أصبح اسمها شائعا في كل اللغات، بلغت المجد في وقت قياسي وصار لها أتباع ومهتمون ومختصون في كل مكان. قفزت إلى الصفحات الأولى للجرائد ونطق اسمها ساسة العالم بألسنة معذبة. جذبت الكتاب وعرب الشبكات الاجتماعية. صارت صفة يطلقها الناس على بعضهم. صارت نجمة. أخذتها العزة، فباتت تطلب الأقاليم لنفسها وتشير للناس: اتبعوني.
تستدعي «الأمجاد» السحيقة في وصف نفسها وتدعي شرفا في السلالة مشهرة شجرة الأنساب التي يلجأ إليها الطغاة تعويضا عن شرعية تعوزهم. تشرب من نبع الأبوية وتستعين بالدين لاستدراج المعجبين. لا أحد يعرف من أين جاءت، وأحيانا تبدو – ككل الأساطير- غير موجودة.
يعرف صانعوها أن سرّ نجاحها يتمثل في بقائها على الألسن، بعد ذلك يسهل الحديث باسمها. النجومية صناعة برعت فيها المخابر الغربية فأطلقت بالونات كثيرة شغلت الناس لسنوات وسهلت عمليات توزيع الأوراق وإعادة النظر في الخرائط بين كبار المقامرين على مائدة العالم. ولن يجد الصانع صعوبة في إنهاء حياة النجم وقصة دفن «الشيخ أسامة» في البحر ليست ببعيدة. فلكل مرحلة نجمها المفضل وقد يورط الصانع بعبقريته الجمهور في المشاركة في الفيلم دون أن يدري، وذلك باستخدام آلة الميديا حصان المخابر الذي لا ضمير له.
وجودها في أيام العرب هذه، يخدم أطرافا كثيرة، أولها المستفيد الدائم من بقاء الحال على حالها، وثاني الأطراف أنظمة غريبة التركيبة تعيش خارج التاريخ و تحاول التكيف مع مناخ يفترض أنه لا يمكنها العيش فيه، والنتيجة أن العرب سيظلون مجرد مزودين للعالم بالطاقة ومستهلكين بالقوة لسلع الغرب وخردته ولا يبرعون سوى في الموت بصفتهم مدمنين على لعب دور الضحية.
والمريب في حكايتها أنها ظهرت مع محاولة اختراع الربيع الذي كانت الحاجة إليه قائمة والوسائل شحيحة تماما كما ظهرت شقيقاتها و رديفاتها في مفاصل هامة من تاريخنا لتعيدنا إلى الماضي المنقضي وتطفئ أحلام التحديث و الديموقراطية.
نعم، ليست «داعش» سوى التعبير المأساوي على استحالة دخول العرب إلى العصر الحديث.