لم يصب الحجر القاتل رأس إيبوسي فقط بل أصاب رؤوسا كثيرة، لكن الفتى الكاميروني وحده الذي مات.
سقطت الرأس الخطأ وخرجت الرؤوس الأخرى سالمة كالعادة وسوف تتحوّل المقتلة إلى مهرجان كلام، ثم يُنسى الحجر وتُنسى اليد العمياء التي أطلقته نحو الهدف الخطأ.
لقد كفت كرة القدم عن أن تكون لعبة في بلد تلعب فيه كل الناس وتضيق فيه مساحات اللعب، وتختل القواعد فيه فتتحول اللعبة إلى لعبة أخرى في غفلة عن اللاعبين والمتفرجين، تصير النوادي أحزابا سياسية مثلا، لأن الأحزاب كفت أن تكون أحزابا، يصير رؤساء الفرق زعماء مؤثرين لأنهم يمتلكون قاعدة جماهيرية يتحكمون في أهوائها ويصير الساسة رؤساء نوادي لأنهم يلعبون دون جمهور، تغلق مساحات اللعب و تتحول ملاعب الكرة إلى الفضاء الوحيد المتاح لعدد كبير من اللاعبين في مجتمع بدأت تنمو فيه النزعات البدائية فيلعب كلّ لعبته في هذا الفضاء الضيق.
نعم، تكاد الكرة تتحول إلى حياة بديلة للجزائريين في ظاهرة أدهشت المدربين الأجانب الذين اشتغلوا ببلادنا وتستدعي فحصا من علماء النفس وعلماء الاجتماع، حتى وإن كانت أعراض المرض تكشف أسبابه: أجيال مكبوتة لا تستطيع تفريغ حمولتها إلا في الملاعب أو خلال المنافسات الرياضية فتتصيّد المناسبات للاحتفال القاتل فرحا بفوز أو الغضب القاتل استياء من هزيمة.
والحل بسيط يتمثل في الفصل بين الكرة والسياسة واللهو: تمارس السياسة عن طريق أحزاب سياسية حقيقية تتقدم لنيل الاستحقاق من شعب حقيقي، تمارس الكرة بلاعبين حقيقيين في فرق حقيقية تتنافس في بطولة حقيقية يفوز بها الفريق الذي يجمع أكبر عدد من النقاط في الموسم أو منافسة كأس يفوز بها الفريق الذي فاز بكل مبارياته، يمارس اللهو في أماكن اللهو المعروفة عالميا. أي خلط في مهام المؤسسات سابقة الذكر قد يتسبب في ظهور هيئات هجينة، كتحول فريق إلى حزب أو تحول ملعب إلى كباريه.
وبعد
بلغ العنف مستويات مخيفة تؤشر إلى أنه أصبح من مكونات البنية الجزائرية، عنف ممارس وعنف كامن في الخطاب. ليس المشاغبون وحدهم يفعلون ذلك، «النخب» أيضا تقذف الحجارة