يعتبر سعيد بوفليغة، من بين الفلاحين القلائل الذين يزرعون القسطل بإقليم ولاية جيجل، وقد يكون الوحيد ربما الذي يولي أهمية بالغة لهذه الشعبة بمزرعته الواقعة بأعالي بلدية سيدي معروف، شرقي الولاية، أين ينفرد بإنتاج نوعية جيدة من الفاكهة، يعرضها خلال الفعاليات و المعارض الفلاحية السنوية، خصوصا وقد قضى أزيد من 40 سنة محافظا على الأشجار المنتجة التي ورثها عن والده و استثمر فيها كثيرا ليوسع مساحتها.
ثمرة عنيدة يصعب جنيها
لا يعتبر إنتاج الكستناء أو القسطل من الشعب الزراعية الشائعة بجيجل، وذلك لأنها فاكهة شحيحة المحصول و تتطلب مناخا معينا كي تنمو، على اعتبار أن الموطن الأصلي لشجرة القسطل هو أوروبا الجنوبية و شمال إفريقيا، إذ تنمو الكستناء بصورة طبيعية في المناطق الجبلية متوسطة الارتفاعات وتتحمّل أشعة الشمس، و هي من الأشجار النافرة من الكلس الفعال، فلا تناسبها الأتربة الغنية بكربونات الكالسيوم، ولذلك فمن الصدف أن تسمع عن فلاح بإقليم ولاية جيجل و تحديدا بأعالي بلدية سيدي معروف، يقوم بإنتاج هذه الفاكهة، كما يفعل سعيد، الذي استطاع الحفاظ على أشجار ورثها عن والده وطور نشاطه ليبلغ اليوم ما يعادل 100 شجرة، عمل طيلة 40 سنة على الاعتناء بها وحمايتها وتوسيع نطاق غرسها.
تنقلنا إلى البلدية ، بعد مرور أزيد من نصف ساعة سيرا بالمركبة وصلنا إلى منطقة « تقوسام» الجبلية أين تقع مرزعة الفلاح بوفليغة، الذي وجدناه منهمكا في نشاطه يعتني بأشجار حديثة، و يساعد بعض الشباب على جني محصول القسطل الناضج.
بدأ سعيد و مساعده في التقاط الثمار المتساقطة من الأشجار على الأرض وقد كان عددها كبيرا، وأخبرنا مساعده، بأنه لا يمكن قطف ثمار القسطل من الشجرة مباشرة بسبب صعوبة الأمر لذلك يتم الاعتماد على الطريقة التقليدية وانتظار تساقط الحبات أرضا أو رج الأغصان لتتخلى عن ثمارها، بعدها تستخدم القفازات وحتى الأرجل أحيانا لفصل الثمرات عن الأشواك التي تحيط بها والتي تعيق استخدام اليد مباشرة للعمل. و حسب محدثنا فإن « القسطل عبارة عن ثمرة محاطة بغلاف قاسٍ مثل البلوط، تنبت داخل قوقعة شوكية تحوي كل واحدة منها على حبتين أو ثلاثة مما يجعل جنيها صعبا، و لذلك نعتمد على القفازات أو الأرجل، و يتطلب جنيها الكثير من الوقت و الصبر، كما تساعدنا النسوة في عملية الجني».
أربعون سنة من العناية بأشجار الكستناء
أما الفلاح سعيد فقال لنا واصفا عمله : « أستثمر في زراعة القسطل منذ سنوات عديدة، هي أشجار نادرة يعود تاريخ تواجدها بالمنطقة إلى مرحلة الاستعمار، وقد صمدت إلى غاية الاستقلال كان والدي الوحيد الذي يعتني بها، و في الثمانينيات من القرن الماضي، انتقلت مسؤوليتها إلي، بعدما تعلمت منه كل أسرار الزرع و الحصاد».
وأضاف محدثنا، بأنه قام بزراعة عدد معتبر من الأشجار خلال السنوات الماضية، ليرتفع العدد من 40 شجرة ورثها عن أبيه إلى 100 شجرة في الوقت الحالي، مشيرا إلى أن القسطل غير موجود عبر إقليم البلدية و حتى في باقي المناطق الأخرى ولائيا، لذا يعد الوحيد كما أكد، الذي ينتجه في الولاية بعكس وفرته بكثرة في ولاية سكيكدة و منطقة القل، وقال، بأن بعض الفلاحين المحليين حاولوا زراعة أشجار القسطل في أراضيهم لكنهم لم يوفقوا في العملية لعدة عوامل أهمها أنه أشجار الكستناء يجب أن تحاط بأشجار البلوط، وذلك فقد طلبت منه مصالح الغابات توفير بعض الأشجار المثمرة لأجل زراعتها في مناطق متفرقة من الولاية قصد تنويع الثروة الغابية.
محدثنا، أوضح بأن الاعتناء بأشجار القسطل يتطلب الصبر و المثابرة بشكل مستمر على مراحل عديدة بداية برعاية الشجرة وحمايتها لتكبر، كما يتوجب ضمان سقيها بشكل متواصل خلال موسم الاصطياف للحفاظ عليها، مضيفا بأن المدة بين الغرس و جني الثمار تقارب 3 سنوات، أما الحصول على محصول جيد من الشجرة فيتطلب من البداية غرس ثمرة جيدة و بطريقة علمية تضمن الحصول على شتلة نوعية.
وفيما يتعلق بعملية الجني، فإنها تنطلق عندما تنضج الفاكهة كما قال، وتبدأ في التساقط مع نهاية شهر سبتمبر، فتجمع الحبات بالطرق التقليدية لكي لا تتضرر، مضيفا بأن تسوق الكستناء لا يتطلب جهدا لأنه « منتوج يبيع نفسه، فالزبائن أوفياء للمزرعة من سنوات، وما يتبقى من المحصول يباع في الأسواق».
و يأمل الفلاح مستقبلا في توسيع نشاطه و غرس أشجار أخرى.
فوائد عديدة لثمرة واحدة
من جانبه، قدم لنا أحمد، وهو فلاح آخر من منطقة سيدي معروف، مهتم بتطوير العديد من النشاطات الفلاحية، معلومات حول أهمية هذه الثمرة، مشيرا إلى أن للقسطل فوائد غذائية عديدة، كونه غني بفيتامين «ب» و غني بالألياف، ويُستخدم في علاج المعدة والمعي الغليظ، كما يساعد على إعادة بناء أنسجة الجسم ويقاوم الهزال ويعالَج حالات تقيّح الأسنان وأمراض اللثة، و من فوائده المعروفة علاج حالات السعال الشديد والتشنج وحالات التهاب الجهاز التنفسي، و الحفاظ على سلامة الأوعية والشعيرات الدموية، و تستعمل أوراقه في الطب البديل لعلاج الحمى والروماتيزم والأوجاع، فيما يُصنع من ثماره نوع من الفرينة ذات الجودة العالية، لتحضير الخبز وبعض الحلويات.
و تعرف بعض الولايات الجزائرية، في هذه الفترة، انتشارا واسعا لطاولات بيع ثمرة القسطل التي يقبل على شرائها المواطنون من كل الأعمار للذّتها وطعمها الشهي، حيث تؤكل مشوية على الجمر، وهو ما يعطيها نكهة خاصة ومذاقا رائعا، و يقدر سعر الكيلوغرام الواحد في الأسواق بـ 400 دج.
و تشير أبحاث، إلى أن سرعة نمو شجرة القسطل تتفاوت حسب العمر، فيكون النمو سريعا في السنوات الأولى بعد الزراعة، ثم يصبح أبطأ مع تقدم الأشجار في العمر، ليصير بطيئاً جداً عندما يبلغ عمر الشجرة نحو 80 سنة، ويمكن أن تعمر الكستناء مئات السنين، وأن تعطي فسائل على الجذع بعد قطع الشجرة الأم ويمكنها النمو والتحول إلى أشجار قوية وجيدة.
وتصبح الكستناء المطعمة مثمرة في سن 5 إلى 8 سنوات، و تثمر على الطرود الثمرية، وتراوح المدة بين ظهور الأوراق في بداية الربيع ونضج الثمار بين 150 و170 يوماً، و تبلغ ذروة إنتاجها في عمر 40 إلى 60 سنة، وتنضج الثمار بين شهري سبتمبر و نوفمبر حسب الشروط المناخية والتغذية، و تنمو الكستناء في البلدان المعتدلة، ولكنها تخشى الحرارة المرتفعة والجفاف المتواصل، تقاوم برد الشتاء الشديد، وتعاني التجمد في بداية سريان العصارة عند وقوع الصقيع الربيعي، تزهر في درجة حرارة 15 إلى 18 درجة، و تنتشر على ارتفاعات تراوح بين 0 و2000م، ولكن أساساً بين 700 و1200م فوق سطح البحر، ولكي تتشكل الثمار وتنضج طبيعيا، لابد من ثبات درجة الحرارة وانتظامها.
تفضل أشجار الكستناء المنحدرات المشمسة في المناطق الجبلية، ويتسبب التعرض المباشر للأشعة الشمسية لمدة طويلة في احتراق الأوراق وتساقطها، كما أنها شجرة تخشى الرياح القوية والجافة وارتفاع الرطوبة الجوية جدا.
كـ. طويل