خيم الشاي التيميموني تنافس المقاهي بقسنطينة
تستقطب خيام الشاي التيميموني المنتشرة عبر ربوع ولاية قسنطينة العشرات من الشباب، و تحديدا في فصل الصيف لامتداد ساعات السمر إلى وقت متأخر، خصوصا في ظل انعدام أماكن للتسلية و الترفيه بالمدينة، ما حول هذه الفضاءات الجديدة إلى وجهة مغرية تستقطب الكثيرين بالنظر لتميز ديكوراتها التقليدية و أسعارها الملائمة، إضافة إلى أنها تقدم بديلا أكثر أريحية عن المقاهي بفضل توفرها على خدمة الانترنت و القنوات الرياضية التي زاد الطلب عليها منذ انطلاق مباريات كأس أمم أفريقيا، وكلها معطيات صبت في فائدة شباب الجنوب الذين وجدوا في هذه الخيم فرصة للاسترزاق و الهرب من شبح البطالة.
روبورتاج :هيبة عزيون
خيم الشاي تحولت إلى موضة في السنتين الأخيرتين ، و انتشرت بشكل كبير في قسنطينة، إذ نجحت كاستثمار خدماتي، بفضل جانب الاستقبال الجيد للزبائن و تنوع ما يقدم لهم من شاي متعدد النكهات و مكسرات و بعض أنواع الحلويات التقليدية، التي يمكن للزبون الحصول عليها مقابل تكلفة بسيطة، عكس ما تفرضه في العادة صالونات الشاي العصرية، التي هجرها الكثيرون لصالح خيمات الشاي التيميموني حالها حال العديد من المقاهي، إذ تشهد هذه الفضاءات اهتماما متزايدا تزامنا مع فعاليات بطولة كاس إفريقيا للأمم المقامة بمصر، حيث تحولت إلى مقصد أول لمتابعي مباريات الفريق الوطني، بعدما زودها ملاكها بشاشات كبيرة و مكيفات للهواء.
سر الخيمة في حسن الضيافة و جاذبية التقاليد
وقفنا خلال جولة قادتنا إلى عدد من خيام الشاي التميموني المنتشرة بكثرة في المدينة الجديدة علي منجلي، على حركية معتبرة، وقد أكد لنا غالبية أصحاب هذه المرافق أن الإقبال عليها يبلغ ذروته ليلا، و حسب إسلام، و هو شاب في الثلاثين من عمره قابلناه داخل خيمة عبد العزيز، فإن زيارة المكان أضحت عادة يومية بالنسبة إليه، وذلك لما وجده فيها من حسن الضيافة و جاذبية تقاليد الصحراء التي تعكسها الديكورات الداخلية التي تفنن في إنجازها ملاك المكان و عماله، أما الشاب حميد، فأوضح بأن ما يجذبه في خيام الشاي هو توفر الهدوء و نقاء الهواء بالنظر لمنع التدخين داخلها، وهو ما دفعه لمقاطعة المقاهي الشعبية نهائيا بحثا عن السكينة و هربا من الضغط ، فيما أكد آخرون، بأن السهر في هذه الأماكن ممتع لأنه يستمر إلى ساعات متأخرة من الليل، و لا يشوبه إزعاج من أي نوع بالنظر إلى نوعية الزبائن الذين يقصدون هذه الفضاءات ، أين يمكن للفرد التمتع بجلسة سمر هادئة و لطيفة تزينها صواني الشاي و المكسرات.
الشاي لمحاربة بطالة شباب الجنوب
خلال جولتنا في علي منجلي، توقفنا عند خيمة شاي صحراوي بالوحدة الجوارية رقم 2 ، بعدما لاحظنا حركية كبيرة في المكان الذي يشرف على تسييره عاملان، أحدهما يقوم بتحضير إبريق الشاي الكبير»بقراج»، بينما يشرف الثاني على خدمة الزبائن و استقبال الطلبيات، اقتربنا من «مصعب» القادم من ولاية تيميمون، وهو أحد النادلين، فعلمنا منه، بأنه قدم إلى قسنطينة برفقة عدد من شباب ولايته للعمل عند السيد عبد العزيز، وهو مالك غالبية خيام الشاي في المدينة، وصاحب فكرة هذا النوع من الاستثمار القائمة على نقل عبق الجنوب إلى الشمال و تحديدا الشرق الجزائري، حيث كانت بداية هذا النشاط سنة 2010، و انطلقت التجربة بخيمة واحدة قبل أن يتوسع الاستثمار و يتحول إلى باب لتوظيف الكثير من أبناء المنطقة الصحراوية، بالنظر إلى أن ثقافة شرب الشاي كما عبر مصعب، تحولت إلى تقليد رائج بقسنطينة، فالإقبال معتبر يزيد بشكل مستمر بعدما حول الكثيرون عاداتهم من شرب القهوة إلى شرب الشاي الأخضر.
و الأكيد هو أن هذه الفضاءات تحولت إلى باب رزق حقيقي للكثير من الشباب القادمين من ولاية تيميمون و ضواحيها، كما أنها تحولت إلى بديل تجاري مربح لعدد من شباب قسنطينة الذين استفادوا من الفكرة، و استحدثوا بدورهم خياما تقليدية صحراوية، على غرار الشاب نوفل الذي قرر منذ سنتين فتح خيمة لصنع و بيع الشاي، بعدما استطاع أن يتعلم طريقة إعداده من صديق له، وهو ما وفر لشباب آخرين فرصا للعمل و الاسترزاق.
الشاي 4G نكهة من نوع آخر
ولعل أكثر ما يميز هذه الفضاءات هو طريقتها في تحضير هذا المشروب، فحسب محدثنا، يعد الحرص على إعداد « التاي» بالطريقة الأصلية المشهورة في ولايات الجنوب و تحديدا بمنطقة تيميمون، شرطا أساسيا للحصول على المذاق المطلوب، مع إضافة بعض النكهات حسب ذوق الزبون، من حبة سوداء و زنجبيل و عسل و ليمون و حتى المكسرات وهو المزيج الشهير الذي أصبح يطلق عليه اسم «شاي الـ4G «، ويعد الأكثر طلبا، حيث يتم إعداد الشاي بالطريقة الكلاسيكية ثم تضاف إليه كمية من المكسرات المطحونة كالجوز و اللوز، و تكمن ميزته في الطاقة الكبيرة التي يمنحها للجسم وبالأخص للرجال، كما أنه مريح للأعصاب و مفيد في التخلص من التعب و الحرارة.
و عن نوعية الشاي المستخدم قال محدثنا، بأن المنتوج الصيني يسيطر حاليا على السوق بعدما كان الشاي في البداية يستورد من ليبيا التي كانت مشهورة بإنتاجها لأجود الأنواع قبل الحرب ، مضيفا أن اختيار النوع الجيد من الشاي يتطلب دراية كبيرة، خاصة أن أغلب المصانع لا تراعي شروط جنيه و حفظه ما ينعكس سلبا على ذوقه.
مباريات الفريق الوطني تزيد الإقبال
أجمع أغلب أصحاب خيمات الشاي التيميموني، الذين قابلناهم، بأن مشاركة الفريق الوطني لكرة القدم في فعاليات كأس إفريقيا للأمم ساهمت كثيرا في زيادة عدد الزبائن، خصوصا وأن هذه الخيام عرفت عزوفا نسبيا منذ ارتفاع درجات الحرارة خصوصا في ساعات الصباح، ليعود الإقبال عليها إلى مستوياته مساء و يصل إلى ذروته في الليل خصوصا وأن ذلك تزامن مع برمجة مباريات الخضر، وهو ما انعكس إيجابا على نشاط الخيام التي تعتبر قبلة رئيسية للشباب لمشاهدة المقابلات نظرا للأجواء الحماسية التي يصنعها الحضور، و جمالية الأجواء داخل الخيام المزودة في غالبيتها بمكيفات وشاشات كبيرة.
وقد علمنا من «نوفل» و هو صاحب خيمة بالوحدة الجوارية رقم 17، بأن تناول الشاي الأخضر أصبح عادة بقسنطينة و هو حاليا ينافس القهوة، كما أن الكثير من أصحاب المقاهي يقومون بشراء كميات كبيرة من الشاي المحضر في الخيام ليقدمونه لزبائنهم، مضيفا بالقول، بأن خيمته تعمل على مدار السنة و تعرف إقبالا كبيرا، حيث حرص على تجهيزها بطريقة جميلة و جذابة، تستقطب الزبائن خصوصا في رمضان و خلال الصيف، مشيرا إلى أن خيمته تحولت إلى فضاء قار للكثيرين في ظل غياب مرافق أخرى، وهو ما أكده أيضا « علي» عامل بخيمة بفضاء مشابه بحي الكيلومتر الرابع، قائلا بأن المكان يتحول إلى استوديو تحليلي خلال مباريات الكرة أو بعد كل حدث سياسي أو اقتصادي جديد تشهده البلاد. و عن مردودية هذا النشاط ماديا، أوضح محدثنا، بأنه يحضر ما بين 30 إلى 40 لترا يوميا من الشاي، تباع كلها فيما تتضاعف الكمية أثناء مباريات الجزائر، و هناك عدد من الزبائن الذين يبتاعون لترات من الشاي لأخذها لمنازلهم خلا المناسبات العائلية كحفلات الخطوبة و الأعراس، وذلك بعدما أصبح شرب الشاي، تقليدا محببا لما له من فوائد صحية على الجهاز الهضمي.
هـ/ ع