ما يزال قطاع الضرائب ببلادنا يسير بطرق عمل تقليدية تجاوزها الزمن لأنها لم تتغير منذ عقود، ما جعله غير قادر على تحقيق مداخيل جبائية بالشكل اللازم، حيث يؤكد خبراء في الاقتصاد أن النظام الضريبي لا يُحصّل سوى 20 بالمئة مما هو مطلوب منه، بينما يمكن لإدخال عملية العصرنة أن يضاعف هذه النسبة لتصل إلى 100 بالمئة، بما قد يُغني الجزائر عن الاعتماد على الريع البترولي، في حين أعلنت السلطات العليا في البلاد عن “إصلاحات عميقة” لرفع الجباية العادية، ما من شأنه تحقيق مداخيل أكبر لخزينة الدولة.
ملف من إعداد: ياسمين بوالجدري
النصر تستطلع واقع مصالح الضرائب بقسنطينة
موظفون يعملون بسجلات يفوق عمرها نصف قرن والحواسيب حلم مؤجل
باستعمال مجلدات قديمة و داخل مكاتب لا يتوفر العديد منها على الحد الأدنى من وسائل العمل الحديثة، لا يزال موظفو الضرائب في دار المالية بقسنطينة، يقومون بمختلف المعاملات الخاصة بتحصيل الإيرادات الجبائية، ففي انتظار الذهاب إلى الرقمنة التي تعد بها السلطات، تستمر معاناة هؤلاء العمال في مواجهة مشاكل الضغط و نقص الوسائل، بينما يقضي المواطنون ساعات في الانتظار.
خلال دورة المجلس الشعبي الولائي المنعقدة في بداية شهر ديسمبر الماضي، قال الوالي إن مديرية الضرائب قادرة على تأدية ما هو أكثر في السنوات المقبلة في مجال تحصيل الإيرادات الجبائية، حيث قدرت قيمتها بـ 203 مليار سنتيم، و خاطب عبد السميع سعيدون المسؤولين التنفيذيين قائلا “أفقر المديريات هي المديرية التي تتكفل بالمالية»، مشددا على أهمية الذهاب إلى الرقمنة فموظفو الضرائب ما زالوا، مثلما أضاف، يعملون بالقلم، داعيا إلى تدارك الأمر عن طريق المراقبة و الدعم، لتمكين هؤلاء الموظفين “من أداء دورهم على أكمل وجه”، من خلال توفير مختلف الوسائل لهم، و منها وسائل النقل.
النصر اختارت إجراء استطلاع في دار المالية بولاية قسنطينة، و التي يقصدها عشرات المواطنين يوميا من أجل تسديد الضرائب و تخليص مختلف المعاملات المالية، لكن الداخل إلى هذا المبنى القديم الواقع بحي الكدية وسط المدينة، يتفاجأ بالطوابير التي تستقبله من الطابق الأول، قرب الشبابيك، و هو منظر سيتعوّد عليه لاحقا، و سيزيد سوءا مع اقتراب انقضاء آجال تسديد مختلف الغرامات، و بالأخص قسيمة السيارات.
عمال يشتكون من الضغط و الأثاث المهترئ
دخلنا إلى إحدى هذه القباضات حوالي الساعة الحادية عشرة صباحا، أين وجدنا موظفة وهي منهمكة في تخليص معاملة أحد الأشخاص الذي كان يطل عبر نافذة صغيرة و خلفه طابور من المواطنين، و أول ما لفت انتباهنا هو أن أجزاء من كرسي الموظفة كانت مربوطة بخيط، بينما كانت تجلس بمفردها في المكتب و هي تقوم بتدوين معلومات على سجل كبير باستعمال قلم أزرق اللون، و ذلك مقابل جهاز الكمبيوتر الذي لم تكن تستعمله رغم أنه كان مفتوحا، لكنه كان الغرض الوحيد الذي يتسم بالحداثة في هذا المكان، فكل شيء فيه قديم من الأرضية و المكاتب إلى غاية الكراسي المعدنية و الخشبية شديدة الاهتراء.
تبادلنا أطراف الحديث مع هذه الموظفة، فأخبرتنا و علامات الاستياء بادية على وجهها، أنها تعاني بسبب نقص في مطبوعات وصولات التسديد، و هو ما يضطرها في كل مرة إلى العمل يدويا بالتدوين على مجلد قالت إنه يستعمل منذ سنة 1958، كما أنها تضطر لعدّ الأموال بيديها بسبب توقف الآلة المخصصة لذلك و التي كانت موضوعة قربها، لتعلق بتذمر و هي تواصل عملها في خفة “لقد وجدت ورقة 1000 ألف دينار غير صالحة».
تركنا هذه الموظفة و هي تجلس بمفردها داخل حجرتها الضيقة المكونة من مكتب آخر خاوٍ، لنتجه إلى عامل في قبّاضة أخرى، و هنا استقبلتنا كراس شبه مهترئة و طاولة خشبية من الطراز القديم جدا وضعت على هيكل معدني يبدو أنه منزوع الدرج، و قد كان عليها جهاز كمبيوتر غير مستعمل و حوله وثائق بيضاء و وردية اللون متناثرة بشكل غير منظم يوحي بالسرعة و حالة الضغط اللذين يعيشهما العمال بهذا الشباك.
وجدنا الموظف يعمل في مكتب بسيط لم يكن أكثر تنظيما، حيث كان الختم و الآلة الحاسبة و القلم و الأوراق مبعثرة هنا و هناك، حول جهاز كمبيوتر وجدنا أن العامل يستعمله هذه المرة مع الطابعة على خلاف زميلته، بينما لمحنا أسفل المكتب الشاغر المتاخم له، درجا مكسورا مرميا في الأرض و بداخله وثائق، و ذلك أسفل نافذة كان ستارها القديم أخضر اللون، ممزقا و رائحة الغبار تنبعث منه، بينما كانت خيوط الأجهزة متشابكة على الأرضية بشكل فوضوي.
“نستلف الأقلام من المواطنين”
بمجرد التعريف بأنفسنا للموظف، حتى راح يشتكي بسخط شديد من الظروف التي يعمل بها قائلا “أقوم هنا بعمل 3 أشخاص بمفردي، فأنا أعمل في مكاتب أخرى و بهذه القباضة”، ثم أضاف “أقسم بالله أن الأقلام يتبرع بها لنا المواطنون بسبب عدم توفرها في بعض المرات»، ليقاطعه مواطن وقف بالقرب من الشباك و قد كان طابور قد تشكّل خلفه بسرعة لم ننتبه إليها، ليعتذر منا الموظف و يواصل عمله دون أن يجد حتى وقتا للجلوس على الكرسي.
توجهنا أيضا إلى المكاتب الداخلية الموزعة على الأروقة الضيقة، و التي كان مظهرها الخارجي يوحي بمدى، قدم المكان حتى أن بعض الأبواب الخشبية كانت مكسورة، في حين شاهدنا مئات الأوراق المرصوفة فوق المكاتب، و أخرى مجمعة في شكل حزم بعدد من الزوايا، و قد وضعت بعضها داخل أكياس كبيرة سوداء و خضراء اللون، بينما تم تكديس مجموعة أخرى في علب كرتونية خاصة ببعض الأجهزة المستعملة في العمل، لكن الملفت أن عددا منها يخص منتجات البسكويت.
في مكتب إحدى القباضات، بدا المنظر مغايرا بعض الشيء إذ شاهدنا ستائر تبدو جديدة مقارنة بما رأيناه من قبل، و كذا جهاز كمبيوتر ليس من الطراز الحديث جدا لكنه كسر الصورة العامة البالية و الرثة للمكان، وسط كل ذلك الأثاث المعدني الذي يبدو أنه لم يُستبدل لعقود و الدفاتر القديمة، لكن عند تحدثنا إلى بعض الموظفات ذكرن في سخرية ممزوجة بالاستياء، أن تلك الستائر التي بدت لنا جديدة تم تركيبها منذ بضعة سنوات، أما الحاسوب فأكدن أنه تم جلبه منذ حوالي شهر، لكنه لم يُركب بعد، زيادة على قدم الأثاث، لتعلق إحداهن “من المفترض أن نعمل بجهازي كمبيوتر في هذا المكتب.. إننا نعاني من ضغط يومي، و حتى المكيف غير موجود».
أرشيف متراكم و مواطنون متذمرون
عدنا بعد ذلك إلى الطابق الأرضي، و تحديدا إلى “خزينة الدولة” المخصصة للهيئات و الأشخاص المطالبين بصب الأموال في الخزينة، على غرار المؤسسات التربوية و المتعاملين الاقتصاديين و الموثقين، و هنا كان المكان أكثر اتساعا لكنه شبه مكتظ بالمواطنين المنتظرين على الكراسي، و الذين يقف بعضهم في شبابيك لاحظنا أن عدد المفتوحة منها قليل، رغم أنها كثيرة، لكن بإلقاء نظرة خاطفة إلى الداخل، شاهدنا عددا كبيرا من الملفات المكدسة قرب الشابيك المغلقة، و ذلك على ارتفاع يفوق المترين، و قد لمحنا إحدى الموظفات و هي تبحث بحرص شديد عن وثيقة في علب الأرشيف، فعدم العثور على حوالة على سبيل المثال، قد يعني ضياع مبلغ ضخم لأن التعاملات لا تزال تتم بطريقة كلاسيكية.
خلال استطلاعنا القصير تحدثنا إلى بعض المواطنين المنتظرين، و قد عبر العديد منهم أن استيائهم الشديد من تأخر القيام بمختلف المعاملات، ما يضطرهم إلى الانتظار لمدة قد تزيد عن ساعة في بعض الأحيان، سيما أنهم يضطرون إلى ترك أماكن عملهم من أجل تسديد الضرائب. و قد استغرب بعض من تحدثنا إليهم، عدم فتح جميع الشبابيك و توظيف عدد أكبر من العمال، خصوصا أن الأمر يتعلق بمصلحة حساسة كهذه لا تزال تعمل بنفس الطريقة منذ عدة سنوات.
نقابيان بـ"سناباب" يطرحان مشكلة قدم وسائل العمل ويؤكدان
مشاكل التحصيل ستستمر إذا بقي الوضع على حاله
و يقول السيد عثماني مرابط عبد الحكيم، و هو أمين عام الفرع النقابي لمديرية الضرائب، المنضوي تحت النقابة الوطنية لمستخدمي الإدارة العمومية “سناباب”، إن مديرية الضرائب بقسنطينة بها 5 مديريات فرعية أولها مخصصة للعمليات الجبائية أين يتم إعطاء تعليمات للمتفشيات و ضبط طرق تسييرها كما تتعامل مع وكالة دعم و تشغيل الشباب «أنساج» و الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار “آندي”، أما المديرية الفرعية للرقابة الجبائية فيعمل بها موظفون يراقبون الملفات و مخازن مختلف المؤسسات
و حتى الذهب.
و تشمل المديرية الفرعية، القبضات إذ تتعامل مع جميع الشرائح التي تسدد الغرامات المالية، أما المديرية الفرعية للطابع، فتهتم بالطوابع و القسيمات، و يضاف إلى ذلك مركز الضرائب في حي ميموزة و الذي يختص بالشركات الكبرى التابعة للنظام الحقيقي للضرائب.
كل هذه المديريات و ما يتبعها من مراكز موزعة على بلديات الولاية، تسير، حسب النقابي، بوسائل عمل “جد قديمة”، و حتى الحواسيب الموجودة تعود إلى سنة 2001 و تشبه آلة الرقن كثيرا، في حين أن أجهزة الإعلام الآلي متوفرة على مستوى القباضات فقط،
و قد يتداول عليه من 5 إلى 6 موظفين.
إضافة إلى ذلك، توجد مشكلة نقص المطبوعات و الأوراق وفق السيد عثماني، و لهذا السبب لا يزال العمال يمارسون مهامهم عن طريق الكتابة باليد، أمام حالة الضغط الرهيبة المسجلة على الخصوص في بلديات خارج عاصمة الولاية، و التي تعالج بعضها ملفات يصل عددها إلى 10 آلاف، و يفد إليها قرابة 100 مواطن يوميا.
و وصف المتحدث ظروف العمل داخل المكاتب بالمزرية إلى درجة أن ثياب الموظفين تتمزق بسبب قدم الكراسي، زيادة على المعاملة التي قال إن العمال يلقونها من بعض المواطنين في ظل “نقص الأمن” داخل المكاتب. و تطرق النقابي أيضا إلى ما وصفه بالأجر الزهيد الذي يتقاضاه عمال هذا القطاع، و الذي يذهب جزء كبير منه في تغطية مصاريف النقل.
من جانبه، ذكر السيد بوليفة محمد، رئيس الاتحادية الولائية لقطاع المالية بنقابة “سناباب”، أن أوضاع العمل تزداد سوءا على مستوى خزائن ما بين البلديات كأولاد رحمون و ابن زياد و غيرها،
و التي قال إنها مهمشة، حيث تطرق إلى نقص الوسائل، فحتى الأقلام غير متوفرة حسبه، أما لدى الخروج في عمليات المراقبة الإجبارية فإن الفرق لا تجد سيارات للتنقل، رغم أن الأمر يتعلق، مثلما يضيف النقابي، بمديرية جهوية للخزينة تغطي 4 ولايات.
و ذكر السيد بوليفة أنه تم توجيه مراسلة للوالي منذ سنة، لتحسين ظروف العمل، لكن لم يتم حسبه، تلقي رد، و هو ما يبقي على مشاكل تحصيل الإيرادات الجبائية التي من شأنها دعم الخزينة العمومية، كما تحدث عن مسألة الأجور و قال إن موظفا يشتغل منذ 23 سنة يتقاضى 3700 دينار فقط شهريا، أما أحسن العمال فيحصلون على رواتب لا تتعدى 5 ملايين سنتيم.
ي.ب
الخبير الاقتصادي كمال رزيق
الــــرقمنـــة ستُلغــــي التـــلاعبــــات في قطــاع الضــــــــرائب
80 بالمئة من الضرائب لا تحصل و50 بالمئة من التصريحات مغلوطة
يرى الخبير الاقتصادي، كمال رزيق، أن المنظومة الضريبية ببلادنا تحتاج إلى إعادة النظر، و يضيف أن رفع نسبة التحصيل التي قال إنها لا تتعدى حاليا 20 بالمئة، سيعود بالنفع على الاقتصاد الجزائري من خلال تحقيق موارد كبيرة للدولة و للجماعات المحلية، مؤكدا أن اعتماد الرقمنة سيقضي على مشاكل التهرب الضريبي و التصريح الكاذب.
و في اتصال بالنصر، وصف رزيق أداء مصالح الضرائب بأنه دون المستوى و الدليل على ذلك، مثلما أضاف، هو أن حجم التحصيل ضعيف جدا، كما طرح إشكالية «غياب العدالة الضرييبة» في عدة قطاعات، حيث ذكر أن نشاطات كثيرة لم تخضع بعد لنظام الجباية.
و أكد الخبير الاقتصادي أن 80 بالمئة من الضرائب التي تصل إلى وزارة المالية لا يتم تحصيلها، و هو “وضع سيء جعل المنظومة الضريبية لا تلعب دورها»، مضيفا بالقول «من المفروض أن بلدا مثل الجزائر لا يحتاج للجباية البترولية، فالضرائب العادية يمكنها أن تمول ميزانية الدولة أكثر مما تحتاج».
و ذكر رزيق أن المشكلة ليست فقط في التحصيل، فكثير من الأشخاص لا يدفعون الضرائب، أما 50 بالمئة ممن يدفعون، فيقدمون، بحسبه، تصريحات مغلوطة و غير صحيحة، ليخلص إلى القول بأن «الثقافة الجبائية عند المواطن الجزائري معدومة”، لكن العبء يقع على إدارة الضرائب للقيام بوظيفتها، وفق تعبيره.
و يبيّن رزيق أن كل نشاط اقتصادي خارج النطاق الرسمي يعد تهربا ضريبيا قال إنه لا يمكن تحديد حجمه بالضبط، مشيرا إلى أن الجزائريين أصحاب المال و الثروات يصرحون بـ 50 بالمئة فقط من رقم أعمالهم و أرباحهم، و قليلا ما يستعملون الفوترة و الشيكات و البطاقات في التحويلات المصرفية، بما يعني أن حجم التهرب و الغش كبير جدا.
و يتابع الخبير الاقتصادي بالقول إن الحكومات السابقة لم تكن لديها نية لمحاربة الغش و التهرب الضريبي، و ذلك، حسبه، في غياب ردع و إرادة لمحاربة الظاهرة، كما أن القانون، مثلما يضيف رزيق، غير زاجر، فمثل هذه المخالفات تتطلب رفع دعوى قضائية مباشرة دون الاكتفاء بإحالة الأمر على مدير الضرائب فقط.
و يؤكد رزيق أن استعمال الإعلام الآلي و اعتماد الرقمنة في كل الأعمال المتعلقة بالضرائب، سيجعل التلاعبات منعدمة، مشيرا في هذا الإطار إلى وجوب توفير الامكانيات اللازمة لإدارة الضرائب، سواء البشرية و المادية، فموظفوها ما زالوا، مثما يعبّر، يعملون بالأقلام و حتى وسائل النقل لا يجدونها، كما يتعرضون أحيانا للتعدي في غياب الحماية، زيادة على عدم العناية بهم من ناحية الأجور.
و يؤكد رزيق أنه سبق له أن طالب بإسناد مهمة التحصيل لخزينة الدولة، و ترك المنازعات لقضاء جبائي متخصص قال إنه آن الأوان لإنشائه، حتى تتمكن مصالح الضرائب من أداء مهامها الأساسية، فأحيانا يحدد مبلغ كبير و بعد الوساطة و المنازعات تتحول ملايير إلى ملايين و في بعض الأحيان إلى دينارات، حسب تعبيره.
و دعا المتحدث إلى إصلاح المنظومة الجبائية ككل، لأنها «غير عادلة و قائمة على الحيف»، و يتم ذلك، مثلما يتابع، من خلال إعادة النظر في ميكانيزيماتها و في الضرائب، حيث يجب أن يكون الغش الضريبي جريمة و أن يتم الذهاب للعدالة مباشرة في حال اكتشافها، مثلما يحدث في الدول الأوروبية.
و يؤكد الخبير الاقتصادي أنه و في حال تحصيل الضرائب بنسبة 100 بالمئة، فإن الموارد المالية التي ستحققها الجزائر ستكون كبيرة، و لن تبقى مرتبطة بالريع البترولي، و بالتالي ستكون هناك إمكانيات لإقامة المشاريع و القضاء على مشكل السكن و مشاكل كثيرة، كما ستصبح لدى البلديات إمكانيات مالية معتبرة.
ياسمين.ب
الاتصال أجري يوم 31 ديسمبر 2019
الدولة تقرر «نفض الغبار» عن القطاع
نحو إدخال "إصلاحات عميقة" على النظام الضريبي
أعلنت السلطات العليا في البلاد عن إجراءات لتحسين أداء قطاع الضرائب، حيث سوف تشمل “إصلاحات عميقة” سيكون إدخال نظام العصرنة من أهم محاورها، و ذلك قصد تحصيل إيرادات جبائية أكبر تسمح بتحقيق النمو و بمواجهة العجز في الميزانية.
و خلال آخر اجتماع لمجلس الوزراء، شدد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون على ضرورة مباشرة إصلاحات عميقة على نظامنا الضريبي، مع ما يرافق ذلك من تقنين للتحفيزات الضريبية التي تصب في مصلحة المؤسسات، خاصة منها الناشئة والصغيرة و المتوسطة، مع مراعاة تخفيف الضرائب على المؤسسات التي تخلق مناصب الشغل.
و قد ذكّرت المديرية العامة للضرائب في الثاني من شهر جانفي، دافعي الضرائب بالتعديلات التي أدخلت على النظام الضريبي الموحد بموجب قانون المالية لعام 2020، لا سيما مراجعة سقف فرض الضريبة و استبعاد الأشخاص المعنويين من نطاقه.
و ابتداء من 1 جانفي الجاري, يخضع لنظام الضريبة الجزافية الوحيدة، الأشخاص الطبيعيون الذين يمارسون نشاطا صناعيا و تجاريا و حرفيا و كذا التعاونيات الحرفية التي لا يتجاوز رقم أعمالها السنوي خمسة عشرة مليون دينار, ماعدا تلك التي اختارت نظام فرض الضريبة حسب الربح الحقيقي.
بالمقابل, تم استثناء بعض الأنشطة بشكل تلقائي من نظام الضريبة الجزافية الوحيدة، مهما كان رقم الأعمال الذي تحققه, حيث تخضع بشكل حتمي للنظام الضريبي على أساس الربح الحقيقي، و يتعلق الأمر بنشاطات الترقية العقارية و تقسيم الأراضي و الأنشطة الحرة و أنشطة استيراد السلع و البضائع الموجهة لإعادة البيع و أنشطة شراء و إعادة البيع على حالها الممارسة حسب شروط البيع بالجملة, و كذا النشاطات الممارسة من طرف الوكلاء و العيادات والمؤسسات الصحية الخاصة, إلى جانب مخابر التحاليل الطبية.
كما يشمل هذا الاستثناء الذي سيسمح بتوفير إيرادات جبائية معتبرة لخزينة الدولة، أنشطة الإطعام و الفندقة و القائمين بعمليات تكرير و إعادة رسكلة المعادن النفيسة و صانعي و تجار المصنوعات من الذهب و البلاتين و نشاطات الأشغال العمومية و الري والبناء.
و خلال المصادقة على مشروع قانون المالية لسنة 2020، توقعت حكومة بدوي أن إيرادات الدولة لهذا العام ستصل إلى 6.239 مليار دينار، أي بانخفاض يقدر بـ 7،72 بالمئة مقارنة بإقفال 2019، لكنها توقعت ارتفاع إيرادات الجباية العادية بنسبة 8،6 بالمئة، لتبلغ ما يعادل 3.030 مليار دينار، غير أن العجز الميزانياتي سيكون في 1.533 مليار دينار، أي ما يمثل - 7،2 بالمئة من الناتج الداخلي الخام.
و قد تقرر بموجب مشروع القانون المذكور، تنويع مصادر تمويل الاقتصاد من خلال فتح إمكانية اللجوء، بكيفية انتقائية، إلى التمويل الأجنبي لدى المؤسسات المالية الدولية للتنمية إلى جانب توسيع القاعدة الجبائية، لاسيما من خلال تعزيز الضرائب والرسوم على الثروة و الممتلكات.
و قد كانت وزارة المالية في عهد الوزير السابق، محمد لوكال، قد أعلنت عن مخطط عمل المديرية العامة للضرائب لزيادة التحصيل الجبائي العادي، و ذلك من خلال تطوير رقمنة هذا القطاع و تعزيز الوسائل البشرية و المادية، مشددة على عزم الدولة على تأهيل وتحديث و أنسنة الإدارة الجبائية، من أجل رفع الإيرادات الجبائية العادية للبلاد.
ي.ب