ليس حمداش وحده من يفتي في الأدب والسينما و في "كادنات"الحب بغير وجه حق، ففي كل موقع صار ثمة حمداش يفتي. مع فارق في الفتوى تقتضيه نجومية ضحاياها ومستهلكيها. ثمة من تصيبه الفتوى فيغادر وثمة من يستسلم وهناك من يصمت عن حكمة أو عن خوف و هناك من يقاوم. وثمة فتاوى تشتهر لأن الصحافة تتداولها وثمة فتاوى تظل طي الكتمان ويظل مطلقوها في منأى عن النقد أو الشتم لأنهم يكمنون كالأشباح في المفاصل والدهاليز.
تطلق الأحكام غير السديدة في مختلف المجالات لكن رياح الإثارة لا تحملها إلا إذا كانت بلباس ديني. لذلك يظهر حمداش ويختفي من يعادلونه في الشدة وقد يتفوّقون عليه في الدمار الصامت الذي يلحقونه بالمجتمع لأنهم لا ينشرون فتاويهم على الفايسبوك بل يغرسونها في الحياة وفوق ذلك يمتلكون أدوات تطبيقها.
أثر المفتي الظاهر زائل لكن أفعال المفتي الكامن لا تزول لأنها غير معلنة تماما كالأمراض القاتلة التي لا تفصح عن نفسها إلا حين تتمكن من فريستها.
ينمو "المفتي" في المناطق المظلمة، أي في المجتمعات التي لم تتوافق على نظام سير و ظلت تحتكم إلى أدوات بدائية في إدارة شؤونها، كالصراع والقتال وتعويض الشرعية الأرضية بالشرعية السماوية والهيمنة وغيرها....
في كل حقول حياتنا يجلس مفتي يحصّل العائدات ويسلّي الجمهور بيقينيّاته غير القابلة للمراجعة. و بالطبع فإنه غير معني بتقديم الحساب، لأنه جاء من تلقاء نفسه، أي ركب موجة ما حملته إلى مركز منبره ونسيته هناك، لذلك لم نراجع الفتاوى التي أفسدت نظام التعليم وتسببت في عطب وخراب الإنسان والفتاوى التي جعلت الاقتصاد الوطني قائما على الريع النفطي والفتاوى التي عطلت الاجتهاد والذكاء و أشعلت الخوف.
ليس المذكور أعلاه وحده من يفتي، ثمة فتاوى مستترة في حياتنا ولا يشير أحد إلى أصحابها لا بالأسماء ولا بالصفات.
سليم بوفنداسة