المصــاعد تتحــول إلى صـداع يومــي و مصــدر خطــــر
تعد المصاعد الكهربائية داخل الإدارات العمومية و المستشفيات، و بالعمارات السكنية المرتفعة، إحدى الضروريات التي لا يمكن الاستغناء عنها، غير أن الأمر يبدو من الكماليات في الجزائر، بسبب الوضعية الكارثية التي تحولت إليها هذه الوسيلة، نتيجة اجتماع عدة عوامل، على غرار غياب ثقافة استعمال المصاعد و عدم المحافظة عليها من خلال نقل أغراض ثقيلة، إضافة إلى انعدام الصيانة، ما جعل التنقل عبرها أمرا نادر الحدوث، و ربما خطيرا، مثلما وقع مؤخرا مع طبيب مستشفى قالمة.
النصر استطلعت، بولاية قسنطينة، وضعية بعض المرافق العمومية و المباني التي تحتوي على مصاعد كهربائية، و من بينها المستشفى الجامعي و مديرية المالية و الضرائب، إضافة إلى عمارات السيلوك بوسط المدينة، و كذا عمارات «عدل» بالمدينة الجديدة علي منجلي، و قد وقفنا على الحالة التي توجد عليها، كما حاولنا معرفة أسباب التدهور، و كيفية تصرف الناس بهذه الأماكن، سواء في غياب المصاعد أو توفرها.
بالمستشفى الجامعي الحكيم ابن باديس، الذي يتربع على مساحة شاسعة، و يضم العديد من المصالح الاستشفائية، مساحة كل منها تضاهي أحد المستشفيات الصغيرة، نجد الكثير من المصاعد، فمعظم المباني التي يضمها هذا المعلم الذي بني في أواخر القرن 19، من طرف مهندسين فرنسيين، مجهزة بمصاعد كهربائية كبيرة الحجم، يمكنها استيعاب العديد من الأشخاص دفعة واحدة، كما أنها تتسع لحمل أغراض بحجم كبير كالنقالات و الأسرة و غيرها من معدات المستشفيات.
مرضى في رحلة بحث عن حامل البطاقة!
المصاعد شكلت خلال السنوات القليلة الماضية ، إحدى النقاط السوداء داخل أكبر مستشفى عمومي بالشرق الجزائري، بسبب قدمها و عدم خضوعها للصيانة، حيث كانت دائمة التوقف و الأعطاب، و تسببت في معاناة المرضى و عمال المستشفى من أطباء و شبه طبيين و إداريين، على حد سواء، غير أن الوضع لم يتغير كثيرا مع تجديدها قبل أكثر من سنة، حيث تم تغييرها بمصاعد جديدة كليا، و حسب المعلومات التي تحصلت عليها النصر، فإن المؤسسة التي أسنِد إليها تركيب المصاعد الجديدة، هي شركة جزائرية خاصة من إحدى الولايات المجاورة، و التي تتكفل أيضا بعملية الصيانة و إصلاح الأعطاب.
و أكثر ما لاحظناه لدى تجولنا بمختلف المباني بالمستشفى الجامعي ابن باديس، هو مشهد يتكرر أمام كل مصعد تقريبا، حيث تجد عدة أشخاص ينتظرون أمام باب المصعد، غالبا ما تشاهد بينهم مريضا يجلس على كرسي متحرك، أو يتكئ على عكازات، و ربما يحمل على سرير أو نقالة، و السبب هو انتظار قدوم المصعد، و قد يستمر الانتظار لدقائق، لأن البحث لا يزال جارٍ عن من يحمل مفتاحا لبابه، فهذه المصاعد الجديدة تفتح عن طريق بطاقات مغناطيسية.
سألنا عن الأشخاص الذين يحوزون على هذه البطاقات، و علمنا بأن اثنين فقط تتوفر لديهم بكل مصلحة، حيث أن رئيس المصلحة و غالبا ما يكون من شبه الطبيين، إضافة إلى الحاجب، هم من يملكون مفاتيح الولوج إلى المصاعد، و إذا لم يكونوا متواجدين في المكان، فسيتم البحث عنهم لإيجادهم، و الأكيد أن كل شخص مريض يحتاج بشكل قطعي إلى مرافق أو أكثر، حسب الوضعية الصحية التي يكون عليها، فأغلب المصالح و الأقسام تقع في طوابق علوية، أي أن المريض سيكون مضطرا للانتظار في الخارج، فيما يذهب شخص آخر لجلب المصعد، بعد أن يتكبد عناء البحث، عن حامل البطاقة، و ربما الإلحاح عليه بشدة، حتى يتمكن من تأمين الصعود لمريضه.
أما المشكل الآخر فيكمن في تعطل المصاعد، و هو ما وقفنا عليه بأحد المصالح، حيث وجدنا المرضى يحملون على الكراسي، أو يعانون من أجل الوصول إلى الطابق الذي يقصدونه، و قد صادفنا أفرادا من عائلة أحدهم، كادوا يدخلون في مناوشات مع أعوان الأمن الداخلي، بعد أن انتظروا لوقت طويل دون أن يجدوا من يحضر لهم المصعد، فيما أكدت عائلات لمريضات بمصلحة أمراض النساء و التوليد، أنهن يضطررن أحيانا للصعود و النزول على السلالم، رغم الحالة الحرجة التي يوجدن عليها.
بعض العاملين بالمستشفى، قالوا بأن المصاعد و رغم أنها جديدة، إلا أنها تتعرض للعديد من الأعطاب، كما أنها تتوقف كثيرا، و يحصل أحيانا أن يعلق أشخاص بداخلها، فيضطر العمال لفتح الأبواب من الخارج يدويا لإخراج الأشخاص العالقين، أما عملية التصليح فغالبا ما تطول، لأن المؤسسة المكلفة بالصيانة ترسل تقنييها من ولاية أخرى، و قد أكد محدثونا، أن هذه العملية تستغرق أحيانا حوالي شهر كامل، قبل أن يعود المصعد المعطل إلى العمل من جديد.
إدارات عمومية بمصاعد معطلة و القفز لتحريكها!
مشكلة المصاعد القديمة التي أصبحت لا تعمل بشكل جيد، يطرح في أغلب الإدارات العمومية، خاصة التي تتركز منها على مستوى وسط المدينة، حيث أن معظم هذه المديريات تقع ببنايات قديمة يعود تاريخ تشييدها إلى بداية القرن الـ 20، فعلى مستوى حي الكدية مثلا، نجد العديد من هذه الإدارات، على غرار مديريات و الأشغال العمومية و الطاقة، و غيرها من المؤسسات، و كعينة اخترنا مديرية المالية و الضرائب التي تحتوي على 6 طوابق و يقصدها عدد كبير من المواطنين يوميا، من أجل معاملات مختلفة.
شكل المصعد الذي يبدو و كأنه قطعة أثرية، يوحي بأنه لن يتحرك من مكانه، فهو عبارة عن صندوق حديدي أخضر معلق بكوابل حديدية، غير أنه لا يزال يعمل، لكن معظم المواطنين يفضلون استعمال السلالم، و ذلك بمجرد مشاهدتهم لوضعية المصعد، غير أن القليل منهم، إضافة إلى بعض الموظفين من الكهول، و خاصة كبار السن، ينتظرون للصعود عبره.
دخلنا المصعد رفقة أحد الموظفين، و كنا نقصد الطابق الرابع وسط ظلام دامس منعنا حتى من مشاهدة الأزرار المهترئة، ليتوقف فجأة، و نجد أنفسنا في الطابق الرابع.. أعدنا ضغط زر الطابق السادس، غير أنه لم يتحرك من مكانه، فبقي الموظف الذي كان برفقتنا يقفز في مكانه، مؤكدا بأنها الطريقة المعتمدة، حتى يسير المصعد من جديد، غير أنه و بعد عدة محاولات لم يفعل، فاضطررنا للخروج، و قد أردنا معرفة السبب، فوجدنا بأن المصعد لم يصل إلى المستوى الذي يفترض أن يتوقف فيه، و الغريب أن بوابته تشبه بابا حديديا لأحد المنازل، حيث تفتح و تغلق بنفس طريقة الأبواب العادية.. عقب نزولنا بقينا نراقب، إذ و بعد دقائق صعد أشخاص آخرون، فتحرك بهم المصعد بشكل عادي.
مصاعد لنقل مواد البناء
و أطفال يتخذونها لعبة!
بالمدينة الجديدة علي منجلي، و بالتحديد بعمارات «عدل» ذات 16 طابقا، و التي وزعت على سكانها قبل حوالي 10 سنوات، وجدنا الأمر نفسه بجميع العمارات تقريبا، فكل مدخل عمارة يحتوي على مصعدين متقابلين، غير أن معظمها لا يعمل، فكل ما دخلنا إلى عمارة و سألنا حاجبها، وجدنا المصاعد معطلة، و القليل منها فقط يشتغل، و قد يتوقف أحيانا دون سابق إنذار على حد ما علمناه من السكان، الذين أكدوا لنا بأنهم عندما قطنوا العمارات مباشرة بعد تسلمها، وجدوا المصاعد معطلة، مضيفين بأنها استعملت خلال عمليات التشطيب النهائية داخل الشقق، في نقل أدوات و أغراض العمل المختلفة.
محدثونا أوضحوا بأن معظم السكان لا يحترمون الإرشادات المبينة داخل المصاعد، و يحملون أغراضا ثقيلة، تتجاوز الوزن المسموح به، حيث ينقلون مواد البناء، مثل الآجر و أكياس الإسمنت، و أغراض أخرى كالأدوات الكهرومنزلية و الأثاث، كما أن الأطفال يجعلون منها لعبة يصعدون و ينزلون فيها بشكل متكرر، و هي عوامل جعلت من هذه المصاعد التي لا يمكن أن يستغني عنها السكان، تتعرض لأعطاب كثيرة و تتوقف عن العمل بشكل شبه دائم، حسب تأكيد السكان.
و قد أوضح السكان بأن إصلاح المصاعد يتأخر كثيرا، و تبقى أحيانا متوقفة لأشهر، قبل أن يتم إعادة تشغيلها، و قد تصل مدة توقفها إلى سنتين، حيث التقينا بشخص يعاني من صعوبة في المشي بسبب إصابة أحد قدميه، و أوضح لنا بأن مصعد العمارة التي يقطن بها متوقف منذ سنتين، و أكد بأنه إذا غادر منزله صباحا للعمل فإنه لا يعود سوى في المساء و لا يغادر مرة أخرى إلا في الصباح الموالي، كما أن كبار السن و خاصة الساكنين بأدوار مرتفعة، قد لا يبرحون منازلهم لأيام بسبب هذا الإشكال، و قد يحدث حسب محدثنا أن يتوقف المصعد بأحد السكان بين الطوابق، فيضطر الحاجب لفتح الباب عن طريق مفاتيح خاصة، و إخراج الشخص العالق باستعمال كرسي أو سلم.
أحياء تصنع الاستثناء
بالمقابل فقد استفادت عمارات السيلوك على مستوى حي قدور بومدوس بمدينة قسنطينة، من مصاعد جديدة، بدأت الخدمة سنة 2016، و بذلك ودع السكان معاناة استمرت لأكثر من 30 سنة، فالمصاعد بهذه البنايات الشاهقة توقفت عن العمل في بداية سنوات الثمانينات حسب ما أوضحه لنا بعض سكان هذا الحي.
و قد بدت المصاعد الجديدة، تعمل بشكل جيد، على حد تأكيد بعض السكان، الذين أوضحوا بأنهم يحاولون الحفاظ عليها، من خلال منع السلوكات التي تؤدي إلى إلحاق أضرار بها، على غرار نقل أغراض البناء و الأدوات المنزلية، فيما تبقى الكثير من العمارات الأخرى، مثل ما هو الحال بعمارة النجمة و الأشغال العمومية و المنظر الجميل، إضافة إلى أبراج حي «البوسكي» بسيدي مبروك، تحتاج إلى التفاتة من الجهات المسؤولة، من أجل تجديدها، خاصة أن السكان يعانون منذ سنوات طويلة، فالمصاعد على مستوى هذه العمارات، أغلقت و منها ما تم تلحيم أبوابها، بعد أن مرت سنوات طويلة على توقفها.
روبورتاج: عبد الرزاق مشاطي/تصوير: الشريف قليب