يعد وادي بني عزة من أهم الوديان التي تعبر مدينة البليدة، وتحوّل هذا الوادي مع التوسع العمراني وانتشار البنايات الفوضوية إلى نقطة سوداء تهدد السكان بسبب خطر الفيضان، إلى جانب ذلك تحوّل هذا الوادي الذي أكدت وزارة الصحة مؤخرا بأنه مصدر الكوليرا إلى مصب للمياه القذرة والنفايات المنزلية والصناعية، خاصة على مستوى حي خزرونة، مما يشكل خطورة أكبر على الصحة العمومية.
روبورتاج: نورالدين عراب
وينطلق هذا الوادي من أعالي جبال الأطلس البليدي، مرورا بحي بن عاشور الذي تتواجد أغلب سكناته في منحدرات وتفتقد لقنوات الصرف الصحي، كما لا تصلها شاحنات رفع القمامة، إلى جانب ذلك يعرف حي بن عاشور انتشار البنايات الفوضوية، وتحول بذلك وادي بني عزة إلى مصب للنفايات المنزلية، والمياه القذرة، ثم يمر الوادي بمحاذاة ملعب مصطفى تشاكر، وحي 1000مسكن بأولاد يعيش، ثم حي خزرونة ببني مراد، وبلدية بني تامو وبن خليل ليربط بوادي مزفران، وحسب أرقام مديرية الري بولاية البليدة فإن طول الوادي يقدر بـ8.33كيلومترا، وعرضه 11.80مترا، أما محيط حوض الوادي فيقدر بـ20.51كيلومتر، وصنفت مديرية الري بالولاية هذا الوادي ضمن النقاط السوداء بالولاية التي تشكل خطرا على سكان منطقة البليدة الكبرى.
عائلات فرّت من الإرهاب لتستقر في حواف الوادي
استغلت عشرات العائلات في منتصف التسعينات التي هربت من جحيم الإرهاب بالولايات المجاورة كعين الدفلى، المدية، تيسمسيلت، من المساحات المحاذية لوادي بني عزة لتشييد بناءات فوضوية، وشهدت هذه البنايات تزايدا حتى خلال السنوات الأخيرة ليتم استغلال كل الأراضي المحيطة بالوادي، ومحاذاة السكة الحديدية إلى غاية المنطقة الصناعية ببن بوالعيد وحي الرامول بسيدي عبد القادر، كما صاحب الانتشار الكبير للبنايات الفوضوية تدهورا في المحيط، بحيث لم تجد هذه العائلات سوى وادي بني عزة لرمي النفايات، وفي نفس الوقت وضعت العديد من العائلات التي شيدت بناءات فوضوية خاصة بمحاذاة الوادي قنوات للصرف الصحي تصب في الوادي،أما باقي العائلات فتلجأ إلى الحفر التقليدية التي تشكل هي الأخرى خطرا كبيرا على السكان.
وتقضي حوالي 150عائلة ما يقارب20 سنة بهذا الحي الفوضوي، وبالرغم من مطالب الترحيل ووعود السلطات المحلية، إلا أن الوضع مستمر على حاله، ولجأ السكان مرات عديدة لغلق خط السكة الحديدية والطريق المؤدي لبني مراد وبني تامو للمطالبة بترحيلهم، إلا أن السلطات لم تستجب لمطالبهم، وكانت السلطات المحلية قد لجأت إلى إحصاء العائلات التي استوطنت في نهاية التسعينات قصد ترحيلها، وبلغ عددهم حوالي 150 عائلة، في حين الأوضاع تعقدت بعد تشييد عشرات السكنات الأخرى، بحيث يتجاوز عددها حاليا 400عائلة، وبعض المساكن شيدت حديثا، وتذكر مصادر من الحي بأن بعض العصابات تستغل غياب السلطات وأجهزة الرقابة، وتبني سكنات فوضوية وتعرضها للبيع بمبالغ تتراوح ما بين 20و50مليون سنتيم لعائلات أخرى، بعد أن تقدم لها وعود بإدراجها ضمن قوائم المرحلين إلى سكنات اجتماعية ، والأغرب أمام كل ذلك أن البنايات الفوضوية وصلت إلى جدران الشركات بالمنطقة الصناعية ببن بوالعيد، كما تم تشييد عدد من البنايات الفوضوية فوق جسر سيدي عبد القادر المؤدي إلى بني تامو وبني مراد.
ويعد ملف هذه البنايات الفوضوية بحي خزرونة من الملفات الشائكة التي لم يتمكن جل الولاة المتعاقبين على الولاية خلال العقدين الماضين من حلها، ويذكر مصدر مسؤول بالولاية بأن وال سابق أرسل لجنة إلى الحي الفوضوي المذكور التي أعدت تقريرها حوله، وأرسل الملف كاملا إلى الحكومة للنظر فيه بعد أن تعذر حله على المستوى المحلي، خاصة وأن أكثر من نصف هذه البنايات الفوضوية حديثة وغير معنية بالإحصاء الذي مس السكان الفوضويين بالحي، وبذلك فإن عملية الترحيل تكون معقدة كونها لن تشمل عشرات العائلات التي شيدت سكنات حديثة والتي يقدر عددها بأكثر من 200عائلة.
منازل على بعد مترين من الوادي
ما يميز هذا الحي الفوضوي الواقع بمحاذاة وادي بني عزة هو الانتشار الواسع للنفايات والروائح الكريهة المنبعثة من الوادي الذي تصب فيه المياه القذرة، وتحولت الأوساخ والقاذورات إلى جزء من حياتهم ويومياتهم، كما لا يجد الأطفال من فضاءات للعب سوى القاذورات، ويذكر أحد سكان الحي الفوضوي بأن النفايات هي جزء من يومياتهم، ويؤكد نفس المتحدث بأن نفايات المنازل ومياه الصرف الصحي يتم صبها في الوادي، والعديد من هذه العائلات أبواب منازلها لا تبعد سوى مترين فقط على حافة الوادي، كما يضيف بأن أبناءهم يلعبون في محيط غير نظيف، ويذكر مواطن آخر بأن ظهور الكوليرا بهذا الحي الفوضوي يرجح أن يكون سببه النفايات والمياه القذرة التي تعبر الوادي الذي يوجد على بعد أمتار قليلة من السكان.
وفي نفس الوقت يعاني سكان هذا الحي الفوضوي من خطر فيضان الوادي، بحيث كثيرا ما تتسرب المياه إلى المنازل المحاذية للوادي خاصة في الفترات التي تشهد أمطارا غزيرة، ويستنجد السكان بمصالح الحماية المدنية لامتصاص المياه من منازلهم الفوضوية.
برنامج استعجالي لتحويل بني عزة إلى منتزه
كشف والي البليدة بالنيابة رابح آيت حسين عن اتخاذ عدة إجراءات استعجالية لتطهير الوادي وتنظيفه، وتحويله إلى منتزه للعائلات بعد تحديد وزارة الصحة بأن هذا الوادي كان مصدرا لظهور الكوليرا، كما ذكر بأن الوادي سيتم تحويله إلى منتزه، وتجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أن مصالح مديرية الري بالولاية وفق مصدر مسؤول كانت قد قدمت دراسة في سنة 2016 لتهيئة هذا الوادي، إلا أن المشروع لم يأخذ بعين الاعتبار بسبب الوضع المالي للبلد، ليتم تهيئة وتغطية جزء الوادي المحاذي لملعب مصطفى تشاكر فقط، في حين بعد أن تحول هذا الوادي إلى مصدر لظهور الكوليرا قررت السلطات المحلية تخصيص برنامج استعجالي لتهيئة وتنظيف الوادي، وفي السياق ذاته أطلق الديوان الوطني للتطهير بالولاية حملة واسعة لتنظيف وتطهير كل الوديان بالولاية لتفادي انتشار الكوليرا وأمراض أخرى متنقلة.
بناءات فوضوية جديدة استعدادا لعملية ترحيل متوقّعة
لجأ بعض المواطنين خلال الأيام الأخيرة إلى تشييد بناءات فوضوية جديدة على حافة خط السكة الحديدية وسيدي عبد القادر أملا في الحصول على سكن اجتماعي بعد تأكيد وزارة الصحة بأن وادي بني عزة مصدر الكوليرا، وما تبع ذلك من تصريحات والي البليدة بالنيابة بأن الوادي سيتم تهيئته وتنظيفه، في حين لم يصرح الوالي بالنيابة بأن السكان سيتم ترحيلهم، إلا أن القاطنين بهذه البنايات فهموا من تصريحات الوالي بالنيابة بأن تهيئة الوادي يتطلب ترحيلهم إلى سكنات اجتماعية جديدة، لهذا سارعت بعض العائلات إلى تشييد بناءات فوضوية جديدة وتندس وسط السكان حتى تشملها عملية الترحيل.
وفي هذا الإطار حذر بعض سكان مدينة البليدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي من ترحيل كل سكان الحي القصديري، خاصة غير المعنيين بالإحصاء، وأكد هؤلاء بأن عدد من العائلات المقيمة محتالة وتملك سكنات بالولايات المجاورة وتندس وسط سكان الحي الفوضوي للحصول على سكن آخر، وهو ما حدث أثناء ترحيل سكان الحي الفوضوي بسيدي عبد القادر منذ سنوات، بحيث عدد من المرحلين قاموا ببيع سكناتهم مباشرة بعد الاستفادة منها، كما طالب سكان المدينة بالنظر في حالات مئات العائلات المحتاجة للسكن الاجتماعي والتي لا تقيم في سكنات فوضوية.
ن ع