يستعير «مثقفون» أدوات العنف من مجتمع ما بعد الإرهاب ومن حقل سياسي مأزوم، وهم يغذون الميديا بخطاب حقد يتخطّفه هواة يبحثون عن "البوز"، ويفقد كثيرون السيطرة على قواميسهم في منحدرات نقاش أخطر ما فيه نزعات إلغاء الآخر بالتقليل من شأنه ومن شأن منجزه، مع أن الساحة تتّسع للجميع، من أجاد ومن لم يجد ومن لم يجد بمثيله الزمان.
و قد يلتقي «المثقف» هنا مع حارق الغابة بحثا عن الفحم في هذا الصيف الساخن، من حيث الضرّر الكثير الذي يخلّفه إشعال النار وبؤس العائدات.
ولاشك أن كثـرة ارتداء مصطلح المثقف تسبّبت في لبس بشأن هويته وأدواره، فأن تبدع في فن ما أو في حقل من حقول المعرفة فإن ذلك لا يمنحك صفة مفتي الديار أو المرشد ولا يمنحك سلطة قاهرة تخضع بموجبها الغير إلى هواك، وأن تمارس مهنة اسمها الصحافة فذلك لا يمنحك الحق في أن تشتم الناس وتملي عليهم ما يجب فعله، خصوصا إذا كنت لا تتقن ما يجب عليك فعله، وأن تكون كاتبا جيدا فأنت لست منظرا اجتماعيا بالضرورة ولست خبيرا في العلاقات الدولية وقد تغيب عنك «معلومات» ضرورية تجعل من «إفاداتك» موضوع سخرية.
لقد اختلطت الصفات والوظائف في «غابتنا» المعذبة باحتمالات النار وأصبح أي كان يأتي ما يشاء متى استطاع إلى ذلك سبيلا. ومثلما يحتاج المجتمع في مثل هذه الحالات إلى عقد اجتماعي لتنظيم شؤونه كما درجت عليه التجمعات البشرية في خروجها من الحالات البدائية، يحتاج إلى نخب تثير النقاش الحقيقي وتسمي الحق حقا و كذلك تفعل مع الباطل، نخب تدفع نحو بناء الديمقراطية التي لن تستقيم حياتنا دونها.
قد نحتاج إلى دراسات انتربولوجية وسوسيولوجية وسيكولوجية لكشف مخزوننا الهائل من العنف والحد من تحوّله إلى طاقة متجددة، لكن انخراط فئات يفترض أنها واعية بما يختزنه لاوعينا الجمعي في إنتاج العنف وترويجه يثير المخاوف، ويحيل إلى بنية يتطلب تغييرها الكثير من الوقت.
ملاحظة
أيها الفحّام إنك تمارس بإلغاء الآخرين رمزيا نفس الرياضة التي مارسها الذين حاولوا احراقك.
سليم بوفنداسة