تسجل بورصة العقار بولاية قسنطينة، تراجعا محسوسا في أسعار الشقق ، حيث يؤكد مسيرو وكالات عقارية ، أن السوق تعرف انكماشا منذ بداية العام الجاري ، بعد إقرار الحكومة لتدابير جديدة ، تنازلت من خلالها عن وعاء عقاري معتبر لفائدة شاغلي مختلف السكنات بمختلف صيغها ، إذ أن هذه الإجراءات بدأت تُأتي أكلها بحسب فاعلين في المجال ، وهو ما ساهم في خفض الأسعار بنسب تتراوح بين 10 إلى 20 بالمائة في بعض الحالات، لكن الطلب تراجع بشكل رهيب في شقه المتعلق بالشراء ، وبات مقتصرا فقط على الإيجار ، وهو ما أوعزه ناشطون في المجال ، إلى انهيار القدرة الشرائية للجزائريين، فضلا عن تراجع مستوى مدخراتهم المالية.
ركود رهيب ولا بيع ولا شراء
ويجمع جل من تحدثنا إليهم ، من أصحاب الوكالات العقارية، على وجود ركود رهيب في سوق بيع الشقق، حيث أن أسعار ما هو معروض مبالغ فيها جدا ، حيث مازالت أذهانهم مرتبطة بالأسعار القديمة التي كانت تتداول في السوق عندما كان نشطا، حيث يبرز صاحب وكالة عقارية بالمدينة الجديدة علي منجلي، أن صاحب شقة من 4 غرف بالوحدة الجوارية الخامسة وهو موقع متميز وهادئ جدا ، عرض شقته منذ أزيد من 6 أشهر بمبلغ 900 مليون سنتيم لكن ولا أحد وافق على شرائها ، إذ يصر صاحبها على بيعها بهذا الثمن بعد أن اشتراها قبل سنتين فقط بنفس المبلغ ، غير أن الصفقة مثلما أكد مسير الوكالة لن تتم بهذا السعر الذي وصفه بالمرتفع ، وهو ما دفع بالمالك إلى العدول عن فكرة البيع تماما، وقام بتأجيرها لمدة عام لعل الحال يتغير.
وقد تحفظ غالبية مسيري الوكالات، الذين تحدثنا إليهم بعد التعريف بهويتنا عن ذكر الأسعار ، واكتفوا بالقول بأنها مستقرة ومناسبة للجميع ، غير أن صاحب وكالة عقارية واحدة فقط ، ذكر لنا بأن أسعار الشقق تعرف تراجعا بعد سنوات من الارتفاع الكبير، و فسر الأمر بتسليم الآلاف من السكنات الجديدة من مختلف الصيغ ، فعلى سبيل المثال ، قال إن علي منجلي عرفت توزيع ما لا يقل عن 30 ألف وحدة سكنية في مختلف الأنماط خلال العامين الأخيرين ، وإذا «احتسبنا» نصف هؤلاء المستفيدين على الأقل فإننا أمام سحب 15 ألف شخص لطلبات الشراء أو المبادلة أو حتى الكراء .
ويبزر محدثنا، الذي أكد بأنه “مهني حقيقي منذ أزيد من 10 سنوات وليس «سمسارا مؤقتا فقط»، بأن سوق العقار يتطلب دراسة معمقة ترتبط بمختلف المتغيرات ، فهو يعلم أن جزءا مهما من سكنات عدل وصيغة الاجتماعي جاهزة للتسليم ، وهو ما تسبب أيضا في جمود كبير في حركتي البيع و الشراء ، كما لفت إلى أن تنازل الدولة عن حصص مهمة من وعائها العقاري ضمن مختلف الصيغ لاسيما السكنات التساهمية والترقوية التي تملك بعد عامين للمستفيدين ، هو عامل مهم دخل على الخط بقوة وساهم في ترجيح كفة الانخفاض رغم محاولات فاشلة للسماسرة ، في فرض منطقهم على السوق ، من خلال عرض شقق بأسعار وهمية لا تخضع لأي منطق.
تراجع بـ100 مليون في الشقق ذات الثلاث غرف
و يتوقع مسير الوكالة العقارية، تراجعا أكثر في قيمة الشقق، بعد الإجراءات التي فرضتها الحكومة قبل أشهر قليلة، حيث قال إن الارتفاع الكبير في الأسعار لا يخدم أي طرف ، فهو يؤثر على الخزينة العمومية بسبب تراجع التعاملات المالية والتهرب من التصريح الرسمي للأسعار، كما يؤثر على المهنيين من خلال دخول الانتهازيين والسماسرة على الخط ، ليكون المواطن والموظف العادي هو الحلقة أكثر تضررا.
و ذكر محدثنا، أن أحد الأشخاص اشترى عبر وكالته سكنا من ثلاث غرف وفي الطابق الرابع، بمبلغ 700 مليون بعد أن دفع مساهمة تقدر بـ 250 مليونا، فيما سيقضي طول عمره في تسديد ما تبقى من مبلغ إلى البنك ، مشيرا إلى أن أسعار العقارات في الجزائر عموما والمدن الكبرى على وجه الخصوص مرتفعة بثلاثين بالمائة فما فوق عن قيمتها الحقيقية، لكن مع الإجراءات الجديدة، فقد توقع مسير الوكالة انفراجا نوعيا للأزمة التي ظهرت بوادرها الأولى.
وبلغة الأرقام ، قال محدثنا أن لديه مجموعة من الشقق معروضة للبيع، حيث أن شقة تقع بالطابق الأول من ثلاث غرف تقع بالوحدة الجوارية 17 يعرضها صاحبها للبيع بـ 630 مليون سنتيم والسعر قابل للتفاوض، إذ صرح بإمكانه تخفيض السعر في حال وجود من لديه نية جادة في الشراء إلى 600 مليون، مبرزا أن سعرها كان لا يقل عن 700 مليون قبل عام فقط، في حين أن أسعار شقق السوسيال التي ملكها أصحابها تتراوح ما بين 400 و 500 مليون، حسب المنطقة والطابق والتهيئة.
سماسرة «يموهون» للحفاظ على سقف الأسعار
غيرنا وجهتنا إلى وكالة عقارية أخرى ، لكننا تقمصنا شخصية زبون يبحث عن شقة بغرض الشراء ،حيث عرض علينا صاحب الوكالة العديد من الشقق بأثمان مرتفعة عن سابقه ، فاقترح علينا سكنا بالوحدة الجوارية 5 بالقرب من مركز التكوين المهني بمبلغ 780 مليون سنتيم و شقة قريبة من الموقع بـ 800 مليون وثالثة تقع بالوحدة 18 بـ 700 مليون، وهو الأمر الذي بدا لنا غريبا مقارنة بالأرقام التي عرضها علينا صاحب الوكالة السابق.
توجهنا بعد ذلك إلى صاحب وكالة أخرى لكننا فوجئنا بالأسعار المقترحة ، حيث كانت منخفضة مقارنة بما عرض علينا، حيث وجدنا شقة من أربع غرف في الطابق الرابع بالوحدة الجوارية 2 بمبلغ 650 مليون سنتيم، فضلا عن أخرى بالوحدة 18 لكنها من ثلاث غرف وفي الطابق الأول بـ 620 مليون، حيث أكد لنا مسير الوكالة أنها قابلة للتفاوض و التخفيض ، إذ استخلصنا من كلامه أن أصحابها يقترحون مبالغ مرتفعة لعلمهم أن الشاري سيقترح مبلغا أقل مما تم عرضه.
وأوضح ذات المصدر، لما أبلغناه بالأسعار المقترحة علينا من قبل، بأن بعض السماسرة ومسيري الوكالات لم يتقبلوا الواقع الحالي و ما هو متداول في السوق، و مازلوا يبيعون الوهم للناس، ويوهمونهم بأن الأسعار مرتفعة وهو ما يفوت عليهم فرصا كثيرة للبيع، في حين أن الأسعار تعرف انخفاضا يوما بعد يوم بسبب انهيار القدرة الشرائية ومستوى الادخار لغالبية الجزائريين.
وأضاف محدثنا، أنه وفي السابق كان المواطن الجزائري يسعى دائما إلى تغيير موقع سكنه، لكنه اليوم يبحث عن سكن وفقط دون أن يسأل عن المكان أو الجيران، المهم أن يكون السعر مناسبا وفقط ، كما ذكر أن حتى الطبقات النخبوية كالأطباء والمهندسين وضباط الجيش و الشرطة، وغيرهم من الفئات الأخرى ، أضحوا لا يشترطون أحياء بعينها، إذ لا يهمهم سوى السعر وكثيرون اشتروا سكنات اجتماعية وأعادوا تملكها من جديد، لاسيما وأن غالبية المرقين العقاريين لا يحترمون دفاتر الشروط وينجزون سكنات رديئة بمبالغ باهضة جدا.
السكنات الاجتماعية المتنازل عنها معادلة تقلب الموازين
وعن عروض البيع للسكنات الاجتماعية، فقد ذكر محدثنا بأنها كثيرة ، حيث يتراوح سعرها بين 300 و 350 مليون سنتيم، بالنسبة لغير القابلة للتمليك، أما فيما يخص السكنات، التي تم تمليكها فهي تبدأ من سعر 400 إلى 500 مليون سنتيم، كما توقع جل أصحاب الوكالات العقارية أن يدخل وعاء عقاري كبير إلى السوق بعد إقرار الحكومة لإجراء تمليك كل السكنات التي وزعت منذ 5 سنوات.
غيرنا وجهتنا نحو مدينة قسنطينة، حيث أكد لنا صاحب وكالة عقارية أن أسعار الشقق بوسط المدينة ما تزال مستقرة لاسيما بالنسبة للمواقع التي ما تزال في وضعية جيدة كشارع بلوزداد و عبان رمضان، الكدية، وطريق جديدة و غيرها، حيث ذكر لنا على سبيل المثال أن شقة بالكدية من خمس غرف تم بيعها بمليار و 600 مليون وأخرى ببلوزداد من 4 غرف بمليار و 400، وهو وضع وصفه محدثنا بالعادي.
وقد أخبرنا صاحب وكالة عقارية آخر، بأن شققا بأحياء كثيرة كالدقسي و سركينة و الزيادية وحتى لابوم، تعرف تراجعا ملحوظا، حيث يملك عرضا لشقة في سركينة بـ 550 مليون سنتيم وأخرى في الدقسي بـ 600 مليون، في حين أن الشقق بأحياء أخرى على غرار بوجنانة و 5 جويلية و 20 أوت، قد عرفت انخفاضا طفيفا، لكن ظلت تقريبا في نفس المستويات السابقة، فيما أكد لنا أحد الموثقين أن مستوى التداولات العقارية في الشقق قد تراجع بأزيد من ثلاثين بالمائة خلال الأشهر الأخيرة ، وهو ما يعكس مستوى الركود في سوق العقار على العموم.
لهيب في القطع الأرضية وأسعار الكراء في ارتفاع مستمر
ويجمع جل أصحاب الوكالات العقارية، الذين تحدثت إليهم النصر، بأن الحصول على قطعة أرضية بعلي منجلي أضحى أمرا صعبا، حيث أن المدينة تتوفر على تحصيصين نظاميين بكل من الوحدتين الجوارتين 5 و 10، كما أن سعرها إن وجدت يتجاوز 10 ملايين سنتيم للمتر المربع الواحد في أحسن الأحوال ، وهو نفس حال تحصيص بلحاج بزواغي، الذي وصلت أسعار قطعة أرض به ذات مساحة 216 مترا إلى مليارين و نصف، فيما تراوحت بتحصيص بن عبد المالك بالجذور ما بين 800 ومليار ونصف سنتيم.
وما يلاحظ في تحقيقنا الميداني، أن أسعار إيجار الشقق في تزايد مستمر، حيث أن غالبيتها بعلي منجلي تتراوح بين 17 ألفا و 25 ألف دينار، حيث أكد لنا فاعلون في ميدان العقار أن الطلب يفوق العرض بكثير ، وهو ما تسبب في هذا المشكلة في ظل تأخر تسليم الآلاف من برامج السكنية، مشيرا إلى أن الأسعار في بعض الأحياء تصل إلى 3 ملايين سنتيم .
ل.ق