  سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا...

  • 16 أفريل 2024
المخفيّ

حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان...

  • 26 فبراير 2024
اختراق

شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة...

  • 19 فبراير 2024
خِفّـــة

يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي...

  • 12 فبراير 2024
وصفُ السّعادة!

تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في...

  • 05 فبراير 2024
القيمة والشّعار

يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك...

  • 01 جانفي 2024
كبارُ "الباعة"!

سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت...

  • 18 ديسمبر 2023
مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة...

  • 11 ديسمبر 2023
في وصف الشّر

تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح...

  • 04 ديسمبر 2023
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com