تدهور النشاط التجاري على مستوى السوق الشعبي «رحبة الجمال» في وسط مدينة قسنطينة، بعد أن كان يمثل أهم وأكبر قبلة للمواطنين منذ عدة سنوات، لكن مع الترحيل المتكرر لسكان المدينة القديمة إلى الأقطاب الحضرية الجديدة بعلي منجلي
و ماسينيسا، و فتح مراكز تجارية كبرى بها، أصبحت محلات «الرحبة» شبه خالية من الزبائن، باستثناء التي يختص أصحابها في بيع الهواتف و طبق الحمص، كما أثرت حالة هذه السوق اليومية التي تعثرت عملية ترميمها في النشاط، بسبب طرقاتها المتهرئة والأوساخ المنتشرة بها.
روبورتاج : حاتم بن كحول
وتشهد منطقة رحبة الجمال هجرة و عزوفا للزبائن منذ حوالي سنتين، بعد أن كانت القلب النابض في وسط مدينة قسنطينة، وهذا بعد سلسلة عمليات إعادة الإسكان التي كان آخرها في الخامس جويلية المنصرم، إضافة إلى حالة الفوضى التي يعرفها هذا المكان الذي بدأنا جولتنا فيه من المدخل المتاخم للمسرح الجهوي و البريد المركزي، حيث يظن كل أجنبي أن أمرا خطيرا حدث و جعل كل ذلك العدد من المواطنين يجتمعون في مكان واحد، ولكن مع الاقتراب شيئا فشيئا يتبين أن الأمر يتعلق بسوق فوضي لبيع الهواتف النقالة ومختلف اللوحات الالكترونية.
محلات شاغرة و أرصفة عامرة بالباعة
دخولنا للسوق كان صعبا، على غرار ما يواجهه كل المواطنين الذين يتوافدون عليه يوميا، لكن بعد التخلص من الازدحام و تمكننا من بلوغ المكان، لفت انتباهنا عدد الطاولات الموضوعة على الأرضيات والتي تستغل لبيع مختلف الألبسة والأحذية، كما وجدنا أشخاصا يحملون بعض المنتجات المتمثلة في ألبسة و حقائب رياضية وغيرها، ومجموعة أخرى تعرض الهواتف النقالة ، إضافة إلى آخرين كانوا يبيعون سلاسل فضية و حتى ذهبية.
توغلنا نحو الداخل ووجدنا محلات تكاد لا ترى من كثرة البائعين الفوضويين، سواء الواقفين أو أصحاب الطاولات الموضوعة على الأرض ، و قد شد انتباهنا أن متاجر بيع الألبسة شاغرة، فدفعنا الفضول للحديث مع صاحب محل، أخبرنا أن المكان أصبح لا يطاق ، حيث اشتكى من مدخل السوق الذي يكون مكتظا بالباعة الفوضويين وهو ما من شأنه يؤثر على توافد الزبائن، كما تحدث عن وضعية الطريق والأرصفة المتدهورة، التي تتشكل بها السيول في فصل الشتاء بعد تهاطل الأمطار.
و ذكر محدثنا أن نشاطه التجاري تراجع بنسبة 80 بالمائة مقارنة بما كان عليه سابقا، رغم ما هو معروض هذا في وقت قام فيه بعدة تخفيضات، لكن العرض بقي، حسبه، أكبر بكثير من الطلب، ما يجعل جل سلعه تبقى حبيسة الخزائن، وبالتالي تصبح عبارة عن ألبسة قديمة بعد فترة زمنية.
إقبال على بيع وتصليح الهواتف
تنقلنا بعدها لمحل مجاور ، يزاول صاحبه عمله في هذا السوق منذ 10 سنوات، حيث أوضح أنه وبقية التجار، سمعوا فقط بخبر إعادة ترميم هذا المكان وكان ذلك في إطار تحضيرات تظاهرة قسنطينة عاصمة للثقافة العربية، ولكن دون جديد يذكر، مضيفا أنه اضطر شخصيا لإعادة ترميم جزء من الرصيف المحاذي لمحله، بعد تحوله لمكان تتسرب منه مياه الصرف الصحي، كما ذكر أن فتح المراكز التجارية في المدينة الجديدة علي منجلي، مع ترحيل أغلب أحياء قسنطينة إلى هناك، أدى إلى تدهور عملية البيع، و قال إن أكبر عائق أمام الزبائن، هو المدخل المكتظ بالباعة الفوضويين.
بعد حديثنا مع بعض أصحاب محلات بيع الألبسة، توجهنا نحو محلات الهواتف النقالة، و أهم ما لاحظناه هنا هو التواجد الكثيف للزبائن وبكل المحلات، حيث يعرف ما يسمى «الغار» حركية كبيرة، و قد أكد لنا أحد تجار الهواتف أن محله يقصده المئات من الزبائن يوميا، من أجل شراء وخاصة إصلاح أجهزتهم، مضيفا أن سبب هذا الإقبال الكبير، هو تخصص أصحابها وتوفير كل القطع الضرورية لإعادة إصلاح الهواتف وبأسعار في متناول الجميع، و بعدها دخلنا إلى مقهى قديم ينشط منذ مدة، حيث لم يكن مزدحما لكن ما يميزه هو توفر بعض المأكولات و العجائن التقليدية مثل «الكسرة».
«البازار» يتحوّل لبناية مهجورة
خرجنا من المكان المخصص لبيع وإصلاح الهواتف، وتنقلنا إلى مركز لبيع الألبسة في الجهة الشمالية أو ما يسمى «البازار»، وأثناء طريقنا لاحظنا خلو الشارع المؤدي إليه، بعد أن كان في سنوات ماضية مكتظا عن آخره بالمارة، وصلنا إلى المدخل ولفت انتباهنا صاحب مقهى يضع رجلا على رجلا وهو يشاهد التلفاز، وذلك نتيجة خلو المكان من الزبائن، ثم التفتنا للجهة المقابلة فلاحظنا أن نشاط أحد المحلات تغير من بيع الألبسة إلى بيع العطور، بعدها صعدنا السلالم للحديث مع أصحاب بعض المتاجر، ولكن كلها كانت مغلقة باستثناء محلين، رغم أن ذلك تصادف مع صباح يوم السبت.
لا وجود للزبائن رغم التخفيضات!
توجهنا للحديث مع صاحب أحد المحلين ، و سألناه عن سبب غلق كل تلك المتاجر بعدما كانت القبلة المفضلة للعديد من سكان قسنطينة، فرد بحسرة كبيرة بأن التجار تركوا المكان لأن النشاط التجاري يكاد أن يكون منعدما، مضيفا أن السلعة التي يملكها أفضل من تلك التي تباع في معظم المراكز التجارية في علي منجلي لأنه يقوم بعرض منتجات أصلية، على حد قوله.
و أضاف التاجر أنه يقوم بكراء المحل مضطرا ، لأنه لا يملك بديلا آخر ، خاصة وأن ثمن الإيجار في المراكز التجارية باهظ جدا، موضحا أن عملية البيع متوقفة على مستوى «البازار» سواء في فصل الشتاء أو الصيف، أما عن الأسعار فقد أوضح أنه تعمد تخفيضها ولكن ذلك لم يجلب له زبائن، على غرار أحذية كانت قيمتها 6000 دج واضطر لتخفيض ثمنها إلى 4500 دج.
الحمص و البيتزا يحفظان ماء الوجه
أثناء عودتنا لنقطة البداية سلكنا طريق المطاعم التي ساهمت بقسط كبير في شعبية وشهرة رحبة الجمال، وما أثار انتباهنا هو الإقبال الكبير للزبائن عليها، وذلك من أجل تناول الحمص القسنطيني، وهو ما يحفظ حاليا ماء وجه هذا المكان، فرغم عزوف الزبائن عن محلات الألبسة إلا أن مطاعم بيع الحمص و الفاصوليا تعرف حركية كبيرة، بل تعد مركز تجمع الزبائن الذين ينتظرون دورهم للدخول، رغم ضيقها.
كما يشهد محل بيع «البوراك» إقبالا كبيرا هو الآخر، لنصل إلى أشهر بائع للبيتزا في المنطقة، حيث سمعنا صيحاته الشهيرة من بعيد والتي يعرفها كل سكان قسنطينة، لنتفاجأ من عدد الزبائن الذين كانوا يلتفون حوله وكأنه خلية نحل، وقبل وصولنا بثوان أنهى كل السلعة المخصصة للفترة الصباحية، ليعود في الظهيرة لجلب مربعات «البيتزا» المخصصة للمساء.
و قد كانت وزيرة الثقافة السابقة نادية لعبيدي، قد أعلنت لدى زيارتها إلى «رحبة الجمال» في شهر ديسمبر من سنة 2014، بمناسبة التحضير لتظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، عن بعث مشروع لترميم الفندقين اللذين يضمان حوالي 170 تاجرا نظرا لوضعيتهما المتدهورة، بالإضافة إلى إعادة تأهيل ساحة بن حمادي، حيث وعدت حينها بتحويل المكان إلى معلم سياحي مفتوح من شأنه أن يصبح قبلة للسياح، فتم تعيين مكتب دراسات محلي للانطلاق في الترميم، بالشراكة مع الإسبان، غير أن المشروع عرف تعثرا ، ولم يطرأ أي جديد عليه منذ 4 سنوات، فيما تساءل التجار وقتها عن طريقة التعويضات التي أعلنت عنها لعبيدي.
حاتم/ب