الفضاءات المشتركة بالعمارات.. هاجس يؤرق العائلات!
يعيش سكان العمارات بقسنطينة بمختلف صيغها و خاصة الاجتماعية منها، معاناة مستمرة، سببها تدهور حالة المساحات المشتركة المتمثلة في الواجهات و الأسطح و السلالم، فتجدها مهترئة و متشققة و تتسرب إليها مياه الأمطار، كما يمتد الأمر إلى داخل المنازل، و هو ما لم يجد له المواطنون حلا، في ظل التدخل النادر للجهات الوصية و عدم تفعيل القوانين الخاصة بتسيير هذه الأجزاء، و التي يرى المختصون بأنها موجودة لكن تطبيقها غائب.
النصر قامت بمعاينة بعض هذه البنايات على مستوى عدة أحياء، تظهر فيها و بكثرة مشاكل تسيير الفضاءات المشتركة، و ذلك على غرار بوالصوف و 5 جويلية و 20 أوت، و كذا ساقية سيدي يوسف و الزيادية، بالإضافة إلى أحياء سكنية ببلديتي الخروب و عين سمارة، و لو أن الإشكال المطروح يشمل مناطق أوسع و يعم جميع ولايات الوطن، كما تحدثنا إلى عينة من السكان، الذين سردوا لنا معاناتهم و نقلنا من خلال هذا الروبورتاج رأي أستاذ متخصص في الهندسة المعمارية.
معظم هذه الأحياء بدأت عملية الإسكان بها مع نهاية سنوات السبعينات، في عمارات ملك لديوان الترقية و التسيير العقاري، حيث جرت الترحيلات في فترات مختلفة، و استمرت إلى بداية التسعينات، و الكثير من السكان استفادوا في إطار السكن الاجتماعي، فيما تحصل جزء آخر على شقة، بفضل طبيعة عملهم أو مناصبهم كإطارات في الدولة، و هو الأمر الذي كان رائجا في ذلك الوقت، و مع مرور السنوات، قام العديد من شاغلي هذه المنازل، عن طريق الإيجار، بشرائها، حيث تحولت معظمها إلى ملكية خاصة، في الوقت الذي يبقى عدد كبير منها ملكا لـ «أوبيجي»، إلى غاية الوقت الحالي.
أحياء لم تخضع للتهيئة منذ 40 سنة
بحي بوالصوف مثلا، ينتشر عدد كبير من العمارات المتشابهة في التصميم و طريقة البناء، لكن يبدو أنها لم تخضع لأي نوع من الصيانة أو إعادة التهيئة، منذ تسليمها لقاطنيها، حيث أن البعض منها بقي على حاله منذ ما يقارب 40 سنة. و بجولة بين عدد منها و بالدخول إلى السلالم و الشقق في يوم ماطر، وقفنا على الحالة المتدهورة التي آلت إليها الكثير منها، ففي إحدى العمارات المؤلفة من 5 طوابق، بالشطر الخامس من هذا الحي، و بداية من مدخل البناية، تظهر علامات التدهور، فالباب الحديدي الضخم لا يغلق، و الجدران متسخة، كما تفوح روائح الصرف الصحي من القبو القريب من المدخل.
أما السياج الحديدي الذي يفصل بين السلالم و الحافة، فكان غير ملتصق بشكل جيد و يتحرك، محدثا ضجيجا كلما استعنت به للصعود، و قد بدت جميع الجدران متسخة بالوحل كما أنها مكتوبة و مرسومة بالطباشير أو الدهان، و كأنها لم تنظف أو تدهن منذ زمن بعيد، زيادة على أن درج السلالم كان مكسورا، أما النوافذ التي أغلقت بشباك حديدي صدئ، فكانت مياه الأمطار تتسرب منها محدثة بركا، و لم يكن هذا المصدر الوحيد للمياه، فقد وجدنا أن مياه المطر تتسرب من الخزائن الواقعة أمام أبواب الشقق، و التي تحتوي على عدادات الكهرباء و الغاز و المياه و كوابل الهاتف الثابت، كما أن آثار الرطوبة كانت بادية على جميع الأسقف و الجدران المشققة و المهترئة، التي تنزل منها قطرات الماء.
مياه تتسرّب إلى الشقق و مبانٍ أخلِيَت
حالة الشقق من الداخل لم تكن أقل سوء، فالمياه كانت تتسرب من السقف داخل المطبخ و الحمام و كذا المرحاض، حتى بدا الأمر و كأنه لا يوجد سقف، هذا الأخير الذي بدا متهرئا بشكل كبير، رغم أن الشقة كانت في الطابق الثالث، و هو الأمر الذي لاحظناه على مستوى عدة عمارات أخرى من بوالصوف، حيث تشابهت حالة هذه المباني، و لو أن الأضرار تختلف حدتها من مكان إلى آخر. و حسب ما أوضحه العديد من السكان الذين تحدثنا إليهم، فإن السبب الرئيسي يعود إلى المياه المتسربة من سطح العمارة، حيث أن الكتامة باتت غير صالحة، و لم تجدد منذ إنشاء هذه العمارات، ما اضطر بعض السكان لإجراء ترقيعات غير مدروسة و عشوائية.
و أوضح السكان المعنيون، بأنهم أودعوا طلبات على مستوى ديوان الترقية و التسيير العقاري، من أجل إعادة الكتامة، و ذلك منذ سنوات، غير أن طلباتهم بقيت مجرد حبر على ورق، حسب تأكيدهم، و ذلك بسبب قوانين «أوبيجي» التي تقتضي أن يكون قاطنو الطابق الأخير من المؤجرين و ليس من المالكين، و إذا كانوا من الفئة الأولى، يجب أن تكون جميع حقوق الإيجار الخاصة بهم مدفوعة بالكامل، و هي مشاكل قالوا بأنها أدت إلى تواصل الأوضاع على حالها، و منعتهم من ترميم و إصلاح بيوتهم، بل و أدت إلى مشاكل و أخطار أخرى، مثل احتراق العدادات الكهربائية نتيجة المياه المتسربة، أو تلف الكوابل، بسبب انغمارها بمياه الصرف الصحي، حيث أن القنوات الخاصة بهذه الأخيرة، تتعرض لانسدادات كثيرة و يضطر السكان إلى تجديدها بشكل دوري.
هذه المشاكل قد تصل إلى حد لا يمكن فيه الإبقاء على السكان في منازلهم، و هو ما حدث بإحدى العمارات التي تضم 9 طوابق، و يعود بناؤها إلى منتصف الثمانينات، حيث وقع بها تشقق كبير اتسع بشكل سريع، و تسبب في انفصال السلالم عن باقي العمارة، ما شكل خطرا على السكان، و استدعى تدخل السلطات الولائية، التي قامت بنقلهم إلى شقق بالمدينة الجديدة علي منجلي، فيما تجرى في الوقت الحالي إعداد دراسة، تهدف إلى معرفة إمكانية ترميم هذه البناية.
حديد الخرسانة يظهرمن الجدران
ولا يختلف الوضع كثيرا، في باقي الأحياء، فعلى مستوى حي ساقية سيدي يوسف المعروف محليا بـ «لابوم»، نجد نفس المشاكل تقريبا، فبالإضافة إلى الشكل الخارجي للبنايات التي خضعت لتغييرات، من طرف السكان، بسبب التعديلات التي أدخلوها على الشرفات و النوافذ، فحالة العمارات المتدهورة، تظهر و بشكل واضح على مستوى السلالم، و الجدران الداخلية، إلى درجة أصبح فيها حديد الخرسانة يظهر بارزا على مستوى الأسقف و الجدران، التي تبدو و كأنها تعرضت للتخريب بسبب امتلائها بالثقوب و الحفر.
ما شاهدناه في هذه الأماكن، يتكرر في العديد من الأحياء الأخرى، و بأشكال تكاد تكون نفسها، كعمارات الزيادية و 5 جويلية و 20 أوت، و كذلك تلك الواقعة ببلديات أخرى مثل عين سمارة و الخروب، و حتى الجديدة منها التي لم يمض على بنائها أكثر من 15 سنة بالمدينة الجديدة علي منجلي، التي يعاني قاطنوها من جملة من المشاكل، المتعلقة أساسا بالغياب التام للصيانة و لثقافة تسيير الفضاءات المشتركة.
الأستاذ بكلية الهندسة المعمارية بجامعة قسنطينة 3 مزيان وسام
عدم تفعيل قوانين تسيير الأجزاء المشتركة تسبب في تدهورها
يتحدث الأستاذ وسام مزيان، و هو مهندس معماري و أستاذ محاضر بكلية الهندسة المعمارية بجامعة قسنطينة 3، عن مشاكل الأجزاء المشتركة بالعمارات، و يوضح بأن هناك قوانين عدة تسمح بضبط و تسيير هذه الفضاءات، غير أنها غير مفعلة في غياب الإلزام.
يقول الأستاذ مزيان، إن المشاكل المطروحة على مستوى العمارات السكنية تكمن في عدم تفعيل القوانين و المراسيم التنفيذية، و غياب العمل بها بشكل كبير، موضحا بأن المشرع الجزائري أصدر منذ سنة 1983، المرسوم رقم 666 الذي يحدد الأجزاء المشتركة في العمارات و كيفية تسييرها، و الجهة المخولة بذلك، مضيفا بأن هناك مرسوما آخرا يحدد هذه المهام، و هو المرسوم 14/99 الصادر في سنة 2014، و الذي يخص كذلك تسيير الأجزاء المشتركة على مستوى عمارات السكن العمومي الإيجاري، المسيرة من قبل دواوين الترقية و التسيير العقاري.
و في هذا الشأن يؤكد الأستاذ مزيان، بأن الإطار القانوني متوفر و مضبوط، لكن يبقى الإطار المؤسساتي الذي يتمثل في الغالب، في دواوين الترقية و التسيير العقاري، موضحا بأن هذه الأخيرة لا تلعب، حسبه، دورها كمسير عقاري، بل كمرق عقاري، في إطار المشاريع السكنية التي تنجزها لفائدة الدولة، و بالتالي فهذا المردود المالي يغنيها عن نشاطات أخرى متمثلة أساسا في التسيير، على حد تأكيد محدثنا.
من جهة أخرى فإن القانون الخاص بتسيير الأجزاء المشتركة، يقتضي حسب السيد مزيان، تعيين مسير للأملاك العقارية، و هي في الغالب مؤسسة خاصة أو شخص يستخدم كمؤسسة مناولة مهمته تسيير هذه العمارات، و ذلك من خلال جمع الاشتراكات المالية من السكان، و التكفل بكل ما يتعلق بالصيانة و النظافة و غير ذلك من الأمور الخاصة بالحفاظ على الأجزاء المشتركة، مضيفا أن هذه المهنة منظمة، و لديها اعتماد من وزارة السكن، لكنها غير مفعلة و لا يتم العمل بها في الجزائر، إلا من خلال حالات قليلة، على غرار بعض عمارات «عدل»، يضيف محدثنا.
التمويل كذلك من المشاكل التي تعيق الصيانة و الحفاظ على الفضاءات المشتركة، المتمثلة على وجه الخصوص في السطح و السلالم و المصاعد، و كل ما تحتويها، و في هذا الخصوص يقول الأستاذ مزيان، بأن أي شخص في الجزائر يشتري بيتا، لا يبقى لديه التزام مالي، و ذلك على عكس دول أخرى، أين يتعين على كل مالك منزل في عمارة، دفع أموال خاصة بصيانة الفضاءات المشتركة، بعد مدة معينة، كما أن الضريبة التي تُدفَع منذ سنة 1997 من خلال فاتورة الكهرباء و الخاصة بترميم البناء، بمدن قسنطينة و العاصمة و وهران و عنابة، لا تظهر آثارها على أرض الواقع، حسب ما يوضحه محدثنا، ليخلص إلى أن غياب التطبيق الصارم للقوانين التي سبق ذكرها، يؤدي إلى التدهور السريع للعمارات، و بالأخص الفضاءات المشتركة.
روبورتاج: عبد الرزاق مشاطي/تصوير: شريف قليب