مكانة الجزائر كشريك طاقوي موثوق تعزّز مكاسبها الدبلوماسية
نجحت الجزائر قبل أيام في كسب تأشيرة الدخول لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة، الأمر الذي يشكل انتصارا جديدا يُضاف إلى سلسلة الانتصارات الدبلوماسية للجزائر بقيادة الرئيس عبد المجيد تبون، وكانت الجزائر بفضل تواجدها القويّ في الساحة الطاقوية العالمية، قد تجاوزت بنجاح عديد المنعرجات في وضع جيوسياسي مضطرب، أبرزها مسألة توريد الغاز نحو إيطاليا ومن ثمة نحو الشركاء في أوروبا، وتواصل الجزائر في المقابل تأمين حاجياتها الطاقوية من خلال سلسلة اكتشافات جديدة بادرت إليها شركة سوناطراك، مع نجاح شركة سونلغاز في تأمين حاجيات الجزائر من الكهرباء، إضافة لما شُرع فيه اليوم في سياق التحضير السلس نحو انتقال طاقوي يضمن احتياجات البلاد من الطاقة البديلة ويوفر لها طريقا آخر نحو العملة الصعبة.
إعداد: أحمد ذيب
انتصارات دبلوماسية متتالية بانتخاب الجزائر عضوا بالوكالة الدولية للطاقة الذرية
حققت الجزائر مكاسب دبلوماسية، حتمية للسياسة الرشيدة لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، مدفوعة بصفتها شريكا موثوقا فعالا وصمام أمان للعديد من الدول في مجال الطاقة، ومن المكاسب التي تحققت في الأيام الماضية للجزائر انتخابها عضوا في مجلس حقوق الإنسان وكذا عضوا غير دائم في مجلس الأمن الدولي.
ما تم تحقيقه في الدبلوماسية الطاقوية التي تعتبر إحدى مسارات السياسة الخارجية للجزائر، وهو ما توّج الدورة الـ67 للمؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية المنعقدة بالعاصمة النمساوية فيينا، أين تم انتخاب الجزائر بالإجماع كعضو في مجلس محافظي الوكالة للفترة الممتدة من سنة 2023 وحتى سنة 2025، وحظيت بدعم المجموعة الإفريقية للمندوبين الدائمين لدى الوكالة بفيينا، ونجحت الدبلوماسية الجزائرية في المجال الطاقوي في تجاوز منعرج توريد الغاز نحو أوروبا عبر بوابة إيطاليا، وعدم رضوخها لأية مساومات، وتوسيعها لدائرة زبائنها على الساحة الدولية خاصة خلال الأزمة الأوكرانية الروسية، كما أنها خلال هذه الأزمة كانت وفية لجميع تعهداتها والتزاماتها التموينية لشركائها بعيدا عن الأزمات الجيوسياسية التي مست عديد الدول.
تأمين الطاقة باكتشافات جديدة لشركة سوناطراك
و تواصل الجزائر تأمين الإمكانات الطاقوية لديها، خاصة ما تعلق بالمحروقات التي تعتبر المورد الأول للعملة الصعبة، وتشير أرقام كشفت عنها شركة سوناطراك أن تعداد الاكتشافات الجديدة للمحروقات بلغ خلال السداسي الأول من السنة الجارية قرابة 10 اكتشافات، ومن المنتظر أن يرتفع عدد الاكتشافات بنهاية السنة الجارية ليتجاوز ذلك المحقق خلال السنة الماضية والمقدر بـ15 اكتشافا في مجال المحروقات، ليرتفع بذلك عدد الاكتشافات في مجال المحروقات سواء من طرف مجمع سوناطراك أو من طرف شركائها خلال الأربع سنوات الماضية إلى قرابة 50 اكتشافا، ومن شأن هذه الاكتشافات التي تعرف تدفقا لابأس به للنفط والغاز، أن تضمن حاجيات الجزائر من النفط والغاز على المدى البعيد، ومن شأن ذلك أيضا وفق ما أكده خبراء في مجال الطاقة للنصر أن يعزز مكانة الجزائر في الساحة الدولية، نتيجة لضمانها الأمن الطاقوي لزبائنها على المدى البعيد، وتشير الأرقام التي بحوزتنا أن الاكتشافات الجديدة للسنة الماضية فقط مكنت من الوصول إلى بلوغ إنتاج أولي للنفط بلغ 189.6 مليون طن في وقت بلغ حجم إنتاج المكثفات خلال سنة واحدة 8.1 مليون طن، في حين قدر حجم إنتاج البترول المسال في الفترة نفسها 8.3 مليون طن، وبلغ الإنتاج الإجمالي للغاز الطبيعي أزيد من 132 مليار متر مكعب بالمجهودات الخاصة بمجمع سوناطراك إضافة إلى قرابة 23 مليار متر مكعب بمجهود من شركائها، ويبلغ بذلك احتياطي البترول بالجزائر قرابة 12 مليار برميل في الوقت الذي تقدر احتياطات الغاز بأزيد من 4500 مليار متر مكعب.
ارتفاع محسوس لتواجد الغاز الجزائري في السوق الأوروبية
تُشير إحصاءات نشرها الموقع المختص في الإحصاءات الأوروبية «أوروستات»، تخص الثلاثي الثاني من السنة الجارية، أن تواجد الغاز الجزائري في السوق الأوروبية في ارتفاع محسوس، أين بلغت حصة الغاز الجزائري نسبة 16.5 بالمائة، واحتلت بذلك الجزائر المرتبة الثالثة في تموين السوق الأوروبية بالغاز بعد كل من النرويج وبريطانيا، وسجلت حصة الجزائر نموا بنسبة 9.3 بالمائة، في الوقت الذي بلغت حصتها من الغاز الطبيعي المسال في السوق الأوروبية 9.9 بالمائة مرتفعة بنسبة 1.0 بالمائة خلال الثلاثي الثاني من السنة الجارية مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية، ومن خلال الأرقام والمؤشرات الحالية فالاكتشافات الجديدة لحقول الغاز في الجزائر، سيسمح بالتواجد أكثر للغاز الجزائري في أوروبا، وهو ما من شأنه أن يحقق الأمن الطاقوي للعديد من الدول التي تستهدف الغاز الجزائري في السوق.
مقومات طاقوية ومؤهلات تؤمن للجزائر حاجياتها
أجمع خبراء في مجال الاقتصاد والطاقة تحدثت إليهم النصر، أن الجزائر البلد القارة يمتلك من المؤهلات الطاقوية ما جعلها لاعبا محوريا في السياسة الطاقوية، وباتت عنصرا مهما ضمن المنظمات الدولية حتى أن قراراتها السيادية ساهمت في العديد من المرات في استقرار الأسعار، ناهيك عن الاستثمارات الضخمة والورشات المفتوحة الرامية لتعزيز الأمن الطاقوي بالجزائر، ويعتبر مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء خط غالسي خط الغاز الجزائري النيجيري العابر للصحراء واحدا من أهم المشاريع الحيوية التي ستجعل الجزائر بحسب تأكيدات خبراء في المجال الطاقوي أهم مركز إقليمي للغاز خلال السنوات القادمة بتصدير 150 مليار متر مكعب سنويا، وستنجح من خلاله في خلق توازنات جيوسياسية في منطقة حوض المتوسط، ناهيك عن عديد الاستثمارات التي شرعت شركة سونلغاز في تجسيدها والتي بلغ حجمها ما يعادل 288 مليار سنتيم بحسب تصريح المديرة المركزية للاتصال بالشركة فاطمة مرزوقي، التي أكدت بأن الشركة تسعى لربط مشاريع حيوية في الصحراء الجزائرية بالكهرباء، وهي مكلفة بشقين الأول يتعلق بالمناجم والثاني يخص عمليات التصنيع التي يقوم على أساسها تموين السوق الوطنية والذهاب نحو التصنيع، والشركة الجزائرية للكهرباء والغاز بحسب المتحدثة قامت بعمليات استباقية تسمح لتلبية عديد الاحتياجات على غرار خط 400 كيلوفولط الذي يربط بين وهران وبشار والذي من شأنه أن يسمح بتزويد كل مشاريع السكة الحديدية على هذا الخط بالكهرباء، على غرار خط وهران وبشار وخط وهران وتلمسان، والمشاريع في هذا المجال تتقدم بوتيرة جيدة وعملية إسناد الدراسات تمت، وهناك 12 مقاولة وطنية أسندت لها هذه الدراسات، وهو مشروع كبير سيسمح للمقاولات الوطنية بإبراز مؤهلاتها، كما تحرص شركة سونلغاز على إنجاز مشروع هام يستهدف إنتاج 15 ألف ميغاواط من الطاقة الكهروضوئية في آفاق سنة 2030 وهو الذي يجري تجسيده عبر 11 موقعا بولايات مختلفة، يضاف إلى ذلك عديد المشاريع الهامة لربط محطات تحلية المياه بالكهرباء وكذا ربط مستثمرات فلاحية بهذه المادة الحيوية.
نحو تحقيق الاكتفاء الصناعي في مجال الطاقة
أكد وزير الطاقة قبل أيام خلال تلمسان، أن الجزائر تسعى لتحقيق الاكتفاء الصناعي، من خلال إقامة صناعة في إطار إنتاج بعض المواد التي يحتاجها قطاع الطاقة، وتحدث محمد عرقاب قائلا «نسعى لإقامة صناعة هنا في الجزائر لمواد محددة، حيث نملك شركة جزائرية تابعة لسونلغاز تقوم بإنتاج بعض المواد على غرار الكوابل النحاسية لأننا نريد تحقيق الاكتفاء الذاتي في هذا المجال»، وأشار وزير الطاقة بأن الجزائر تصنع في الوقت الراهن ما نسبته 40 بالمائة من هذه المادة، وتعمل على رفع الإنتاج لنحو 60 بالمائة لكون اليد العاملة والمؤهلات التي تقف وراء عملية الإنتاج وطنية 100 بالمائة، وأكد الوزير بأن الجزائر اليوم باتت تتحكم جيدا في التكنولوجيات الحديثة وتسعى للتحكم أكثر فأكثر في تقنيات الضغط العالي، وأشار المسؤول الأول على قطاع الطاقة بالجزائر على هامش زيارته الأخيرة للمؤسسة الوطنية للمنتجات المنجمية غير الحديدية والمواد النافعة وهي فرع لشركة «سونارام البانتونيت» بأن مادة البانتونيت الثمينة تستعمل في حفر آبار البترول والحديد والصلب والهندسة المدنية والاستعمالات المنزلية، فهي تلبي متطلبات الحفر البترولي والآبار المائية والصناعات التحويلية والفلاحة والري، وأضاف الوزير بأن «الجزائر ستلبي جميع الطلبات حتى لا يكون هناك استيراد لهذه المادة من الخارج، حيث تعمل على القضاء على الاستيراد وخلق الثروة ومناصب العمل»، وأكد المتحدث بأن الجزائر نجحت في إنجاز 10 مصانع عبر ولايات الوطن لإنتاج مواد كانت مستوردة بالأمس القريب، محددا نهاية السنة القادمة لوقف الاستيراد من الخارج.
رهان على قطاع المناجم
يشكل قطاع المناجم قطاعا محوريا، في ظل الأدوار التي يلعبها في عديد الصناعات التحويلية، وفي ظل الارتفاع المتزايد للطلب العالمي على المواد المنجمية وارتفاع قيمتها بالعملة الصعبة في السوق، بادرت الجزائر تحت رئاسة عبد المجيد تبون لمراجعة قانون المناجم وكذا من خلال العمل على إثراء الخريطة المنجمية الوطنية وإقحام التكنولوجيات الحديثة في تطوير المناجم، ويعتبر مشروع منجم غار جبيلات بتندوف الذي يتربع على مساحة 50 ألف هكتار، واحدا من بين أهم المشاريع المنجمية الحيوية في الجزائر، فهو يتوفر على قرابة 3 مليار طن من احتياطات خام الحديد منها 1.75 مليار طن قابلة للاستغلال، ومن المتوقع أن يساهم في إنتاج 12 مليون طن من الحديد الصلب سنة 2025، على أن يصل الإنتاج به لنحو 40 مليون طن آفاق سنة 2040، كما ينتظر منه توفير 5 آلاف منصب شغل مباشر وقرابة 20 ألف منصب عمل غير مباشر وبحسب التقديرات فاستثماراته تبلغ قيمة 10 مليارات دولار.
ويعد كذلك مشروع تالا حمزة أميزور للزنك والرصاص من أكبر الاحتياطات العالمية في هذين المعدنين، وتبلغ تكلفة تشييده نحو 400 مليون دولار وهو من بين المناجم العشرة الأولى عالميا في إنتاج مادتي الزنك والرصاص، وتقدر الاحتياطات التي يتوفر عليها بنحو 54 مليون طن بينها 34 مليون طن خام اقتصادي موجه للإنتاج ومن المقرر أن يمنح الجزائر أزيد من 170 ألف طن من الزنك المركز إلى جانب 130 ألف طن من الرصاص المركز، ناهيك عن مشروع الفوسفات المدمج في منطقة ببلاد الهدبة وواد الكبريت بشرق البلاد، أين يتوقع إنتاج 10 ملايين طن من الفوسفات وقرابة 4 ملايين طن من الأسمدة الزراعية إلى جانب توفير 4 آلاف منصب عمل مباشر وأزيد من 14 ألف منصب عمل غير مباشر.
* الخبير والمحلل الاقتصادي الدكتور أحمد طرطار
التواجد القوي للجزائر في الساحة الطاقوية مكنها من تجاوز الأزمات الجيوسياسية
يؤكد الخبير والمحلل الاقتصادي الدكتور أحمد طرطار، أن الجزائر نجحت في تجاوز عديد الأزمات الجيوسياسية بفضل تواجدها القوي في الساحة الطاقوية العالمية، مضيفا بأن الجزائر تمكنت من ضمان أمنها الطاقوي، ما جعلها قبلة لعديد الشركاء الذين يبحثون عن تأمين حاجياتهم الطاقوية عبر الجزائر، واعتبر المتحدث بأن الاستكشافات المتواصلة للغاز والبترول من طرف شركة سوناطراك إلى جانب الاستثمارات الكبيرة لشركة سونلغاز في مجال الطاقة النظيفة مع الآفاق المعلقة على الطاقات المتجددة، ستجعلان الجزائر قطبا طاقويا بامتياز.
وأضاف الدكتور أحمد طرطار للنصر، بأن الجزائر لها مقومات طاقوية هامة ولها دور كبير في إنتاج الغاز وتصديره نحو أوروبا، وترتيبها حاليا هو السابع ضمن منتدى الدول المصدرة للغاز وذلك ليس اعتباطيا، فهي تحتل مكانة مرموقة على الساحة العالمية، فإنتاجها واحتياطها يمثلان رصيدا كبيرا لها ولشركائها، وفيما يتعلق بالغاز أشار المتحدث بأن التصدير كان موجها نحو إيطاليا وإسبانيا والبرتغال، ويتم نحو إيطاليا من خلال الخط القديم العابر باتجاه الشقيقة تونس، المنجز سنة 1986 ومنذ ذلك الحين وهو يضخ الإمدادات صوب إيطاليا وتستفيد منه الشقيقة تونس من خلال بعض المساهمات من الجزائر، والأنبوب نفسه كان يستوعب قرابة 36 مليار متر مكعب وكان الضخ باتجاه إيطاليا في حدود 16 إلى 17 مليار متر مكعب، وفي ظل انعكاسات الحرب الأوكرانية الروسية وتأثيرها المباشر على أوروبا بصفة عامة، زاد الطلب من طرف الشريك الإيطالي وارتفع إلى 25 مليار متر مكعب، والآفاق المستقبلية توحي بالوصول إلى 32 مليار متر مكعب، باعتبار أن إيطاليا قد تكون بوابة تصدير الغاز الجزائري نحو أوروبا، لا سيما أوروبا الشرقية، أما الأنبوب السابق الذي كان يمر عبرالمغرب كان يُضخُّ من خلاله 8 إلى 9 مليار متر مكعب باتجاه إسبانيا والبرتغال، أين انتهت آجال تجديد العقد المبرم نهاية شهر أكتوبر من سنة 2021، وكانت الجزائر حينها قد هيأت نفسها لأنبوب ثان عابر للبحر باتجاه إسبانيا «ميدغاز»، وهو الذي يزود إسبانيا باحتياجاتها ومن خلالها البرتغال بالغاز بحوالي 9 مليار متر مكعب، فبدائل الإمداد كانت موجودة سواء بالنسبة للأنبوب العابر للشقيقة تونس أو من خلال الأنبوب العابر للبحر.
لا خوف على توريد الغاز وأنبوب آخر باتجاه صقلية يعزّز موقع الجزائر
وأشار المتحدث بأن الجزائر شرعت في إنجاز أنبوب آخر يمتد من ولاية الطارف باتجاه صقلية الإيطالية، على أن يتكفل بإمدادات الغاز والهيدروجين الأخضر عند إنجازه وكذلك الكهرباء والأمونياك والمنتجات الطاقوية الأخرى، فالجزائر تتمتع بأريحية فيما يتعلق بأنابيب الإمداد، مكرسة لاستراتيجية متكاملة سواء على الجهة الشرقية لأوروبا عبر إيطاليا أو على الجهة الغربية عبر إسبانيا وبقية الدول الأخرى، وفي مجال الكهرباء فالجزائر جاهزة ومستمرة في تتويج استراتيجيتها في التغطية الكهربائية الشاملة، فهي وصلت لتغطية شبه كلية من الداخل، في الوقت الذي يتم فيه التصدير نحو بعض الدول على غرار تونس الشقيقة، في حين يتمحور التوجه الجديد نحو العمق الإفريقي والعربي، على غرار الاتفاقية المبدئية مع الطرف الليبي للتزود بالكهرباء، وأيضا استراتيجيات للامتداد نحو العمق الإفريقي وهي كلها مازالت قيد التفاوض وقيد التفكير وربما ستتوج لاحقا، مع إمكانية الزيادة في الطاقة الإنتاجية للكهرباء مما يؤدي إلى استغلالها في توصيلها نحو أوروبا عند الاقتضاء، وهي كلها مشاريع واعدة سواء ما ارتبط بها بالغاز أو بالكهرباء.
الجزائر كسبت ورقة توريد الغاز نحو السوق الأوروبية
محدثنا أوضح بخصوص أنبوب الغاز العابر للمغرب بأنه لم يشكل يوما حاجزا لتسويق الغاز نحو أوروبا، مشيرا بأن تصميم وإنجاز أنبوب «ميدغاز» منتصف سنة 2021 حل الإشكالية، وعوّض هذا الأنبوب ، أين تم إمداد إسبانيا وإيطاليا ولا تزال عمليات الإمداد قائمة وبكل أريحية، وهي التي جسدتها العقود الآجلة المبرمة بين البلدين، وأضاف الدكتور طرطار بأن هناك إمكانية لتتويج أنبوب جديد بالشراكة مع الشركاء الأفارقة ويتعلق الأمر بنيجريا والنيجر، موضحا بأن نيجيريا باعتبارها منتجة للغاز وهي من المنتجين الكبار ومصدرة للغاز باتجاه أوروبا، والنيجر باعتبار الأنبوب العابر للصحراء يمرّ فوق أراضيه، وكان هناك بديلين إما تمريره على 3 دول نحو أوروبا، أو تمريره على 11 دولة إفريقية وبامتداد طولي بأكثر من 5 آلاف كيلومتر طولي، غير أن الدبلوماسية الجزائرية والسعي الدؤوب مع الأشقاء الأفارقة، مكّن الجزائر من الفوز بهذا المشروع الكبير، والذي يمتد على طول 4 آلاف كيلومتر، وهو الذي سيزود عند إنجازه أوروبا بشكل مباشر انطلاقا من لاغوس النيجيرية، على أن تستفيد منه النيجر عبر مروره على أراضيها، من خلال الإتاوات التي تفرض على هذا المرور، وتستفيد أيضا من معبر الإمدادات الغازي، كما ستستفيد الجزائر كذلك من الإتاوات ومراكز المراقبة وما تتطلبه من عمليات صيانة وغيرها، كما أنها تصبح شريكا في المشروع وهي التي أنجزت الجزء الخاص بها بنسبة تقدر بـ75 بالمائة بحسب تصريحات المسؤولين المعنيين.
اكتشافات هامة ستعزز مكانة الجزائر في المنظمات الدولية
وتحدّث الخبير الاقتصادي المتخصص في الشأن الطاقوي الدكتور أحمد طرطار، عن شركة سوناطراك وشروعها منذ بداية هذه الألفية في أخذ منحى إيجابي جديد، سواء باعتماداتها الذاتية أو بالشراكة مع الآخرين لاسيما «إيني» الإيطالية، أين باشرت مجموعة من الاستكشافات وصلت في نهاية السنة الماضية إلى حدود 36 اكتشافا، وخلال الثلاث أرباع من السنة الجارية إلى حوالي 10 إلى 11 اكتشافا، وهي اكتشافات يراها الخبير طرطار بأنها ستسمح بارتفاع احتياطي الغاز والبترول، مضيفا بأنه تم تطويع بئرين للغاز شهر نوفمبر الماضي وتم الشروع في عملية الإنتاج، وبالتالي هي كلها إضافات واستزادة معتبرة من الطاقة الأحفورية، وهو ما يؤدي إلى الحصول على كميات كبيرة من حيث الاحتياطي سواء ما ارتبط بالغاز أو ما ارتبط بالبترول.
وهذا ما سيعزّز مكانة الجزائر سواء داخل منظمة «أوبك»، من خلال حجم الإنتاج الذي يكبر شيئا فشيئا أو حتى داخل منتدى الدول المصدرة للغاز والذي تحتل فيه الجزائر المرتبة السابعة، وعندئذ فهذه الاكتشافات لما تدخل مرحلة الإنتاج ستؤدي حتما لرفعة مكانة سوناطراك ومن خلالها الجزائر في المحافل الدولية، وهي رسالة للشركاء في أوروبا للتوجه لطلب كميات إضافية من الطاقة من الجزائر، باعتبار الحركية القائمة فيما بينهم وكذلك باعتبار الإنسيابية التي وفرها أنبوب الغاز القديم العابر عبر الشقيقة تونس، أو الخطين الجديدين للغاز وبينهما الخط قيد التتويج نحو صقلية، وأشار المتحدث أن شركة سوناطراك خصصت نحو 40 مليار دولار لإعادة بناها التحتية للزيادة في الطاقة الإنتاجية لاستقطاب تكنولوجيا جديدة، والزيادة في كل ما ارتبط بفعاليتها في المجال الطاقوي وهذا في غضون ثلاث إلى أربع سنوات السارية حاليا، وعندئذ سيصبح لسوناطراك مكانة أكثر فأكثر فحاليا ترتيبها العالمي 11 ضمن كبريات الشركات التي تمارس نشاطها في حقل المحروقات ومن المحتمل أن يتحول إلى الترتيب التاسع، وهي كلها مزايا تتحقق للجزائر يوما بعد آخر.
برنامج ثري لإنتاج الطاقة النظيفة وانتقال طاقوي سلس
المحلل الاقتصادي الدكتور أحمد طرطار أوضح بشأن إنتاج الطاقة النظيفة، بأن الجزائر وبعدما نصّبت الكثير من الألواح الشمسية في الصحراء سنتي 2013 و2014، أين أثمرت هذه التجربة في الكثير من المناطق الصحراوية، اتجهت نحو الزيادة في هذا المنتوج واعتمدت برنامجا ثريا وكبير جدا، هو «صولار ألف ميغاواط» والذي يتم تنفيذه الآن، وتقريبا منذ أسبوعين أو ثلاثة تم إجراء مناقصة من طرف شركة الكهرباء لتزويد 11 ولاية تقريبا من الهضاب والجنوب الكبير بـ15 محطة كهروضوئية بما يقدر بحوالي ألفين ميغاواط، وهي استراتيجية يجري تجسيدها، يضاف إليها استهداف الوصول إلى إنتاج 3 آلاف ميغاواط أخرى من الكهرباء في آفاق 2035، فالجزائر أخذت على عاتقها عهودا كبيرة لتتويج إنتاج الكهرباء بشكل كبير، ومن البدائل الطاقات المتجددة بما يؤدي إلى استخداماتها النظيفة وتوصيلها حتى خارج الوطن من خلال العهود والوعود القائمة سواء مع الأشقاء العرب أو مع الشركاء الأوروبيين.
وبخصوص الانتقال الطاقوي، أضاف المتحدث أن الجزائر شكّلت وزارة قائمة بذاتها للطاقات المتجددة، ووصلت إلى بناء استراتيجية متكاملة في هذا الإطار وشرعت منذ 2013 في التحضير السلس نحو الانتقال للطاقات المتجددة، من خلال مشروع الألواح الشمسية ثم مشروع «صولار» ألفي ميغاواط وهو حاليا قيد التتويج، يضاف إليهم 11 محطة لشركة الكهرباء، وهو ما يمثل مسارا جديدا في مسارات تتويج الانتقال الطاقوي، كما أن هناك تركيزا كبيرا جدا –يضيف المتحدث- على إنتاج الهيدروجين الأخضر والدراسات مستفيضة في هذا الإطار وهناك توافق مع الشريك الإيطالي والشركاء الأوروبيين الذين أبدوا استعدادهم للمساهمة في هذا المشروع الواعد سواء من حيث التكنولوجيا أو من حيث التمويل، وهذا المشروع سيشرع فيه اعتبارا من سنة 2025 حسب ما هو مقرر وسيشع إشعاعا كبيرا، وسيتم تصديره بداية لإيطاليا عبر خط صقلية ثم بقية أوروبا.
أ.ذ
* الخبير الدولي المختص في مجال الطاقة مصطفى مقيدش
الجزائر لاعب محوري في استقرار أسعار الطاقة
أكد الخبير الدولي المختص في المجال الطاقوي مصطفى مقيدش، أن الجزائر بفضل الإمكانات الطاقوية التي تملكها، باتت لاعبا محوريا في الساحة الدولية، ويظهر ذلك بوضوح في الأزمات الجيوسياسية التي مست عديد المناطق، مشيرا بأن التوجه التدريجي للجزائر للتحول الطاقوي مكنها من تجنب خسائر مادية وذلك بفضل الرؤية الاستراتيجية الحالية.
وبيّن الخبير الدولي للنصر، بأن الجزائر بلد مصدر للنفط والغاز ولها سمعتها وخبرتها الطويلة في هذا المجال، وهي اليوم عضو بارز في منظمتي «أوبك» و«أوبك+»، أين تلعب دورا مهما في استقرار الأسعار، واعتبر مقيدش بأن الغاز ما يزال عنصرا طاقويا مهما وله مكانته الهامة حتى سنة 2050 وهذا بحسب اعترافات المنظمة الدولية للطاقة، مؤكدا في سياق ذي صلة بأن الجزائر نجحت في تجاوز أزمة أنبوب الغاز نحو إسبانيا عبر المغرب، مشيرا بأن هذا الأنبوب أنجز بفضل دراسات وخبرات جزائرية، والبدائل المتوفرة سمحت بتجاوز المسألة بمرونة.
وأشار الخبير الدولي للمناخ الملائم للاستثمار، داعيا دول العالم لتغيير رؤيتها والتوجه للاستثمار على مستوى الجزائر في ظل الإمكانيات التي تزخر بها، مضيفا بأن اكتساب الجزائر للتكنولوجيا سواء في مجال الطاقة أو في مجالات أخرى ستجعلها تتجنب ما وصفه بـ«الأخطاء المصاحبة للاستثمارات»، وعرّج مقيدش على الإمكانيات التي تملكها شركة سوناطراك والتي وجب -حسبه- تطويرها، مضيفا بأن تجربة الشركة ستساعدها وتعود عليها إيجابا على المدى الطويل.
وفيما تعلق بالتحوّل الطاقوي، أكد النائب السابق لرئيس المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي بأنه يتطلب وقتا طويلا، وعلى الجزائر التوجه التدريجي نحو الانتقال الطاقوي، كما أن عليها التحكم في التكنولوجيات والعمل على اكتساب رؤية استشرافية على المدى الطويل في الأسواق الطاقوية، وأشار المتحدث بأن الجزائر لو دخلت سنة 2011 تزامنا مع البرنامج الأول للحكومة، في الطاقات المتجددة عن طريق التكنولوجيات التي كانت متوفرة آنذاك، كانت ستواجه عدة مشكلات كما حدث في تلك الفترة، مبينا بأن هاته التكنولوجيات تتطلب خبرة وتجربة كبيرة، واليوم الطاقة الشمسية عرفت نجاحا كبيرا عبر العالم، غير أن الأسعار الخاصة بها مضاعفة، ودخول الجزائر التدريجي للانتقال الطاقوي مكنها من تجنب خسائر مادية معتبرة بفضل الرؤية الاستراتيجية الحالية.
وفي مجال الكهرباء أضاف مقيدش بأن الجزائر بلد قارة من ناحية المساحة، ومع ذلك نجحت في تعميم الإنارة عبر كامل ترابها، على عكس السنوات الماضية، أين كانت الطاقة الكهربائية غير معممة على عكس ما هو عليه الحال اليوم، أين وصلت نسبة تعميمها 99 بالمائة، داعيا في السياق ذاته إلى ترشيد الاستهلاك الطاقوي لأن الثروات الطاقوية هي مصدر مهم للعملة الصعبة، وثمن الخبير مقيدش انتخاب الجزائر عضوا في المنظمة الدولية للطاقة الذرية، مشيرا بأن الجزائر لها باع طويل حتى في مجال الدراسات الأكاديمية في مجال الطاقة النووية للاستعمال السلمي من خلال معهد الدراسات النووية بجامعة الجزائر، والآن تم تحسين المستوى في هذا المجال، واليوم توجد تكنولوجيات في هذا المجال يضاف إليها الطاقة الشمسية، وختم المتحدث تصريحه بأن الجزائر من أوائل الدول التي ولجت الأسواق الطاقوية الأوروبية، بعد أن وقعت عقودا تموينية على المدى الطويل مع عديد الشركاء.
أ.ذ
* المحلّل السياسي البروفيسور يوسف بن يزة
قوة الجزائر من الناحية الطاقوية عزز مكانتها الدبلوماسية
يرى البروفيسور والمحلل السياسي يوسف بن يزة، أن الجزائر لها من المقومات والإمكانات الطاقوية ما يؤهلها لفرض تواجدها في الساحة الدولية، وهو ما بات يتحقق يوما بعد آخر من انتصارات دبلوماسية، مضيفا بأن الأزمة الروسية الأوكرانية حوّلت الجزائر إلى قِبلة مفضلة لعديد الشركاء الحيويين في مجال الطاقة وغيرها من المجالات، مؤكدا بأن هذه المكانة أثرت إيجابا من الناحية الجيوسياسية وجعلت الجزائر كبلد قارة يتجاوز بسهولة منطق ليّ الذراع الذي تسعى لفرضه بعض الدول.
وأشار المحلل السياسي بأن الجزائر بلد بترولي وغازي، ومن الطبيعي أن تحقق الاكتفاء من هاتين المادتين ومن المواد التي تستخدمان في إنتاجها، على غرار الكهرباء التي شهدت في السنوات الماضية استثمارات عملاقة قام بها مجمع سونلغاز بالتعاون من الشريكين الكوري والإيطالي، ببناء العشرات من محركات توليد الكهرباء بواسطة الغاز، فضلا عن تلك المولدة عن طريق المياه والرياح، والطاقة الشمسية بمجموع يفوق 25 جيغاواط، تستهلك منها البلد 17 جيغاواط فقط، وبالتالي هناك فائض في الإنتاج سيتم توجيهه للتصدير خاصة إلى أوروبا تحت البحر إذا تم تجسيد هذا المشروع الواعد، وكذلك إلى بعض الدول الإفريقية والدول الجارة.
وبخصوص مواصلة الجزائر عمليات توريد الغاز نحو السوق الأوروبية سواء باتجاه إسبانيا أو إيطاليا، على الرغم من أزمة أنبوب الغاز العابر على المغرب، أوضح المتحدث بأن الجزائر كسبت ورقة تصدير الغاز رغم تلك العراقيل، مشيرا بأن ذلك تجلى في سياسة الند للند التي انتهجتها الجزائر مؤخرا مع بعض الدول الأوروبية كفرنسا وإسبانيا، في بعض الملفات الدبلوماسية والاقتصادية، مؤكدا بأن الجزائر تصرفت بدون عقدة كدولة مستقلة ذات سيادة لديها أدواتها للضغط والمناورة في ملفات كثيرة، وهذا انعكاس لتراجع مؤشر التبعية لهذه الدول في مجالات كثيرة، كما كانت الفرصة مواتية لتعميق العلاقات مع دول أخرى كإيطاليا والبرتغال وشركائنا التقليديين كروسيا والصين، ومن ثمة تعزّزت المكانة الدولية للجزائر في مجال الطاقة إثر الأزمة الطاقوية العالمية التي تسببت فيها الحرب الروسية الأوكرانية، واتجاه الأنظار إلى الغاز الجزائري لتعويض الغاز الروسي في أوروبا.
وبخصوص مواصلة شركة سوناطراك لاكتشافاتها أضاف الدكتور يوسف بن يزة بأن شركة سوناطراك لم تتوقف يوما عن التنقيب عن المواد البترولية والغازية، وهذه واحدة من أكبر نقاط قوتها في هذا المجال، بسبب خبرتها الكبيرة في اصطياد الآبار البترولية على امتداد جغرافيتنا الواسعة، ونضوب الآبار القديمة، ومن أجل ضمان الوفاء بحصتها السوقية في إطار منظمة أوبك أو خارجها، وبذلك فهي تمنح هامش ضمان كبير لزبائنها على المدى الطويل، وتدعم مكانتها دوليا كواحدة من أكبر الشركات البترولية في العالم، وعن مسعى التحوّل نحو الانتقال الطاقوي والاستثمار في الطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر وغيرها، اعتبر المتحدث بأن هذا مسعى مغاير ومدعم للمسعى الأول، فالطاقات الأحفورية آيلة للزوال كما هو معروف، والجزائر تتوفر على موارد طاقوية أخرى بكميات هائلة على غرار الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وهي طاقات بديلة، يمكن الاستثمار فيها وضمان انتقال طاقوي مرن ومنتج في إطار مساعي الحد من الانبعاثات الكربونية، مضيفا بأن الوقت قد حان لتكثيف العمل في هذا المجال بالشراكة مع الأجانب بما يصون السيادة الوطنية ويغذي الاقتصاد الوطني مصدر مستدام للثروة.
وعن تقييمه لانتخاب الجزائر عضوا بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، اعتبر المحلل السياسي يوسف بن يزة هذا النجاح بأنه أحد نتائج العودة القوية للدبلوماسية الجزائرية إلى الساحة الدولية، وخاصة أن الانتخاب تم بالإجماع وبمساندة قوية من ممثلي القارة الإفريقية، يُضاف ذلك إلى انتخابها عضوا في مجلس حقوق الإنسان والعضوية غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي، وهي بالفعل مكاسب وجب تثمينها اقتصاديا وسياسيا، مع مواصلة النفاذ إلى مختلف المنظمات والهيئات الدولية، وتفعيل الدبلوماسية متعددة المسارات لوضع الجزائر في المكانة الدولية التي تستحقها.
أ.ذ