مرضــى ينامــون فـــوق الكـراســي بسبــب الضغــط
200 حالة تُستقبل يوميا من 6 ولايات
تعرف مصلحة أمراض الدم بالمستشفى الجامعي في قسنطينة، ضغطا كبيرا نتيجة توافد المرضى إليها من ست ولايات مجاورة، في الوقت الذي يشتكي فيه المرضى من «ضعف الرعاية ونقص في العديد من الأدوية الحيوية»، حيث يضطر العديد منهم أمام ضيق المكان إلى تلقي العلاج طيلة يوم كامل فوق الكراسي أو في أي زاوية منه، فيما يؤكد الطبيب الرئيس أن الطواقم الطبية لا تدخر أي جهد للتكفل بمئتي مريض يفدون يوميا، في ظل الإمكانيات المتوفرة، داعيا السلطات إلى ضرورة فتح مصلحتين جديدتين على الأقل.
تنقلت النصر صباح أمس الأول ، إلى مصلحة أمراض ونقل الدم بالمستشفى الجامعي الحكيم ابن باديس، حيث وقفت على وجود عدد كبير من المرضى ، الذين ضاقت بهم مختلف الأقسام ، لاسيما قسم المستشفى الصباحي الذي كان يعج بهم ، إذ لم يجد عدد منهم مكانا يجلس فيه حتى يتلقى العلاج المطلوب، وهو ما تسبب في حالة كبرى من الفوضى، فلا أحد يسألك عن سبب دخولك المكان أو يستفسر عن حاجتك حتى لو مكثت وقتا طويلا ، فالجميع كان منشغلا.
ما وقعت عليه أعيننا أول ما ولجنا قسم المستشفى الصباحي، رجل ظهرت على وجهه علامات المرض و أثر السنوات ، حيث أخبرنا باقتضاب أنه يتلقى علاج السرطان، إذ كان جالسا وتائها فوق كرسي، وبجانبه مريضة كبيرة في السن، كانت هي الأخرى تتلقى العلاج ، لكنها لا تستطيع النطق ببنت شفة من شدة الألم، حيث لم يكن أي مريض في تلك الغرفة الضيقة قادرا على النظر إلى الآخر، في حين كان شاب في العشرينيات يصرخ من الألم ، وغير واع بما يدور حوله ، رغم الفوضى التي كان يغرق فيها المكان.
«نعاني في صمت و على السلطات التدخل»
ولاحظنا بذات القسم، أنه يتوفر على أربعة أسرّة فقط، في حين كان بقية المرضى من الجنسين يجلسون فوق الكراسي المبعثرة في كل مكان ، و قد اضطر الأطباء وشبه الطبيون إلى تعليق أمصال العلاج بأيديهم ، في أماكن غير لائقة سواء على مستوى المأخذ الكهربائي أو حتى الأرض ، في مشاهد مؤثرة ، لكن الأطباء أكدوا أنهم يقومون بدورهم على أتم وجه وهو ما وقفنا عليه خلال معاينتنا، حيث كان الجميع يسابق الزمن ويعمل بنظام خلية نحل ، حتى يتم التكفل بالعدد الهائل للمرضى.
وقال ممثلون عن مرضى فقر الدم المنجلي و فقر دم الطلاسيميا الخاص ببلدان البحر الأبيض المتوسط للنصر»إننا نعاني في صمت، وعلى السلطات أن تلتفت إلى مآسينا فنحن نعاني من ألم الإهمال أكثر من ألم المرض»، و يضيف محدثونا أن المستشفيات الأخرى لا تستطيع التكفل بهم أو توفير الدم، أما المصلحة الوحيدة التي يعالجون بها، فأصبحت، حسبهم، غير قادرة على التكفل الأمثل بسبب الضغط الكبير الذي تعرفه.
و ذكر ممثلو المرضى أنهم رفعوا انشغالهم إلى الطبيب الرئيس، لكنه أجباهم أنه لا يملك سلطة اتخاذ القرار للقيام بأي إجراء، سوى العمل وفقا للإمكانيات المحدودة، كما ذكروا أنهم راسلوا الإدارة التي وعدت بالتكفل بمطالبهم، لكنهم مثلما أكدوا ، لم يلمسوا أي حلول جذرية ، بل تعمقت معاناتهم أكثر في ظل تزايد عدد المرضى القادمين من مختلف الولايات والمناطق المجاورة.
الظفر بسرير يتحوّل إلى حلم
وتحدث المرضى عن نقص الأدوية ، حيث أن دواء «ديسيرفال» الذي يمنع ترسب الحديد الفائض من عمليات نقل الدم في أعضاء كثيرة من الجسم، على غرار الكلى والبنكرياس، يقدم بكميات لا تكفي لإنهاء الترسبات ، مشيرين إلى أن غالبيتهم لا يحوزون على مضخات للدم ، والتي يبلغ سعرها قرابة 20 مليون سنتيم، ليطالبوا السلطات بالتدخل والتكفل بمختلف الحالات ، على غرار مرضى الهيموفيليا، حيث ذكروا أنه كان من المفروض إدخالهم للمصلحة بدل تركهم في المستشفى الصباحي لمدة 24 ساعة، لاسيما وأنهم معرضون للالتهابات.
وذكر أحد المرضى أن الظفر بسرير أو كرسي أصبح حلما لغالبية الوافدين، بسبب الضغط الكبير الذي تعرفه المصلحة، حيث قال إنه طالما تعرض لأزمات حادة وآلام كبيرة، لكنه يصطدم بالعشرات من المرضى قبله ، ما يضطره إلى الانتظار لتلقي العلاج ، كما أنه جلس مرغما فوق كراسي جمعها ببعضها و وضع بينها فراشا ، إلى أن تم إيجاد مكان له بعد مغادرة إحدى الحالات ، مشيرا إلى أنه تنقل إلى تركيا للعلاج ، لكن تكلفته الباهظة التي تقدر بأزيد من 3 ملايير سنتيم حرمته منه.
رئيس المصلحة
لا يوجد سوى 24 سريرا و العلاج يكلّف مليار سنتيم يوميا
وأوضح الطبيب الرئيس البروفيسور سيدي منصور نور الدين، للنصر، أن المصلحة تستقبل ما يفوق مئتي مريض يوميا قادمين من مختلف 6 ولايات، حيث أكد أنه يتم التكفل بهم جميعا دون ادخار أي جهد، مضيفا أن الطواقم الطبية رفعت التحدي ولا تجد أي مشكلة في استقبالهم حتى لو تضاعف عددهم مثلما أكد ، كما أشار إلى أن المصلحة كاملة تحتوي على 24 سريرا فقط.
ويبرز البروفسيور ، أن المصلحة تتوفر على 3 أطباء برتبة بروفسيور، ومثل عددهم من الأطباء المشرفين الذين تلقوا أعلى مستويات من التكوين بأمريكا و أوروبا ، فضلا عن أربعة عمال وعدد من شبه الطبيين، حيث أكد أن العناية الطبية موجودة ، فضلا عن الأدوية التي وفرتها الدولة ، إذ أن تكلفة العلاج تجاوزت في يوم واحد سقف المليار سنتيم ، كما أن بعض الأدوية تفوق تكلفتها 10 آلاف أورو وكلها متوفرة بالصيدلية مثلما أكد البروفيسور ، الذي ذكر أن الإدارة تقدم كل ما تطلبه الطواقم الطبية دون تأخر.
اقترحنا استغلال إقامة 2000 سرير
ويلح محدثنا ، على ضرورة استحداث مصلحتين جديدتين على الأقل لاستيعاب العدد الكبير للمرضى، في ظل ضيق المصلحة الوحيدة التي تضمن العلاج لهذه الفئة ، مشيرا إلى أنه راسل السلطات رفقة بعض زملائه من أجل فتح الإقامة الجامعية ألفي سرير ، والتي أغلقت منذ أزيد من 4 سنوات ، كمصالح تابعة للمستشفى الجامعي، غير أنهم لم يتلقوا أي ردود. وأبرز البروفيسور ، أنه وبعد فتح مصلحة أمراض السرطان بالمستشفى الجامعي ، و التي تجري بها الأشغال منذ أزيد من 15 عاما ، فإنه سيتم نقل المصابين بهذا الداء إليها ، في حين سيبقى التكفل بالحالات الأخرى على مستوى مصلحة أمراض الدم ، التي أكد المسؤول أنها تحتل المرتبة الأولى إفريقيا في علاج مرضى الهيموفيليا.
من جهته ذكر مدير المستشفى الجامعي كمال بن يسعد في اتصال بنا ، أن إدارته توفر جميع الإمكانيات المادية والبشرية للمرضى، لكن التحويلات الكثيرة من مختلف الولايات المجاورة تتسبب في هذا الضغط الكبير ، حيث طالب مدراء الصحة على مستواها بضرورة تطبيق تعليمة وزير القطاع التي تقضي بالتكفل بالمرضى داخل ولايتهم وعدم تحويلهم خارجها، إلا في حالات استثنائية جدا.
لقمان/ق