يُثير التهافتُ على القوائم الانتخابية، هذه الأيام وككلّ مرّة، أسئلة عن مفهوم العمل السيّاسي لدى ممارسيه والوافدين عليه وعن دوافع “القتال من أجل الترشّح” الذي يشتدُّ في الانتخابات التشريعية ويفقد شدّته في المحليات، إذ نحتاج إلى فهم سرّ “الرّغبة” في الترشّح ، خصوصًا حين نجد بين المُسْتَثارين الأستاذ الجامعيّ والصناعيّ والمقاول والمعلّم والبطال والمهندس والطبيب المختص في الوقت نفسه!
وإذا كانت الأرقام المقدمة عن المستوى التعليمي للمترشحين للانتخابات المحليّة قد صدمت معلّقين في الصحافة وشبكات التواصل الاجتماعي وجعلتهم يستغربون كيف يتقدّم محدود مستوى لخدمة الشعب في البلدية أو المجلس الولائي، فإن مستوى أصحاب الشهادات يبدو صادماً أيضا، فكيف تقع الإثارة وكيف تنمو رغبة طبيب عظام في البرلمان وكيف يحدث ذلك لأستاذ كيمياء، وما الذي يريد أن يفعله أستاذ البلاغة في البلدية وأستاذ التاريخ في المجلس الولائي، والأمر هنا لا يتعلّق بتحريم السياسة على هذه الفئة التي تعدّ من نخبة المجتمع ولا بدعوة إلى مراجعة حق، لكن التساؤل يستمدّ مشروعيته من محاولة حالات ممّن سبق ذكرهم، مع كلّ التبجيل، ممارسة السياسة لأغراض غير سياسية في الهزيع الأخير، أي كاستراحة من مسيرة حافلة بأشياء أخرى ، فيما تسعى فئات أخرى قادمة من عالم المال إلى البحث عن نفوذ أو حصانة أو تعزيز مكانة باقتحام العمل السياسي.
قد تحتاج مقاربة هذه المشكلة إلى دراسات عميقة عن النخب والمؤسسات السياسية في الجزائر، لكن بعض الظواهر أصبحت واضحة وتُؤشِّر إلى فهم «مشؤوم» للعمل السياسي الذي قد يصبح ملجأً لهارب أو مقصدًا لراغب في التربّح،
في وقت تحتاج فيه البلاد إلى طاقات مُؤهلة قادرة على التصدّي للمشاكل المعقّدة بأدوات عصرّية وعن رغبة حقيقيّة وتمرّس في العمل السياسي، حاجة لا تُسقط أصحاب الاختصاص والخبرة، إذا احترمت قواعد العمل السياسي المعروفة عالميا، أما أن «تقفز» فجأة لتمارس مهمة لها أثرها على حياة الناس ومستقبل الحواضر و المداشر وأنت غير مؤهل لذلك، فإن ذلك من علامات خراب العمران كما قال جدّك عبد الرحمان.
سليم بوفنداسة