منذ افتتاحها في شهر أوت الماضي في العاشور، بإقليم بلدية درارية، استطاعت المدينة الترفيهية " فانتازيا لاند " أن تحقق التميز لتصبح إحدى أهم الفضاءات السياحية في الجزائر العاصمة، الأكثر استقطابا للعائلات ومختلف فئات الزوار الباحثين عن الفرجة والمتعة والذهاب في رحلة عبر الزمن، سيما وأنها مصممة تصميما فريدا يجعلك تشعر وكأنك في حصن قديم أو داخل إحدى الحضارات القديمة.
روبورتاج: عبد الحكيم أسابع
تم إنشاء هذه المدينة الترفيهية الواقعة بالمركز الجزائري لتطوير السينما بالعاشور، في البداية كمدينة سينمائية أو كأستوديو مفتوح لتصوير مشاهد الأفلام التاريخية والسلسلات التلفزيونية التي تدور قصصها في أزمنة ماضية مختلفة، إلا أن قلة هذه الإنتاجات جعل القائمين على المركز الجزائري لتطوير السينما يفكرون أخيرا في استثمار تلك الديكورات المتميزة التي لا تختلف عن ديكورات أشهر مدن الإنتاج السينمائية عبر عديد البلدان سيما العربية منها، يفكرون في تحويلها إلى فضاء ثقافي وتربوي وترفيهي بامتياز، يجمع بين الألعاب والمرافق الثقافية والترفيهية المتنوعة تماما مثل المدن الترفيهية الشهيرة في العالم.
ثمرة شراكة مع شركة ناشئة
وجاءت هذه المدينة الترفيهية حسب زين الدين عرقاب، مدير المركز الجزائري لتطوير السينما، كثمرة للشراكة ما بين المركز، الذي يوجد تحت وصاية وزارة الثقافة والفنون، والمؤسسة الناشئة «بي 4» للإعلام والإشهار، مبرزا بأن الهدف من إنشائها جاء للترويج وإبراز أماكن التصوير التي يتوفر عليه هذا الفضاء، لمهنيي السينما الجزائرية وحتى الأجنبية ومنتجي مختلف الأعمال التلفزيونية وغيرها من الإنتاجات السمعية البصرية الترفيهية منها والثقافية والتاريخية، فضلا عن توفير فضاءات ترفيهية ومتنفس ثقافي وفني للعائلات الجزائرية.
وهكذا وبعد توفير فرص استثمارية بداخلها للشباب والحرفيين تحول هذا الفضاء الذي تم إنشاؤه أول مرة كأستوديو مفتوح بديكوراته المتميزة، ذات الطابع التاريخي، من أجل تصوير فيلمي " عبد الحميد بن باديس " و " أحمد باي " وبعدهما تصوير مشاهد من سلسلة عاشور العاشر، إلى مدينة ترفيهية تحت مسمى " فانتازيا لاند " بعدما ازدان بألعاب موجهة للصغار والكبار إلى جانب العديد من المحلات التجارية والمرافق التي تقدم مختلف الخدمات للزوار، فضلا عن ورشات مختلفة تنشطها العديد من المواهب المبدعة في المجالات الفنية والحرفية والتراثية.
عندما يجد الزائر نفسه في رحلة عبر الزمن
بمجرد الدخول إلى الفضاء الواسع الذي يضم مبنى المركز الجزائري لتطوير السينما، المتواجد على الطريق الرابط بين حي واد الرمان والعاشور، على بعد بضعة مئات من الأمتار عن الطريق السريع ( زرالدة - بن عكنون)، سينبهر أي زائر لا محالة ومنذ الوهلة الأولى برؤية واجهة " فانتازيا لاند" في الجهة الجنوبية، كونها لا تختلف عن واجهات القصور أو بالأحرى الحصون التاريخية. وبالولوج إلى داخل البناية سيحظى أي زائر لا محالة بتجارب مميزة وممتعة حيث سيجد في هذا المكان ديكورا أصيلا يذكّر بقصور الجزائر القديمة، ومساحات مقسمة وفق أبواب تحمل تسميات مدن الجزائر ومناطقها المتنوعة على غرار «باب الدزاير، باب الغرب، باب لالة، باب الأوراس، باب الخير، باب الصحراء، باب القبائل، باب السلطان، باب المزاب» ، توفر خدمات ومرافق من أجل تحفيز الجمهور على زيارتها وحثهم على استغلال الفضاء للتعلم والمشاركة في برنامج ترفيهي تم تسطيره من أجل حسن استغلال المكان.
ولعل ما يثير انتباه الزائر أكثر بعد التجوال في الساحة التي تتوسط " فانتازيا لاند" والغوص أكثر في تفاصيل المكان نحو الداخل، سيصل به المطاف إلى أزقة ضيقة يشعر وهو يشقها بمتعة كبيرة وكأنه يشق أزقة المدينة القديمة بقسنطينة التي ما يزال الكثير منها يحافظ على طابعه منذ خمسة قرون، أي منذ العهد العثماني، ما يشعره و كأنه في رحلة زمنية إلى الماضي.
وبالتغلغل أكثر نحو الداخل سيقابلك نفق أرضي جذاب ولواحق أخرى لا تختلف عن بعض مرافق " برج الأبطال أو حصن بويار" الفرنسي والذي هو موقع تصوير برنامج الألعاب التلفزيوني المعروف، المسمى باسمها، سيما وقد وجهت هذه المرافق في " فانتازيا لاند " لممارسة ألعاب ترفيهية، موجهة للشباب تماما مثل تلك التي يتوفر عليها "حصن بويار"، كلعبة البحث عن الكنز والألعاب التي تتطلب التركيز والمهارة اليدوية.
وتضم المدينة التي تتربع على مساحة تقارب 3400 متر مربع، بالإضافة إلى الألعاب المتواجدة في الخارج والداخل أيضا، الموجهة للصغار والكبار، من بينها ألعاب الرمح، وألعاب الفانتازيا العديد من المحلات التجارية والمرافق التي تقدم خدمات مختلفة للزوار ومعارض تقليدية.
برامج فنية ثرية... وأماكن للراحة والاستجمام والمتعة
ومن أجل تحقيق المزيد من المتعة وإشباع نهم الزوار من العروض المختلفة سطرت الجهة القائمة على مدينة " فانتازيا لاند " برنامجا يوميا يتنوع بين العروض السينمائية التي تقدم مجانا للجمهور بالتنسيق مع المركز الجزائري لتطوير السينما وذلك باستغلال الشاشة الكبيرة التي وضعت في الهواء الطلق من أجل تشجيع العائلات على المتابعة والتقرب من الفن السابع. وفي هذا الصدد يؤكد مدير المركز الجزائري لتطوير السينما، بأن كل عروض الأفلام التي تقدم للجمهور خارج البناية "مجانية"، مشيرا إلى أن كل الأفلام من كلاسيكيات السينما الجزائرية وإنتاجاتها الحديثة أيضا، وأضاف بأن إدارته بصدد دراسة مشروع مستقبلي مع المسرح الوطني الجزائري لتقديم عروض مسرحية للزوار. أما في الداخل فيتم تقديم عروض غنائية من الفن الجزائري الأصيل دون غيره من الطبوع الغنائية الأخرى، إضافة إلى تخصيص مساحات موجهة للعروض الحرفية والمنتجات الفنية الجزائرية إلى جانب فضاء افتراضي تفاعلي يسمح للشباب بالتفاعل، وهذا الفضاء الأخير خاص بالشباب أصحاب المؤسسات الناشئة الذين يشتغلون في مجال تطوير الألعاب الافتراضية.
وإلى جانب ذلك سيتمكن الزائر من استكشاف متحف مفتوح يتوفر على أدوات السينما القديمة، كالكاميرات والألبسة التي تم استعمالها في تصوير فيلمي " ابن باديس " و " أحمد باي "، وبطبيعة الحال فإن كل زائر بإمكانه أن يرتدي أي من هذه الألبسة القديمة والتقاط صور للذكرى. كما سيجد الأطفال الصغار ضالتهم للاستفادة من مختلف الورشات الخاصة بهم، كورشات الكتابة والرسم، والاستماع للقصص المشوقة التي تقدمها الحكواتية، وغيرها من الفقرات والعروض الموجهة إليهم.
و يسعى القائمون على المدينة – حسب محدثنا - بدعم الفضاء العائلي بعروض أخرى على غرار معرض مميز للفن التشكيلي، خاصة فن الزخرفة والمنمنمات والنحت و التصميم وغيرها من التخصصات التي تنبض بالإبداع وهذا وبالشراكة مع مدرسة الفنون الجميلة بالجزائر العاصمة، إضافة إلى عروض سينمائية بتقنية حديثة ومتطورة متعددة الأبعاد تسمح لمن يستعملها بمشاهدة سينمائية مميزة وخيالية تنبض بالإبداع.
من استوديوهات تصوير إلى فضاء للترفيه والمتعة
أما عن ظروف إنجاز هذا الديكور السينمائي الذي تم تحويله إلى مدينة " فانتازيا لاند" فقال مدير المركز الجزائري لتطوير السينما بأن تصميمه قد جاء خصيصا لتصوير مختلف المشاهد الخارجية للفيلم التاريخي " ابن باديس"، الذي أنتجته وزارة الثقافة والفنون، في 2016، وأخرجه المخرج السوري باسل الخطيب.
كما تم استغلال هذا الديكور لتصوير الفيلم التاريخي الضخم" أحمد باي "، للمخرج الإيراني، جمال شورجة، وكذا فيلم " الحناشية " لبوعلام عيساوي الذي يحكي قصة زوجة آخر بايات الجزائر، وكذا فيلم " العشيق " للمخرج عمار سي فضيل الذي يروي حكاية خيالية بوليسية خلال فترة ثورة التحرير، فيما كان آخر استغلال لذات الديكور المفتوح لتصوير بعض مشاهد قصر سلسلة ‘’عاشور العاشر’’ للمخرج جعفر قاسم.
ونظرا لتوقف مشاريع إنتاج الأفلام داخل هذا الفضاء، جاءت الفكرة – حسب السيد عرقاب – لتحويله إلى استثمار يوفر مداخيل ومناصب شغل لعشرات الشباب، وذلك من خلال إنشاء مدينة ترفيهية، سياحية، توفر متنفسا ثقافيا وفنيا للعائلات الجزائرية، والترويج بالتالي وبطريقة مبتكرة لهذا الفضاء الهام الموجه في الأصل لتصوير الأفلام والمسلسلات التاريخية. تجدر الإشارة إلى أن أسعار الدخول إلى ‘’ فانتازيا لاند قد حددت بـ 500 دينار للشخص الواحد و 800 دينار لشخصين و 1500 دينار لأربعة أشخاص، فيما يعفى الأطفال الصغار من دفع ثمن التذاكر.