تعدت خسائر الهيئات الكروية الجزائرية والأندية على مستوى المحكمة الرياضية الدولية، في الموسمين الماضيين حدود 60 مليار سنتيم، وسط مطالب بتجريم هذه «الأخطاء» وتحويل ملفات المتسببين فيها إلى أروقة العدالة، خاصة بعدما وصلت مرحلة «تبديد» المال العام، في ظل المرحلة الاستثنائية التي يعيشها العالم، ككل بفعل انتشار فيروس كورونا، الذي تسبب في أزمة اقتصادية مست جل البلدان.
حمزة . س
وتعتبر الاتحادية الجزائرية لكرة القدم، صاحبة الرقم الأكبر في الخسائر على مستوى الهيئة الدولية، عندما أجبرت الفاف على تسديد مستحقات الناخب الوطني الأسبق لوكاس ألكاراز، والمقدرة بمليون و350 ألف أورو، ما يعادل 21 مليارا، نتيجة إقدام الرئيس المنتهية عهدته خير الدين زطشي، على فسخ عقد التقني الإسباني من جانب واحد، وهو ما اتضح مؤخرا فقط، في التقرير المالي لحصيلة رئيس الاتحادية، الذي سلم نسخة منه لأعضاء الجمعية العامة، قبل المصادقة عليه في الجمعية العامة العادية.
العقود لم تحم أنديتنا
تعتبر العقود المبرمة بين الأندية واللاعبين والمدربين، خاصة الأجانب منهم أكبر خطر على الفرق، سيما وأنها لا تحمي الأندية، بل العكس تماما، فإن جل البنود التي يتم وضعها أثناء التوقيع تصب في صالح اللاعبين أو المدربين، بناء على العقد النموذجي الذي وضعته الرابطة المحترفة، لكن هناك إمكانية من أجل حماية حقوق الفرق، وتتمثل في إرفاق العقود بملحق، يمكن إدراج فيه البنود التي تصب بالدرجة الأولى في خانة الأندية، غير أن الغالبية تفرط في هذا الحق، رغم مزاياه التي صبت في صالح فريق شباب بلوزداد، على سبيل المثال لا الحصر، بعدما نجحت إدارته مؤخرا في تسريح ثلاثة لاعبين، دون إحداث أي ضجة، أو اللجوء إلى النزاعات القانونية، بل العكس تماما، فإن بنود العقد صبت في مصلحة فريق «أبناء العقيبة»، دون أن ننسى القانون الداخلي الموقع عند ترسيم الانضمام إلى النادي، بدليل تسريح المهاجم البلجيكي نغومبو، باستعمال بند عدم تشريف العقد، حيث لم يقدم الإضافة من جهة، وسوء السلوك خارج الميدان من جهة ثانية، بعد تلقي إدارة الفريق شكوى من طرف سكان الحي الذي يقيم به.
جهل المسيّرين سبب رئيسي
لا يختلف اثنان، بأن جهل بعض المسيرين للقوانين المعمول بها المسيّرة للمنظومة الكروية، من بين أهم الأسباب التي تؤدي إلى تكبد الفرق خسائر مادية على مستوى المحكمة الدولية، إلى جانب عدم هيكلة النوادي بصورة جيدة تسهل مهمة التسيير بطريقة احترافية، من خلال وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، حيث تستعين الأندية الكبرى بمحامي خاص، يتم اللجوء إليه قبل التوقيع للاعبين الجدد، أو حتى عند محاولة التخلي على خدمات عنصر بناء على رغبة المدرب، من أجل تفادي الوقوع في المحظور، والإقدام على فسخ العقود من جانب واحد، وهو ما يكلف الفريق خسائر مادية.
وفي السياق ذاته، فإن الاتحادية الجزائرية لكرة القدم، سنت قوانين جديدة، لتنظيم عملية استقدام اللاعبين الأجانب، أين تطالب الفرق بضرورة الالتزام بتسديد كل مستحقات العناصر المستقدمة، مع وجوب وضع صك ضمان يعادل مبلغ ستة رواتب، خاصة وأن اللاعبين الأجانب يمكنهم تقديم شكوى مباشرة على مستوى المحكمة الدولية بلوزان، عكس اللاعبين المحليين، الذين يشتكون أولا على مستوى لجنة المنازعات، وفي حال عدم اقتناعهم بالحكم، يستأنفون على مستوى المحكمة الرياضية المحلية، قبل التوجه كآخر خطوة إلى المحكمة الدولية، مثلما حدث مع عدة لاعبين، في صورة المدافع يخلف مع فريقه الأسبق اتحاد الجزائر.
روني استنزف خزينة مولودية الجزائر
يمتلك فريق مولودية الجزائر، الرقم الأكبر بالنسبة للخسائر على مستوى المحكمة الدولية في الموسمين الماضيين، بعد الفشل في كسب قضية اللاعب المغترب الأسبق شايبي وفريقه أجاكسيو، والمقدرة بـ 80 ألف أورو، قبل أن تطرأ في الأسبوع الماضي قضية أخرى، تتعلق بالمهاجم الكاميروني إيفا روني، أين ستكون المولودية أمام حتمية تسديد 5.55 ملايير في أجل لا يتجاوز 45 يوما، وإلا سيتم خصم ست نقاط من رصيد النادي، غير أن مصادر موثوقة تحدثت عن تقديم إدارة المولودية لطعن على مستوى الهيئة الدولية، علما وأن المهاجم الكاميروني اعتبر قرار تسريحه من الفريق وفسخ عقده بطريقة تعسفية ودون موافقة، وكان من جانب واحد.
وفي ذات السياق، فإن نفس اللاعب أي «روني» فاز بقضيته أيضا أمام جمعية عين مليلة التي لعب لها الموسم الفارط على شكل إعارة، قادما من مولودية الجزائر، حيث طالبت المحكمة الدولية، إدارة بن صيد بضرورة منحه 900 مليون سنتيم، في نفس الآجال أي 45 يوما، وإلا سيتم خصم ست نقاط من رصيد «لاصام»، علما وأن الجمعية خسرت أيضا قضيتها على مستوى المحكمة الدولية ضد المدرب الصربي دانيال ياناكوفيتش (2.3 مليار )، قبل أن يتوصل الطرفان لاتفاق لحل ودي.
14 مليارا خسائر سوسطارة وسطيف والنصرية والساورة
وصلت ديون أربعة فرق فقط من المحترف الأول سقف 14 مليارا، ويتعلق الأمر بكل من نصر حسين داي، الذي خسر قضيته ضد متوسط ميدان الموريتاني دلاهي، الذي حكمت لصالحه المحكمة الدولية بقيمة مالية قدرها 3.7 مليار، واتحاد الجزائر خسر قضيتين، الأولى ضد المهاجم الكونغولي إيبارا، بقيمة مالية قدرها 200 ألف أورو، كما أن الفريق كاد يضيع بسببه الميركاتو الماضي، لولا تدخل الشركة المالكة في الوقت المناسب وتسديد مستحقاته، ما سمح لأبناء سوسطارة بتأهيل الجدد، وأما القضية الثانية التي لم يفز بها الاتحاد على مستوى المحكمة الدولية، تعود إلى المدافع الأسبق للنادي يخلف، الذي حكمت «التاس» لصالحه بقيمة 2 مليار سنتيم.
وأما بالنسبة لفريق شبيبة الساورة، فقد خسر قضيته ضد متوسط الميدان ميصالة، حيث حكمت «التاس» لصالحه وأنصفته، وطالبت إدارة زرواطي بمنحه مستحقاته المتمثلة في 2.2 مليار سنتيم، وأما وفاق سطيف فخسر بدوره قضيته ضد متوسط الميدان الملغاشي إبراهيما أمادا، وضيع معها مبلغ 2.5 مليار سنتيم.
كما خسرت فرق في صورة شبيبة القبائل قضيتها على مستوى الهيئة الدولية، بسبب حقوق التكوين لفريقي الثنائي البوركينابي دياوارا ومالو، والمقدة بـ 64 ألف أورو، ومولودية وهران خسر أيضا قضيته ضد مدربه الأسبق والحالي ا لمنتخب النيجر منافس المنتخب الوطني في تصفيات المونديال، ميشال كافالي الذي استفاد من مبلغ 950 مليونا.
أجنبيان «غرفا» المال من فريقين مختلفين !
لفت انتباهنا خلال إعداد هذا الملف، بخصوص القضايا التي خسرتها الأندية في الموسمين الماضيين على مستوى المحكمة الدولية، وجود اسم المهاجم الكاميروني روني، الذي فاز بقضيتين أمام فريقين مختلفين، وهما مولودية الجزائر وجمعية عين مليلة، بقيمة تفوق 6 مليار سنتيم، إلى جانب بصيري ديمبيلي الذي بدوره كسب قضيتيه أمام كل من أولمبي المدية 100 مليون سنتيم، وجمعية الشلف 1.8 مليار، وهو ما يطرح أكثر من علامة استفهام، حول جدوى التعاقد مع نفس أسماء اللاعبين، خاصة إذا كنا على دراية من قبل، بصعوبة التعامل معهم من الناحية القانونية.
6 ملايير خسائر أندية غادرت «المحترف»
خسائر الأندية على مستوى المحكمة الرياضية الدولية لم تقتصر على فرق القسم الأول فقط، بل تعدت إلى أندية القسم الثاني، حيث وصلت قيمة الأموال الواجب دفعها حدود 6 مليار سنتيم، وأكبرها بالنسبة لفريق دفاع تاجنانت، بعد أن كسب الموريتاني سوداني قضيته بقيمة 3.7 مليار، ومولودية العلمة خسرت قضية لاعبها السابق عباس 1.5 مليار، والمدرب التونسي وجدي الصيد 218 مليونا، وأما بالنسبة لمولودية بجاية، فقد خسرت قضية البنيني جاك بيسان 9 ألاف أورو، والمالي توري 260 مليون سنتيم، إضافة إلى فوز المدرب التونسي حمادي الدو بقضيته ضد اتحاد الحراش بـ 190 مليون سنتيم.
قضايا تنتظر الفصل والسنافر مهدّدون بخسارة 4,5 ملايير
لا تزال عدة قضايا مسجلة على مستوى المحكمة الدولية، سيتم الفصل فيها لاحقا، بعد أن قامت الهيئة الدولية بقبولها شكلا، وجدولتها، ما يرشح الرقم للارتفاع، سيما في وجود قضايا شائكة وبمبالغ مالية كبيرة، لعل أبرزها قضية الحارس السابق للنادي الرياضي القسنطيني إلياس مزيان، الذي طرق أبواب «التاس»، للمطالبة بالحصول على قيمة المبلغ الإجمالي الموجود في وثيقة فسخ العقد والمقدر بـ 4.5 ملايير سنتيم، دون أن ننسى قضية اللاعب ماليك توري مع وفاق سطيف، بعد أن قامت إدارة النادي بتسريحه، بعد رفض المهاجم المالي التنازل عن مستحقات أشهر فترة كورونا، خاصة وأن قوانين الفيفا في صالحه.
صاحب مكتب استشارات قانونية سمير بشير للنصر
الفاف ساهمت في الوضع ويجب تجريم تبديد المال العام
أرجع صاحب مكتب الاستشارات القانونية سمير بشير، تكبد الأندية خسائر مالية كبيرة على مستوى المحكمة الرياضية الدولية، إلى جهل المسيرين للقوانين بالدرجة الأولى، وقال للنصر في هذا الصدد:» الأحكام الكثيرة ضد الأندية الجزائرية من طرف الاتحادية الدولية لكرة القدم، والمحكمة الرياضية الدولية، يعود بالدرجة الأولى للجهل بالقوانين أثناء توقيع العقود وأثناء المغادرة، لأنه على كل مسؤولي الأندية معرفة مسبقا أن أي لاعب يدين بشهرين من حقه طلب تعويض كل العقد مع التسريح، الأمر الذي يجبر الفرق على ضرورة ضخ أجور الأجانب كل شهر، تفاديا للدخول في متاهات قانونية هم في غنى عنها».
وأضاف محدثنا في ذات السياق:» الفاف بدورها تشجع الفرق على الخطأ، بعد أن قررت تسديد الأحكام الدولية في اجتماع المكتب الفيدرالي لشهر جوان 2020، وهو ما يعتبر تقنين للجريمة لأن كثيرا من الرؤساء أصبحوا لا يخافون عقوبات الفيفا بما أن الفاف تسدد لاحقا، وللحد من الظاهرة يجب تجريم تبديد المال العام من قبل الجهات القضائية».