* أزمة السقي تعيق الجهود و الاكتفاء أولوية
سجلت شعبة الحمضيات بولاية سكيكدة، هذا الموسم، وفرة كبيرة في الإنتاج فاقت 594 ألفا و 800 قنطار بمعدل 223 قنطارا في الهكتار، حسب توقعات مديرية الفلاحة، ما انعكس إيجابا على أسعارها في الأسواق، حيث تراوح ثمن الكلغ بين 50 و 200 دج و ترجع المصالح نفسها هذه الزيادة، إلى عوامل عديدة يأتي في مقدمتها توفر السقي و كذا برامج دعم الدولة لتوسيع زراعة هذه الشعبة عبر مختلف بلديات الولاية، فضلا عن تجديد الأشجار، بينما يؤكد المنتجون أن جائحة كورونا لم يكن لها أي تأثير سلبي على الإنتاج، سواء على عملية الجني أو حتى التسويق الذي كان لسنوات يشكل إحدى العوائق التي تصادف الفلاحين، فضلا عن السقي و غلاء الأسمدة.
إعداد : كمال واسطة
و للوقوف على واقع و آفاق هذه الشعبة و كذا الظروف العامة التي ميزت انتاج الحوامض لهذه السنة و المشاكل التي واجهت الفلاحين، تنقلت النصر إلى بعض البساتين و استطلعت وضعياتها و آراء المنتجين و مشاكلهم و كذا مدى وفرة الإنتاج مقارنة مع السنة الفارطة و خصوصا في ظل جائحة كورونا.
أصناف فتية تعطي مردودا أوفر والإسمنت يبتلع بساتين الحدائق
البداية كانت من بلدية صالح بوالشعور، أين التقينا بشاب في الثلاثين من العمر منهمك في جني البرتقال، أكد لنا أن منتوج هذا الموسم كان وفيرا أحسن من السنة الفارطة، رغم أن أشجار بعض الأصناف مازالت صغيرة و في عامها الثاني من الإنتاج، لكنها أعطت مردودا أفضل.
و يتوفر بستانه حسب الشروحات التي قدمها لنا، على أصناف عدة من الحمضيات منها كليمونتين و الطومسون و تختلف شجرة الأخيرة بعدة مميزات، لكونها تعطي حبات ذات صنف يغلب عليه اللون الأحمر و حجمها صغير، مضيفا بأن جائحة كورونا لم يكن لها أي تأثير على نشاطهم سواء قبل الجني أو أثناء جني المنتوج.
أما الصعوبات التي وجدها في نشاطه هذا، فقد لخصها في نقص السقي و انكسار القنوات، فضلا عن غلاء الأسمدة، حيث تكلف عملية المعالجة الكاملة للأشجار، ما قيمته مليوني سنتيم لحمايتها من الأمراض و كل شيء يعتمدون فيه على الخواص و من أبرز ذلك، الجرار الذي يكلف 16 ألف دج لأربع ساعات، كما أن الجليد له دور كبير في التأثير على حبات البرتقال و بالتالي لا بد من معالجتها في وقتها، متحدثا عن عدم استفادتهم من الدعم الفلاحي الذي من شأنه تطوير هذه الزراعة و التقليل من حجم الأعباء و المصاريف.
وجهتنا الثانية كانت بلدية الحدائق المشهورة منذ القدم ببساتين الحمضيات التي تكاد تغطي المنطقة، لكن في السنوات الأخيرة بدأ الاسمنت يزحف على مساحات واسعة منها جراء البناء غير المرخص من طرف المنتجين و مرات من قبل أصحاب المجموعات الفلاحية و بمجرد دخولنا المنطقة، صادفنا مجموعة من الأشخاص يقومون ببيع البرتقال، عرفنا فيما بعد أنهم ليسوا بمنتجين أصليين و إنما يستغلون البستان من صاحبه عن طريق الكراء، طرحوا بدورهم جملة من المشاكل في مقدمتها السقي.
و على بعد أمتار قليلة، توجهنا إلى بستان آخر مساحته أكثر من الأول، أين وجدنا مجموعة من العمال منهمكين في عملية الجني و آخرون يرتبون الأكياس و يصنفونها حسب النوعية و الحجم و كان لهم نفس الانطباع بكون منتوج هذه السنة كان وفيرا و أحسن من الموسم الفارط، حيث ذكر صاحب البستان، أن نشاطهم هذا يمارسونه أبا عن جد منذ القدم و يشكل مصدر رزقهم الوحيد و الأساسي.
و ذكر المعنيون أن نشاطهم يعرف متاعب و مشاكل كبيرة لخصوها في نقص مياه السقي و اعتبروه المشكل الرئيسي، منتقدين عدم ربطهم بمحيط السقي التابع لبلدية رمضان جمال، خاصة و أن أنبوب السقي لا يبعد سوى بضعة أمتار عن بساتينهم حيث يعتمدون على مياه الآبار التي يتم حفرها داخل البستان و هي لا تلبي الحصة الكافية للسقي.
كما قالوا بأنهم يصادفون كل موسم تحدي تجديد الأشجار على حسابهم الخاص في ظل عدم استفادتهم من الدعم، بالإضافة إلى مشكلة غلاء الأدوية، حيث يزيد القنطار الواحد عن المليون سنتيم، دون احتساب الأدوية الكيميائية، حيث تكلف لفة واحدة لمعالجة البستان، بين ثلاثة إلى أربعة ملايين سنتيم، ناهيك عن مستحقات العمال التي تزيدهم أعباء إضافية.
و بخصوص الأسمدة، قالوا بأن الطلبية تصلهم في كل مرة متأخرة عن الفترة التي تتطلبها المدة العلاجية للأشجار، ما يجبرهم على اللجوء إلى الخواص لشراء الأدوية بأموالهم الخاصة، بالإضافة إلى عدم استفادتهم من تربصات أو دورات تكوينية بصفتهم فلاحين لتطوير معارفهم و خبراتهم في المجال، حيث يقال لهم كل مرة أن طلباتهم غير متاحة.
و ما لاحظناه في بلدية الحدائق، هو أن الكثير من المستثمرات الفلاحية تم حلها و اقتسام البساتين فيما بين الملاك و آخرون قاموا بكرائها لتجار لكنهم احتفظوا بالآبار للاشتراك في استغلالها رغم قلتها.
سوق الجملة بصالح بوالشعور ينهي مشكل التسويق
لم تعد مشكلة التسويق مطروحة لدى منتجي الحمضيات كما كان في السابق، منذ أن تم فتح سوق الجملة للخضر و الفواكه ببلدية صالح بوالشعور، الذي يستقبل آلاف القناطير من مختلف بلديات الولاية و التي تحولت إلى سوق كبير للحمضيات و توسعت زراعتها في أغلبية بلديات الولاية، كما أن حملة الجني في البساتين، تبقى مستمرة إلى غاية شهري ماي و جوان و هي ميزة جعلتها تنفرد بها و تشكل سوقا مشهورة تستقطب تجارا من مختلف الجهة الشرقية للوطن و حتى من ولايات الوسط.
و في المقابل، يفضل الكثير من المنتجين، حسب ما وقفنا عليه، تسويق المنتوج في البستان أو على مستوى الطرقات، أين تصادف المتوجه إلى سكيكدة و صالح بوالشعور، طاولات لباعة الحمضيات من مختلف الأصناف، يعرضونها على حافة الطريق بأسعار في المتناول و هناك تجار يأتون من عدة ولايات لشراء المنتوج مباشرة من البساتين عوض التوجه إلى سوق الجملة.
مجمعون يحولون كميات إلى مصانع التحويل بسطيف و البليدة
أعرب منتجون عن أسفهم و استغرابهم في نفس الوقت لافتقار ولاية سكيكدة لمصانع تحويلية مثلما هو حاصل في ولايات الوسط على وجه التحديد و كان من المفروض، يضيفون، أن يرافق تزايد زراعتها، انجاز مصانع تحويلية من شأنها خلق حركية تجارية و اقتصادية و امتصاصا للبطالة و هي من النقاط السوداء في هذا المجال الذي يتوفر على مقومات كبيرة تؤهله لأن يكون قطبا زراعيا في هذه الشعبة الفلاحية و يبقى اللوم موجه، مثلما قالوا، إلى المستثمرين الذين يعزفون عن الاستثمار في هكذا مشاريع، على الرغم من تواجد العديد من المناطق الصناعية على تراب الولاية.
وقالت مصالح مديرية الفلاحة و على لسان مسؤول مصلحة، رابح مسيخ، بأن سكيكدة من أهم و أكبر الولايات التي تشتهر بزراعة الحمضيات على المستوى الوطني و تتوفر على حوالي 17 صنفا و تنتج ثمارا على مدار العام هناك في الشتاء، الخريف، الربيع و الصيف، حيث حققت زراعة هذه الشعبة في السنوات الأخيرة، نتائج إيجابية مشرفة و مشجعة من ناحية الزيادة في المساحات المغروسة، بالإضافة إلى الرفع في المردود و تحسين المنتوج كما و نوعا، و هذا يرجع، حسبه، إلى تضافر جهود الجميع من منتجين مهنيين و تقنيين محترفين أصبحوا يتحكمون في المسار التقني و العلمي في جميع العمليات الزراعية، بفضل الدورات التكوينية الارشادية التي تسهر عليها مديرية المصالح و الغرفة الفلاحية بالتنسيق و التعاون مع المعاهد التقنية المتخصصة.
محدثنا أضاف بأن وفرة المنتوج هذا الموسم، كان لها انعكاس على أسعار الحمضيات في الأسواق، حيث تراوحت بين 200 دج في بداية جني المحصول، قبل أن تنهار حاليا إلى 50 دج بالسبة لبعض الأصناف و تصبح في متناول جميع فئات المجتمع، لأن السوق حسبه هو من يترجم هذه الوفرة، معتبرا سوق الجملة بصالح بوالشعور، مكسبا كبيرا للولاية، مشيرا إلى أنه و في غياب وحدات و مصانع التحويل، لجأ بعض التجار لإنشاء مجمعات للحمضيات، يقومون من خلالها بجمع كميات كبيرة من الحمضيات بمختلف أنصافها و إعادة بيعها إلى المصانع التحويلية في البليدة و سطيف و غيرها من الولايات، مرجعا عدم توفر الولاية على هذه الوحدات التحويلية، إلى عدم اهتمام المستثمرين بمثل هذه المشاريع الاستثمارية.
أولوية الاكتفاء الذاتي تلغي فكرة التصدير
أما بالنسبة لتوسيع المساحات، فقد جاء بفضل مجهود الدولة، من خلال توفير العديد من البرامج و ميكانيزمات مختلفة الصيغ في مجال الدعم الفلاحي، لتحفيز و دعم الفلاحين لغرس الحوامض التي توسع زراعتها في كل بلديات الولاية، بعد أن كانت تقتصر على البلديات الساحلية.
و أضاف المتحدث، بأنه و في السنوات الفارطة، كانت المساحة حوالي 200 هكتار و اليوم أصبحت المساحة الكلية للحمضيات، تمثل 3067 هكتارا أي بزيادة 1067 هكتارا، فيما تقدر نسبة مؤشر النمو بـ 66 في المائة، بمردود يصل إلى 223 قنطارا في الهكتار، بينما بلغت المساحة المنتجة 2676 هكتارا و يتوقع إنتاج 594 ألفا و 800 قنطار خلال الموسم الحالي و عند المقارنة، نجد أن الموسم الفارط، كانت المساحة المنتجة 2656 هكتارا و الإنتاج 592 ألفا و 800 قنطار.
و عن إمكانية تصدير المنتوج للخارج كما ينادي به العديد من المنتجين، أكد المصدر أن الأمر صعب التحقيق في الوقت الحالي لعدة عوامل، أبرزها توفر النوعية، ثم تأتي بعدها الكمية و فتح وحدات تحويل و بالتالي إذا ما تم تصدير ما تنتجه الولاية حاليا من الحمضيات، فستبقى السوق المحلية فارغة و ستشهد عجزا كبيرا و بالتالي لا بد أولا من تحقيق الاكتفاء الذاتي، لكن إذا سار المنتجون على هذه الإستراتيجية، فيمكن تحقيقها مستقبلا.
و هنا أوضح بأن هناك اعتقادا خاطئا راسخا لدى الكثير من أبناء سكيكدة، هو أن الولاية كانت في الحقبة الاستعمارية تنتج كميات وافرة من الحمضيات و تقوم بتصدير كميات كبيرة لفرنسا و أوروبا و هذا اعتقاد، مثلما قال خاطئ، لأن الحقيقة هي أن «الكولون» في تلك الفترة هو من كان يقوم بتصدير المنتوج إلى أوروبا و على وجه التحديد إلى فرنسا عوض بيعه في السوق المحلية.
حصة من سد زردازة للسقي بمحيط سهل الصفصاف
و بخصوص انشغالات المنتجين حول نقص السقي، ذكر مسؤول الفلاحة، أن مديرية الفلاحة و بالتنسيق مع مصالح الري، قامت في الصائفة الفارطة بمبادرة لتخصيص حصة من مياه السقي مباشرة من سد زردازة لفائدة المنتجين بمحيط سهل الصفصاف، انطلاقا من الحروش إلى غاية رمضان جمال و هي أول مبادرة في هذا المجال، بحكم أنه و في تلك الفترة، شهدت المنطقة جفاف الوادي و أمام هذا الوضع اضطرت مصالح الفلاحة بالتنسيق مع مصالح الري، لتخصيص 500 متر مكعب على عدة فترات لسقي بساتين الحمضيات في محيط السقي المذكور.
و أضاف المتحدث، بأن تموين المنتجين في محيط السقي «زيت العنبة» يسير بصفة عادية على مستوى بلدية عين شرشار وما جاورها، مشيرا إلى أن المنتجين الذين يعتمدون على السقي من الآبار الفلاحية و الأحواض المائية، كلها أنجزت بفضل برامج الدولة في السنوات الأخيرة و نادرا ما تجد فلاحا قد قام بانجازها بمفرده.
كما أكد المتحدث، أن وسائل الإنتاج متوفرة بصورة كافية و في الأوقات المناسبة، أما بخصوص غلاء الأسمدة، فذكر مسوؤل الفلاحة أنها مدعمة من طرف الدولة بـ20 في المائة.
كـ . و