رحلات ذهاب بلا عودة بين أولاد حبابة وقسنطينة
مـركـزالتـعـذيـب الهـــداج.. الســجـن المـذبـحـــة
الهداج مركز للتعذيب أثناء ثورة التحرير على الحدود المتاخمة لبلدية أولاد أحبابة وبلدية بن باديس بولاية قسنطينة كان مجرد ذكر اسمه يبعث الفزع والرعب و من يصل إلى هذا المركز لا يفكر أبدا في العودة، ويتم قتله بكل وحشية وأكثر فظاعة، كما أن العسكر التابع للمركز كان من أخطر الجويوش فتكا وفظاعة في العالم حسب ما جاء على لسان عمي إبراهيم أحد شهود عيان من أبناء المنطقة الذي شبه هذا المركز بالمذبح البشري والحيواني.
التوجه لهذا المحتشد أو المذبحة كما يطلق عليه الكثير، ليس بالأمر السهل لأن طريقه وعرة تتوسط غابة كثيفة كانت في وقت ما معقلا للجماعات الإرهابية، وقد رافقنا في هذه الرحلة عمي مسعود مسيخ أحد رجال المقاومة رفقة رئيس البلدية عبد الوهاب مسيخ، اللذين قدما لنا كل التسهيلات والمساعدة للوصول إلى مقصدنا.
كانت الساعة تشير إلى حدود الثالثة عند وصولنا إلى بلدية أولاد أحبابة وانتظرنا برهة من الزمن حضور عمي مسعود ليدلنا على الطريق الذي يمر بجانب قرية عين سلامات، لما توغلنا في الغابة انتاب الخوف سائق السيارة وأبدى ندمه على المجيء لهذا المكان المخيف بأشجاره الكثيفة وعزلته لحظات قليلة حتى ترائى لنا مسلك ترابي، وما هي إلا لحظات حتى صادفنا شيخا رفقة مجموعة من الشباب يهمون بمغادرة مدجنة تجاور بناية قديمة عرفنا فيما بعد أنه سجن الهداج.
السجن لا يزال يحتفظ بهيكله العام فهو عبارة عن غرف هشة مستطيلة الشكل مبنية بالحجارة القديمة، البعض من جدرانه وأسقفه انهارت ولم يتبق منه سوى بعض الأجزاء وذكر محدثنا بأن المستعمر قام بتهديم جزء من المحتشد قبل الاستقلال و لا تزال آثار أساساته الإسمنتية ظاهرة لحد الآن، قبل يقرر العدو التنقل لمنطقة مجاورة ويقيم محتشدا ضخما يسمى الملياني، ولم يسمح لنا ضيق الوقت بزيارته.
يواصل محدثنا بتشبيه شبه سجن الهداج بالمذبحة الحقيقية كناية عن كثرة القتلى وفظاعة ووحشية الطريقة التي يستعملها المستعمر في قتله للجزائريين لدرجة جعلته يقول إذا كان شهداء ثورة التحرير مليون ونصف المليون شهيد، فإن ما كان يقتل في هذا المحتشد أكثر بكثير من هذا الرقم.
أجسام تعلق بالأشجار وتثبت بالمسامير
وكان من يصل لهذا المحتشد لا يمكنه التفكير في العودة ويتم تعذيبهم بوحشية وفظاعة، ثم يقتلونهم رميا الرصاص كان قائده يدعى « فانتيار « يحسن التكلم بالعربية بطلاقة فائقة لدرجة لا يمكن تمييزه بأنه فرنسي كانت تصل المحتشد يوميا شاحنات محملة بأبناء الشعب من مختلف الأعمار وحتى نساء، ليس فقط من أولاد أحبابة وإنما من مختلف ولايات الجهة الشرقية كقسنطينة و قالمة، ليتم قتلهم داخل السجن بكل وحشية بعد تعرضهم لمختلف أشكال التعذيب ربطهم بالأسلاك وتعليقهم في الأشجار و بالأعمدة الخشبية وتثبيتهم بالمسامير بطريقة بشعة وفظيعة.
وعاد بذاكرته إلى امرأة اسمها يمينة أم علي زوجة إبراهيم بودودة تم قتلها رفقة شقيقها وعمها بهذا المحتشد، وتابع عمي إبراهيم شهادته بأن والده جلبوه إلى هذا المركز وتم تعذيبه لمدة 15 يوما وبقدرة قادر نجا من القتل بأعجوبة بعد تحويله إلى مدينة زيغود يوسف، وهناك فكوا أسره لكن من شدة التعذيب ظل وضع جسده معوجا طيلة أسابيع، ومكث هناك عدة أشهر قبل أن يتم إطلاق سراحه.
يواصل عمي إبراهيم شهادته بالقول أن عمره أثناء الثورة لم يكن يتجاوز 11 سنة، لكنه لا يزال يتذكر ما كان يسمعه عن العسكر التابع لهذا المركز، حيث قتل في يوم واحد في إحدى خرجاته بمنطقة الأربعاء باتجاه الطريق المؤدي إلى برج صباط بولاية قالمة حوالي 47 شخصا من أبناء الشعب، حتى أن جنوده كان يصنفون حينها من أخطر وأكبر الجنود وحشية في العالم.
وفي الطريق إلى السجن المذبحة وعلى حافة الطريق تتواجد منطقة تسمى الكاف نسبة إلى الصخور الجبلية المحيطة بالوادي توقفنا قليلا وروى لنا مرافقنا عمي مسعود ما كان يفعله العدو بأبناء الشعب من مجازر جماعية ترتكبها العسكر الفرنسي حيث يقومون بتجميع المئات من أبناء الشعب، ثم يتم قتلهم رميا بالرصاص ويُرمون في الوادي بدون أي رحمة وشفقة.
كمال واسطة
ثكنة عسكر لومان بمنزل الأبطال
من هنا بدأت جرائم الإبادة بقرى و مشاتي قالمة
مع حلول كل ذكرى من ذكريات الثورة الخالدة يسترجع سكان الإقليم الغربي بقالمة جرائم لا تنسى ارتكبها المجرم لومان، قائد كتائب الموت الجهنمية التي زرعت الرعب بجبال و سهول و قرى الركنية و بوحمدان بقالمة، على امتداد الشريط الحدودي الساخن بين ولايات قالمة، سكيكدة و قسنطينة، معقل الولاية التاريخية الثانية التي احتضنت الثورة، و دفعت ثمنا باهظا، مازالت آثاره إلى اليوم.
بقرية صغيرة بين عزابة و عين شرشار بسكيكدة، تسمى نصر قديما و أصبحت اليوم تحمل اسما ثوريا مقدسا «منزل الأبطال» تخليدا لضحايا المجرم لومان، هنا توجد بقايا ثكنة عسكرية مبنية بالحاجرة و محاطة بأسوار عالية، بعضها مازال قائما و شاهدا على المجزرة الرهيبة، و البعض تهاوى تحت تأثير عوامل الطبيعة و الزمن و الخراب الذي طاله بعد استقلال البلاد.
من هذه الثكنة كانت تنطلق كتائب الموت بقيادة لومان باتجاه قرى و مشاتي الإقليم الغربي بقالمة، الذي كان تابعا لمنطقة عزابة حسب التقسيم العسكري و الإداري الذي وضعه الاحتلال الفرنسي، و عبر غابات كثيفة و جبال صخرية حادة و أودية و شعاب و سهول تقطع هذه الكتائب المدججة بالسلاح المتعطشة للدماء، مسافات طويلة في عمليات تمشيط و ملاحقة الثوار تستمر عدة أيام، يعيش خلالها سكان الإقليم جحيما حقيقيا، يسقط منهم قتلى و جرحى، و يعتقل البقية من الرجال و تنهب المواشي و المؤن الغذائية، في واحدة من أبشع عمليات القتل و الإبادة و النهب و الحرق التي تقع بولاية قالمة على امتداد سنوات الثورة.
مازال سكان القرار، عيون القصب، بوغدير، الملعب، العين الحمراء، النشم، عين براهم، مرمورة، حجر بوريون، و الصليب، يتذكرون لومان وجنوده الذين أفسدوا في الأرض، و تركوا دمارا كبيرا و جرائم ضد الإنسانية مازالت مغيبة عن واجهة الأحداث التاريخية التي عرفتها الجزائر خلال سنوات الاستعمار الطويلة.
تقول المصادر التاريخية و شهود من الإقليم الغربي بأن لومان ضابط متعطش للدماء، جاء متطوعا للقضاء على الثورة بجبال الشريط الحدودي بين قالمة و سكيكدة، و اغلب جنوده من الحركى و خونة الثورة و الوطن و الشعب، كان شعار لومان الدم و القتل و الحرق و النهب، و القضاء على كل كائن يتحرك.
و قد شكلت كتائب لومان تحيدا كبيرا للثورة بالولاية التاريخية الثانية، حيث تعرضت المشاتي و القرى للدمار و التهجير، و أحرقت المنازل و المحاصيل الزراعية، و نهبت المواشي و المؤن و قتل الرجال في عمليات إعدام جماعي، كما حدث بدوار الوارثية و مشاتي الملعب و حجر بوريون و بوغدير.
و في ذروة الجنون كان جنود لومان يراهنون على الأجنة في بطون أمهاتها أكانت إناثا أم ذكورا، و يكفي ان يتقدم جندي متعطش للدماء إلى الحامل و يبقر بطنها ليخرج الجنين و يكسب الرهان أو يترك الغنيمة لغريمه الذي خاض معه الرهان الدامي.
و قد وضعت الثورة نظاما للحراسة برؤوس الجبال لترصد تحركات كتائب لومان، و إنذار السكان بالهروب إلى مناطق آمنة حتى تنتهي عملية التمشيط، لكن هذا النظام لم يوقف تحركات لومان و جنوده، و ظلوا يعيثون فسادا في الأرض، حتى سقط السفاح قتيلا سنة 1957 داخل كهف مظلم بجبل المنشار قرب بلدية الركنية، على يد احد جنوده معتقدا بأنه احد مجاهدي المنطقة مختبئا داخل الكهف.
و انتشر خبر مقتل السفاح على نطاق واسع، و استرجع الإقليم أنفاسه بعض الوقت، قبل أن تعود كتائب لومان إلى القتل و بأكثر وحشية و كأنها كانت تثأر لمقتل قائدها المتعطش للدماء.
و يطالب سكان الإقليم اليوم ببناء نصب تذكاري بالمنطقة يخلد أرواح الضحايا، و يبقى شاهدا على جرائم ضد الإنسانية مازالت مغيبة عن الراي العام الدولي و حتى الوطني، كما يطالبون أيضا بتحسين ظروف الحياة و القضاء على العزلة و مساعدتهم على مواجهة الظروف الصعبة بواحدة من أفقر الأقاليم الجبلية بقالمة.
فريد.غ
المجاهد إبراهيم تيتل يكشف للنصر
هكــذا خضنــا معركتــي جبــل ســلاوة عنونـة بقـالـمة والشبكة بأم البواقــي
يكشف المجاهد تيتل إبراهيم بأن المجاهدين إبان ثورة التحرير المظفرة أسالوا العرق البارد للمستعمر الفرنسي، الذي بات يلجأ للأسلحة الثقيلة من أجل قصف مواقع لجأ لها المجاهدون للاحتماء، غير أن وشاية بعض الحركى أدت لكشفهم، ويروي المجاهد إبراهيم جوانب من معركتي جبل سلاوة عنونة بقالمة والشبكة بعين الديس بأم البواقي، أين كان رفقة عدد من المجاهدين في مواجهة ترسانة من الأسلحة الثقيلة بين دبابات وطائرات حربية.
إبراهيم تيتل الذي التقيناه ببهو ملحقة متحف المجاهد بأم البواقي، أشار بأنه كان رفقة أفراد عائلته يقطنون سكنا بمنطقة عين التراب بواد الزناتي بإقليم ولاية قالمة حتى فجر الثورة، أين اختار عدد من أفراد العائلة البقاء ضمن السكن الذي يضم طاحونة في الوقت الذي توجه البعض إلى مدينة تاملوكة وكذا إلى إقليم ولاية عنابة، ويكشف محدثنا بأن سنة 1956 كانت شاهدة على فضاعة المستعمر الفرنسي الذي قام بتشتيت ما تبقى من العائلة، كيف لا وهو الذي قام جنوده بتفجير الطاحونة التي تملكها العائلة، بعد قيام مجاهدين بحرق “فيرمة” يملكها معمر مقابل الطاحونة، حيث ظن جنود الاستعمار من الوهلة الأولى بأنهم كانوا يحتمون بالطاحونة حتى غروب الشمس، ليشن حملة اعتقالات مسته رفقة اثنين من أشقائه، حيث حولوا لمركز تعذيب بمنطقة عين أركوب تاملوكة بقالمة وكان سنها آنذاك 18 سنة.
تشتيت للعائلة بعد التعذيب وتخريب الممتلكات
تيتل إبراهيم الذي ولد ذات الرابع والعشرين من شهر ماي من سنة 1936، يتذكر جيدا كيف حول رفقة شقيقيه لسجن بواد الزناتي وظلوا هناك لمدة 8 أيام ليطلق سراحهم بعدها، أين قرر حينها أحد أشقائه التوجه لعنابة في وقت اختار هو وشقيقه الآخر ووالدته التوجه لمدينة تاملوكة المجاورة، ويشير بأنه وعند تنقله لوالدته لتاملوكة قرر الالتحاق بالثورة، فاشتغل حينها حلاقا، والتحق بالعمل الثوري بالزي المدني منتصف سنة 1956، ليتم الإفشاء به لجند الاحتلال الذين ألقوا عليه القبض مجددا رفقة شقيقه الأكبر، حيث تم نقلهم لمركز التعذيب بعين أركو وقاموا بتعذيبه، ويشير المتحدث بأنه ومن شدة التعذيب الذي تعرض له شلت بعض أعضاء جسده ولم يقو على تحريكها على غرار يديه، مبينا بأن جنود الاحتلال الفرنسي خيروه بين العمل لصالحهم كـ “حركي” مع التوقف عن دعم الثورة أو التوجه لفرنسا والابتعاد عن الأراضي الجزائرية، ليؤكد بأنه أوهمهم بأنه سيتوجه لفرنسا حتى يتم الإفراج عنه ليقرر بعدها الالتحاق بالكفاح المسلح بدلا من النضال بالزي المدني.
عمي إبراهيم كما يحلو للكثيرين مناداته، أوضح بأنه وفي طريقه للكفاح المسلح ربط اتصالاته مع المدعو بلعابد خليل القاطن بتاملوكة والذي يدرس حينها بمعهد الكتانية بقسنطينة، والمبحوث عنه هو الآخر من طرف جند الاحتلال الفرنسي، مبينا بأن المدعو خليل توجه ذات يوم لعنابة فقرر اللحاق به، أين التقاه هناك ، وقد كانت تقطن عائلته بمنطقة سيدي معاش المعروفة بقصر الصبيحي حاليا، ليلتقيه طالبا منه ربط اتصالات بينه وبين مجاهدين يتخذون من مناطق مختلفة بالجبال المحاذية مخابئ لهم، وأكد المتحدث بأنه التحق فعليا بالعمل المسلح نهاية سنة 1956 وكان يومها قد توجه رفقة بلعابد خليل لقسنطينة عبر عربات القطار، وعند وصولهما وجدا عددا من عناصر الشرطة الفرنسية في المحطة، أين تم توقيفهما، والإفراج عن بلعابد خليل والإبقاء عليه هو تحت الحجز، ليتم التحقيق معه والإفراج عنه، في الوقت الذي كان خليل ينتظره أسفل جسر سيدي راشد.
العمل المسلح هو الخيار الوحيد في ظل استمرار الوشاية به
ويضيف المتحدث بأنهما عادا بعدها أدراجهما متوجهين صوب مدينة عين البيضاء، أين برمج مرافقه بلعابد خليل لقاء مع أفراد أسرته وحدد المكان بالسوق الأسبوعي للماشية الذي ينظم كل يوم اثنين، وعند اللقاء تنقلا رفقة أفراد عائلة خليل لمنطقة سيدي معاش مختفيين وسط قطيع من الماشية، وعند وصولهما التقيا بأحد مسؤولي جيش التحرير في المنطقة، ويتعلق الأمر بالمسمى زهيري عبد العزيز، ليفترقا حينها ويلتحق مرافقه بفوج المجاهد فنطازي محمد المدعو “حقاص” قائد ناحية أم البواقي الثانية، في حين توجه هو لفرقة يقودها العربي وشام والتي تنشط بمنطقة واد شارف و تضم في صفوفها 35 مجاهدا، وكانت تنشط في الولاية 3 فرق، الأولى يقودها السعيد صغير والثانية يتولى قيادتها بوعزيز رابح المدعو زغداني والثالثة يقودها العربي وشام، وأشار عمي إبراهيم بأن مهام هذه الفرق، هي انتظار ورود تعليمات من قيادة جيش التحرير لضرب مراكز الاستعمار الفرنسي وحرق ممتلكات المعمرين وتخويفهم، موضحا بأن من بين الهجمات التي قامت بها الفرقة التي انضم إليها، مهاجمة مراكز العدو بأم البواقي وعين ببوش وقصر الصبيحي وقلتة الرمول وعين أركو.
فوج من 13 جنديا في مواجهة ترسانة حربية بجبل سلاوة عنونة
يعرّج محدثنا على المعركة الأولى التي شارك فيها، والتي كانت بالولاية الثانية بجبل سلاوة عنونة بقالمة شهر جوان من سنة 1957، مشيرا بأنه وبعد كثرة الاشتباكات والأضرار التي لحقت بالمعمرين وبمراكز العدو وكان حينها قائد ناحية أم البواقي حقاص متواجدا في تونس، أمر المسؤول السياسي في المنطقة لخضر بوشوشة بمعية مسؤول الناحية المكلف بالاتصالات بولخوة الجموعي، فرقتي السعيد صغير والعربي وشام بأن يلتحقا بالولاية الثانية، ليتم ذلك، حيث تم التنقل لإقليم الولاية الثانية وافترقت الفرقتان إلى أفواج، لتستغل بعض السكنات المهجورة وكذا إحدى الزوايا المعروفة باسم “بابا عيسى”، قبل أن يشن العسكر الفرنسي في اليوم الموالي حملة للبحث عن المجاهدين، وتوجهوا مباشرة صوب “الزاوية” التي كان بها عدد من المجاهدين، ليقع حينها اشتباك عنيف بين فوج تابع للعربي وشام وبين العسكر الفرنسي، وأضاف محدثنا بأنه كان بمعية قائد الفرقة وفوج وقد اختاروا مكانا محصنا غير بعيد عن “الزاوية”، وسمعوا حينها تبادل إطلاق النار، وعند بزوغ فجر اليوم الموالي شرعت طائرات في حملات تمشيط لترصد تحركات المجاهدين، ليطلق أحد جنود التحرير رصاصا باتجاه إحدى الطائرات، ليمر بعدها سرب من الطائرات قام بقصف المنطقة، غير أن الرد كان بالأسلحة الخفيفة، واستمر القصف حتى منتصف النهار، ليتوقف فجأة ويتوجه فوج راجل من جنود الاحتلال لأخذ قسط من الراحة، حيث تمت مباغتتهم بإطلاق النيران تجاههم، ليسقط عدد منهم بين قتلى وجرحى، وكثفت بعد ذلك الطائرات من عملية القصف، لينجح أحدنا في إسقاط طائرة باستعمال رشاش خفيف، وظل الاشتباك يوما كاملا، أين استشهد المجاهد عيسى بوصوف المنحدر من عين أركو، وعند غروب شمس ذاك اليوم أصيب مجاهدان بطلقات نارية.
معركة الشبكة سقط فيها 14 شهيدا
يضيف محدثنا بأن قائد المنطقة الرابعة عمار راجعي وبعد معركة جبل سلاوة عنونة أرسل قائد الناحية الأولى بوغرارة السعودي طالبا منهم العودة للناحية، وبتاريخ 27 مارس من سنة 1958 كان القائد السياسي للناحية لخضر بوشوشة بمعية بلعابد خليل وزيدان دربال وكان محدثنا رفقتهم، و كان اللقاء عند مسؤول اللجان الشعبية يوسف دحدوح بمنزله في منطقة الشبكة بعين الديس، وبعدها تقدم جندي ضمن العسكر الفرنسي وهو ابن المنطقة على ظهر حمار ومعه أحد سكان المنطقة، كشف بأنه هارب من الجيش الفرنسي، ليطلب منه المسؤول السياسي التوجه لمسؤول الناحية حقاص الذي قام بضمه لفوج خاص طيلة 35 يوما، أين أخفاه المجاهد تاغريبت الدراجي في منزله بالشبكة ثم لاذ بالفرار.
وحدث وأن طلب فجر اليوم الموالي مسؤول الفوج من محدثنا بمعية المدعو صالح ميميس القيام بدورية لمراقبة أية تحركات، ليعودوا بعدها، لكن حلقت في السماء طائرات العدو التي توجهت صوب المنزل الذي كانوا داخله وشرعت في القصف، قبل أن تتحرك حينها قوات برية كبيرة بترسانة حربية ضخمة، وبين المتحدث بأن عدد المجاهدين لم يكن يتعد عددهم 19 مجاهدا، منهم قائد الناحية حقاص والمسؤول السياسي لخضر بوشوشة، وتأكد الجميع بأن وشاية من الجندي الهارب كانت سببا في كشف أمر الاجتماع، وطلب قائد الناحية من الحاضرين مغادرة السكن مثنى مثنى باتجاه الوديان والشعاب، ليقع بعدها اشتباك مسلح خلف سقوط 14 شهيدا، بينهم حقاص ولخضر بوشوشة وصالح ميميس ومسؤول التموين بالناحية قالي عمار وبوكاكرة بوزيد ودربال زيدان وبلعابد خليل وبلخرشوش محمود ولحسن المدعو “البوليسي” وسردوك حمانة وبن زيتوني معمر، ونجا من المعركة 3 مجاهدين واستشهدوا في معركة أخرى، ويتعلق الأمر بكل من معمر حفياني و شعبان حفياني وحسين من عين عبيد، في وقت تم القبض على صايغي رمضان ومحدثنا إبراهيم تيتل الذي نقل مكسورا ومصابا بجروح مختلفة للمستشفى القديم بعين البيضاء، ثم حول لمحتشد بالمدينة أين ظل هناك لفترة شهرين حتى سنة 1959 ، ثم حول لمحتشد الملاحة شرق عنابة حتى حلول مظاهرات سنة 1961 ، أين نقل لمحتشد قصر الطير في المنطقة التي تعرف اليوم بقصر الأبطال، وتزامنا مع وقف القتل بتاريخ 24 أفريل 1962 تم الإفراج عنه ، وعمل بعد الاستقلال شرطيا بلديا ببلدية عين ببوش.
حواره : أحمد ذيب