مرضى الأعصاب و الألزهايمر يحملون صفة «مجنون» بسبب غياب التكفل
تضطر عائلات جزائرية كثيرة للتخلي عن ذويها الذين يعانون من اضطرابات ذهنية و نفسية لا تصنفهم في خانة «المجانين»، كما لا تدرجهم ضمن فئة الأصحاء، و يتعلق الأمر بأفراد يعانون أمراضا كالألزهايمر و الخرف أو معرضين لحالات اكتئاب متكررة ، أو مدمني المخدرات و حتى المتشردين الذين يؤثر الشارع على استقرارهم النفسي و العاطفي، هذه الفئات كلها تجد نفسها منبوذة من قبل محيطها الأسري، في حين تأويها مستشفيات الأمراض العقلية لفترة محدودة، و ترفض دور الرحمة استقبالها بحجة عدم الاختصاص، لذلك يرى مختصون بأن الجزائر تقف الآن أمام حتمية إنشاء مراكز للراحة النفسية و العقلية، لاستيعاب هذه الشرائح الاجتماعية المهمشة التي يعاني بعضها تبعات العشرية السوداء.
روبورتاج : نور الهدى طابي
16 حالة بجبل الوحش تعاني الإهمال الأسري
بمستشفى قسنطينة للأمراض العقلية يوجد 16شخصا، تختلف وضعياتهم، لكن أغلبهم متوازنين و لا يدرجون في خانة المرضى عقليا، يعيشون في المستشفى منذ سنوات، وقد تعدت مدة إقامة بعضهم 14 سنة، بعدما تخلت عنهم عائلاتهم و رفضت العودة لاستلامهم ، رغم تحسن حالتهم و قدرتهم على التعايش و التفاعل مع محيطهم الأسري، لكن ذويهم فضلوا التملص من مسؤولية رعايتهم، كما أوضح مدير المستشفى
زهير قرفي، مشيرا إلى أن تكاليف التكفل و العبء الاجتماعي و النفسي الذي يفرضه هؤلاء، هي الأسباب الرئيسية وراء تركهم في المستشفى، مشيرا إلى أن بعض العائلات ترفض التواصل مع المستشفى أو الرد على إستدعاءات إدارته، بالمقابل وصل الأمر بالبعض الآخر الى حد الاعتداء على النفسانيين الذين يقومون بمبادرة إعادة هؤلاء الأشخاص إلى عائلاتهم بعد استقرار حالتهم النفسية و العقلية.
المسؤول على المؤسسة أوضح بأن مثل هذه الحالات التي يمكن إدراجها ضمن خانة الحالات الاجتماعية، تفرض عبئا ماليا إضافيا على المستشفى الذي يواجه ضغطا كبيرا، باعتباره يغطي ولايتي قسنطينة و أم البواقي، و لا يتوفر سوى على 246 سريرا، يحدث أن تمتلئ عن آخرها في مدة لا تتجاوز ثلاثة أيام، لذلك فإن وجود حالات غير مرضية تشغل أسرة لمدة تزيد عن 6 أشهر وهي المدة القانونية لاستقبال نزلاء المؤسسة، يعد أمرا غير مقبول، لكنه واقع لا يمكن التملص منه، نظرا لغياب بدائل كالمراكز المتخصصة لاستقبال هؤلاء الأشخاص، الذين توجههم دور الرحمة عادة إلى المستشفى بحجة عدم الاختصاص، بينما يقيم المستشفى حالاتهم على أنها عرضية و لا تستدعي المكوث به لأكثر من ثلاثة أيام.
قصص مختلفة سمعناها من عمال المستشفى عن هذه الفئة من النزلاء، فغالبيتهم تعرضوا لانهيارات نفسية حادة تجاوزوها، لكن ذويهم رفضوا قبول فكرة شفائهم فتخلوا عنهم، منهم من تركه أبناءه و سمحت له مدة إقامته بالمستشفى بالحصول على عمل فيه، و هناك سيدات تخلى عنهن أزواجهن بعد إصابتهن بالإكتئاب...
مرضى في دور العجزة ومراكز المعاقين
أشار مختصون نشطوا ملتقى وطنيا حول الأمراض العصبية مؤخرا بقسنطينة، إلى أن الجزائر تحصي 100 ألف مصاب بالألزهايمر أو الخرف، بالإضافة إلى 15 ألف مصاب بمرض التصلب اللويحي، مؤكدين بأننا لا نزال بعيدين على المستوى المطلوب، في ما يخص التكفل بهؤلاء الأشخاص الذين يعانون الإهمال.
هذا الواقع يبرز من خلال وضعية شيوخ كثيرين يتواجدون بمراكز رعاية المسنين، حسبما أشارت إليه الدكتورة سامية بن حمادة، أخصائية أمراض الأعصاب، و الذين هم، حسبها ، ضحايا إهمال أسري و اجتماعي، سببه عدم القدرة على التعامل مع حالاتهم فالألزهايمر مثلا ، يتسبب للمصابين به في فقدان تام للذاكرة و تراجع القدرة على تقدير الأمور، وتصنيف الأشياء، لدرجة لا يتعرف فيها المرضى على أطفالهم وزوجاتهم ويفقدون القدرة على القيام السليم باحتياجاتهم اليومية، على غرار الأكل والشرب و قضاء الحاجة البيولوجية وينسون العناوين و الحياة الماضية.
وضعية هؤلاء الأشخاص لا تستدعي نقلهم الى ديار الرحمة أو دور المسنين، بقدر ما تتطلب تحويلهم نحو مراكز متخصصة نفتقدها في الجزائر، هي عبارة عن مؤسسات تقدم الرعاية النفسية و المتابعة الطبية و حتى خدمات إعادة التأهيل لمثل هذه الحالات، و كذلك الأمر بالنسبة لمرضى التصلب اللويحي.
قال من جهته أخصائي أمراض الأعصاب الدكتور أحمد عليوش، بأن هناك حالات كثيرة لأشخاص غير مصابين بأمراض عقلية، بل يعانون من اضطرابات سببها الإدمان على المخدرات أو الكحول و أمراض أعصاب نادرة تصيب حتى الأطفال و الشباب، فيواجه ذووهم مشكلة حقيقية في التكفل بهم بسبب عدم وجود مراكز للصحة النفسية و العقلية، كما هو معمول به في دول أخرى، لذلك يضطرون إلى تحويلهم نحو مراكز المعاقين، أو دور العجزة و مستشفيات الأمراض العقلية، ما يعتبره ظلما اجتماعيا، ينعكس سلبا على صحتهم و أدائهم، كون الاندماج الاجتماعي يعتبر ضرورة لتحسن حالتهم، إلى جانب إخضاعه للعلاج على يد مختصين في أمراض الأعصاب و مدربين من أجل إعادة التأهيل الوظيفي و الحركي.
الدكتورة مونية كوحيل أخصائية طب الأعصاب بمستشفى باتنة
غياب مراكز متخصصة يجبر مرضى الأعصاب على حمل «بطاقة مجنون»
اعتبرت الدكتورة مونية كوحيل، أخصائية أمراض الأعصاب بمستشفى باتنة الجامعي، بأن الوقت قد حان لمراجعة خارطة الصحة الوطنية، و الانفتاح على مراكز الرعاية الصحية النفسية و العقلية، لأن هنالك حالات عديدة لأشخاص مصابين بأمراض عصبية أو اضطرابات نفسية طفيفة، تصاب بأضرار بسبب سوء توجيهها و ضعف التكفل بها في الأماكن غير الصحيحة، مضيفة بأن هناك أناس يعانون فقط من حالات اكتئاب أو صدمات قوية يعاملون كمجانين في مستشفيات الأمراض العقلية، وهو أمر غير صائب، فضلا عن أن مرضى الألزهايمر يعتبرون الفئة الأكثر تضررا، خصوصا وأن هذا المرض كان يقتصر على المسنين فقط، غير أنه بات يشمل الفئات الأصغر سنا، بسبب الاستهلاك غير العقلاني للتبغ والكحول.
وكشفت أن داء الألزهايمر كان غير معروف في الجزائر قبل 20 سنة، أين كانت العائلات وحتى الأطباء والمرضى يجهلون ماهية المرض الذي كان يقتل الجزائريين في صمت، غير أن ارتفاع الإصابات من عام إلى آخر، جعل الأطباء يسلطون الضوء على هذا الداء الذي تحول إلى أخطر الأمراض العصبية في الجزائر، لهذا فإنه من الضروري التكفل الجيد بهذه الفئة خلال إنشاء مراكز متخصصة كتلك الموجودة في الخارج.
المتحدثة قالت بأنه لا توجد مراكز خاصة برعاية مثل هذه الحالات في الجزائر، بسبب تكلفتها العالية، فضلا عن أن هذا النوع من الأمراض و الاضطرابات غير المصنفة في خانة الأمراض العقلية، تعد حالات جديدة في الجزائر ظهرت أغلبها بعد العشرية السوداء، معتبرة أن وضع هؤلاء في مراكز المسنين مثلا، لا يساعدهم أبدا، بل بالعكس يزيد حالتهم تدهورا، كما ترى محدثتنا، بأنه لابد من التكوين في هذا المجال وتوفير كل الإمكانات اللازمة في أسرع وقت ممكن.
أخصائي علم النفس الإكلينيكي كمال بن عميرة
على العيادات الخاصة أن تستثمر في هذا النوع من المراكز لخلق التوازن
يرى أخصائي علم النفس الإكلينيكي كمال بن عميرة، بأن مراكز الراحة العقلية و الراحة النفسية باتت ضرورة حتمية في الوقت الراهن، لأن المجتمع عرف تطورات كثيرة وجدت معها حالات لا يمكن تصنيفها في خانة المجانين أو المرضى عقليا، بل هي حالات تعاني من بعض الاضطرابات سببها عادة عدم الاستقرار العاطفي، الناجم عن الصدمات النفسية و الإدمان على المخدرات أو الكحول، و غير ذلك، أو ضعف بسيط في الأداء الذهني، كما هو الأمر بالنسبة للأطفال المصابين بالتوحد. و هذه الحالات تستدعي عناية متخصصة من طرف فريق طبي يضم أطباء عامين و مختصين في علم النفس و الأعصاب و حتى التأهيل الحركي.
لذلك، يضيف المختص، فإن قطاع الصحة، لا بد و أن يدعم بمثل هكذا مراكز، علما بأن المسؤولية لا تقع فقط على عاتق القطاع العام، بل أن الدولة مطالبة بتشجيع الخواص كذلك على الاستثمار في مجالات أخرى غير العيادات الخاصة و مراكز الأشعة و التحاليل الطبية، حيث يمكن أن تتوسع أكثر لاستحداث مثل هذه المراكز التي من شأنها أن تساهم في استيعاب شريحة اجتماعية هامة.
على أن تكون هذه المراكز، كما أضاف، مهيكلة و متخصصة، تعوض النقص الموجود في ديار الرحمة أو على مستوى مستشفيات الأمراض العقلية و حتى مراكز المسنين. في ما يخص طرق التعامل مع هذه الحالات لا بد من أن تراعى خصوصيتها، لأن شرط التفاعل الاجتماعي ضروري لتحقيق التوازن النفسي لهؤلاء الأشخاص، حيث يمكن إعادة إدماجهم في محيطهم الأسري بشكل تدريجي.
نور الهدى طابي