نسبة المواليد في الجزائر في مستواها الطبيعي وتحصين لشيخوخة المجتمع
هوَن مختصون من الضجة الإعلامية التي رافقت نشر الدراسة التي أنجزتها مديرية الصحة بوزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات والتي تضمنت إحصائيات تتعلق بالنمو الديموغرافي في الجزائر والذي سيصل ل 72,4 مليون نسمة في غضون 2050، بينما بلغت مع بداية السنة الجارية 42,2 مليون نسمة، وهذا ما جعل الجميع يدق ناقوس الخطر خاصة في ظل الوضع الإقتصادي والمالي والتنموي الذي تعيشه الجزائر. و يقول مختصون التقت بهم النصر، إن الإشكال ليس في عدد الولادات التي اعتبروها عادية لضمان تواصل الفئة النشيطة في المجتمع، بل يكمن في عدم مواكبة النمو الإقتصادي للنمو الديموغرافي، رغم أنهم أرجعوا هذا الأخير لتحسن المستوى المعيشي للسكان بفضل توفر السكن الذي سمح للشباب بالزواج والإنجاب، وكذا إنتعاش دخل الأسرة وغيرها من العوامل التي جاءت منذ بداية الألفية الثالثة.
بن ودان خيرة
و ذكر محدثونا أن النمو الاقتصادي لم يواكب السيرورة الديموغرافية، رغم مجهودات الدولة في تسهيل حصول الشباب على قروض لإنجاز مشاريع بفضل مختلف الصيغ والإستثمار، وفتح عدة مجالات لتطوير الصناعة وإستغلال الموارد الطبيعية في ترقية الإنتاج الوطني، لكن يبدو أن العثـرات التي واجهت هذا النشاط الإقتصادي حالت دون مواكبته للنمو الديموغرافي الذي يعتبر عاديا وفق ما رصدناه، وأشار محدثونا الى أنه مع تجسيد المشاريع الجاري إنجازها حاليا وتحقيق الإستثمارات سيسمح بالتوازن مع النمو الديموغرافي.
الدكتور محمدي ميلود رئيس مصلحة السكان لدى مديرية الصحة بوهران
ارتفاع الولادات مؤشر مقبول لضمان الفئة النشيطة في المجتمع مستقبلا
* 3,1 بالمائة معدل عدد الأطفال في الأسرة الجزائرية حاليا
إعتبر الدكتور محمدي ميلود رئيس مصلحة السكان بمديرية الصحة بوهران، أنه يجب تحقيق توازن بين النمو الديموغرافي والنمو الإقتصادي كي ينعم المجتمع بحياة متوازنة أيضا ويتم خاصة المحافظة على الفئة النشيطة في مستوى مقبول وهي الفئة التي تعمل حتى لا يشيخ المجتمع وتتراوح الفئة العمرية لها ما بين 15 و59 سنة، وعليه فإنه في الجزائر حاليا يقدر معدل عدد الأطفال في الأسرة الواحدة ب 3,1 بالمائة، وهي نسبة مقبولة وفق المتحدث لتضمن تواصل إرتفاع نسبة الفئة النشيطة خلال السنوات المقبلة، وعليه فإن إرتفاع عدد المواليد الجدد في الجزائر حاليا مؤشر مقبول يجب أن يرافقه نمو إقتصادي كي يتحقق التوازن، وهذا ما هو متوقع مع المشاريع المتعددة التي هي قيد الإنجاز.
أوضح الدكتور محمدي ميلود رئيس مصلحة السكان بمديرية الصحة بوهران في لقاء مع النصر، أن عدد الولادات بالجزائر إنتقل خلال السنوات الماضية من 800 ألف مولود جديد سنويا إلى حوالي 1,2 مليون ولادة جديدة، و 41 ألف ولادة جديدة سنويا بوهران وهي نسبة تعد من أعلى النسب وطنيا، إلى النقلة النوعية التي عرفها المجتمع إقتصاديا وإجتماعيا، بفضل البرامج التنموية التي أقرها رئيس الجمهورية، من السكن وتحسن الدخل الشهري للعمال وغيرها، وهو العدد الذي يعكس معدل ب 3 أطفال لكل أسرة، وهذا هو المطلوب حاليا مثلما أفاد المتحدث حتى تحافظ البلاد على الطبقة الشغيلة وهي الفئة الناشطة في المستقبل القريب، بما يتماشى والنمو الإقتصادي المتوخى من خلال البرامج الإستثمارية الموجودة، لأن إنخفاض عدد الولادات اليوم يعني وجود أزمة في اليد العاملة الشبابية مستقبلا ويشيخ المجتمع وتتولد عن الوضعية أزمات وصعوبات تنموية، وعليه فإن المحافظة حاليا على 3 أطفال لكل أسرة من شأنه تجسيد التوازن المجتمعي في إنتظار تسريع وتيرة النمو الإقتصادي، وفي هذا الصدد، قال الدكتور محمدي أنه يجب الحرص على تجسيد برنامج تنظيم النسل، للإبقاء على التوازن بين النمو الديمغرافي والإقتصادي، ومن جهة أخرى التقليص من عدد وفيات الرضع والمواليد الجدد، مشيرا في هذا الإطار بأنه خلال ال 5 سنوات الأخيرة سجلت مديرية الصحة بوهران نسبة ولادات قدرت ب 20 إلى 22 ولادة لكل 1000 ساكن، بينما الوفيات كانت 5 وفيات لكل 1000 ساكن.
كما أرجع محدثنا إرتفاع عدد المواليد الجدد، لتحسن الظروف المعيشية للسكان مما ساهم في رفع نسبة الزواج وإنخفاض سن الزواج إلى أقل من 30 سنة خاصة لدى بعض الفتيات وهذا ما يساعد على الإنجاب المتكرر، إلى جانب توفر السكن الذي يعتبر عاملا أساسيا في رفع عدد الزيجات وفي الإنجاب بإعتباره يوفر الراحة النفسية والفضاء المناسب لتربية الأطفال، وبالمقابل، قال أن معدل الوفاة في الستينات والسبعينات كان يتراوح ما بين 40 و60 سنة، أما خلال السنوات الأخيرة ارتفع ليعادل 70 و80 سنة، وهذا لتحسن عوامل المعيشة والبرامج الصحية المختلفة وإختفاء الكثير من الأمراض والأوبئة، بل ووفق الدكتور محمدي فقد ظهرت ما يسمى «أمراض الرفاهية» مثل السكري والسمنة والقلب، وهي ناجمة عن نمط الحياة الجديد المتميز بكثرة الأستهلاك واللجوء لبعض المنتوجات التي تؤدي لهذه الأمراض مثل الساندويتشات المرفوقة بصلصات متعددة، والإستهلاك المتواصل وتوفر السيارات الذي قضى على المشي وغيرها من عوامل الرفاهية.
ودائما فيما يتعلق بإرتفاع عدد الولادات، قال الدكتور محمدي أن حتى الأزواج الذين يعانون من صعوبة في الإنجاب أو عقم، توجد اليوم مراكز مختصة في علاج العقم والخصوبة وبفضلها أصبح كل الأزواج بإمكانهم الإنجاب إلا القليل جدا، وهذا ما ساهم أيضا في رفع عدد المواليد، كون شريحة العقم كانت تبقى على حالها لإنعدام العلاج في السنوات الماضية.
من جانب آخر، أفاد محدثنا أنه على مستوى لجنة السكان بوزارة الصحة والتي تضم عدة قطاعات، يتم التنسيق في العمل لتحقيق التوافق ما بين النمو الديمغرافي والنمو الإقتصادي والوضع الإجتماعي، مشيرا أن كل البرامج السكانية التي تضبطها مديريات الصحة تهدف أساسا للحفاظ على صحة المرأة وأساسا الصحة التناسلية، كون المرأة تعد النواة الأساسية للمجتمع، مبرزا أن العمل متواصل عبر وحدات حماية الطفولة والأمومة عبر الوطن من أجل التحسيس والتوعية وتقديم النصائح والمعلومات اللازمة وحتى الإرشادات للأزواج لضرورة تنظيم النسل حفاظا خاصة على صحة المرأة، ثم تحقيق التوازن المجتمعي.
الدكتورة في الديموغرافيا والباحثة في «كراسك» وهران بولفضاوي فاطمة الزهراء
«الولادات في بعض الولايات أدنى من المستوى الوطني»
ذهبت الدكتورة في الديموغرافيا بولفضاوي فاطمة الزهراء، لذات الرأي الذي سبق وأن أوضحه الدكتور محمدي والمتعلق بأن نسبة 3,1 بالمائة كمعدل لعدد الأطفال لدى الأسرة الواحدة، هو أمر عادي ونسبة مقبولة في فترة إنتقال الأجيال، وأرجعته لعدة عوامل منها تحسن الأوضاع المعيشية والتغطية الصحية المناسبة مما ساعد في إنخفاض الوفيات، مشيرة أن هذه النسبة كانت غداة الإستقلال في سنوات السبعينات 8,1 بالمائة مما أحدث حينها ما يسمى بالإنفجار الديموغرافي وإستدعى تسطير برنامج خاص شاركت فيه جميع الفعاليات من أجل تنظيم النسل، وأضافت أنه بفضل تكاثف الجهود إنخفضت النسبة لتصل في الفترة ما بين 1981 و1985، ل 5,3 بالمائة، خاصة وأن هذه الفترة أيضا شهدت عدة أزمات إقتصادية منها أزمة البطالة والسكن والمستوى المعيشي وغيرها، وبعد فترة العشرية السوداء، قالت الدكتورة أنه في فترة 2002، إنخفضت النسبة لتصل لمعدل الإحلال «أي المعدل المناسب للمجتمع» ب 2,2 بالمائة.
وعادت الباحثة بولفضاوي إلى سنة 1998، حيث قالت أن النسبة حسب العامل المكاني الجغرافي، وصلت لأدنى مستوياتها في بعض الولايات منها العاصمة 1,9 بالمائة بينما في عنابة و تيزي وزو بلغت 1,5 بالمائة، وبعد عشر سنوات، أي مع موعد الإحصاء السكاني سنة 2008، تباينت النسبة ما بين الولايات، حيث سجلت بجاية وتيزي وزو وعنابة نسبا منخفضة عن 2,1 بالمائة، أما بسكرة، المسيلة، الأغواط، غرداية، تيندوف وورقلة إضافة للجلفة، تمنراست وإيليزي، فسجلت إرتفاعا في الولادات فاقت 2,1 بالمائة، ومن أجل خلق توازن تنموي بين المناطق الجزائرية بما يخدم النمو الديموغرافي، أوصت الدكتورة بولفضاوي بأن تأخذ السلطات العليا العامل المكاني الجغرافي بعين الإعتبار في البرامج والمخططات التي لا يجب أن تتعامل مع الولايات بنفس الطريقة لأن المعطيات تختلف والبيئة أيضا.
وأكدت المتحدثة أن إرتفاع نسبة النمو الديموغرافي في الجزائر مازال ظرفيا وليس بنيويا، كما أنه يخضع لقرارات فردية تخص الأزواج وليس مثل بعض الدول أين تقرر الحكومات تحديد عدد المواليد للأسرة الواحدة عن طريق إجراءات قانونية، مركزة أيضا أن التركيبة المجتمعية الجزائرية والعادات والتقاليد والأعراف تساهم بشكل معين في الإبقاء على نسبة عدد الأطفال للأسرة الواحدة في حدود 2,1 بالمائة وهو المسمى بمعدل الإحلال أي نسبة ضمان الحفاظ على إنتقال الأجيال. أما من الناحية الأقتصادية، فأفادت أنه وفق الدراسة التي قامت بها، فإن الإختلال والتفاوت في نسبة عدد المواليد من منطقة لأخرى، يجب أن يدرس جيدا وبكل تفاصيله، حيث يجب أن تضبط سجلات المواليد الجدد في كل ولاية، لأن الولايات الكبرى غالبا ما تحول إليها عشرات الحوامل للولادة خاصة في الحالات الخطيرة والمستعصية وبالتالي يسجل المولود في سجل الولاية التي نقلت إليها والدته، وليس مقر سكناها مما يخلط حسابات التوازن التنموي.
للعلم، هذه المعطيات هي نتيجة بحث ميداني وأكاديمي لأطروحة دكتوراه حول «إنتقالية الخصوبة في المغرب العربي» والتي أنجزتها الدكترة بولفضاوي فاطمة الزهراء سنة 2016.