الأربعاء 27 نوفمبر 2024 الموافق لـ 25 جمادى الأولى 1446
Accueil Top Pub

نحيب أبوقراط

يكاد الموت يصبح الإشارة الوحيدة الملفتة إلى ظواهر «عريقة» في حياتنا، لأننا ببساطة ننتمي إلى منظومة اجتماعية لا تستعين بالمعرفة في تدبير شؤونها ولا تنزع نخبتها إلى دراسة المحيط و تعتمد صناعة القرار فيها على ردّ الفعل، بعد أن يقع الفعل الذي كان يمكن ردّه.
فافتقاد مستشفياتنا إلى «الإنسانية» سبق موت سعيدة بسنوات طويلة، رغم أننا بنيْنا المستشفيات في كل ربوع البلاد الشاسعة ورغم أننا ننفق ملايير الدولارات سنويا على المنظومة الصحية التي تعدّ إحدى عناوين الدولة الاجتماعية التي تصرّ على إبقاء العلاج بالمجان، لكننا لم نفلح، على ما يبدو، في بناء الإنسان المؤهل لشغل الفضاء الصحي، رغم مجانية التعليم والتكوين التي وفرت للأطباء وأشباههم!
و قد تداولت الصحافة قصصا غريبة عن الإهمال والتقصير والبيروقراطية في مؤسسات كان يفترض أن تتوفر على منسوب من الإنسانية لأنها تتعامل مع أشخاص في وضعيات هشة، وكرّر مسؤولون متعاقبون الحديث عن «أنسنة» أخذت في التراجع بمرور الوقت، وربما كانت تربة السجون أخصب من تربة المصحات لزرع هذا المصطلح الظريف.
في الدول المتطورة، عادة ما تكون الفضاءات الصحية مواضيع دراسات وبحوث سوسيولوجية ونفسية وحتى موضوعا للفلسفة والتفكير السياسي، لأن التقدم يقاس أيضا برفع معدلات الحياة وخفض معدلات الأمراض والإجراءات الوقائية التي يتم وضعها لحماية المواطنين.
 وبالرغم من جهود الجزائر الكبيرة في حربها ضد الأمراض والأوبئة، إلا أن ذلك لا يمنع من الإشارة إلى اختلالات مرتبطة بتسيير القطاع ومراقبته وأخرى ذات أبعاد سوسيولوجية  ونفسية مرتبطة بالبنى العشائرية التي ترفض النظام الذي تقترحه المؤسسة وبالنظرة إلى المهنة كامتياز اجتماعي ثم كسلّم ارتقاء وتربّح. فحين ينصب أستاذ في الطب تمثالا له في مكتبه بمستشفى جامعي، و حين يحوّل أستاذ آخر مكتبه إلى فضاء للتسلية والسمر، وحين يهرّب جرّاح  مرضاه الفقراء إلى العيادات الخاصة، وحين يركز مدير اهتمامه على صفقات اللحم  وينسى وضعية المرضى، فإن الأمر يحيل إلى مرض خطير تصبح معه «الإنسانية» المنشودة ترفا. مرض لا ينفع معه الردع الضروري في مثل هذه الحالات، وحده، بل يدفع إلى إعادة النظر في أساليب تكوين المنتدبين للسهر على صحتنا، و إلى إعادة تعريف الخدمة العمومية، وربما أبعد من ذلك إلى إعادة النظر في «العقد الاجتماعي» لأن حالات نضوب «الإنسانية» تؤشر في الكثير من الأحيان إلى انفراطه.
سليم بوفنداسة

 

المزيد من الأعمدة

صوتُ الحياة

شاخ الوقتُ حولها لكنّها ظلّت في مقتبل الصّبا تسقي الدهشة وتشيعها، لأنّ المنادي الذي نادى النّاس...

  • 25 نوفمبر 2024
المُنمركون !

يصعبُ توقّع ما ستكون عليه الحياة بعد سنوات قليلة، نتيجة التدخّل المفرط للتكنولوجيا فيها، الذي لا...

  • 18 نوفمبر 2024
لا تلوموا أسامة!

يطرحُ الإقبال "غير المتوقّع" على الكاتب السعودي أسامة المسلم في صالون الجزائر الدولي للكتاب،...

  • 11 نوفمبر 2024
«لأسبابٍ سياسيّة» !

قبل سويعات من الكشف عن الفائز بجائزة الغونكور، أمس، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ناشرٍ قوله، إن...

  • 04 نوفمبر 2024
الصّورة و النّص

عاش كاتب ياسين حياةً قليلة وبسيطة، عانى فيها من "سوء الفهم" و الأسطرة، فضلا عن الجدل الذي لم يفتر...

  • 28 أكتوير 2024
المُستريحون

تُخفي الفرحةُ بموت أحدٍ، حالة قهرٍ عاشها الفَرِحُ في وجود الرّاحل الذي حقّقت ميتتُه زوال غمٍّ،...

  • 21 أكتوير 2024
طفولــة

سليم بوفنداسة ينشغلُ عددٌ غير قليل من الجزائريين بنظرة الآخر التي تتحوّل إلى مصدر فخرٍ أو سبب...

  • 15 أكتوير 2024
ضرورة الفرز

سليم بوفنداسة لا يواجه الأدب الجزائري مشاكل في التلقي فحسب بل يواجه أيضًا مشاكل في الكتابة...

  • 01 أكتوير 2024
سُقــــوط

سليم بوفنداسة فرضت ثقافة السّوق التي تهيمن على عالمنا المعاصر نمطًا جديدًا من النّخب، تنتجه...

  • 24 سبتمبر 2024
حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
الخروج من حُجرة الكتابة

خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو...

  • 06 ماي 2024
قطارُ الباطل

سلّطت الاحتجاجاتُ الطلابيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة الضوء على هيمنة اللّوبي الصهيوني على...

  • 29 أفريل 2024
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com