بلغ من «أسف» رشيد بوجدرة أنّه اعترف بسلاطة لسان سبّبت له الضرب في الصغر والأذى المعنوي في الكبر!
أنا هكذا. يقول. هكذا تربيت، ويعترف أنه حاول الاشتغال على نفسه لتغيير طبعه لكنه فشل في ذلك. لم يمتلك حيلة بطله محمد عديم اللقب، الذي «بلغ من حذره أنه تحايل دائما ألا يترك ظلّه منسحبا وراءه أيا كان موقع الشمس وأيا كانت الساعة». و يزيد على ذلك بالقول أن الغيرة تحرّكه، أحيانا، العبارة التي كان يطيب له ترديدها في «معركة الزقاق».
اعتراف كهذا، لن يصدر إلا عن رشيد بوجدرة الذي حوّل حياته نفسها إلى كتاب مفتوح، منذ أطلق في أواخر ستينيات القرن الماضي رائعة «الإنكار» الرواية العلامة في تاريخنا الأدبي.
لذلك وجب التريّث في نصب المشانق لهذا الكاتب، حتى وإن أصابت سلاطة لسانه أصدقاء تعودوا على ذلك قبل ظهور شبكات التواصل الاجتماعي وقبل تفريخ آلاف الكتّاب الذين يصدرون بسخاء أحكامهم النهائية في كل «حدث».
لقد صبر المعنيون على كاتب يعرفون جيّدا قيمة نصوصه، فأعرضوا عما يفعله خارج النص، لأن بوجدرة كاتب فحسب وليس رجل علاقات عامة، كما هو شأن الكثير من الكتاب، ولو كانت لنا تقاليد في المجال الأدبي لاستفاد من خدمات وكيل «يصون» صورته، فيحميه مثلا من الصحافيين الذين لم يقرأوا رواياته ويرتكبون أخطاء في كتابة عناوينها أو ينظرون إلى الأدب بعيون نجوم الإفتاء الذين يبحثون عن إثارة ترفع أسهمهم في البورصة ، ويحميه قبل ذلك من نفسه كي لا تشوّش تصريحاته على عبقريته. لكن مهنة الكاتب في بلادنا تضع صاحبها في مواقف محرجة في غياب اعتراف اجتماعي بها، لأننا لم نبلغ مرحلة الاعتراف بالكاتب، فيلجأ الإخوة والأخوات إلى تمثّل أدوار تضعهم في دائرة السكيزوفرينيا، أحيانا.
و رشيد بوجدرة من سلالة الكتاب الكبار الذين لن تعثـر عليهم إلا داخل نصوصهم، خصوصا حين يتعلّق الأمر بكاتب ظل سجين طفولته، وربما ذلك ما يفسر تصرفاته العفوية وردود أفعاله غير المحسوبة وصراحته الصادمة في الكثير من الأحيان.
ملاحظة
يحتاج، اليوم، رشيد بوجدرة إلى إعادة اكتشاف وقراءة باعتباره أكبر كاتب جزائري على قيد الحياة، عوض التنكيل به في تيلفزيونات «لا تعرف الأدب» أو تحويله إلى مادة للسخرية على شبكات التواصل الاجتماعي.
سليم بوفنداسة