الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق لـ 20 جمادى الأولى 1446
Accueil Top Pub

واجهن المخاطر وكسرن قيود المجتمع و النمطية: باحثات يتفوقن عالميا ونساء "الجيش الأبيض" في الصفوف الأولى

* الدكتورة سهام نفير طبيبة مساعدة بمصلحة كوفيد 19
شـــــعاري «المعــركة لا تنتهي  حتى ينتهي الوباء»   
الدكتورة سهام نفير، طبيبة مساعدة بمصلحة كوفيد 19 في المستشفى الجامعي بن باديس بقسنطينة، قالت للنصر بأنها ضحت بمسؤولياتها الأسرية من أجل تلبية نداء الواجب المهني في هذا الظرف العصيب، حاملة شعار «المعركة لا تنتهي حتى ينتهي الوباء»، فلم تستفد من العطلة الاستثنائية، نظرا لحاجة القطاع لخدماتها، بالرغم من أنها أم لأطفال صغار أعمارهم تتراوح بين 5 و 12 سنة،  تحملت كل المشاق بمفردها في البداية، لأن زوجها كان عالقا خارج الوطن .
أضافت الدكتورة سهام المختصة في الطب الداخلي، بأن تجربة العمل في أزمة وبائية صعبة جدا، قائلة بأنها وجدت نفسها في مأزق في بداية الجائحة، فقد أغلقت دور الحضانة، و توقفت المربية التي كانت ترافقهم عن العمل بسبب الأزمة، و لم تجد من يتكفل برعاية أبنائها في الوقت الذي كانت مجبرة على العمل في مصلحة كورونا و مكلفة بالمناوبات الليلية.
كانت مضطرة للتكفل بأبنائها بمفردها، بينما كان زوجها عالقا خارج الوطن، و اضطرت لتركهم بمفردهم في فترة دوامها، و رفضت إجراء الحجر في الفندق، و فضلت القيام به في بيتها إلى جانب أبنائها، رغم خطورة الوضع، حيث كانت حريصة على الالتزام بأقصى إجراءات الوقاية، لتفادي نقل العدوى إليهم.
كما تحدثت الدكتورة سهام عن معاناتها المهنية، فأول مناوبة قامت بها، كانت في 19 أفريل 2020، حيث واجهت صعوبة كبيرة في التأقلم مع التجربة جديدة و الصعبة التي تتطلب أخذ الحيطة و الحذر  اللازمين، حيث عملت لمدة فاقت 10 ساعات دون توقف،  لم تجد فيها فرصة حتى لإرواء عطشها، نظرا للضغط الكبير الذي تشهده المصلحة، فأصبحت يومياتها متشابهة بعد ذلك في ظل طول عمر الأزمة، فكانت تغادر المصلحة و هي في حالة إرهاق شديد، و حالتها النفسية متأزمة، لتتوجه إلى منزلها و تلتزم بالحجر المنزلي، و تؤدي مهامها الأسرية في الحدود الممكنة، لتفادي الاحتكاك بأبنائها.       

و أكدت المتحدثة بأن العاملين في المصلحة، بالرغم من تقيدهم الصارم بإجراءات الوقاية، إلا أن عددا معتبرا منهم لم ينجوا من الإصابة، و أصيبت هي بالوباء في شهر جويلية عندما كانت المصلحة تشهد اكتظاظا كبيرا بالمرضى، تسببت في نقل العدوى إلى أبنائها الثلاثة، ما أجبرها على الالتزام بالحجر لمدة 20 يوما.
عادت بعد شفائها لمزاولة مهنتها رغم حالة الإعياء التي كانت تشعر بها،  محافظة على شعارها «المعركة لا تنتهي حتى ينتهي الوباء»، مشيرة إلى أن الإصابة بالفيروس أثرت عليها و على أبنائها نفسيا و جسديا ، خاصة ابنتها الكبرى البالغة من العمر 12 سنة، التي تحملت مسؤولية البيت في غيابها و غياب والدها.  
 و شددت الطبيبة بأن الآثار النفسية للعمل خلال الجائحة أكثر من الجسدية بكثير، فقد تعبت نفسيا في بداية الأزمة، لعدم توفر معلومات حول طبيعة الفيروس، و ظل الخوف يلاحقها، لمدة طويلة،  فأصبحت تعاني من ضيق في الصدر و الأرق و عدم القدرة على الأكل، نتيجة الذكريات السيئة التي تحتفظ بها، حيث لا تزال مشاهد بعض المرضى، و هم في حالة اختناق شديد، نتيجة انخفاض نسبة الأوكسجين في دمهم، قبل رحيلهم، عالقة في ذاكرتها، خاصة عند ارتفاع ذروة الوباء شهر نوفمبر الماضي،  عندما كانت حصيلة الوفيات ثقيلة.
و بخصوص الصعوبات المهنية التي واجهتها، ذكرت نقص الإمكانات اللازمة لإسعاف المرضى كالأوكسجين،  في الوقت الذي  كانت المصلحة تشهد اكتظاظا كبيرا، و من بين العراقيل أيضا عدم تقبل المرضى لإصابتهم و رفضهم العلاج، و كذا حالات الإحباط التي كانت تنتابها عند فقدان مريض، كانت تشعر بأنه كان هناك أمل و لو ضئيل، لإنقاذ حياته.
و شبهت المتحدثة العمل في أزمة كورونا بالعيش في حالة حرب دامية، تستدعي تضافر جهود الجميع لمواجهتها، و استخلصت درسا هاما من التجربة، و هو أن المسؤولية المهنية في الحالات الاستثنائية، تتعدى القيام بالدور العلاجي، لأداء كل مهام الطاقم الطبي من أجل إنقاذ الأرواح.
و نوهت بالدور الكبير الذي أداه العاملون في مصلحة كوفيد 19، و تضحياتهم ، بالرغم من صعوبة الظرف الذي دفع بالكثير منهم إلى تناول المهدئات لمواجهة الأرق، مختتمة حديثها بواقعة طريفة و هي تعرضها لسرقة أحذيتها التي كانت تضعها أمام باب شقتها بإحدى عمارات مدينة قسنطينة، عندما تعود من العمل.
أسماء بوقرن

* كريمة ياني عون مصلحة مكلفة بالنظافة في كورونا
ارتديت عباءة رجل في الحرب ضد الوباء
كريمة ياني، عون مصلحة مكلفة بالنظافة، من السيدات اللائي تحلين بالقوة و الشجاعة، و الإرادة، فقد أزاحت رداء الجنس اللطيف، لترتدي عباءة الرجل في حربها ضد كورونا ، فقد وقفت إلى جانب بقية العاملين في مصلحة كوفيد 19 بمستشفى قسنطينة الجامعي، في الصف الأول، من أجل التكفل بالمرضى و توفير محيط نظيف لهم، فلم تنحصر مسؤوليتها في التنظيف و إنما تعدتها إلى مهام عديدة فرضها الظرف الوبائي.
تعتبر كريمة العمل في ظرف صحي خطير مجهول المعالم ، و التعامل مع فيروس قاتل، جد صعب ، و بمثابة جهاد في سبيل الله، خاصة في البداية، عندما كانت الحصيلة مرتفعة و الوضع مرعب للغاية، فقد تحول المستشفى الجامعي إلى منطقة محرمة يخاف الكثيرون التوجه إلى مصالحه، خاصة مصلحة كوفيد19، التي تعد بالنسبة إليها بمثابة سجن مشدد، فالعمل بهذه المصلحة يعني الحرمان من التمتع بأدنى الحريات، و مغادرتها تعني الذهاب إلى الفندق، بعيدا عن الأهل، للالتزام بالحجر الصحي.
أضافت كريمة بأنه في الوقت الذي تحول اقتراب الأشخاص من بعضهم إلى هاجس، كانت هي على احتكاك مباشر بالمرضى، ترافقهم لقضاء حاجتهم، كما تتكفل بإطعامهم و تغيير حفاظاتهم و ملابسهم، و كذا تغيير الأفرشة للعاجزين عن الحركة، كما وجدت نفسها مجبرة على تحمل مسؤوليات عديدة لا تدخل في دائرة مهامها، فعملت كوسيط بين المريض و أهله، و تكبدت عناء حمل القفف لتوفير كل ما يحتاجه المريض من أكل و لباس.
كما تكفلت بنقل المرضى الذين يعانون من قصور كلوي للخضوع لحصص تصفية الدم، و حمل قارورات الأوكسيجين، في ظل الضغط الكبير الذي كانت تشهده المصلحة.
و أشرفت في بداية الجائحة عند تحويل مصلحة طب الأطفال إلى مصلحة لمرضى كورونا، على 60 مريضا بين رجال و نساء، في ظل النقص الفادح في عدد العمال، فعملت لمدة 24 ساعة، دون توقف لسد العجزالمسجل.  
و شبهت كريمة العمل في كورونا بالحرب الشرسة، نظرا لحالة التأهب القصوى التي شهدتها المصلحة، حيث كان المصابون يتعاملون بعنف شديد، نتيجة عدم تقبلهم للإصابة، و كذا نفورهم من اللباس الواقي الذي يرتديه الطاقم الطبي و شبه الطبي الذي يضاعف شعورهم بالخوف.
و أضافت بأنها تعاملت مع مختلف الفئات ، حتى المصابين بأمراض عقلية، و المحرومين من المأوى الذين لم يتقبلوا  المكوث داخل المصلحة، فوجدت نفسها في وضعيات صعبة للغاية، تستدعي التحلي بالصبر و الشجاعة، خاصة عندما تكفلت بعديمي مأوى مقعدين، حاولا الهروب، معتبرة ذلك من أصعب ما مر عليها، مشيرة إلى أنها أصيبت في أحد الأيام بانهيار عصبي، فخرجت إلى الفناء و شرعت في الصراخ بصوت عال، إلى أن تدخل زملاؤها لتهدئتها.   
المتحدثة أكدت أنها أهملت شؤون بيتها لمدة سنة كاملة، كما فرطت في ابنتها الوحيدة و لم تتمكن من مشاركتها فرحة الزواج كما يجب، كما لم تتمكن من مساندتها في مرضها بعد الزواج، فقد كانت تخاف من زيارتها و الاقتراب منها. كما أنها حرمت من زيارة والديها، و من شدة شوقهما إليها و خوفهما عليها ، حضرا إلى المستشفى لرؤيتها من بعيد.
كما حرمت من المناسبات الدينية،  كالشهر الفضيل و عيد الفطر، إذ كانت تقضي أيامها بالمستشفى و تفطر على ما توزعه الجمعيات من وجبات في وقت متأخر.
و عند آذان المغرب كانت توزع وجبة العشاء على المرضى قبل مغادرة المصلحة،  و التوجه نحو قاعة خارجية لنزع اللباس الواقي و تغيير ملابسها و تنظيف نفسها و تعقيم يديها لتتناول وجبة الإفطار في الشهر الفضيل، مشيرة إلى أن اللباس الواقي، كان يرهقها أكثر من كل شيء.
و قالت بمرارة إنه بالرغم من كل ما تقوم به عاملة النظافة، للأسف لا يزال ينظر إليها نظرة دونية، و بأن لا دور لها في عملية العلاج، و لا توفر لها أدنى الشروط للقيام بمهامها.  
و عن أصعب اللحظات التي تتذكرها السيدة كريمة التي تحمل تجربة 15 سنة  في المصلحة، قالت بأنها لن تنسى لحظة وفاة خمسة أشخاص في يوم واحد و نقلهم جميعا إلى مصلحة حفظ الجثث، و المؤسف أكثر، حسبها، أنهم كانوا يدفنون بثيابهم.
و قد تأثرت كثيرا بوفاة عمها الذي قصد المستشفى في حالة حرجة و توفي في مصلحة الاستعجالات، و وفاة عدة مرضى في عيد الفطر في لمحة بصر، و لن تنسى أيضا مشهد محاولة عاملات نساء، حمل رجال بعد أن أغمي عليهم.  

* تحدّثن عن تضحياتهن خلال الجائحة
عاملات الصحة تجرّدن من عباءة الجنس اللطيف لمجابهة عدوّ شرس
تجردت صاحبات المآزر البيضاء في قطاع الصحة من مسؤوليتهن الأسرية، و ضحين بالعطلة الاستثنائية التي خصصت للأمهات في الجائحة، و أزحن عباءة الجنس اللطيف، ليرتدين رداء الرجل القوي، و يدخلن معركة شرسة مع عدو مجهول واقفات في الخط الدفاعي الأولي، إلى جانب الرجال، فتشاركوا معهم نفس المسؤولية.  إنهن سيدات حرمن من رؤية آبائهن و أمهاتهن و أزواجهن و فلذات أكبادهن، و حرمن من نفحات الشهر الفضيل، و لذة الاحتفال بالأعياد وسط أفراد أسرهن، متحملات ظروفا مهنية و اجتماعية قاهرة فرضتها الجائحة، من أجل إنقاذ المرضى و التخفيف من معاناتهم.

* النقيب حياة تيتل طبيبة رئيسية بالحماية المدنية بقسنطينة
 أهملت أسرتي للتكفل بعناصرنا الواقفين في الخط الدفاعي الأول
تعد الدكتورة حياة تيتل ، من النساء اللائي ضحين بواجباتهن الأسرية و جندن في سبيل مجابهة وباء كورونا، على مستوى مديرية الحماية المدنية لولاية قسنطينة، و لا يمكن إلا أن نرفع لها قبعة التقدير و الاحترام، نظير ما بذلته من جهود جبارة في سبيل منع تفشي العدوى وسط قطاع حساس، جند للتكفل بنقل المصابين و موتى كورونا.
لقد حملت الطبيبة على عاتقها مسؤولية حساسة و هي معاينة الأعوان المشتبه في إصابتهم بالفيروس و المصابين به، جراء احتكاكهم اليومي المباشر مع المرضى، و تتابعهم إلى غاية تماثلهم إلى الشفاء، للترخيص لهم بالعودة مجددا إلى العمل.  تعتبر  الدكتورة حياة تيتل، حرم ونيسي، الطبيبة الرئيسية بالوحدة الرئيسية للحماية المدنية محمد عطاء الله بالمدينة الجديدة علي منجلي بقسنطينة، المكلفة بمعاينات  كوفيد 19، فعاشت تجربة العمل في عز الأزمة، التي أكدت أنها صعبة و محفوفة بالمخاطر، خاصة في جهاز محوري تحمل مسؤولية حساسة في بداية الأزمة، و هي نقل كل من تبدو عليه أعراض الإصابة إلى المؤسسات الاستشفائية، فوجد موظفو القطاع أنفسهم، في حالة تأهب و استنفار قصوى في الخط الدفاعي الأول لصد فيروس قاتل ذي معالم مجهولة. و وجدت الطبيبة نفسها مكلفة بالسهر على سلامة الأعوان و التكفل بعلاجهم، حيث تستقبل يوميا عددا معتبرا منهم بعد أن تبدو عليهم الأعراض، و تطلب منهم إجراء تحاليل و تصف لهم العلاج و تشرف على متابعتهم. أكدت الدكتورة حياة للنصر، أن احتكاك المجندين على مستوى مختلف وحدات الحماية المدنية بقسنطينة يوميا بمرضى كورونا، من خلال نقل المشتبه في إصابتهم و المصابين و دفن موتى كوفيد19، مسؤولية كبيرة ، نجم عنها تسجيل عدد كبير من الإصابات في صفوفهم، و هو مازاد من حرصها على  التحلي باليقظة و التقيد الصارم بكل تدابير الوقاية لتفادي الإصابة، لكنها لم تكن في منأى عن ذلك، حيث تسلل الفيروس إلى جسدها، و تحملت الآلام التي نخرت جسدها المتعب، و تبقى الآثار النفسية للمرض  أشد من الجسدية، خاصة إذا تسببت في نقل العدوى لأشخاص آخرين،  مشيرة إلى أنها تسببت في نقل العدوى لابنها ما جعلها تشعر بالخوف أكثر، و كانت تخشى من نقل العدوى لزوجها المصاب بمرض مزمن، لكن لحسن الحظ لم يصبه مكروه، شاكرة المولى على نعمة الشفاء و العافية.  أضافت طبيبة الحماية المدنية أن «التعامل في بادئ الأمر، مع وباء غير معلوم نجهل التعقيدات التي تسببها الإصابة به، جعلنا نعتقد أن الإصابة به تعني الوفاة، فلم يكن هناك دواء للتقليص من حدة خطورته أو القضاء عليه». و تابعت المتحدثة أنها عاشت حالة رعب، معتبرة التعامل مع حالات كورونا في البداية، بمثابة كابوس، ليس بسبب عدم توفر معلومات كافية عن الوباء، و إنما أيضا نتيجة عدم توفر وسائل الوقائية اللازمة، في ظل التشديد على ارتدائها قبل الاقتراب من أي شخص يشتبه في إصابته، حيث كان يفرض عامل التباعد عند إجراء المعاينات، و كانت تتوهم بعد انتهاء الدوام و عودتها للبيت، بأنها تعاني من أعراض كورونا، بعد كل احتكاك بشخص مصاب، كما كانت تدخل في دوامة من التفكير و الإحباط، قائلة بأنها مرضت نفسيا، قبل أن تنهك جسديا، لكن طول عمر الأزمة، جعلها  تتكيف مع الوضع، و أصبحت تشعر بنوع من الحرية،  لكن دون أن تتراخى في ارتداء اللباس الواقي و التقيد بالإجراءات الوقائية اللازمة.  عن علاقة الدكتورة حياة بأسرتها في هذا الظرف العصيب،  قالت بأنها أخذت منحى آخر، بسبب تغير نمط عملها، حيث لم تعد وثيقة الصلة بأبنائها و تتجنب قدر الإمكان عناقهم و تقبيلهم، كما تصدهم كلما هموا بالاقتراب منها عند عودتها من العمل إلى البيت، بالرغم من اشتياقها لاحتضانهم، حيث تحرص أولا على نزع ملابسها و تحضير الحمام قبل الاقتراب منهم، كما تلتزم بوضع الكمامة في البيت، و تناول الطعام بمفردها و عزل الأواني الخاصة بها، و تطلب من أبنائها عدم استعمال أغراضها. و أكدت المتحدثة أنها فقدت الرغبة في الأكل كما أصبحت تعاني من الأرق بشكل دائم، نتيجة الإنهاك النفسي و القلق، ففقدت الكثير من وزنها، و أثر ذلك على نفسية أبنائها، خاصة ابنها البكر البالغ من العمر 15 سنة، الذي لا يزال إلى غاية اليوم يعاني من هاجس كورونا، رغم تراجع عدد الإصابات، و لا يزال يلتزم بارتداء الكمامة و استعمال المطهر الكحولي، و رغم كل ذلك  تعتبر الدكتورة حياة العمل في هذه الظروف، تجربة مختلفة تعلمت منها الكثير.

* صبرينة بن عريفة إطار شبه طبي بمستشفى قسنطينة
الخوف من الإصابة أرحم من جحيم الزي الواقي و تحمل عقلية المرضى
صبرينة بن عريفة، ممرضة متخصصة في الصحة العمومية بوحدة كوفيد 19 بالمستشفى الجامعي بن باديس بقسنطينة، تحلت بالشجاعة و القوة لدحر العدو غير المرئي، متحدية ظروفها الصعبة، باعتبارها المكلفة الوحيدة بالعناية بوالديها المسنين، و أخفت عنهما مخاوفها من نقل العدوى إليهما، متخذة كل التدابير لتقي نفسها من الإصابة، و قالت للنصر، بأن عملها خلال الجائحة تجربة مهنية فريدة، فلم تكتف خلالها بأداء دورها في مجال التمريض، و إنما وجدت نفسها مجبرة على القيام بمهام عديدة، كالمساعدة في حمل الموتى، و تقديم الطعام للمرضى و التنظيف و حمل قارورات الأوكسجين و غيرها.
وجدت الممرضة صبرينة نفسها عند تسجيل أولى الإصابات بوباء كورونا في شهر مارس 2020، في مصلحة مغلقة و في ظروف عمل مختلفة تماما ، عما تعودت عليه في مصلحة الطب الداخلي، أين كانت تعمل، فشعرت بأنها أقحمت في حرب ضد عدو شرس، لا يعرف  معنى الاستسلام، و سريع في اقتناص أرواح البشر.وصفت صبرينة في حديثها للنصر، تجربتها في الجائحة بالمريرة، نظرا لبشاعة الوقائع التي عاشتها، خاصة عند بلوغ الحصيلة منحى تصاعديا مرعبا، فقد وقفت على مشاهد متكررة للموتى و اضطرت للمساعدة على حملهم، فرؤية أشخاص يموتون الواحد تلو الآخر، دفعها للتنقل بين المصالح، لتوفير الوسائل اللازمة لإسعافهم، كما دفعها ذلك للقيام بمهام أخرى، تتعلق بتقديم الطعام لبعض المرضى، كما وجدت نفسها مجبرة على العمل ساعات إضافية، باعتبارها تتولى مسؤولية الطاقم شبه الطبي ، ما جعلها تشعر بإرهاق شديد.   قالت المتحدثة بأن مسؤوليتها لا تتوقف عند القيام بالدور العلاجي، بل تمتد إلى الاهتمام بالجانب الاتصالي النفسي، إذ تعقدت علاقة الطاقم الطبي و شبه الطبي بالمريض خلال الأزمة، و زادت نظرته العدائية للطاقمين، و زاد معدل الاعتداء على كل من يرتدي بذلة بيضاء، ما جعل التعامل مع المرضى صعب للغاية في البداية.
أوضحت المتحدثة أنها حاولت قدر الإمكان توطيد الصلة بالمرضى، و ربط علاقات خاصة معهم، فأصبحوا يميزونها عن باقي المستخدمين، بالرغم من ارتدائها اللباس الواقي الذي يغطي كل ملامح وجهها، مقرة بأنها واجهت صعوبة في أوج الأزمة مع مرضى لم يتقبلوا إصابتهم و أصيبوا بحالة اكتئاب حاد، و بلغوا مرحلة محاولة الانتحار.
و ترى الممرضة صبرينة أن الزي الواقي و لواحقه من أبرز الصعوبات التي واجهتها، اذ ترتدي الزي لمدة لا تقل عن 8 ساعات، ما يجعلها تشعر باختناق كبير و بحرارة لا تحتمل، كما تتحمل مسؤولية توفير الوسائل اللازمة للأطقم الطبية، لكنها كانت تصطدم بالنظرة العدائية للمرضى، و صعوبة التعامل مع أفراد عائلاتهم، و يصاب من يفقدون مريضهم بحالة هيجان شديدة.
لم يكن الخوف من الإصابة هاجس صبرينة، حيث تعاملت منذ البداية مع الوباء بنوع من الشجاعة، لكن الهاجس الذي كان يلاحقها هو نقل العدوى لوالديها، لأنها خلاف لزملائها، لم تكن تنتقل للفندق للالتزام بالحجر، و إنما ظلت ملتزمة بالعودة إلى منزلها، لكونها تتحمل مسؤولية رعايتهما كاملة، لكنها غيرت من عاداتها المنزلية اليومية في ذروة الأزمة، فكانت تدخل خلسة إلى البيت لتجنب لقاء والديها ، قبل الاستحمام و غسل ملابسها و تنظيف أغراضها، كما فرضت على نفسها نوعا من العزلة، لتجنب نقل العدوى، و بالرغم من كل ذلك أصيبت بالوباء في شهر سبتمبر الماضي و تسببت في نقل العدوى لهما، لكنهم نجوا جميعا من الهلاك .
و عن أسوأ الذكريات الأخرى التي ظلت عالقة في ذهن صبرينة، التي حولت للعمل في وحدة معاينات كوفيد 19 بالمستشفى كمنسقة، قالت بأنها لن تنسى  موت مرضى أمامها في لمحة بصر، و هناك شاب في 43 من عمره، كان وضعه مستقرا، لكن بمجرد أن استدارت فارق الحياة، كما تكرر معها نفس المشهد في نفس اليوم مع شيخ، فقد طلب منها أن تقدم له علبة عصير، لكنه مات قبل أن يشرب منها.
كما توفي مريض ثالث في ظروف مشابهة، و هي مشاهد أفقدتها لذة النوم و شهية الأكل، و لم تعد الكوابيس الليلية تفارقها، و أضافت أنها تتمنى  ألا نواجه موجة ثالثة، فالبذلة الواقية تزعجها كثيرا.

* الباحثة في العلوم الحيوية الدكتورة حليمة بن بوزة
رفضت إدارة مركز بحث عالمي واخترت خدمة بلدي
أكدت الباحثة في  الزراعة والعلوم الحيوية، الدكتورة حليمة بن بوزة، وهي واحدة من بين أهم النساء الناشطات في مجال العلوم، وفق تصنيف وزارة الخارجية الأمريكية، بأن الجزائر تتوفر على كفاءات نسوية بحثية وأكاديمية كبيرة، لكن المناخ الاجتماعي كثيرا ما يدفع  بغالبيتهن ، إلى تأجيل حلم البحث العلمي من أجل الالتزام الأسري، لذلك غالبا ما تتوقف رحلة النساء في العلوم عند مرحلتي الماجستير أو الدكتوراه، كما تتحدث في هذا الحوار عن تجربتها في الداخل والخارج، وعن تحدي دراسة الزراعة.
حاورتها: هدى طابي
تقلدت الدكتورة حليمة بن بوزة، عدة مناصب، حيث عملت كأستاذة محاضرة بجامعة باتنة، وفي سنة 2011 تم تعيينها من طرف الحكومة الجزائرية رئيسة للجنة المشتركة بين قطاعات الصحة وعلوم الحياة، كما انضمت إلى المجلس الوطني الجزائري لتقييم البحث وعضو بالمجلس الدائم القطاعي لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي. و في عام 2013 عينت رئيسة للّجنة التوجيهية لمشروع الصيدلة والتكنولوجيا الحيوية بالجزائر، ثم تولت إدارة أول مركز للتكنولوجيا الحيوية   في قسنطينة سنة 2010، وهي اليوم عضو فاعل بجامعة باتنة.
ـ النصر: أنت من الباحثات القليلات في الجزائر اللائي اخترن مجال عمل بعيد عن الطب و غير شائع ، هل كان توجهك للفلاحة بناء على خيار شخصي، أم وليد ظروف معينة؟
ـ حليمة بن بوزة:  في البداية اخترت الطب، باعتباره التوجه الدراسي والمهني الأنسب للنساء في مجتمعنا آنذاك، أردت الطب كذلك من أجل إرضاء  الأهل، لكنني للأسف لم أجتز امتحان الدخول للكلية، و عليه توجهت للفلاحة، رغم أنها لم تكن شعبة رائجة حينها، خصوصا في أوساط الإناث، مع ذلك أحببتها، لأنها لا تقل أهمية من حيث المنفعة، فتحقيق الاكتفاء الغذائي و محاربة الجوع، مهمة نبيلة وإنسانية.
أفضل أن توفر لي إمكانيات البحث على رفع راتبي
 بعد أن أنهيت المرحلة الأولى كمهندسة زراعية في جامعة باتنة، و درست ماجستير في الجزائر، وفي سنة 1998 تحصلت على منحة للدراسة في بلجيكا، وتحديدا بجامعة « أغرو بيوتيك جومبلو»، وهناك باشرت البحث في مجال تسيير نوعية بذور القطن، لاستعمالها للغرض الغذائي الإنساني والحيواني. في هذه المرحلة أيضا  تعلمت كثيرا وبذلت جهدا مضاعفا، حتى أنني كنت أدرس مواد علمية إضافية، من باب تطوير الذات، كما اقترحت تقنية مبتكرة لتسهيل عملية تحسين البذور و تنقيتها من المركبات السامة، وهو ما سمح لي بافتكاك جائزة تشجيعية، بالإضافة إلى منحة ثانية، لمواصلة الدكتوراه قدمت لي  من قبل سكرتير دولة بلجيكا للتعاون التقني، تم اختياري  لهارغم أنني لا أزال طالبة وهي منحة موجهة بالأساس للموظفين الذين يشغلون مناصب معينة في بلدانهم و يواصلون التكوين في بلجيكا.
خلال عملي على التحسين الوراثي لبذور القطن، التقيت بمجموعة باحثين من أمريكا على هامش ندوة عمل بجنوب إفريقيا ، واتضح بأننا نتقاسم نفس الفكرة ونعمل عليها بطريقتين مختلفتين، وعليه فقد انتقلت  بعد حصولي على الدكتوراه إلى الولايات المتحدة لمواصلة العمل رفقتهم بأحد مراكز البحث هناك، كانت فرصة كبرى، لكنني لم أكن واثقة حينها من رغبتي في البقاء في الخارج، كما أن هناك أسباب شخصية دفعتني للعودة إلى الجزائر.
ـ ما هي أهم المشاريع البحثية التي اشتغلت عليها بعد عودتك إلى الجزائر وهل تعتقدين أنك وفقت في خدمة هدفك الإنساني؟
ـ بعد عودتي إلى الجزائر صدمت حقيقة بواقع الممارسة الميدانية، فقد أردت أن أقدم الكثير، لكنني كنت مقيدة ببرنامج تدريس محدود جدا بجامعة باتنة، ثم اختلف الوضع بعد انتقالي إلى إدارة مركز البحث في البيوتكنولوجيا بقسنطينة سنة 2010، لأنني  بدأت فعلا في العمل على برنامج يتعلق بمخطط تطوير طويل المدى، لتفعيل دور المركز في المجال الاقتصادي البيئي، ومن بين الرؤى البحثية التي كانت لدينا هناك، مشروع يخص التحكم في تقنيات الأنماط الجينية والكائنات المعدلة جينيا، وذلك على اعتبار أننا بلد مستورد وهو ما يجعلنا بحاجة ماسة لمخبر لمراقبة نوعية ما نستهلكه، و التأكد من عدم خضوعه للتعديل الجيني.
اخترت في البداية دراسة الطب
حذرت السلطات من تسويق بذور معدلة جينيا
 أغتنم الفرصة لأشير هنا، بأنه وإلى غاية 2013،كانت هناك منتجات وبذور معدلة جينيا تسوق في الجزائر، دون معرفة مصدرها، و دون حيازة مستورديها على تحاليل مطابقة صحية، ما جعلنا عرضة لمخاطر صحية و بيئية، تجارب لأبحاث غير مصرحة أو غير معروفة النتائج، حتى أنني كنت قد سلمت آنذاك، تقريرا تحذيريا للسلطات، بخصوص بذور معدلة جينيا تخص القرع.
ما قمت به على مستوى مركز  البحث، كان رسم  خارطة طريق شاملة لمباشرة العمل على مجال بحثي دقيق وجديد، في وقت كنا نفتقر فيه للخبرة و للمختصين  وهو بمثابة تحد حقيقي، حينها كان مستقبل مركز البحث البيوتكنولوجيا مهما جدا، فهذا كان بمثابة ابن لي، أردت أن أحميه و أطوره، ولو أنني واصلت العمل على مشروع مخبر اكتشاف الكائنات المعدلة جينيا ومشاريع أخرى إستراتيجية، و تحكمنا في التقنيات، لكنا  اليوم قادرين على التعامل مع أية سلالة جديدة من فيروس كورونا،  لكن المشروع متوقف للأسف.
كان لدينا أيضا مشروع  جيني بالغ الأهمية،  له  أغراض طبية  تمكن من فهم الخلفيات المرتبطة بطبيعة الأمراض المزمنة واسعة الانتشار، فهذا المشروع الذي عملنا عليه، بالتنسيق مع عدة هيئات، توقف فجأة.
ـ هل كانت رحلتك  في طلب العلم سهلة، و كيف ينظر المجتمع إلى المرأة الباحثة وكيف تنظر المرأة عموما لهذا المجال ؟
ـ في الجزائر نملك الكم و النوع، لكننا لم نرتق بعد بدور المرأة في مجال البحث وقيادة المؤسسات البحثية، فلحد الآن لا تزال نسبة النساء المسؤولات في الجامعات جد ضئيلة.
 عن تجربتي الشخصية، كان خيار العمل في الزراعة تحديا بحد ذاته، لأن فكرة قيادة المرأة لمحراث مثلا، كانت  غير مقبولة اجتماعيا ، خصوصا لفتاة من مدينة داخلية تريد أن تخوض مجالا يحتكره الرجال  عادة، كما أن فترة دراستي تزامنت مع الأزمة الأمنية في بلادنا، وهو ما عقد الوضع، لكنني والحمد لله حظيت بدعم عائلتي  و بالأخص والدتي التي أصرت على تعليم بناتها ، ليكملن حلمها.
لهذه الأسباب غادرت أمريكا وكنت مقتنعة بصنع الفارق في الجزائر
والدي أيضا منحني موافقته لأسافر إلى الخارج، لكن بالنسبة لفتيات أخريات أعتقد أن الأمر كان صعبا جدا، خصوصا لمن يعشن في المداشر والقرى، عن نفسي أذكر أنني كنت أتنقل بالحافلة أيام الصيف الحارة إلى مزارع القطن بمنطقة فلياش ببسكرة ، رغم كل الأحكام الاجتماعية، لكنني تمكنت من رفع التحدي عكس الكثيرات ممن لا يزلن يعانين من أجل الدراسة، حتى في أيامنا هذه.  
 لماذا لا يزال عدد الباحثات الجزائريات ضئيلا و يبقى اعتلاؤهن لمناصب المسؤولية في الجامعات محدودا، رغم تفوق الإناث عدديا من حيث نسب النجاح دراسيا  في بلادنا؟
ـ التوفيق بين المسؤوليات في حالة الأمومة و الزواج، صعب جدا، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالبحث في العلوم الحيوية، و الطبية لأنها عملية تحتكم لظروف تفرض نفسها وبمواعيد دقيقة، لا مجال لتأجيلها أو التخلف عنها، أضف إلى ذلك فإن الباحثة مرتبطة بالتزامات اجتماعية عديدة وهو أمر يتعارض فعليا مع الوقت الذي تتطلبه العملية البحثية والذي قد يتعدى 10 ساعات يوميا، لذلك فإن اعتلاء المناصب في الجامعات و الإسهام بقوة في تطوير البحث، مهمة صعبة بالنسبة للكثير من  الجزائريات اللائي تفضل غالبيتهن الانسحاب على التخلي عن التزاماتهن الأسرية، لذا يبقى البحث العلمي  و الارتقاء المهني، بالنسبة إليهن، حلما مؤجلا إلى غاية نضج الأبناء و استقلالهم.
الأمر متعلق كذلك بالظروف وبطبيعة المجتمع، عن نفسي  ضحيت بسنوات شبابي في سبيل البحث وسافرت و تحملت الكثير، لكنني عدت إلى وطني كأستاذة باحثة، لأجد واقعا غير مشجع، في البداية شعرت بالإحباط وفكرت في العودة إلى الخارج، إلى أن اجتمعت ظروف مغايرة  سمحت لي بمقابلة المدير العام للبحث السيد أوراغ الذي ثمن مقترحاتي العلمية، و سلط الضوء على كفاءتي، وهكذا كنت من بين الأسماء التي اقترحت لتسيير مركز البحث في البيوتكنولوجيا بقسنطينة، وبالفعل وقع الاختيار علي من قبل الوزارة، بناء على سيرتي الذاتية والمهنية.
الارتقاء المهني بالنسبة للجزائريات حلم مؤجل
ـ هل حظوظ النساء في الوصول الى مناصب المسؤولية في الجامعات الجزائرية أقل مقارنة بحظوظ الرجال؟
ـ شخصيا أعد من بين  النساء القليلات اللائي تقلدن مناصب المسؤولية في جامعاتنا، وعددنا الإجمالي لا يزيد عن عشر سيدات، وهنا وجب التوضيح، بأن المشكلة لا تكمن في سياسة التعيين ولا ترتبط  بالإقصاء، بل تتعلق أكثر باستعداد النساء للالتزام و القبول بالمسؤولية، عن نفسي تخليت كليا عن الحياة الاجتماعية  لخمس سنوات كاملة، عندما كنت مديرة لمركز البحث في البيوتكنولوجيا وعشت عزلة مطلقة.
 القضية ترتبط كذلك، بظروف المجتمع، فقليل من الرجال في مجتمعنا يقبلون تفرغ المرأة كليا لمسؤولياتها المهنية، وسفرها وتأخرها عن المنزل، شخصيا أعرف الكثير من السيدات اللائي يتمتعن بكفاءة عالية، لكنهن  في الغالب يفضلن تقليل إنتاجهن البحثي و النشر نادرا لأجل الاهتمام بالأسرة، هناك أيضا من توقفن عند مرحلة الدكتوراه،   لنفس السبب وهو أمر مقبول و مشروع في نظري.
قلة من الرجال يقبلون  تفرغ المرأة للمسؤوليات المهنية
ـ فضلت خدمة  بلدك  بعد تجربة بلجيكا،  هل تلقيت عروضا أخرى للعمل في الخارج بعد ذلك؟
ـ سبب عودتي للجزائر، كان عائلتي بالدرجة الأولى، ووطني بالدرجة الثانية، فقد فضلت أن أخدمه و كنت أقول بأن الباحثين من أمثالي موجودون بكثرة في أمريكا وبلجيكا، بالمقابل فإن بلدي بحاجة لعلمي ومعرفتي، حينها كنت مقتنعة بأنني سأصنع الفارق في الجزائر، وقد اعتبرت توظيف علمي لصالح الوطن، وفاء .
 في سنة 2009 فكرت جديا في العودة إلى بلجيكا، خصوصا وأنني تلقيت عرض عمل في مركز بحث بمنطقة «لوفن»، لمباشرة مشروع  هام، كنت قد انتقلت في تلك المرحلة إلى الولايات المتحدة الأمريكية ،من أجل تربص ممول من طرف  نفس المركز  ، و لا أنكر أنني وقتها كنت شبه مقتنعة بعدم العودة ، ثم التقيت خلال زيارة للجزائر بمدير البحث، و اقترح علي تسيير مركز البحث في البيوتكنولوجيا فبقيت من أجل هذا المشروع.
طيلة خمس سنوات التزمت كليا وقدمت نتائج أفخر بها، إلى أن تلقيت قرارا بإنهاء مهامي، وهو ما حز جدا في نفسي، و دفعني سنة2017، للتفكير في المغادرة نحو الخارج، فقد أحسست بالإجحاف، خصوصا وأنني في ذلك الوقت رفضت فرصة لإدارة واحد من مراكز البحث العالمية التابعة للأمم المتحدة، مقابل راتب شهري مغري،  فعلت ذلك من أجل حلم النهوض بالمركز.
هناك باحثون لا يستحقون حتى رواتبهم
ـ هل يضمن البحث العلمي في بلادنا حياة أفضل للباحث؟
ـ في بلجيكا كنت أعيش حياة جيدة طبعا، لكن ما كنت أمتلكه لم يكن استثنائيا، بل هي مكاسب مادية يملكها أي موظف في البلد، طبعا راتبي هناك كان سيسمح لي بحياة الترف في الجزائر، إلا أن ما يهمني فعلا ليس المال، بقدر ما تعنيني ظروف العمل و نوعية ما ننتجه وأهميته للوطن، أنا أقول دائما في الجزائر هناك باحثون يستحقون ضعف رواتبهم، لكن بالمقابل هناك من لا يستحقون حتى رواتبهم ، مشكلتنا تكمن في أننا نقدم منحة المردودية للجامعين بشكل آلي وليس بناء على ما يقدمون من نتائج و ما يبذلونه من جهد.
 شخصيا أفضل أن توفر لي إمكانيات البحث على أن يرفع راتبي.
هـ/ط

* الباحثة في الهندسة بجامعة السلطان قابوس نعيمة بن قاري
النساء أصبحن يتفوقن عدديا على الرجال في مجال الهندسة
تحدثت نعيمة بن قاري، الباحثة الجزائرية في الهندسة المعاصرة بجامعة السلطان قابوس بسلطنة عمان، عن تجربتها في مجال العمران وكيف استطاعت أن تتحدى ظروفا صعبة في فرنسا خلال مرحلة الدكتوراه، لتفتك تقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف. كما تروي لنا عضو هيئة «الإيكوموس» التابعة للأمم المتحدة في هذا الحوار، تفاصيل حول إقصائها مهنيا وتعرضها للمضايقة بسبب ارتدائها للحجاب في فرنسا، قبل أن تنتقل إلى الخليج العربي و تبدأ مرحلة جديدة ميزتها مساهمتها في التأسيس لميلاد تخصص العمران في جامعة أبو ظبي، و مشاركتها في مشروع هام لترميم وتصنيف أضرحة أباطرة يابانيين. 
حاورتها: هدى طابي
تتطرق المهندسة خلال حديثها كذلك، إلى واقع النساء المهندسات عربيا وتخبرنا عن الفرق بين العمل في الجزائر و خارجها.
 النصر:  من جامعة سطيف إلى جامعة السلطان قابوس، مرورا بفرنسا و أبو ظبي ، كيف تم الانتقال من الجزائر إلى الخارج و في أي إطار؟
ـ نعيمة بن قاري: تخرجت من جامعة فرحات عباس بسطيف تخصص هندسة معمارية في 1993، وكنت الأولى على دفعتي، بعدها انتقلت إلى فرنسا لمواصلة دراسات ما بعد التخرج، أين أتممت مرحلة الماجستير في مدينة غرونوبل، و بدأت بعدها الإعداد لشهادة الدكتوراه، بناء على منحة قدمتها لي منظمة اليونيسكو،  حيث اخترت موضوع عمارة «مساجد الإباضية في وادي ميزاب و جزيرة جربة و سلطنة عمان»، و عملت عليه قرابة ثلاث سنوات ثم توقفت لمدة سنتين، بسبب ظروف الزواج و من ثم الأمومة، أتممت بعدها أطروحتي و نلت الدكتوراه بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف، ناهيك عن تحصيلي لكفاءة من المجلس الفرنسي للجامعات (CNU) تسمح لي بالتدريس كأستاذة جامعية، مع ذلك بقيت لمدة سنة تقريبا دون عمل في فرنسا، رغم رتبتي الأكاديمية الهامة و تقدمي للوظيفة على مستوى كل الجامعات هناك.
عانيت من البطالة لمدة سنة كاملة بفرنسا
في 2005 تواصل معي زميل جزائري مستقر في البحرين، واقترح علي التدريس في الخليج، فوافقت وانتقلت إلى جامعة أبو ظبي في 2006، بعد أن عملت باجتهاد لتحيين معارفي وتطوير قدرتي على التواصل بالانجليزية. في مدينة أبوظبي كنت جزءا من فريق أشرف على التأسيس لميلاد تخصص العمارة و الهندسة المعمارية في هذه الجامعة حديثة العهد.
شغلت بعدها منصب رئيسة لقسم العمارة لمدة ست سنوات كاملة، كما تقلدت مسؤوليات إدارية أخرى في ذات الجامعة، و في 2012 انتقلت إلى جامعة السلطان قابوس،لأدرَس في قسم الهندسة المدنية و المعمارية.
إنتاجي في التصميم و البناء، تقلص بعدما انتقلت إلى الخليج بحكم أن القانون يمنع ممارسة التعليم مع مهنة العمارة في نفس الوقت، لكنني كنت قد صممت عددا من المباني الخاصة عندما كنت في فرنسا.
 حدثينا أكثـر عن منحة اليونيسكو و في أي إطار تحصلت عليها؟
ـ حصلت عليها سنة 1996، في إطار تغطية دراستي الميدانية للدكتوراه، هي منحة تديرها اليونيسكو، لكن من تقدمها هي جمعية لفنان تشكيلي ياباني اسمه «هيراياما»، تقدم للطلبة الذين يعملون على أبحاث في ميدان الفنون و العمارة، وقد غطت تكاليف دراستي لمدة أربع سنوات.
الانجليزية كانت تحديا حقيقيا
ـ ما هي أهم المحطات التي ميزت رحلتك البحثية و أيها تركت فيك الأثر الأعمق؟
ـ دون شك هي مرحلة التحضير للدكتوراه و اجتيازها، وقتها كنا في الجزائر في قلب العشرية السوداء، وقد عانيت كثيرا بسبب القلق والخوف على عائلتي، كما أن الظروف في فرنسا، كانت متوترة مع بداية حركة الرفض الاجتماعي في هذا البلد لكل ما هو جزائري ومسلم، بحجة شبهة الإرهاب، مع ذلك فقد استطعت التفوق، خصوصا و أن اللجنة التي قيمت أطروحتي آنذاك كانت مكونة من قامات كبيرة في مجال العمارة من أمثال أندري ريمون (Andre Raymond) و أريان باروكاند (Marrianne Barrucand) وقد منحوني تقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف و توصية بنشر رسالتي دون تعديلات.
 يتم تقديمك في كل مرة على أنك صاحبة الأعمال الإبداعية في مجال الهندسة المعاصرة، ما هي أبرز المشاريع التي تركت بصمتك عليها و أي مشروع تفخرين به أكثـر؟
ـ رغم أنني عملت على مشاريع مختلفة في عمارة المنازل خلال تواجدي بفرنسا و ذلك بالتعاون مع مكاتب هندسية، إلا أن أكثر مشروع أفتخر به هو مشروع مسجد أنجزته رفقة مهندس هولندي في إحدى ضواحي مدينة لاهاي، وقد تم ذلك سنة 2017، بناء على طلب من أصدقاء مغاربة مغتربين استعانوا بخبرتي و تخصصي في عمارة المساجد.
أشرفت أيضا على مشروع ترميم بيت قاض مشهور في جنوب سلطنة عمان، و تحديدا في منطقة صلالة، وذلك بالتنسيق مع فريق ياباني أتعاون معه إلى غاية يومنا هذا. كما كنت عضوا في الفريق الاستشاري الذي ساهم في إنجاز ملف تصنيف مقابر الأباطرة اليابانيين ، المدرجة على لائحة اليونيسكو للتراث العالمي.
 نريد تفاصيل أكثـر بخصوص التجربة اليابانية؟
ـ  دوري في هذا المشروع تمثل في الاستشارة و ليس الترميم، وذلك على اعتبار أنني عضوة استشارية في هيئة الإيكوموس »المجلس الدولي للمعالم والمواقع» ، التابع لمنظمة الأمم المتحدة. حيث كلَفتني حكومة منطقة» أوساكا» اليابانية، رفقة استشاريين من كوريا و الولايات المتحدة، بمتابعة تحضير ملف إدراج هذه الأضرحة ضمن لائحة اليونيسكو للتراث المحفوظ وهو ما تم فعلا سنة 2019.
ـ رغم زيادة عدد النساء الجزائريات الناشطات في مجال العلوم، إلا أن الكثيرات يفضلن الطب والتعليم على الهندسة والتخصصات التقنية، لماذا؟
ـ فعلا الطب والمحاماة و التعليم مهن لها خصوصية تجذب النساء عموما، لكن أظن أن الفكرة بدأت تتغير في العشر سنوات الأخيرة. في الهندسة مثلا، أصبح هناك إقبال متزايد من قبل النساء عربيا على دراسة تخصصاتها على اختلافها و ممارستها، ربما يبقى عدد الرجال في مجال هندسة النفط، أكبر بالنظر إلى صعوبة التخصص، لكن بالمقابل تكتسح السيدات اليوم، باقي المجالات الأخرى، كهندسة الكمبيوتر والهندسة المدنية و المعمارية والصناعية، شخصيا، لاحظت طيلة سنوات تدريسي في الجامعات الخليجية، بأن عدد النساء تضاعف في الهندسة بشكل كبير، وبات يزيد عن عدد الرجال أحيانا كثيرة.
ـ كيف ينظر المجتمع للمهندسة، هل لاحقتك الأحكام الاجتماعية؟ وهل العمل في ورشة بناء أمر سهل بالنسبة للمرأة؟
ـ شخصيا لا أؤمن بأن العمل في الميدان فيه انتقاص لأنوثة المرأة، و رغم الفهم الخاطئ لطبيعة عملها عند البعض، إلا أن هناك انفتاحا كبيرا وتقبلا متزايدا لدور النساء في المجالات التقنية، خصوصا وأنهن استطعن أن يفرضن أنفسهن بقوة، ليس من باب المنافسة، بل من باب المساهمة في بناء المجتمع و تقدم الأمم. النساء اليوم كسرن العديد من الصور النمطية و تقدمن بأشواط كبيرة في العلوم عامة، وفي العمارة على وجه الخصوص، و أعتقد بأن المرأة قادرة على العطاء و الإبداع أكثر، دون التخلي على أنوثتها و حشمتها، في إطار ما يسمح به الشرع.

دكاترة ومثقفون أسرى النظرة الدونية للمرأة
أما عن ظروف الممارسة الميدانية، فإن نفس الصعوبات مشتركة بين الجنسين، و تشمل عموما طريقة التعامل مع مختلف الأطراف الفاعلة في المشروع و إيجاد لغة مشتركة يفهمها الجميع على اختلاف مستوياتهم.
ـ هل ينظر المجتمع العربي بعين التمييز و الدونية لعمل المهندسات، مقارنة بالمهندسين الرجال؟
ـ اصطدمت بمثل هذه الحالات خلال مساري المهني، و حتى الدراسي، مع ذلك فهي استثناءات نادرة و تعد على رؤوس الأصابع.  الملاحظ عموما أن هذا السلوك لا يقتصر على فئة معينة     « من غير المتعلمين»، بل يشمل حتى ذوي مستويات مرموقة و مثقفين و دكاترة.
سعيت لتصنيف قسنطينة ضمن لائحة اليونيسكو لكن المشروع توقف
ـ هل واجهتك خلال مسارك المهني والأكاديمي ضغوطات بسبب الحجاب و تعرضت لإقصاء خلفياته دينية؟
ـ فعلا خصوصا عندما كنت في فرنسا، عندما كنت أعمل على أطروحة الدكتوراه في منتصف 2003، مرروا قانونا يمنع تواجد المحجبات في المدرجات الجامعية، وقد واجهت مضايقات عديدة من فرنسيين متوسطي المستوى و تلقيت ملاحظات حول حجابي من دكاترة و أساتذة، حتى أنني قد أربط موضوع الحجاب أيضا بقضية رفض توظيفي في مجال التدريس الجامعي طيلة سنة كاملة، و هناك زميلات اضطررن لنزع الحجاب ليتمكن من العمل.
ساهمت في إدراج مقابر يابانية قديمة ضمن التراث الإنساني
المرأة المحجبة في فرنسا تخضع لمساومات عديدة عندما يتعلق الأمر بالتوظيف، حتى وإن كانت تتمتع بكفاءة علمية و مهنية عالية، الوضع هناك معقد والمجتمع يواجه مشكلة حقيقية مع الدين. غالبية الفرنسيين ينظرون بعين الدونية لكل إنسان متدين، وأعتقد جازمة بأن ذلك عائد، لرواسب الثورة الفرنسية.
بالنسبة للإسلام تعد الظروف أسوأ، فبالرغم من أن مشكل العنصرية موجود في هذا المجتمع، سواء تجاه المهاجرين أو الأفارقة وغير ذلك، تبقى قضية الحجاب أشد تعقيدا، لأنها تعبر عن عداء صريح لكل ما يمت بصلة للدين و للانتماء الحضاري والثقافي، وأظن أن لذلك علاقة بالتاريخ الاستعماري أيضا.
في الجزائر نفتقر لمناخ العمل المحفز
ـ هل تلقيت عروضا للعمل على مشاريع ترميم في الجزائر؟ وما الذي قدمته لك جامعات ومعاهد المهجر و افتقدته في الجزائر؟
ـ ولاية إليزي، هي الجهة الرسمية الوحيدة التي تواصلت معي سنة 2017، من أجل مشروع يخص إعادة إحياء و تنمية التراث المعماري والعمراني فيها، تم ذلك عن طريق زملاء لي بجامعة البليدة، حيث كونت آنذاك، فريقا من الباحثين والمختصين الجزائريين والعالميين في عمارة المناطق الحارة، و أقمنا ورشة للتوعية وقد كانت تجربة رائدة و ورائعة، خلاف ذلك فأنا دائمة التواصل مع زملائي في جامعتي فرحات عباس بسطيف و قسنطينة، أين كنت قبل سنوات، جزءا من فريق من اليونيسكو نظم  هناك ملتقى دوليا ، لتصنيف سيرتا، ضمن لائحة التراث العالمي، وبالفعل استقبلنا خبراء وممثلين عن الهيئة و تقدمنا بمقترح جيد و فعال، لكن للأسف المشروع توقف لأسباب أجهلها.
كفاءتي العلمية لم تشفع لي في فرنسا بسبب الحجاب
 أما بخصوص السؤال عن واقع الممارسة بين الداخل والخارج، فأقول بأن ما يتوفر في الخليج و نفتقده في الجزائر،  هو التقدير الاجتماعي المناسب للمكانة العلمية للباحث، ناهيك عن ظروف الممارسة و الإطار النفسي والمادي المريح للعمل، زيادة على ذلك، فإن هذه البلاد تنظر بعين المراعاة و الافتخار إلى كل ما يقدمه الباحث و تحتفي دائما بعطائه.
 هـ/ط

* البروفيسور فاطمة بن شيخ
من طالبة فوّتت حلم الدكتوراه بالجزائر إلى عالمة إلكترونيات باليابان
بابتسامة مرحة، تروي لنا البروفيسور فاطمة بن شيخ، الباحثة في الإلكترونيات والليزر باليابان، كيف استطاعت شق طريقها للنجاح في تخصص «ذكوري» يتّسم بالتعقيد، فتحدثنا عن العقبات التي واجهتها في مسارها العلمي وعن نظرتها لتعليم المرأة ودوره في بناء شخصيتها لتكون مستقلة ماديا وتحقق أحلامها.
فاطمة بن شيخ من مواليد  سيدي بلعباس، لكن في عمر الأربع سنوات رحلت الأسرة إلى عين الترك بوهران لأن والدها كان يعمل هناك، فكبرت الطفلة بهذه المنطقة وأتمّت تعليمها وسط عائلة متواضعة لم تكن ثرية، غير أنها تتمتع بأخلاق عالية وبغنى علمي ومعرفي، تقول البروفيسور، ثم تتابع: “لقد علمني والداي منذ الصغر أن الدراسة هي الطريق الوحيد لتحقيق النجاح، وقد ساعدانا كثيرا أنا وشقيقي وشقيقتي على التعلم والاهتمام بالثقافة أيضا، فقد كانت أوقاتنا مقسمة بين اللعب و الدراسة والنشاطات ثقافية».
و تضيف فاطمة أن والداها حرصا أيضا على أن يطالع أبناؤهم الكتب كثيرا لكي تتشكل لديهم ثقافة عامة، أما شقيقها فكان، مثلما تخبرنا، ابنا ذكيا محبا للعلوم فتتحدث معه دائما عن هذا المجال وكان بذلك قدوة لها، لتستطرد ضاحكة: “يخبرني والداي أنني لم أزعجهما كثيرا في صغري، فقد كنت طفلة تحب الدراسة حتى أنهما كان يطلبان مني التوقف وأخذ قسط من الراحة”.
وقد نالت الفتاة اليافعة شهادة البكالوريا في شعبة العلوم الدقيقة، وكانت الثانية على دفعتها بثانوية العقيد عثمان، حيث اختارت تخصص العلوم الدقيقة في جامعة وهران للعلوم والتكنولوجيا، وقد كان عليها اختيار تخصص آخر بعد سنتين من الدراسة، وهي مدة تخبرنا البروفيسور أنها كانت كافية بالنسبة لها لتحديد رغبتها.
وعن هذا الأمر تقول فاطمة: “لقد كان الإعلام الآلي رائجا جدا في ذلك الوقت فلم أختره لأنني علمت أنه سيكون هناك خريجين كثر منه وبالتالي تقل حظوظي في فرص مستقبلية، كما أنني كنت أحب مجال الفيزياء والفيزياء الفلكية، لكن والدي كان مهندس إلكترونيك فتكونت لدي فكرة عن مجاله. عندما كان يصلح الأجهزة كنت أسأله فيجيبني ولم يقل لي يوما إنني امرأة ولا دخل لي في هذا الميدان”.
أعجبت فاطمة بتخصص الإلكترونيك ودرسته، حيث كانت ترى أنه يقترب من الفيزياء الفلكية التي لم يكن هناك وقتها مراكز ببلادنا تسمح بالبحث حولها، حيث تضيف: “كانت دراسة الإلكترونيك أمرا مثيرا للاهتمام، كما أن حوالي 6 بالمئة فقط من الدفعة كن فتيات».
وبعد التخرج سنة 2004 رغبت الطالبة الشابة في الذهاب لفرنسا لإتمام الدراسات العليا، لكنها لم تستطع لأسباب شخصية، فاختارت التسجيل في مسابقة الماجستير بجامعة وهران واحتلت المرتبة الأولى، وتضيف محدثتنا أنها درست لسنتين كانتا سيئتين جدا، لأن الأستاذ المؤطر لم يكن احترافيا ورفض إمضاء وثيقة مهمة تخص أطروحة الدكتوراه، فتخلت عنها، وشعرت بإحباط كبير.  وتصف فاطمة ما حصل لها في هذه المرحلة قائلة: "لقد بكيت كثيرا وقلت مع نفسي بأنني لن أستطيع أبدا القيام بالبحث العلمي وبأن كل شيئ انتهى".
“لم يتم تقبلي كامرأة تعمل في الإلكترونيك”
ورغم هذه التجربة الصعبة، لم تظل الشابة مكتوفة الأيدي، بل قررت أن تعمل وتجمع أموالا تسمح لها بتحقيق حلم البحث العلمي، فاشتغلت في مجال الإلكترونيك بشركة سامسونغ بوهران، وهنا تقول: "لم يكن ذلك ما أردته تماما لكن كان من الجيد تعلم مهنة جديدة. كما لم يكن العمل مع الرجال سهلا في بادئ الأمر، فلم يتم قبولي كامرأة تعمل في هذه المجال ولا يتعدى عمرها 24 سنة، لكنني كنت أساعدهم في كل شيئ لأشعرهم بأنني قادرة على القيام بأعمال مثلهم، فتم تقبلي تدريجيا وسارت الأمور جيدا مع أشخاص لن أنساهم أبدا فقد علموني أشياء كثيرة".
وطيلة 3 سنوات من العمل، كانت فاطمة تتواصل مع جامعات أجنبية إلى أن سجلت في الماستر بجامعة إيكس مرسيليا بفرنسا فكانت الأولى على الدفعة وأتمت الدكتوراه لتُجري لمدة 3 سنوات أبحاثا في علوم المواد والفيزياء وبالخصوص في مجال الخلايا الشمسية التي تستعمل المواد العضوية.
ولم تخل هذه المرحلة من المخاوف، وعنها تقول البروفيسور: “شعرت بالخوف لأن الكثير من الباحثين أصبحوا بطالين واضطروا للعمل في خارج مجالهم، لقد تخوفت من توظيف من هم أصغر مني، ففي دفعة الماستر كانت أعمار زملائي 22 سنة بينما عمري 29 سنة، لكنني لم أيأس واجتهدت في الدراسة”.
كنت أتلقى النصائح الجيدة ولم أيأس يوما
وتستذكر فاطمة أنها عبّرت، وقتها، عن هذه الهواجس لأستاذة فرنسية، فقالت لها إن "الأمر متوقف على روحها القتالية" وهي جملة تخبرنا فاطمة أنها بقيت عالقة في ذهنها، فقد كانت تتلقف النصائح الجيدة لتنام وتنهض عليها، حيث تتابع قائلة :«قلت مع نفسي، نعم، إنها محقة، فأكملت الدكتوراه وبدأت الإرسال لكل الجامعات إلى أن تم قبولي في اليابان».
وتضيف البروفيسور بن شيخ، أن ما ساعدها على النجاح هو الإصرار على الهدف حتى لو فشلت في تحقيقه مرات ومرات، كما أنها لم تفكر أبدا في انتظار الزوج الذي يأتي ليصرف عليها، فوالداها ربياها، مثلما تردف، على الاعتماد على نفسها وتكون مستقلة ماديا، إذ من الخطأ، برأيها، أن تبحث المرأة عن شخص يحميها ويصرف عليها، بل عليها أن تتخذ خطوات عملية لتحقيق ما تريده في الحياة.
البروفيسور بن الشيخ التي أسست شركتها الناشئة وتجري حاليا أبحاثا هامة لإيجاد تطبيقات جديدة لليزر العضوي في الصحة والأمن انطلاقا من مخبرها بجامعة كيوشو في اليابان، تخبرنا أن حياتها لم تكن وردية، لكن الأزمات التي مرت بها لم تُفقِدها الأمل، بل كانت بالنسبة لها تحديات قابلتها بروح إيجابية من أجل التقدم في مسارها وتحقيق أحلامها خطوة بخطوة عبر التحلي بالصبر، فالنتيجة قد لا تأتي، وفق محدثنا، بسرعة، إذ يمكن أن تأخذ سنوات.
و تختم الباحثة الجزائرية بالقول: «يمكن لخطوات صغيرة أن توصلنا لتحقيق الهدف، وأحيانا يتغير هذا الهدف لذلك يجب أن نكون منفتحين وسعداء وأن نعمل على تحقيق السعادة (..) أنا مدمنة عمل وهذا أمر يسعدني، كما أنني لا أتخلى عن ممارسة أشياء أحبها مثل الرياضات الممتعة وإعداد أطباق تقليدية والتعرف على تاريخ وثقافات الدول الأخرى”.
ياسمين.ب

* الدكتورة كريمة آيت عيسى الباحثة في أمراض القلب
قصة شابة طموحة لمع نجمها في أمريكا
تُعتبَر الباحثة في أمراض القلب والسرطان بالولايات المتحدة الأمريكية، الدكتورة كريمة آيت عيسى، إحدى النساء الجزائريات اللواتي استطعن حفر أسمائهن من ذهب في مجال البحث العلمي، وهو نجاح لم يكن وليد الصدفة، بل جاء نتيجة رحلة مضنية تخللتها تحديات ترتبط بثقافة المجتمعات التي كثيرا ما تكبح طموح المرأة، لكنها تحديات تخبرنا الدكتورة أنها صقلت شخصيتها وكانت أقل تأثيرا على مسارها بفضل المساندة التي لقيتها من العائلة.
وُلِدت كريمة آيت عيسى بقرية إيغزر آمقران في بلدية أوزلاقن بولاية بجاية، لتكون الأخت لـ 3 أشقاء ذكور، وقد  كبرت مع فكرة أن المرأة خلقت لتكون ربة بيت، مثلما كانت والدتها وجدتها لأبيها، لكن والدها شجعها هي وأشقاءها على التعليم وتحصيل علامات جيدة، فكانت تلميذة نجيبة، غير أن حدثا مأساويا قلب حياة الفتاة، عندما توفي الوالد في 1998، سنة نيلها شهادة التعليم المتوسط.
وبتأثر تسرد الدكتورة آيت عيسى في حديثها للنصر، هذه المرحلة الحساسة من طفولتها، قائلة: «لقد كان المرور إلى الطور الثانوي تحديا صعبا، حاولت أن أبقى تلك التلميذة النجيبة رغم الموت التراجيدي لوالدي، فمجتمعنا يطلب من الفتاة أن تكون مثالية وألا تتمرد ولا يسمح لها بإظهار مشاعرها والذهاب ضد توقعات العائلة بينما الخطأ مسموح للصبي ويمكن التسامح معه، لكن جدتي ذات الشخصية القوية، وقفت إلى جانبي وآمنت بأن لا فرق بين الفتاة والصبي، فأدركتُ أنه يمكنني القيام بأي شيء إن توفرت الإرادة».
كبرت في قرية توقفت فيها قريناتي عن الدراسة
وتعتبر كريمة نفسها محظوظة لأنها لم تكبر في عائلة تميز بين الفتاة والصبي، فالعديد من قريناتها بالقرية توقفن عن الدراسة، حيث تقول: «كبرت في عائلة كان فيها التعلم أولوية (...) أعتقد أن عائلتي كانت تتوقع مني الكثير ليس بسبب كوني فتاة بل لأنني كنت أكبر إخوتي».
وتضيف كريمة أن رغبتها الأولى كانت دراسة الطب وهو ما تعتقد أن من تأثيرات المجتمع، الذي كان ينتظر من التلميذة النجيبة أن تكون طبيبة أو مهندسة، لكن نتائج امتحان البكالوريا لم تسمح لها بدراسة الطب، وهنا تضيف: “رغم ذلك لم أستسلم وأتخلى عن الحلم وكنت أعِدُّ دائما الخطة ب”.
اختارت كريمة البيولوجيا وهو تخصص قريب من الطب، كما بدأت التحضير لاجتياز البكالوريا مرة أخرى لتحقيق الحلم الأول، موازاة مع دراسة السنة الأولى في الجامعة، وهو عام وجدت فيه بيئة جديدة بالحي الجامعي والكلية بعيدا عن "أمان العائلة"، لكن أحد أعمامها كان يدعمها ويسأل عن أخبارها وهو أمر رفع من معنوياتها.
وتصادَف أن أجرت كريمة في سنتها الأولى، تربصا بمخبر للتحاليل الطبية يتعامل مع مستشفى بجاية، ما ساعدها على الاحتكاك بالوسط الطبي ومعرفة المشاكل التي يعاني منها الأطباء في عملهم اليومي، وهنا تردف الباحثة: “هذا الأمر جعلني أتأكد أن مهنة الطب لا تناسب شخصيتي، فبدأت أشعر أن البيولوجيا مناسبة لي وأصبحت دراستها مثيرة للاهتمام أكثر. هنا أيقنت أن البحث العلمي أمر يمكنني القيام به».
الطالبة الشابة التي أوشكت على التخرج وقتها، كانت تخطط لاجتياز مسابقة الماجستير بجامعة بجاية، قبل أن تقترح عليها إحدى الصديقات دراسة الماستر في فرنسا، وهو أمر لم تكن قد فكرت فيه من قبل، ولم تعرف حتى كيف تحدث عمها بشأنه، لكنها تلقت الدعم منه وسافرت إلى فرنسا سنة 2006.
وعن هذه المرحلة المهمة من حياتها تضيف محدثتنا: “كنت أعلم أن الذهاب للخارج سيفتح مسارات جديدة للبحث والعمل، لكن مجتمعنا لم يكن متعودا على سفر الفتاة بمفردها، وقد كنت الأولى التي تفعل ذلك في العائلة وحتى في دفعة الجامعة، وهنا أتذكر جدتي رحمها الله عندما أخبرتني أن والدي قال لها يوما إنه سيساندني حتى لو أردت الذهاب إلى القمر.
أذكر أيضا أن أحد الأقرباء عبّر لجدتي قبيل سفري لفرنسا عن اعتراضه، لكنها قالت له إنها لن تمنعني وبأنها تثق في، وهذا أثر في نفسي”.وقد بدأت كريمة دراسة الماستر ثم الدكتوراه بجامعة لورين في تخصص البيولوجيا الجزيئية والهيكلية والخلوية، لتبدأ رحلتها مع الأبحاث في الطب الحيوي وأمراض القلب والأوعية الدموية، لكنها رحلة لم تخل من الصعوبات التي تعتبرها محدثتنا أمرا طبيعيا، فالأمر يتعلق بنمط حياة وثقافة جديدين، وبنظام دراسة مختلف يعتمد أكثر على الجانب التطبيقي، لذلك كان عليها الاعتماد على نفسها في كل شيئ، فتعلمت “أن تكون مستقلة”.
“الحلم هو الذي يأتي بالفرص”
«كنت أعلم أن عائلتي أرسلتني للدراسة لا لشيء آخر، لذلك كان علي العمل باجتهاد وألا أترك مجالا للخطأ، لقد كنت أريد دائما تحقيق النجاح وتقديم إضافة”، تتابع كريمة، ثم تضيف «بدأت أشعر بارتباك في عامي الأخير من الدكتوراه، فلم أكن أعرف تماما إن كان علي البقاء في فرنسا أو العودة للجزائر»، وقد أرسلت الشابة طلبات للعمل ضمن مرحلة ما بعد الدكتوراه لعدة جامعات بفرنسا وبلجيكا دون أن تتلقى ردا، فاعتقدت أن حلمها بالبحث العلمي «تبخر».
ولأن الأبواب أغلقت في وجه الباحثة الشابة، فقد اضطرت إلى إرسال طلب لجامعة "إيسترن فرجينيا" بالولايات المتحدة رغم أنها لم تفكر يوما في العمل بهذا البلد بحكم بعده عن مكان إقامة عائلتها، لكنها تفاجأت بقبولها بعد ثلاثة أيام، فسافرت في بداية سنة 2013، بعد تردد وبتشجيع من عمها، وهناك وجدت الدكتورة نظاما ومجتمعا وتفكيرا ولغة مختلفين.
واللافت أن الباحثة وجدت أن المرأة لم تكن تحتل مناصب علمية مهمة جدا في الجامعات الأمريكية مع الاختلافات في الأجر بينها وبين الرجل، وهي من الصعوبات التي قالت إنه يجري العمل على التغلب عليها في "حرب يومية".
الدكتورة آيت عيسى التي واصلت مسيرة النجاح لتفوز مؤخرا بتمويل من الجمعية الأمريكية للسرطان لإتمام بحوثها للحد من الآثار الجانبية للعلاج بالأشعة لدى المتعافين من السرطان، تعتقد أن ما عايشته من تحديات وإيمانها بنفسها، هيآها للنجاح، لتضيف مخاطبة المرأة الجزائرية: «لا تتركي أبدا شخصا يخبرك بأنك غير قادرة على النجاح وتحقيق ما تصبين إليه في الحياة، لا تتوقفي عن الحلم، فالحلم يأتي بالفعل والفعل يأتي بالفرص».                                                                                     ياسمين.ب

 

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com