لهـذه الأسـبـــاب تحـدث الفيضانــــات
فسر مختصون الفيضانات الأخيرة التي أحدثت خسائر بعدد من ولايات الوطن بأنها ناجمة عن تجاهل عنصر تطهير الأودية وفتح مجاري و أروقة لتدفق المياه، كما اعتبروا الحواجز الإسمنتية عبر الطرقات من العوامل التي تؤدي إلى تشكل السيول إضافة إلى عدم تنظيف البالوعات التي تبقى في معظمها غير قادرة على استيعاب مياه الأمطار.
وإن كان ما حدث مؤخرا بالنسبة للباحثين والمهندسين يمثل في جزء منه ظاهرة طبيعية لها علاقة بحجم التساقط وطبيعة التربة وكثـرة المنحدرات والمناطق المنخفضة وضيق الأودية، إلا أنهم سجلوا عدم الإستعانة بالمختصين عند وضع مشاريع الحماية من الفيضانات، كما اعتبروا البناء الفوضوي في محيط الأودية من أكثـر العوامل المشكلة للخطورة على المدن والقرى، إضافة إلى الرمي العشوائي للردوم والنفايات و نقص الدراسات الهيدرولوجية مع إهمال تام لعنصر التشجير.
النصر عادت من خلال هذا الملف، لما حدث في عدة ولايات بشرق البلاد وتوقفت عند الأسباب التي جعلت الأمطار الموسمية تتحول هذا الخريف إلى جحيم أغرق الأحياء والطرقات وحصد الأرواح والممتلكات ، في ظاهرة اعترف المندوب الوطني للمخاطر الكبرى أنها تتطلب إعادة نظر في ميكانزمات التنبؤ و التعاطي معها، بعد أن خلفت الفيضانات هذا العام خسائر قدرت بـ 25 مليار دج، نسبة كبيرة منها سجلت خلال هذا الشهر بالجهة الشرقية للبلاد.
في تبسة و قسنطينة و باتنة كما في أم البواقي و عنابة والطارف، المشكلة تبدأ من البناء الفوضوي على أطراف الوديان إلى نظم صرف غير قادرة على استيعاب المياه وصولا إلى انسداد المجاري ، وقد تختلف المعطيات في بعض تفاصيلها من ولاية إلى أخرى، لكن وكلما تساقطت الأمطار يكون المشهد نفسه، سيول تجتاح كل ركن وحياة شبه متوقفة.
فيما تتواصل عمليات تنظيف محيط الحادثة
الرّدوم والقمامــة تهــدد بتكــرار سيناريــو وادي زياد بأحيـــاء قسنطينــة
استمرّت يوم أمس، عمليات رفع الأوحال وتنظيف موقع فيضان وادي زياد على مستوى حي جبلي أحمد المعروف باسم «كانطولي» بين بلديتي قسنطينة وحامة بوزيان، في وقت لا تخلو فيه الكثير من المناطق الأخرى من الولاية، من مخاطر تسجيل حوادث مماثلة بسبب قرب البنايات السكنية من المجاري المائية وانتشار القمامة والرّدوم، إضافة إلى الاختلالات المسجلة في أنظمة تصريف مياه الأمطار.
روبورتاج: سامي حباطي
وخلال تنقّلنا إلى حي جبلي أحمد على الطريق الوطني رقم 27، لاحظنا تواجد العشرات من عمال التنظيف التابعين لبلدية قسنطينة بالقرب من حيي بوذراع صالح و ابن الشرقي، حيث يقوم بعضهم برفع القمامة من الأرضية المحيطة بالموقع، بينما يجري آخرون عمليات نزع للأوحال من المسار المخصص لتصريف مياه الأمطار على ضفة طريق السيارات، بعد أن غمرتها الكميات الكبيرة من الأتربة التي جرفتها السيول.وذكر لنا أحد المواطنين عند توقفنا بالقرب من بعض العمال على مستوى مدخل حي المنية، بأن المشكلة ليست في تنظيف مجاري صرف مياه الأمطار، فجبال الأتربة المحيطة بالطريق، تعود كلما هطلت الأمطار، حيث ينبغي، بحسبه، أن تقوم السلطات المحلية بتدعيم الأرضية ومنع الأتربة من التراكم.
من هنا مرّت السيول
واصلنا طريقنا إلى حي جبلي أحمد، حيث قابلنا ازدحام مروري ناجم عن الأشغال الجارية على قطر يقارب الكيلومتر من وادي زياد مصدر المياه التي غمرت الطريق الأربعاء الماضي وأدت إلى وفاة شخصين و تسجيل أضرار مادية في عشرات السيارات. وعند توقفنا بالمكان لاحظنا بعض إطارات مديرية الأشغال العمومية وإدارات أخرى، بالإضافة إلى عشرات العمال على طول الطريق، أما عند وادي زياد، فقد نزل بعض العمال إلى المجرى مدعّمين بالآليات لإزاحة الأتربة والعوائق التي جرفتها مياه الوادي، على غرار جذوع الأشجار والصخور الكبيرة والقاذورات. وقد تحلّق المواطنون من سكان حي «كانطولي» وبنايات حي ابن زياد، حول العمال وتطوع بعضهم للمساعدة، في حين انشغل التجار بتنظيف مداخل محلاتهم ومحيطها من الأتربة وسلعهم التي تعرض جزء منها للتلف، في حين نجا تجار آخرون من الحادثة بفضل مداخل متاجرهم المرتفعة عن مستوى الأرض. ويلاحظ في المكان أيضا أن المجاري المحفورة على ضفتي الطريق لتصريف مياه الأمطار، معرقلة عند بعض النقاط بسبب أرضيّة قام بعض التجار بتمديدها بالخرسانة من أجل دخول الشاحنات والسيارات، حيث حفروا أسفلها قنواتٍ تسمح بمرور المياه في حالة هطول المطر. ويوجد على الضفة الثانية من الجهة التي يسلكها أصحاب المركبات المتوجهين إلى مدينة قسنطينة، كشكٌ بُنِيَ فوق الجسر المنجز على وادي زياد، حيث أمر الوالي بعد الفيضان بهدمه، لكنّنا لاحظنا بأنه ما زال قائما يوم أمس.
مخططات حماية من الفيضانات تنتظر التجسيد
وشهدت ولاية قسنطينة خلال السنوات الأخيرة سيولا مماثلة وفيضانات للمياه على مستوى عدة مناطق، ففي صيف 2015، عرفت المدينة الجديدة علي منجلي سيولا جارفة نجمت عن سقوط كميات كبيرة من الأمطار، وقد تسببت تلك الحادثة في تسجيل أضرار مادية جسيمة ووفاة شخص، فيما غمرت المياه شققا وعددا كبيرا من المنازل في علي منجلي.
وقد أرجِعت الفيضانات حينها إلى مشاكل في قنوات تصريف مياه الأمطار، وخُصّصت مبالغ ماليّة لتجسيد مشروعٍ لحماية المدينة الجديدة من الفيضانات، خصوصا في المناطق السّفلى منها، التي عانى القاطنون فيها من تبعات السيول أكثر من غيرهم، لكن علي منجلي ما تزال تشهد تشكل برك كبيرة من مياه الأمطار كلما وقعت التقلبات الجوية، خصوصا خلال فصل الصيف.
وتعرف مناطق أخرى من الولاية مشكلة فيضان الوديان وتشكل السيول، على غرار حي الفنتارية ببلدية الخروب، التي أطلقت قبل بضعة أشهر استشارة من أجل تجسيد مشروع لحمايته من الفيضان، بالإضافة إلى منطقة الهرية وأولاد رحمون التي يرتفع فيها منسوب مياه الوادي.
و بمدينة قسنطينة، فيتسبب انسداد البالوعات بالقمامة، في تشكل سيول عند هطول الأمطار، على غرار ما سجل في أحياء الجهة الشرقية الشمالية من المدينة مثل جبل الوحش والزيادية والأمير عبد القادر ظهيرة الأربعاء الماضي، بالإضافة إلى بعض النقاط من وسط المدينة. أما ببلدية عين سمارة، فيُمثل مدخلها على الطريق الوطني واحدة من النقاط السوداء بالقرب من المجمع المائي المسمى «برغلة»، حيث غالبا ما تغمر مياهه الطريق عند هطول الأمطار، بسبب امتلاء القناة المخصصة لمرورها إلى غاية الوادي بالقمامة والقاذورات.
الردوم والقمامة تهدد بكارثة جديدة
وتمثل القمامة والردوم واحدة من المشاكل الكبيرة التي تؤثر على الوديان وتتسبب في فيضانها عند التقلبات الجوية العنيفة، ويمكن ملاحظة رمي الأطنان منها على مستوى حي المجرى المائي لحي وادي الحد، فالسلطات أبقت على جزء كبير منها عندما تم ترحيل سكان الأكواخ القصديرية وهدمها، في حين ما يزال المواطنون يقصدون المكان بشاحناتهم لرمي كميات أخرى، من بينها مخلفات البناء وأغصان الأشجار وحتى البقايا المعدنية والأجهزة الكهرومنزلية.
وتسجل نفس المشكلة في نقاط أخرى بعيدة عن الوديان، لكنها تؤثر على الطبيعة أيضا، مثلما لاحظناه يوم أمس بمدخل مدينة عين سمارة، حيث اتخذنا مسلكا بالقرى القريبة من المجمع المائي «برغلة»، وعند أول منعطف قابلتنا مخلفات البناء وبقايا ورشات مرمية في أراضي زراعية بعيدا عن أنظار مستعملي الطريق الوطني. ولاحظنا كميات كبيرة من الردوم في المكان المجاور للطريق الوطني 27 بالقرب من حي بوذراع صالح، فيما أكد لنا مختصون بأن المخلفات التي جرتها مياه وادي زياد من أعالي مرتفع جبل الوحش، من المشاكل التي أدت إلى فيضان الوادي.
س.ح
رئيس جمعية حماية البيئة والطبيعة
لابد من إعداد دراسات هيدرولوجية وإعادة النظر في قوانين التعمير
يؤكد رئيس اللجنة العلمية لجمعية حماية البيئة والطبيعة بقسنطينة، بأن عدم إنجاز دراسات هيدرولوجية بالنسيج العمراني في الجزائر، قد تسبب بشكل كبير في الفيضانات الأخيرة ، كما ذكر بأن الجزائر تعرف تغيرات مناخية في العشر سنوات الأخيرة، وهو ما يتطلب إعادة نظر في بعض قوانين التعمير .
وترى الجمعية على لسان رئيسها السيد عبد المجيد سبيح، بأن الأمطار الاستثنائية، التي تساقطت خلال ثلاثة أيام متتابعة قد تسببت في هذه الظواهر الخطيرة التي ضربت مناطق عديدة من الوطن، فقسنطينة على سبيل المثال شهدت هبوط مياه مطرية، من المرتفعات سرعان ما تراكمت في وادي زياد الضيق.
ويرى المتحدث، بأن الخصوصية الجيولوجية للجزائر تجعلها منطقة معرضة للفيضانات، حيث أن المياه المطرية بها تتجمع على سطح التربة وتكون أوحالا ، كما تتميز بوجود الوديان الضيقة ، التي تعرف نقصا كبيرا في الغطاء النباتي ، وهو ما لطالما أدى إلى حدوث ظاهرة التوحل الخطيرة على ضفاف الوديان، لتكون النتيجة مثلما أكد فيضانات بالمناطق والمنشآت المحيطة بها.
ويضرب المتحدث مثالا بوادي الرمال بقسنطينة الذي يتميز باتساع مجراه ، بعد أن تم إخضاعه لعملية تهيئة شاملة، تم فيها تحديد مساره والتحكم في وضعيته خلافا لما كان يعرفه من فيضانات كبيرة، خلال السنوات الفارطة، حيث دعت الجمعية إلى ضرورة تهيئة جميع الوديان بهذه الطريقة.
وتعد خصوصية الطبقة الجيولوجية في الجزائر، بحسب اللجنة العلمية للجمعية، من بين أسباب حدوث هذه الأخطار ، فهي تتميز بطبقة تربة نفوذة وبالتالي لا تتيح امتصاص أكبر كمية من المياه ، وهو ما يؤدي إلى تشبعها وحدوث فيضانات بشكل سريع، وتبرز الجمعية بأن عدم وجود الغطاء النباتي وقلة التشجير على ضفاف الوديان والأراضي الفلاحية، فضلا عن المنحدرات و الشعاب ، بالجزائر، التي تتسبب في هذه الظاهرة فضلا عن توسع وتشعب مجاري الوديان.
ويرى المتحدث، أن من بين الأسباب التي ظهرت في السنوات الأخيرة، تزايد رمي نفايات الردوم والعجلات المطاطية على حواف الوديان، والتي تتسبب في تغير مسارها وحتى الرمي في منحدرات الغابات يؤدي مع مرور الزمن، مثلما أكدـ إلى تآكل وجرف كمية كبيرة من الحجارة وبقايا الأشجار ، وتجمعها في الوديان، كما ذكر السيد سبيح بأن هذه المشكلة تؤدي إلى انسداد البالوعات والمجاري وكذا الأودية الضيقة، التي تتعرض إلى ضغط يؤدي إلى عدم قدرتها على استيعاب هذه المواد غير الطبيعية لتكون النتيجة تغير مسار المياه وخلق أخاديد ومنخفضات غير طبيعية، لاسيما بالمنحدرات وهو ما حدث في قسنطينة.
ذات اللجنة قامت بمتابعة التسربات المائية في الأحياء ، ولاحظت بأنه وفي حال عدم إصلاحها في الوقت اللازم، فإن المياه تتسبب في تآكل التربة وتسبب في الحفر وتحدث مسارات جديدة للمياه، وفي حال تساقط أمطار تتسبب في فيضانات وتشكل بركا كبيرة و مجاري مائية ، تؤدي إلى أخطار تبدأ بحسبه صغيرة ثم تتعاظم.
وترى الجمعية، بأن من أهم المشاكل التي تتسبب في الفيضانات، نقص الدراسات الهيدرولوجية، في النسيج العمراني، وهو ما فتح المجال واسعا للتعمير الفوضوي، حيث أن الجزائر خلال السنوات العشر الأخيرة تعرف تحولات مناخية ولهذا استوجب إجراء دراسات دقيقة وعلمية على المدى القصير والمتوسط، ويؤكد السيد سبيح بأنه لا مناص من إجراء إحصائيات دقيقة لكميات الأمطار المتساقطة بحسب كل منطقة واقتراح حلول تقنية لكيفية التحكم فيها مع تنظيف الشعب والأودية دوريا من طرف الجماعات المحلية.
وشدد المتحدث، على ضرورة تطبيق قوانين التعمير، وردع جميع المخالفين لها لاسيما البناء الفوضوي في المنحدرات والوديان، مع الاهتمام بالمكافحة البيولوجية، وذلك بمنع البناء على حواف الوديان وتعويضها بكثافة الأشجار والغطاء النباتي، مثلما هو الأمر بمشروع وادي الرمال الذي تم فيه إنجاز مساحات من العشب الأخضر وغرس المئات من الأشجار، ذات الخصوصية النوعية على غرار أشجار الكاليتوس والصفصاف .
لقمان/ق
المختص في المياه السطحية الدكتور غاشي عز الدين
لهـذه الأسبـاب حدثـت فيضـانات قسنطينـة و تبســـة
• الأمطار التي تهاطلت في دقائق تعادل شهرا من التساقط
أكد الدكتور غاشي عز الدين، المختص في المياه السطحية بمعهد تسيير التقنيات الحضرية، أن كمية الأمطار التي تهاطلت يوم الأربعاء الماضي بقسنطينة، خلال أقل من 45 دقيقة، تعادل حجم التساقط خلال قرابة شهر و نصف، و هو ما أدى إلى تشكل سيول قوية خلفت قتيلين و قال إنه كان بالإمكان تجنبها بقسنطينة و الولايات الأخرى، بالحد من فوضى النسيج العمراني و إنجاز الهياكل القاعدية وفق دراسات متأنية و دقيقة يُستشار فيها أهل الاختصاص.
و في اتصال بالنصر، عاد الأستاذ بجامعة قسنطينة 3 إلى الفيضانات التي شهدتها منطقة جبلي أحمد، حيث قال إنه تنقل إلى عين المكان و توصل إلى نتائج بخصوص أسباب ما حصل، و أولها، مثلما يوضح، هو حدوث اضطراب جوي رعدي استثنائي نجم عنه تساقط 80 ميليمترا من الأمطار في مدة لا تزيد عن 45 دقيقة، و هي كمية تعادل شهرا و نصف من التساقط في الحالات العادية، و ذلك عبر سحابة محلية جدا تمركزت بين بلدية حامة بوزيان و مدينة قسنطينة، عند الحوض المائي لوادي زياد على مساحة 11.5 كيلومتر مربع، مضيفا أن هذا الوادي يعد أحد روافد وادي الرمال و يمتد على طول يقارب 5 كيلومترات، ابتداء من منطقة جبل الوحش.
و يوضح الدكتور غاشي المتخرج من جامعة نانسي الفرنسية و الذي أعد دراسات حول خطر الفيضانات، أنه و زيادة على ذلك، فإن هذا الحوض المائي موجود في طوبوغرافيا معروفة بمنحدراتها الشديدة و بأرضيتها التي أصبحت لا تتميز بالنفاذية، لأن مساحة كبيرة منها تم شغلها بنسيج عمراني ممتد على منطقة بكيرة و تطور، مثلما يضيف، بطريقة فوضوية، الأمر الذي أدى إلى سيلان المياه المطرية بسرعة كبيرة فوق سطح الأرض.
و أمام المنسوب جد الغزير للأمطار، جرف وادي زياد معه كميات من النفايات الهامدة و الأشجار الميتة التي كانت مرمية به، لتلتقي، كما يتابع الدكتور، في حي جبلي أحمد الواقع في منطقة منخفضة و تسدّ الفتحات الموجودة بالمجرى هناك، خاصة و أن الجسر الذي يعتلي المصب، تم تخفيض مستواه عند إعادة تهيئة الطريق المزدوج الرابط بين قسنطينة و حامة بوزيان، مضيفا أن عدم تغيير ارتفاعه الذي وصل في السابق إلى مترين، كان ليساعد على مرور 80 بالمئة من السيول عبر مجراها الطبيعي، لكنها تدفقت فوق الجسر و وصلت إلى الطريق، لتصطدم هناك بحاجز إسمنتي حبس المياه و أدى إلى تشكل ما يشبه بركة كبيرة بتدفق غزير و بعمق متر.
و يؤكد المختص أن وضع حواجز معدنية تضم فراغات، كان ليساعد على امتصاص جزء من الكارثة، حيث كانت المياه لتكسر هذا الحاجز في أسوء الأحوال و تكمل طريقها، مضيفا أن حجم الخسائر كبير، لتزامن ما حصل مع وقت الذروة بين الرابعة و الرابعة و النصف عصرا، و كذلك مع عطلة نهائية الأسبوع و عشية احتفالات عاشوراء، أين كانت الطريق على غير العادة، تشهد كثافة مرورية لتوجه المئات من المواطنين إلى سكناتهم ببلدية حامة بوزيان و الولايات المجاورة.
و بخصوص ولاية تبسة، قال المختص إنَّ شبكة تصريف المياه السطحية والقذرة بتبسة قديمة ولم تعد قادرة على استيعاب الكمِّ الهائل من المياه، بعدما تم ربط السكان الجدد والتجمعات الحضرية الكبرى بالشبكة القديمة، ما خلَّف ضغطا كبيرا عليها، إلى جانب نقص الاهتمام بتنقية البالوعات باقتراب فصل الأمطار الرعدية الفجائية، فيما زادت العوامل الطبيعية الطينة بلّة، نظرا لوقوع قلب المدينة أسفل سلسلة من الجبال، ما يؤدي إلى تجمُّع المياه وتحولها بقوة نحوه.
وانتقد ذات المتحدث سياسة المسؤولين وغياب المصالح التقنية والمختصين في تسيير هذا النوع من الملفات الثقيلة، خاصة بتحويل مسار أحد الأودية الكبيرة التي تصبّ بوسط تبسة، عبر مجرى غير ملائم على حدّ تعبيره، و ردم آخر، ما سبَّب الكارثة التي أودت بحياة طفل صغير وخلَّف خسائر مادية معتبرة، وهو إشكال يتكرّر كل بداية فصل خريف.و تطرق الدكتور إلى ما أسماه بالهندسة المعمارية الخاطئة لشوارع مدينة تبسة، والموازية لمجرى وادي الناقص، ما يجعل منها مجاري مهيأة لمئات الأمتار المكعبة من المياه المتدفقة في اتجاه واحد، وبالتالي حدوث الكوارث وانجراف المنازل والسيارات، مشيرا إلى أن الحوض المائي للوادي المذكور و الحامل لكمّ هائل من المياه السطحية للأمطار، بالطبيعة الجيولوجية للأرض غير النفاذية، يفرض تبني حفر أحواض مماثلة للموجودة بولاية باتنة، على أطراف المدينة، لكي تتجمع بها مياه الأمطار لتضخّ بعدها بشكل مقنّن أو لاستعمالات مجدية.الدكتور غاشي أكد أن وجود متابعة دقيقة و استشارة أهل الاختصاص من طرف السلطات المحلية، كان ليجنب حدوث مثل هذه الكوارث خلال الظواهر الهيدرومناخية الاستثنائية، التي صارت الدول المناخية تتحكم فيها عن طريق التسيير العلمي و الدقيق، حتى و إن تطلب ذلك دراسات تأخذ وقتا، داعيا وزارة الداخلية والجماعات المحلية للاستعانة بالمختصين، و وضع نظرة شمولية حول شبكات التصريف وطرق امتصاص ضغط المياه الموسمية، واستغلالها عبر السدود الصغيرة والأحواض المشيدة بالقرب من المنافذ الأساسية، قبل بلوغها مشارف المدن الكبرى، مع منح الأولوية للكفاءات لتسطير هذا النوع من المشاريع.
فاتح خرفوشي/ ياسمين ب
رئيسة لجنة التعمير بالمجلس الولائي لقسنطينة
ماحدث بالحامـــة ظاهـرة استثنائيـــة
أكدت رئيسة لجنة التعمير بالمجلس الشعبي الولائي لقسنطينة بأن فيضان وادي زياد لا يعود إلى مشكلة بالوعات، وأوضحت بأنها مشكلة استثنائية، في حين نبهت إلى ضرورة تجسيد مشروعٍ لمعالجة الوديان في المنطقة.
وأفادت رئيسة اللجنة المذكورة والمهندسة المعمارية، لمياء جرادي، في اتصال بالنصر، بأنها تنقلت مع مجموعة من المنتخبين بالمجلس الولائي إلى موقع الفيضان، حيث لوحظ، بحسبها، بأن الوادي قد جرف كميات كبيرة من الأوحال والأتربة والحجارة وأغصان الأشجار، مضيفة بأنه جرف غصن شجرة يبلغ طولها عشرة أمتار، في حين أوضحت بأن ما وقع يمثل ظاهرة استثنائية ناجمة عن تساقط كثيف للأمطار وصل إلى حوالي خمسة أضعاف من المنسوب العادي، فضلا عن أن سرعة الرياح أدت إلى تفاقم الأمر. وقالت رئيسة اللجنة إن وادي زياد ينبع من أعالي جبل الوحش، مشيرة إلى أنه يجري في منحدر على مسافة طويلة، فيما يشكل حي جبلي أحمد، المعروف باسم “الكانطولي” النقطة الدّنيا منه، ما يجعله مكان لتجمع المياه في حالات الفيضان.
وأضافت محدثتنا بأن الانحدار الشديد والمسافة أدّيا إلى تضاعف سرعة التدفق بشكل كبير، فيما رفع الوادي السيارات لأنها خفيفة مقارنة بوزن المياه في تدفقها، لكنها نبهت بأن الحواجز الفاصلة بين جزئي الطريق الوطني قد أدت إلى تجمع المياه في جهة واحدة. وقالت رئيسة لجنة التعمير إن المشكلة المذكورة ليست في البالوعات أو في قنوات تصريف المياه، في حين تشكل ظاهرة استثنائية، بحسبها. وشددت المتحدثة على أن مسار وادي زياد لم يتم تعديله أو المساس به، فيما أشارت إلى أن وجود بعض البنايات التي أنشئت في سنوات سابقة بشكل عشوائي قد ساهم في عرقلة المياه، فضلا عن أن التدفق تزامن مع ساعة الذروة ومرور عدد كبير من المركبات.
وترى المهندسة المعمارية بأنّ معالجة مسار الوادي من خلال بناء حواجز حجرية في مساره، قد يقلل من حجم المشكلة في حال تكررها، مضيفة بأنه يجب غرس الأشجار، كما ينبغي، بحسبها، خلق فسحات في الحاجز الطويل الذي يفصل جزئي الطريق عن بعضهما، في حين قالت أن الحلول الأخرى تكون على المدى الطويل من أجل وضع حد للمشكلة وتتطلب مبالغ مالية كبيرة.
سامي .ح
رئيس مجلس المهندسين المعماريين لولاية قسنطينة
البناء الفوضوي من أهم مسببات فيضانات الأودية
صرح رئيس مجلس المهندسين المعماريين بولاية قسنطينة، ميلود بن زردة، بأن البناء الفوضوي من أكبر المشاكل التي تهدد بفيضان الوديان، وأوضح بأن مواطنين استفادوا من رخص بناء أعدت من طرف أشخاص غير مختصين على مستوى بلديات.
وقال رئيس المجلس في اتصال بالنصر، بأن الكثير من البناءات الموجودة بمحيط وادي زياد قد بنيت بطريقة غير مطابقة، مضيفا بأن البناء الفوضوي يمثل واحدا من المشاكل الأساسية التي تؤدي إلى فيضان الوديان.
وأوضح بن زردة بأن بلديات عبر الولاية، منحت طيلة السنوات الماضية رخص بناء لمواطنين من أجل إنجاز سكنات، رغم أن من أعدوها ليسوا مهندسين معتمدين من طرف مجلس المهندسين المعماريين، وأضاف المعني بأن هذه الحالة تسجل بالعديد من بلديات الولاية خصوصا الكبرى منها، على غرار بلدية قسنطينة.
وأشار محدثنا إلى أن مجلس المهندسين المعماريين هيئة رسمية من مهامها مراقبة مهنة المهندس المعماري، بحسب ما ينص عليه المرسوم التشريعي رقم 94/07، المتعلق بالإنتاج المعماري وممارسة هذه المهنة والمؤرخ في 18/05/1994، حيث أوضح بأنه وجه رسالة إلى بلدية حامة بوزيان شهر جوان من السنة الجارية، وتضمنت طلبا من أجل معاينة مخططات بناء السكنات على مستواها، لكن مصالح البلدية “لم تسلم المجلس وصل استلام الرسالة”.
وشدد المعني على أن المجلس مخول بالإطلاع على مخططات البناء التابعة للبلدية، التي يحق أيضا لأي مواطن أن يطلع عليها، بحسبه، مضيفا بأن هيأته لا تحوز أرقاما عن عدد البناءات الفوضوية الموجودة عبر الولاية والبلدية المذكورة، لأنهم لم يحصلوا عليها، في حين قال إنهم لا يواجهون مشاكل مماثلة مع الإدارات التنفيذية الأخرى، التي تشركهم في اجتماعاتها، منبها بأن مهمة الاطّلاع على مخططات البلديات تتضمن غاية بيداغوجية أيضا.
سامي.ح
تحصيصات بالقرب من المجاري المائية
1300مليار لحماية باتنة والوديان خطر نائم
أثار تساقط الأمطار هذه الأيام وما صاحبها من فيضانات وتسجيل ضحيتين وخسائر مادية مخاوف وسط المواطنين بولاية باتنة، وأثار في الوقت نفسه تساؤلات عن جدوى مشاريع حماية مدن من الفيضانات، فيما تطمئن السلطات بنجاعة مشاريع تم إنجازها بأغلفة تجاوزت 1300 مليار .
فيضان أودية وسيول تخلف ضحيتين وخسائر طالت مركبات
خلفت الأمطار الرعدية المتساقطة خلال الأسبوعين الماضيين على ولاية باتنة، تسجيل وفاة ضحيتين جرفتهما السيول أحدهما بوادي صودص ببلدية تيمقاد غربي الولاية، وآخر لفظ أنفاسه بعد أن جرفته السيول وهو ينقذ شيخا ببلدية جرمة شمال الولاية، كما خلفت السيول خسائر مادية مست بصفة خاصة العشرات من المركبات، بالإضافة إلى مساكن غمرتها المياه وأحدثت الأمطار الفيضانية حالة خوف وسط المواطنين من مغبة وقوع كوارث.
وكانت الأمطار الأخيرة قد أعادت إلى أذهان مواطنين سيناريوهات سابقة عن فيضان أودية، خاصة وأن ولاية باتنة وعديد بلدياتها صنفت وطنيا ضمن المدن المهددة بخطر الفيضانات، نظرا لطبيعة تضاريسها وموقعها الجغرافي الذي يمتاز بتواجد عدة أودية ومجاري مائية تمر بتجمعات سكانية اتخذت حيالها السلطات العمومية تدابير وقائية.
و لا تزال عديد الأودية النائمة تشكل خطرا، على غرار ما حدث مؤخرا بوادي صودص ببلدية تيمقاد، أين جرفت مياه السيول الفجائية شخصين، تم إنقاذ أحدهما بعد أن ظل عالقا وسط الوادي، فيما لقي الثاني حتفه ولم يتم العثور على جثته، إلا بعد عملية بحث دامت ثلاثة أيام، بتسخير غطاسين للحماية المدنية من ثلاث ولايات ليتم العثور على جثته بسد كدية لمدور.
وببلدية جرمة، توقفت حركة السير بالوطني 03 الرابط بين باتنة وقسنطينة، حيث شلت الحركة تماما بعد أن تجمعت مياه السيول المتدفقة من المرتفعات عند المنعرجات، حيث لقي شخص حتفه، بعد أن أنقذ شيخا كانت ستجرفه المياه، وقد لفظ الضحية أنفاسه الأخيرة بعد مكوثه أربعة أيام بمصلحة الإنعاش الطبي بالمستشفى الجامعي بباتنة، كما خلفت السيول خسائر مست مركبات .
وكانت مصالح الحماية المدنية قد سجلت عدة تدخلات عقب تساقط الأمطار لإجلاء مواطنين غمرت المياه مساكنهم على مستوى بلدية قصر بلزمة، وببلدية لازرو تم تحويل خمس عائلات بالإضافة إلى تحويل قطعان ماشية وأبقار بعد أن حاصرتهم المياه.
7 بلديات تستفيد من الحماية وأخرى في الانتظار
تجاوزت القيمة المالية التي أنفقت على مشاريع حماية المدن من الفيضانات بولاية باتنة 1300 مليار أنجزت من خلالها عديد المشاريع منذ سنة 2000 ،غير أن بعض المشاريع أبانت عن عيوب في الإنجاز ، عقب تساقط الأمطار ، مثلما حدث سنة 2001 عندما فاضت وديان بلديتي أولاد فاضل والشمرة، رغم إنجاز مشاريع الحماية، وقد لجأت السلطات العمومية في أعقابها إلى إشراك المواطنين خاصة العارفين منهم بالمناطق في تجسيد المشاريع لتفادي تكرر فيضان الأودية.
وأوضح مدير قطاع الموارد المائية والري لولاية باتنة، بأن الحوادث التي عاشتها الولاية في سنوات مضت، على غرار فيضانات 2011 ،جعلت مصالحه تشرك المواطنين والمصالح التقنية للبلدية في عمليات إنجاز مشاريع الحماية، مؤكدا بأن الإجراء أعطى نتائج إيجابية، مشيرا إلى عدم تعرض جل البلديات التي استفادت من مشاريع الحماية لخطر الفيضانات.
وكشف ذات المسؤول عن انتهاء أشغال مشاريع حماية سبع بلديات من خطر الفيضانات هي بلدية باتنة، الشمرة، أولاد فاضل، أريس، تكوت، غسيرة، ومروانة، وقال بأن مدنا أخرى لم تستفد من مشاريع الحماية وتتهددها أخطار الفيضانات ، منها بلدية بريكة التي تعد ثاني أكبر البلديات بعد عاصمة الولاية، حيث أوضح بأن دراسة أعدت لحماية بريكة من الفيضانات سنة 2013 في حين يتطلب إنجاز المشروع 200 مليار .و أكد المسؤول، بأن ظاهرة البناءات الفوضوية المتاخمة للوديان وحتى داخل مجراها من بين العوامل المسببة للفيضانات ، وهي الظاهرة التي تعرفها عديد البلديات على غرار عاصمة الولاية، مثلما وقفنا عليه بطريق تازولت وبتامشيط أين أدرج أصحاب تعاونيات عقارية وديانا داخل تحصيصات أرضية الأمر الذي اصطدمت البلدية بتسويته، حيث ظلت وضعية تعاونيات عقارية عالقة لأزيد من عشرين سنة لعدة أسباب بينها الاستيلاء على الأودية.
ومن بين البلديات التي يتهددها خطر الفيضانات بولاية باتنة، بلدية تازولت التي عرفت توسعا عمرانيا نجم عنه بروز تجمعات سكنية جديدة كحي الآمال، وحي أولاد عوف المهددين بالفيضانات، وقد حال تواجد مواقع أثرية دون إنجاز مشاريع للحماية ، وقد عجزت مصالح الموارد المائية عن إيجاد حل، بعد إعداد دراسات سابقة تعمل على تحيينها حسب مدير القطاع مستقبلا بعد استشارة مسؤولي حماية المواقع الأثرية.
وبعاصمة الولاية بات حي طريق تازولت مقترنا بالفيضانات كلما تساقطت زخات من المطر، بسبب السيول الجارفة القادمة من المرتفعات، وقد حال رفض ملاك أراضي دون إنجاز مشروع الحماية عديد المرات، وذكرت مصادر مسؤولة بأن السلطات ستلجأ إلى الاستعانة بالقوة العمومية لإنجاز المشروع.
تحويل مجرى وتغطية واديين و300 بالوعة جديدة
استفادت بلدية باتنة من حصة الأسد من الأغلفة المالية المرصودة لحماية بلديات الولاية من خطر الفيضانات، بما يزيد عن 800 مليار سنتيم حسب ما كشف عنه مدير الموارد المائية والري لـ»النصر»، وقال المسؤول بأن المدينة وبعد أن كانت الفيضانات تشكل هاجسا كبيرا لسكانها طيلة سنوات ماضية، استطاعت تجاوز الهاجس بفضل مشروع تحويل مياه سيول أودية جبل بوعريف، وعزاب وتازولت، وعيون العصافير نحو مدينة باتنة وتوجيهها عبر نفق نحو وادي القرزي، وأكد مدير الري بأن المشروع أبان نجاعة وفعالية كبيرتين.
كما تمت أيضا حمايتها من خلال تغطية الواديين اللذين يشقانها بالإسمنت المسلح واستغلال أرضيتهما في إنجاز مسالك طرق جديدة و فضاءات جوارية ، مثلما أشار إليه مدير الري والموارد المائية ، وبخصوص تخوفات المواطنين من تغطية هذين الواديين إذا ما كانت السيول كبيرة وجارفة تفوق مستوى الأودية، فطمأن المسؤول بأخذ الدراسات بعين الاعتبار لكافة الأخطار، مشيرا لتوسع أرضية الوادي ومعها أيضا توسيع الأنفاق الأرضية للواديين الذي يمتد أحدهما على مسافة 3.5 كلم من حي الزمالة إلى كشيدة، والآخر بطول 2.6 كلم من بارك أفوراج إلى كشيدة مرورا بحي شيخي.
وكشف المدير الولائي لقطاع الموارد المائية، عن اتخاذ تدابير أخرى هذه السنة لمواجهة خطر الفيضانات بالشوارع والأحياء، من خلال برمجة إنجاز 300 بالوعة ومصارف المياه عبر عديد النقاط السوداء، مبرزا جدوى ذلك نظرا لوقوع سكنات في أرضية منخفضة ، مشيرا لبرمجة مشاريع أخرى ، ودعا المواطنين إلى العودة إلى تقاليد حملات النظافة بالأحياء التي أكد بأنها تساهم في عدم وقوع فيضانات بالإضافة إلى ضرورة احترام آليات التعمير .
يـاسين عبوبو