• سماسرة يخلقون أسواقا موازية للجملة
سجل المجلس المهني لشعبة البطاطا بالوادي تراجعا في المساحات المزروعة هذا الموسم بأكثر من 5 آلاف هكتار ما أفرز اختلالا بين العرض والطلب أدى إلى ارتفاع في الأسعار التي وصلت سقف 61 دينارا في سوق الجملة، فيما قال منتجون إن الرياح القوية أثرت على عملية الجني واعترف آخرون بأنهم فضلوا تأخير العملية إلى الفترة التي تسبق رمضان خوفا من انهيار الأسعار مرة أخرى، بينما اجتمع الفلاحون مع ممثليهم على مطلب إنشاء سوق جملة للإفلات من قبضة المضاربين. حيث تعرف أسعار البطاطا في الفترة الأخيرة ارتفاعا محسوسا في أسواق الجملة بالوادي، وصلت إلى عتبة 61 دج، قبل أن تستقر بين 39 و 53 دج، فيما لم تقل عن 70 دينارا بالتجزئة، يحدث ذلك في ولاية تعد أول منتج للبطاطا بنسبة تتعدى 40 بالمئة، ما جعل انعكاسات تراجع الإنتاج وتحكم وسطاء في التسويق تظهر على المستوى الوطني.
روبورتاج: بشير منصر
عزوف عن الشعبة لتفادي خسائر المواسم السابقة
النصر دخلت حقول البطاطا بالودي أين التقينا بالعديد من الفلاحين و أصحاب المهنة من العارفين بخبايا النشاط و الأسعار، حيث قال عدد ممن تحدثنا إليهم بمزارعهم أو في الأسواق حيث يبيعون محاصيلهم، بأنه و خلال هذا الموسم، سجل عزوف عدد معتبر من الفلاحين عن زراعة كافة المساحات المعهودة كل سنة، و ذلك بسبب الأزمات التي أصابتهم خلال المواسم الثلاثة الأخيرة و أدت إلى إفلاس عدد منهم، و جعلت الكثير منهم يتحولون لتجربة محاصيل أخرى ، زيادة عن الرياح التي تعرفها ولاية الوادي خلال الأسبوعين الأخيرين و التي تجبر الفلاحين على وقف عملية الجني.
و اعتبر»حوامد ع» و هو فلاح بأحد المحيطات في البياضة، أن نكسات المواسم الماضية أجبرته على التخلي عن جزء كبير من المساحة التي كان يخصصها كل سنة لزراعة البطاطس و خصصها لخضر أخرى أقل كلفة و لا تتطلب رأس مال كبير على غرار البصل و الثوم، معتبرا الارتفاع الحالي للأسعار، مرده قلة العرض مقارنة بالطلب الكبير على المادة واسعة الاستهلاك و من مختلف ولايات الوطن، خاصة الوسطى منها مثل بومرداس، العاصمة و سطيف.
كما يرى»عمي سالم» فلاح بمنطقة «ورماس»، أن السعر الحالي المتداول، يعتبر عاديا إذا ما تمت مقارنته بتقلص المساحات التي كانت تخصص للبطاطس في منطقته، أين تخلى ما يقارب نصف عدد المنتجين عن هذا النوع من الزراعة ، مؤكدا على أن مساحة كبيرة من مزرعته خصصها هذا الموسم لزراعة الفول السوداني و محاصيل أخرى.
و أضاف ذات الفلاح، بأنه هذا الموسم اختار الخوض في تجربة محاصيل بديلة عن البطاطس و اجتناب الخسائر المتتابعة التي تكبدها رفقة أبنائه خلال السنوات الماضية في ظل الوفرة و غياب آلية لامتصاص الفائض منها بما يضمن فائدة مريحة للفلاح.
مشيرا إلى فشل نظام «السيربالاك» الذي انتهجته الجهات الوصية و الذي لم يكن حسبه في صالح الفلاح الحقيقي الذي أجبر في ذلك الوقت على بيع محصوله بأسعار زهيدة لا تغطي جزءا كبيرا من نفقات الفلاح من يد عاملة، أدوية، مواد عضوية و بذور.
و ذكر عدد من الفلاحين، أن ما تسبب في ارتفاع الأسعار إضافة إلى تقلص مساحتها، هي البذور التي اقتنوها آنذاك بمبالغ تخطت عتبة 200 دج، ناهيك عن الخسائر التي تكبدها آخرون عقب زرعها مباشرة جراء موجة الرياح و الصقيع التي عرفتها الولاية.
ترك المنتوج تحت التراب حتى اقتراب رمضان
أما «أحمد ز» و هو فلاح أيضا من بلدية حاسي خليفة، فقال بأنه و رغم تحسن الأسعار التي تراوحت في أسواق الجملة خلال، آخر 10 أيام، بين 39 و 61 دج و أن لديه كميات معتبرة من البطاطا تفوق مساحتها 25 هكتارا، إلا أنه لم يتعجل في جنيها خوفا من انهيار الأسعار في أي لحظة، مفضلا تركها تحت التراب إلى غاية اقتراب شهر رمضان الذي تفصلنا عنه أقل من 40 يوميا.
و أكد عدد من أصحاب المهنة خلال جولتنا في المزارع و الأسواق، على أن عددا معتبرا من الفلاحين لم يقموا بجني محصولهم إلى غاية نهاية الأسبوع الماضي، لأسباب تتعلق بنقص اليد العاملة و تزامن ذلك مع امتحانات طلبة الجامعة و الثانوية الذين يساهمون في توفير يد عاملة تعمل على شكل مجموعات، تقوم بعملها بعد الاتفاق مع صاحب المزرعة و من سيشتريها الذي يجهز مركباته للشحن المباشر قصد تحويلها لوجهتها المحددة نحو مختلف أسواق الوطن، ناهيك عن عدم نضج كميات أخرى زرعت متأخرة أو لم تنته بعد الفترة المطلوبة لبعض الأدوية المستعملة.
فيما نفى عدد آخر من الفلاحين و حتى التجار، ما يشاع عن أن ارتفاع الأسعار راجع إلى عمليات احتكار أو حتى التصدير، مرجعين ذلك للتراجع الكبير هذه السنة في المساحات المزروعة و التوجه نحو خلق محاصيل أخرى أكثر مردود و أقل خسارة في حال انهيار أسعارها أو تلفها، مثل البصل، الثوم و الفول السوداني.
شاحنات تنتظر لأيام للحصول على الكميات
وأثناء إجراء الروبورتاج صادفنا بعض التجار القادمين من مختلف مدن الشمال لاقتناء كميات من البطاطا، ومن خلال الحديث معهم، قالوا بأنهم وجدوا صعوبات كبيرة هذا الموسم في شراء الطلبيات من حيث الكمية و السعر المتداول، مشيرين إلى ارتفاع تكاليف رحلة البحث عنها بين الأسواق و المحيطات الفلاحية بولاية وادي سوف.
حيث قال «الشريف. ع» و هو تاجر من ولاية بومرداس وجدناه بأحد المسالك الفلاحية بالرباح، أين كان ينتظر دوره في تعبئة شاحنته، بأنه اضطر للمكوث بالوادي لأكثر من يومين وجلب 3 شاحنات، من أجل الظفر بأكبر كمية من المادة ، مشيرا إلى أن الرياح التي تعرفها الولاية، منذ أيام، عرقلت نشاط الفلاحين في جني ما تبقى من محصول هذا الموسم.
كما ذكر آخر يدعى «فؤاد.ب»، أن محصول هذه السنة قليل مقارنة بالسنوات الخمس الماضية التي دخل فيها عالم تجارة الخضر و الفواكه، وكان يتنقل بين الجزائر العاصمة و الوادي لنحو مرتين في الأسبوع الواحد، مضيفا بأن الارتفاع المحسوس في الأسعار متعلق بقلة العرض في جل أسواق الوادي المخصصة لبيع هذه المادة على غرار الرقيبة، ورماس و حاسي خليفة، بالإضافة إلى سوق الرباح و عدد من الموازين التي تحولت هي الأخرى إلى سوق لعرض و بيع البطاطا.
تجار الجملة: تراجع كبير
في العرض وفوضى في السوق
و أكد ممثل تجار الجملة للخضر و الفواكه و عضو المجلس الوطني لاتحاد التجار «إدريس القميري» «للنصر»، على أن سوق الجملة بالوادي، عرفت نقصا كبيرا من حيث الكميات في مادة البطاطا الجديدة، كون الولاية خلال هذا الشهر من كل سنة، تكون الممون الوحيد بهذه المادة للسوق الوطنية، إضافة إلى عزوف الكثير من الفلاحين عن زراعة هذا النوع من الخضر.
و أضاف «إدريس لقميري»، بأن غياب سوق كبيرة للجملة تتناسب مع ما تنتجه الولاية كقطب فلاحي بامتياز، جعل من تجار الجملة القادمين من كل ولايات الوطن، يتنقلون بين بلديات الولاية بحثا عن الخضر و على رأسها مادة البطاطس، حيث اضطر الكثير من التجار للتنقل بين الأسواق و الجسور الوازنة للمركبات و التي تحولت إلى ساحات لعرض و بيع الخضر بدل السوق.
كما أشار ذات المتحدث، إلى المبالغ الكبيرة التي ينفقها التجار على مركباتهم من وقود و أجرة من يقودها، بالإضافة إلى الوضعية الكارثية لشبكة الطرقات بالولاية التي تؤثر على شاحناتهم و تعيق حركة تنقلاتهم، ما تسبب في حوادث مرورية كان آخرها، نهاية الأسبوع الماضي، حيث سجلت مصالح الحماية المدنية حادث سير لشاحنتي نقل بضائع بينها واحدة محملة بمادة البطاطس، آملين في تحسين وضعية هذه الطرقات نظرا لأهمتها في تحريك عجلة التنمية التجارية.
رئيس المجلس المهني لشعبة البطاطا
سماسرة يتحكمون في السوق
رئيس المجلس المهني لشعبة البطاطا بالوادي «يوسف مرخوفي «، ذكر أن مصالحه قامت بخرجات ميدانية بمعية مصالح الغرفة الفلاحية قبيل بدء جني محصول البطاطا لعدد من المحيطات الفلاحية بالولاية، حيث اتضح أن المساحات المسقية المخصصة لزراعة البطاطا، تقلصت بأزيد من 5 آلاف هكتار و التي أرجعها فلاحو الشعبة إلى انتكاسات المواسم الماضية التي أجبرتهم عن التخلي عن زراعة هذه المادة و الانشغال بزراعة مواد أخرى.
و نفى ذات المتحدث أي عمليات احتكار أو مضاربة بالمنطقة تخص مادة البطاطا، قائلا بأن مئات الشاحنات متوسطة الحجم، تخرج يوميا وجهتها مختلف ولايات الوطن محملة بذات المادة، مشيرا إلى أن العواصف الرملية التي عرفتها المنطقة، تسببت في تعليق نشاط الفلاح و ردم العديد من المسالك، ناهيك عن صعوبة نقلها أثناء موسم الرياح.
رئيس شعبة البطاطا، أضاف بأن التصدير يشهد حركة بطيئة جدا في ظل استمرار تفشي وباء «كورونا» و غلق الحدود، عدا بعض المبادرات المحتشمة التي لا تغطي ربما حتى ما ينتج في بلدية واحدة من محصول البطاطس في المنطقة، مقارنة بملايين القناطير التي تنتج بالولاية سنويا.
و عرج «يوسف مرخوفي» على مشكل عدم توفير البذور، الأدوية و الأسمدة بأسعارها الحقيقية و التي تتسبب كذلك في مضاعفة مصاريف الفلاح و تقلل من هامش ربحه أو حتى تؤدي إلى خسارته و إفلاسه في حال وفرة المنتوج الولائي و تشبع السوق المحلية و الوطنية، آملا في تحسن الوضع في مواسم لاحقة و تقنين كل المواد الأولية التي يحتاجها الفلاح.
داعيا الفلاحين، لتنظيم أنفسهم في شكل تعاونيات و مؤسسات، لديمومة القطاع في كل المحاصيل و خاصة المزروعات التي لها علاقة مباشرة بالمواطن العادي على غرار البطاطا، من أجل استقرار سعرها و وصولها بأسعار تناسب جيب المواطن على مدار السنة.
كما أشار «مرخوفي»، إلى أن أكبر مشكل هو غياب سوق جملة كبير يليق بمقام ولاية فلاحية بحجم الوادي بما يحمي الفلاح، التاجر و المستهلك من كماشة السماسرة الذين أصبحوا يسيرون زمام السوق حاليا من خلال توجيه كل قاصدي السوق من تجار و فلاحين لمناطق يسيطرون عليها، في شكل أسواق صغيرة تجعل الفلاح يبيع منتجاته بما يرضي السماسرة.
تجدر الإشارة، إلى أن المصالح المحلية بولاية الوادي، أحصت إنتاج قرابة 10 ملايين قنطار من مادة البطاطس في السنة الواحدة خلال، العامين الأخيرين، على اعتبار أنها تزرع مرتين في السنة الواحدة و بمردود يفوق 200 قنطار في الهكتار الواحد و تشغل عددا معتبرا من اليد العاملة الدائمة و الموسمية بجميع الفئات العمرية.
م.ب