شباب يستغلون الجائحة لإعادة البريق لأزقة قسنطينة القديمة
أعاد سكان الأحياء القديمة بقسنطينة البريق لعدد من أزقتها العريقة، كزنقة الزلايقة بالسويقة، ساحة الأمير عبد القادر، شارع خزندار بباب القنطرة و البطحة، بطلاء جدرانها التي غطتها الأوساخ و طالتها أيادي التخريب، و لم تستفد من الترميم و التهيئة منذ سنوات، مستغلين فترة الحجر الصحي، لتزيين و تنظيف أحيائهم من القاذورات التي أصبحت تشوه محيطها، و رسم جداريات تبرز معالم المدينة، بالاعتماد على إمكاناتهم الخاصة، فيما فضل البعض كتابة عبارات بخط عربي أنيق، لبعث روح التفاؤل في النفوس في ظل الجائحة التي نعيشها.
روبورتاج / أسماء بوقرن
استغل شباب طول فترة الحجر الصحي التي فرضها وباء كورونا، لإطلاق مبادرات و إعادة الوجه الجميل و المنير للمدينة القديمة و شوارع وسط قسنطينة، بتنظيف الأحياء و تزيينها بأصص الأزهار و الشجيرات، و توزيع سلال على نقاط مختلفة لمكافحة ظاهرة الرمي العشوائي للقمامة، رافعين شعار « استعادة بريق الأزقة المدينة و أحياء قسنطينة»، و شملت المبادرة عددا من أزقة باب القنطرة، حي الزلايقة بالسويقة و البطحة التي انطلقت بها العملية مؤخرا.
بدأت النصر جولتها الاستطلاعية عبر الأحياء التي أطلقت مبادرة الطلاء و التزيين و التنظيف، بحي باب قنطرة، و بالضبط نهج خزندار، أين وقفنا على صورة مغايرة تماما للنهج الذي لبس الأبيض و الأزرق، بفضل سواعد شباب الحي الذين ساهموا بإمكاناتهم المادية، و بمساعدة الجيران، في التنظيف و طلاء الجدران.
السيد أحمد كركود، أحد كبار الحي، الذي دشن المبادرة و أشرف على تجسيدها، قال للنصر، بأنها كلفت أكثر من 30 ألف دينار، و شارك فيها نحو 15 شابا من أبناء الحي، حيث كانوا يستغلون فترة خلو الشارع من المارة، خلال الفترة المسائية و إلى غاية الثالثة صباحا، للعمل بشكل مكثف، فأنهوا عملية الطلاء خلال خمسة أيام، ثم قاموا بعملية التنظيف و شراء سلال القمامة التي وجدناها مثبتة بعدة نقاط عبر الحي، الذي استعاد وجهه الجميل، فيما صنع مدخل بيت الحاج أحمد الاستثناء، حيث أعاد ترميم السلالم بالإسمنت المسلح، و قام بطلاء الجدران و كذا السلالم باللونين الأبيض و الأزرق و كذا البرتقالي، و زينها بأصص الأزهار و نباتات الزينة.
جداريات لإبراز معالم المدينة
الحاج أحمد أضاف بأن فكرة المبادرة انبثقت خلال لقاء جمع شباب الحي و عدد من كباره، عند بداية الأزمة الصحية العالمية، حيث تحدثوا عن الوضع الحالي و مخاوفهم بخصوص انتشار فيروس كورونا، كما تطرقوا إلى مشكل النظافة الذي تعاني منه أحياء المدينة و غياب التهيئة، معربين عن استيائهم من الوضع الذي آل إليه حيهم و الوضعية الكارثية التي يعيشها قاطنوه، ففكروا في طلاء الجدران و هو ما ثمنه الجميع.
و تابع المتحدث بأنهم قرروا رفع عديد الانشغالات إلى المسؤول الأول عن بلدية قسنطينة، و تتعلق بتوفير حاويات لجمع القمامة، لأن المجودة غير كافية، ما يجعل الكثيرين يلقون بأكياس القمامة على حافة الرصيف، كما طرحوا مشكل تسربات المياه، و تدهور وضعية الأرصفة، و هم في انتظار تلبية طلباتهم.
انتقلنا بعد ذلك إلى أزقة مجاورة بنهج رمضاني و رابح، و شيلي محمد، و كذا الإخوة جغفري و ساحة الأمير عبد القادر، فلاحظنا أن سكانها قاموا أيضا بتنظيفها و طلائها بمختلف الألوان ، كالأبيض و الوردي، و البنفسجي، و الرمادي، و شرعوا في رسم جدارية تجسد جسر سيدي مسيد فوق إحدى العمارات.
و اختار آخرون استغلال هوايتهم في فن الخط العربي، لكتابة عبارات من شأنها أن تبعث روح التفاؤل في نفوس المارة و زوار الحي، على غرار الشابين منصف حفياني و صالح خفياني، اللذين اختارا محطة لسيارات الأجرة لكتابة فوق الجدار الذي يفصلها عن السكة الحديدية عبارة « خير الله قادم فلا يحزنك مر الحياة»، و أوضحا بأن هذه المبادرة فرصة لإظهار مواهب شباب الحي و إضفاء لمسة جمالية عليه.
سائقو سيارات الأجرة يدخلون على الخط
سائقو سيارات الأجرة في خط باب القنطرة ـ المنصورة، تأثروا هم كذلك بهذه المبادرة، و قرروا الانخراط فيها من خلال التخلص من القمامة التي كانت تُجمع على مقربة من محطة توقف سياراتهم، خلف السكة الحديدية بشارع ماضوي، حيث ساهم كل سائق في العملية بمبلغ 1500 دينار من أجل توفير كل الوسائل اللازمة للعملية، كما قالوا للنصر، مشيرين إلى أن شباب الحي هم من تكفلوا بعملية الطلاء، فاختاروا رسم أشكال هندسية، و تزيين بعض الجدران بعلم فلسطين، للتعبير عن تضامنهم مع القضية الفلسطينية.
الزلايقة تتخلص من ردائها القديم
المبادرات الشبانية تستحق التثمين، فهي من توقيع شبان يطمحون للعيش في وسط نظيف و جميل، و القضاء على المظاهر التي شوهت مدينتهم التي أصبحت تغرق وسط القمامة والردوم التي خلفتها ورشات تظاهرة قسنطينة عاصمة للثقافة العربية التي لم تكتمل، و قد انضم إلى هذه المبادرات أبناء حي الزلايقة، حيث قالوا للنصر، بأن المدينة القديمة تعد الأكثر تضررا، بعد إطلاق مشروع ترميمها، و ترحيل سكانها، ما جعل وهجها ينطفئ يوما بعد آخر، غير أنهم قرروا إنقاذها بما يملكونه من إمكانات، رافعين شعار «بإمكانات بسيطة قم بتنظيف حيك، حتى لا تضيع معالم المدينة القديمة .. يجب استعادة أزقة السويقة و صورتها الجميلة «، موجهين دعوة لشباب باقي الأحياء إلى تعميم المبادرة، حتى يعيدوا لمدينة سيرتا روحها المسلوبة، كما عبروا.
النصر زارت زنقة زليخت ، المعروفة باسم زنقة الزلايقة، فانبهرنا بحلتها الجديدة، فلم تعد تبدو للعيان كمكان مهجور «يحتضر» وسط ركام المباني المنهارة، فقد استعادت شبابها و جمالها مجددا، و تزينت بحلة باللونين الأزرق والأبيض، وتم تنظيفها من القمامة.
من بين المشرفين على المبادرة زين محمد الطاهر، أمين عام جمعية إشراقة المستقبل وممثلها القانوني، إنه شاب غيور على مدينته التي نشأ بين أحضانها ونهل من كبارها و أعيانها حب التراث و التمسك بالعادات و التقاليد العريقة. أعرب زين للنصر عن تأثره الشديد بالوضع الذي آلت إليه المدينة القديمة، مشيرا إلى أنه لا يزال لحد اليوم يقطن بأحد منازلها القديمة «دار عرب» و التي يرى فيها خصوصية لا يعرفها سوى من نشأ و ترعرع بها.
و أكد المتحدث بأنه كان من الأوائل الذين رحبوا بفكرة تهيئة الأحياء القديمة و المساهمة في بعث الروح فيها، و انطلقت العملية في نهاية شهر مارس، حيث تم جمع مبالغ مالية و استشارة السكان حول اللون الذي يفضلونه لطلاء الجدران، و اقترح الكثيرون، و من بينهم زين، اللونين الأبيض و الأزرق، باعتبارهما اللونين المعتمدين قديما في طلاء المدينة، فيما اختار آخرون عدة ألوان أخرى، حسب أذواقهم الخاصة، مضيفا بأن العملية استغرقت وقتا طويلا، نظرا لوضعية الحي المزرية، كما أن وتيرة العمل كانت بطيئة، بحكم انشغالات الكثيرين من أصحاب المبادرة.
و أوضح المتحدث أن المبادرة لن تتوقف عند عملية الطلاء و التنظيف، و إنما ستشمل تهيئة الأزقة و وضع الأصص و كذا غرس شجيرات صغيرة في الأماكن المناسبة، و من بين العراقيل التي واجهتهم الجدار الآيل للسقوط بمدخل الزلايقة، مشيرا إلى أنه سعى برفقة شباب الحي لترميمه، غير أن نقص الإمكانات جعلهم يتراجعون، خاصة و أن الردوم الناجمة عن انهيار بنايات قديمة، و الأتربة متراكمة خلفه، مشيرا في سياق متعلق إلى الإجراءات التي قامت بها الجمعية بهذا الخصوص، حيث قامت بإرسال تقارير إلى والي الولاية و رئيس الدائرة، حول وضعية الجدار المهدد بالسقوط في الحي، خاصة و أنه موجود في المدخل الرئيسي و كذا وضعية بعض المباني و المساجد التي قد تحدث كارثة إذا انهارت، حيث سيؤدي ذلك إلى انهيار بنايات أخرى مجاورة كما قال المتحدث، الذي طرح أيضا مشكل قنوات الصرف، مؤكدا بأنه سيسعى لتعميم المبادرة لتشمل باقي أحياء المدينة، كأربعين شريف، في إطار جمعيته .
جدير بالذكر أن مبادرة الطلاء، شملت أيضا حي البطحة، و قد انطلق سكانها في عملية الطلاء منذ نحو 15 يوما، و يسعون هم أيضا إلى استعادة الوجه الجميل لحيهم، داعين إلى تعميم المبادرة لتشمل باقي الأحياء، مع توحيد ألوان الطلاء، لتصبح رمزا للمدينة.
أ ب