يزرع مراد عرنون، ابن منطقة أولاد يحيى خدروش، بولاية جيجل الزعفران الثمين و يكرس نشاطا نادرا في المنطقة، فقليلون جدا هم الفلاحون الذين يملكون مساحات لزراعة ما يعرف بالذهب الأحمر نظرا لصعوبة المجال، مع ذلك استطاع الشاب النجاح في التجربة التي دخلها من باب الفضول أول مرة، ليتحول مع الوقت وبفضل المثابرة إلى واحد من بين أهم المنتجين، بفضل ما يجنيه سنويا من كميات معتبرة، آملا في تطوير نشاطه بالحصول على أرض فلاحية و التكتل مع منتجين آخرين بغرض تسهيل عملية التصدير و تجاوز عراقيل السوق المحلية.
كـ. طويل
تخفي جبال ولاية جيجل العديد من التجارب الفلاحية الناجحة التي أبدع الفلاحون في تحقيقها من غراسة للفواكه الموسمية و الأشجار النادرة و صولا إلى النباتات الثمينة و التي قليلا ما يغامر فلاحون بالاستثمار فيها، وتعد تجربة الشاب مراد من بين القصص الملهمة، حيث تمكن من تحقيق حلمه في إنتاج الزعفران واستطاع الصمود في المجال لسنوات.
يملك الفلاح مساحة للغرس على مستوى منزله العائلي ببلدية أولاد يحيى خدروش أين زرناه مؤخرا، وفتح لنا قلبه للحديث عن قصته مع إنتاج الذهب الأحمر، وكان قد شدد علينا بضرورة الوصول مبكرا إلى نقطة اللقاء وقال إن الموعد يجب ألا يتجاوز التاسعة صباحا، وذلك لأنها الساعة التي تسبق تفتح زهور الزعفران وما يتبع ذلك في مراحل الجني التي تستحق فعلا مشاهدة كل تفاصيلها.
فضول غراسة الزعفران
قال مراد، بأنه انطلق في زراعة الزعفران سنة 2017 و بكمية قليلة لا تتجاوز 10 كلغ، حيث أعطت النباتات نتائج لم يكن يتوقعها خلال السنة الأولى، معلقا على الأمر : « قمت باقتناء الشتلات من شخص بولاية سطيف، أخبرني بأنه أحضرها من هولاندا، وقد كان الفضول هو ما دفعني لزراعة الزعفران حينها ولم تكن التجارة غايتي، ما شدني للمجال أول مرة كان وثائقيا شاهدته على إحدى القنوات فأردت التجربة، ثم تبين لي من أول سنة بأن المدخول يمكن أن يكون جيدا في حالة نجاح الزراعة».
يواصل : « لم أكن متخوفا من الأمر بالرغم من غلاء الشتلات، فقد قررت أن أغامر منذ البداية و لذلك اخترت الانطلاق بكمية معينة من الزعفران»، وصف محدثنا التجربة بأنها فريدة من نوعها و ممتعة، رغم أن هناك من بين أقربائه و أصدقائه من راهنوا على فشلها، لأن الزعفران من النشاطات الفلاحية التي لم تعرفها الولاية، إلا أن عزيمة مراد و إصراره جعلاه يتابع العمل ويبحث عن كل معلومة مفيدة ويتعلم تقنيات الزراعة و طرق محاربة الفطريات و الأضرار المحتملة، حتى إنه استشار أستاذا بجامعة جيجل قدم له كما قال، العديد من الملاحظات و الأفكار التي جعلته ينجح في بداياته، زيادة على ذلك فقد سعى الشاب إلى تطوير بعض التقنيات بمفرده ما سمح له بالحصول على البصيلات الجديدة من شتلاته دون الحاجة إلى شراء المزيد، قال :« لجأت للتشتيل و التوسيع من دون شراء كمية إضافية من البصيلات، لأن كل بصيلة تقدم ما يقرب سبع بصيلات أخرى و من دون تدخل كيميائي، لأن استخدام مثل هذه المواد يمكن أن يؤثر على العشبة ويخفض جودتها، لذلك لابد من اتباع تقنيات معينة لحمايتها عبر سقيها وفق معدل مدروس و برنامج عملي».
السر في الاعتماد على النفس و توجيهات المختصين
وأوضح، أن زراعة الزعفران مشابهة لزراعة أي نوع من النباتات لكن الزعفران يتطلب كثيرا من الحذر، كونه يتعرض للأمراض الفطرية، مع ذلك يتعين على الفلاح تجنب التدخلات الكيميائية، علما أن مدة حياة النبتة تمتد من شهر سبتمبر إلى غاية شهر ماي، يدخل بعدها في مرحلة السبات، و في تلك الفترة يتم نزع البصيلات و استخراجها من أجل التوسيع، حيث يبيع مراد البصيلات الجديدة للراغبين في شرائها.
أما بالنسبة للزراعة فتنطلق، في منتصف شهر أوت إلى غاية منتصف سبتمبر، و يدوم الجني لمدة شهر من 20 أكتوبر إلى غاية 20 نوفمبر في أغلب الأحيان.
يبدأ الفلاح في قطف الأزهار صباحا قبل شروق الشمس، عندما تكون « نائمة » أو قبل تفتحها حتى يضمن الجودة، حيث ينزع المياسم بعناية شديدة من الزهرات التي تتوفر كل واحدة منها على ثلاث منها تقريبا، وهي عبارة عن شعيرات رقيقة، وقد أخبرنا، أنه يقوم بقطف ما يقارب 50 زهرة، ليتمكن من جني ما يعادل غراما واحدا من الزعفران، حيث يجمع الزهرات ويجففها في الظلام لفترة من الزمن قبل أن يحضر المنتج النهائي.
التسويق الهاجس الأكبر
قال مراد، إن التسويق يعتبر الهاجس الوحيد بالنسبة لمنتجي الزعفران في الجزائر، و بسبب صعوبته، فقد تخلى البعض عن النشاط نهائيا و عبر العديد من الولايات، خاصة في ظل غلاء الأسعار و قلة الطلب، موضحا بأن سعر الكيلوغرام الواحد من الزعفران يناهز 350 مليون سنتيم، لذلك يصعب إيجاد زبائن حقيقيين معلقا « نجد صعوبة كبيرة في بيع المنتوج، بسبب قلة المشترين عبر التراب الوطني، فالزبائن معروفون وغالبيتهم باعة الأعشاب الطبية الذين يقتنون الزعفران بكميات قليلة، ولذلك تأخذ عملية البيع مدة طويلة، رغم أن هذا المنتج مطلوب في السوق العالمية أين يصل سعر الكيلوغرام إلى مليار ونصف المليار سنتيم تقريبا، مع ذلك يبقى السعر منخفضا في الجزائر بسبب محدودية الطلب وضعف الاستهلاك والجهل بأهمية الزعفران»، و ذكر محدثنا، بأن التسويق يكون وطنيا في الغالب ولا يقتصر على منطقة بعينها، حيث يأمل في أن تدعم الدولة هذه الشعبة أكثر عبر تأسيس ديوان لمنتجي الزعفران، و المرور إلى تصديره بكميات كبيرة، كما يتمنى أن يستفيد من قطعة أرض لزراعة كميات أكبر. محدثنا قال، بأنه لا يبخل بما يعرفه من معلومات وتقنيات زراعية على أحد بما في ذلك زملائه الفلاحين و حتى الفضوليين الراغبين في تعلم زراعة الزعفران، وقد سعى إلى نقل التجربة لبعض المزارعين لكن الغالبية فشلوا، بسبب التسرع والتهاون أو عدم مراعاة التفاصيل الدقيقة التي تقتضيها هذه الزراعة.
قيمة عالية
وتشير المعلومات الطبية، إلى أن المكونات النشطة التي يحتوي عليها الزعفران وقيمته الغذائية العالية تعززان فوائده العلاجية، حيث يدخل في صناعات الأدوية ويعتبر مصدرا لقيم غذائية مهمة، و قد أظهرت بعض الأبحاث أن المادة النشيطة التي يتوفر عليها الزعفران والمعروفة باسم «السافرانال» بالإضافة إلى مجموعة من مضادات الأكسدة، تمنحانه فعالية قوية في مجال مكافحة السرطانات كما أنها مواد مضادة للتشنجات والاكتئاب، فضلا عن غناه بالمنغنيز لتنظيم السكر في الدم و استقلاب الكربوهيدرات، وامتصاص الكالسيوم، كما أنه يساعد في تشكيل الأنسجة والعظام والهرمونات الجنسية، ويعد مصدرًا للحديد المهم لتكوين الهيموجلوبين و تعزيز تغذية الخلايا في الجسم ونقل الأكسجين والتخلص من الفضلات. زيادة على أن محتواه من فيتامين «ج» والكاروتينات، يجعل له ميزة في مكافحة العدوى، أما محتواه من فيتامين « ب6 « فيساعد على تكوين خلايا الدم الحمراء ويعزز عمل الأعصاب، و يفرض البوتاسيوم توازن السوائل في الجسم والسيطرة على ضغط الدم وتعزيز عمل الأعصاب، كما أن له فوائد في علاج أمراض الربو. وقد يساهم تناول الزعفران في توسع القصبات الهوائية لمريض الربو مما يسهل عملية التنفس، و يكون تناول الزعفران مفيد جدًا لمرضى القلب وضغط الدم، بفضل محتواه العالي من النحاس والبوتاسيوم والمنغنيز والحديد والزنك و المغنيسيوم.
ويعتبر الزعفران بشكل عام، آمنا للاستخدام بالنسبة لأغلب الأشخاص عندما يتم تناوله على شكل توابل في الطعام وباعتدال، أو تناوله عن طريق الفم كدواء لمدة تصل إلى 6 أسابيع، يبقى تناول كميات كبيرة منه عن طريق الفم غير صحي، وقد يؤدي إلى ظهور بعض الآثار الجانبية. كـ. ط