شباب من تمنراست و إليزي ينعشون حرفة صنع معدات النحر
تستقطب عديد شوارع مدينة واد سوف قبيل عيد الأضحى، حرفيين شباب من ولايتي تمنراست و إليزي يصنعون يدويا معدات نحر الأضاحي، و من بينها السكاكين، كما يقومون بشحذ القديمة، في إطار السعي للحفاظ على حرفة تصارع من أجل البقاء، أمام المنتجات المستوردة و المحلية ذات الأسعار التي تعتبر معقولة و في متناول الجميع، مقارنة بما يدفعه الزبون مقابل المعدات التقليدية.
روبورتاج منصر البشير
هذه الحرفة يمارسها عدد من الشباب حطوا الرحال بمدينة الوادي، قادمين من مدينتي تمنراست و إليزي، من أجل الاسترزاق و الحفاظ على حرفة الأجداد من الاندثار، زبائنهم كثر لا يهمهم السعر، بقدر بحثهم عن النوعية، منهم مواطنون عاديون و تجار من أصاحب المطاعم و القصابات، يستغلون وجودهم بالمنطقة لتجديد معدات عملهم.التقت النصر الشاب محمد.أ ، من منطقة عين قزام، ولاية تمنراست، بخيمة بجانب الطريق ببلدية البياضة جنوب الولاية، و هو يمارس حرفته، فقال لنا أنه للسنة الرابعة على التوالي يشد الرحال إلى الوادي، بحثا عن لقمة العيش و التعريف بمهنة أجداده، رفقة بعض أقاربه، مشيرا إلى أنه يصنع السكاكين و السواطير يدويا، إلى جانب سن القديمة منها التي لا يزال معدنها في حالة جيدة و قابلا للاستعمال.
و أضاف المتحدث أنه يمارس عادة حرفته بمحل قار بعين قزام، كحرفي صناعة تقليدية، و جلبت له حرفته عديد الزبائن من ولاية الوادي والمناطق المجاورة لها، من فئتي الجزارين وأصحاب المطاعم بعد أن نالت المعدات التي يصنعها إعجابهم، و أصبحوا يتواصلون معه، حتى خارج الموسم، و يلبي طلبياتهم و يرسلها عن طريق تجار يزورون مدينته.
أما أحمد أهمود، 40 سنة، أصيل مدينة تمنراست، فالتقينا به بمدخل دائرة الرباح، و قال لنا أنه يمارس نفس الحرفة، منذ 15 سنة، رفقة والده، الذي كان يتنقل إلى الوادي و ورقلة قبيل عيد الأضحى من كل عام، للاسترزاق والترويج للحرف التقليدية التي يمارسها، فإلى جانب تطويع الحديد و صنع معدات النحر و شحذها، يطوع الفضة و الجلد، كما أكد المتحدث.
في حين أكد عبد القادر.ه من مدينة إليزي، للنصر، أنه ككل سنة يحضر رفقة أخيه إلى واد سوف، وبالضبط إلى منطقة البياضة، حيث ربط علاقات صداقة عمرها نحو 10 سنوات مع عديد سكانها، و ينصب خيمة بسيطة على قارعة الطريق، لأداء حرفته التي سافر من أجلها، و الاسترزاق و التعريف بحرفة أجداده التوارق، مشيرا إلى أنه يعمل من الصباح إلى غاية الظهر، و بعد صلاة العصر إلى غاية العشاء ، و لا يبالي بِحرارة الصيف. النصر وقفت على الطريقة التقليدية التي يطوع بها هؤلاء الشبان الحديد، و يحولونه إلى سكاكين، سواطير و فؤوس، مستعينين بثلاثية النار، المطرقة و السندان، حيث يتم تسخين قطعة الحديد جيدا إلى أن تحمر، ثم يقومون بطرقها، حتى تأخذ الشكل المطلوب.قال عمي عبد الحفيظ، أنه ككل سنة قبيل العيد بأيام، يبحث عن هؤلاء الحرفيين من أجل إعادة سن معدات نحر الأضحية جيدا، مع تجديد غير القابلة منها للتصليح، حيث يشتري منهم سكاكين تقليدية الصنع، يفضلها على المستوردة ذات العمر القصير، التي لا يمكن سنها، نظرا لنوعية المعدن الذي صنعت به، حسب المتحدث.
أما الحاج مسعود من بلدية الرباح، فقال أنه يملك سكينا تقليديا كبير الحجم اشتراه قبل 25 عاما من مدينة تمنراست، يستعمله فقط لأضحية العيد أو لتقطيع اللحم في بعض المناسبات العائلية، و يقوم بشحذها كل سنة عند الحرفيين القادمين من تمنراست، مشيرا إلى أنهم يطلبون مبالغ اعتبرها رمزية، مقابل منتج ذي نوعية جيدة و عمره طويل.أما عمر.م، صاحب محل لبيع اللحوم الحمراء و البيضاء، فقد تعود منذ سنوات على تجديد و سن عتاد قصابته عند أبناء منطقة تمنراست الذين تعود على استضافتهم كل سنة، و تخصيص مكان لهم للممارسة حرفتهم وآخر لإيوائهم و توفير الأكل و الشراب، ناهيك عن توفير ما يحتاجونه من طلبيات بمدينته، منوها بجسر الصداقة الذي يربطه بهم منذ أكثر من 10 سنوات.
المعدات المستوردة تساهم في قتل الحرفة
كما أشار مواطنون آخرون إلى تخصيصهم أماكن لمبيت الحرفيين، ضيوف المنطقة، مع تزويدهم بالأكل و الشراب طيلة مكوثهم بالولاية، علما بأن بعضهم يعودون إلى ديارهم بعد عيد الأضحى، لعدم توفر وسائل النقل عشية العيد و بعد المسافة، كما أنهم يجمعون ما تيسر من ملابس وأغطية مستعملة أو جديدة ، لنقلها معهم و توزيعها على المحتاجين. جدير بالذكر أن بعض أبناء المنطقة يعرضون خدمة سن معدات النحر بالشوارع و مداخل المحلات، لتقريبها من الساكنة، باستعمال آلة كهربائية، و ذلك من أجل توفير دخل إضافي لعائلاتهم، و يعرضون ذات الخدمة مقابل 50 إلى 250 دج، حسب حجم السكين أو الساطور، و المدة التي تستغرقها العملية الواحدة.في حين يعرض عدد محدود من قاطني القرى و الأحياء الشعبية هذه الخدمة مجانا كل مساء في الطريق العام، فيلتف حولهم الجيران حاملين معدتاهم المنزلية، لتحضيرها ليوم العيد، و الملاحظ أن هذه العادة تقلصت في السنوات الأخيرة، نظرا لتوفر معدات مستوردة جاهزة، تفي بالغرض، و لو أن عمرها قصير، مقارنة بالتقليدية. خلال جولة النصر عبر بعض المساحات التجارية بمدينة الوادي، وجدنا كميات معتبرة من معدات النحر، بمختلف الأنواع و الأحجام، تتراوح أسعارها بين 100 و 1200 دج، يتهافت عليها زبائن قالوا بأنهم لا يبالون بنوعيتها، لأنهم يستعملونها مرة واحدة صبيحة عيد الأضحى.