يتواجدُ الإعلامُ الوطنيُّ مؤخراً، أمامَ مسؤوليّة التصدّي للتدفّقِ المستمرِّ لسهامِ الأخبارِ الكاذبةِ و المحتوى المُغرض و المضلّل،الذي تُروّج له منابر و منصّات أجنبيّة، ويؤكد مختصّون، بأنّ إحباط محاولات تغليط الرأي العام الداخليّ والخارجي،لن ينجح إلا من خلال تقويّة أداءالإعلام الوطنيّ واستعادة حلقة الثّقة مع المواطن لبناء الوعي من جديد، عبر تشكيل دِرعٍ مهنيٍّ قويّ ٍيعتمدُ على تحسينِ الفعاليّة و إنتاج محتوي جادٍّ وشاملٍ، مع إعادة النّظر في مفهوم الموضوعيّة،خصوصاً عندما يتعلّقُ الأمرُ بالمساسِ باللّحمةِ الوطنيّةِ ومُقوّمات المجتمع.
* تقرير : نور الهدى طابي
تطرح هذه الإلزاميّة، في وقت تواجه بلادُنا معركةً متعدّدة الجبهات، هدفها إضعاف معنويات الشّعب وكسر الثّقة في مؤسّسات الدولة، والمساس بالذّاكرة وتشويه التاريخ، من خلالِ شنِّ هجمات سيبرانية متكرّرة و توظيفِ الترسانة الإعلاميّة التقليديّة واستخدام الصّحافة الإلكترونيّة والمنصّاتِ التفاعليّة و التمويل الخارجيّ لبعض وسائل الإعلام المحليّة، وكلّها أوجه لدعايةٍ موجّهةٍ تخدمُ أجندات لوبياتٍ سياسيّةٍ وماليّةٍ، تتمُّ تحت غطاء مفاهيم معلّبة وجاهزة ترتبط أساساً بحريّةِ التّعبيرِ و أساليب الممارسة الإعلاميّة.
سيل من الدعاية و التضليل
تواجهُ الجزائر منذ قرابة سنتين، حرباً إعلاميّة ترمي إلى تشويهِ سُمعتها و ضربِ استقرارها وجرّها إلى مستنقع الفتن والصراعات الداخلية، إذ تستمرّ وسائل إعلامٍ أجنبيّة في العزف على أوتار التّفرقة والرّقص على حبال القطيعة بين الشّعب و السّلطة، من خلال الترويج لخطابٍ سلبي وتهويل قضية الاعتقالات وممارسة التّعبئة المُغرضة عبر البلاتوهات التليفزيونيّة و المواقع الإلكترونيّة، وحتى مواقع التّواصل الاجتماعيّ، وكلّها حملات يؤكّد مُتابعون، بأنّها تخدمُ إيديولوجياتٍ و مصالحَ اقتصاديّةٍ و جيوسياسيّة لدوّلٍ، منها ما يجمعها مع الجزائر تاريخٌ استعماريٌّ ترفض نسيانه وتحاولُ تمديد عمره، ضمن سياق الاستعمار الجديد، وهو تحديدا ما يفرض حتميّة إسقاط شرط الموضوعيّة عندما يتعلّقُ الأمر بالتعاطي مع الشّؤون الإعلاميّة التي تمسُّ بأمن الوطن واستقراره.
ويبين محتوى بعض البرامج و التقارير، ممارسة واضحة للدّعاية تحت غطاء إعلاميّ، فرغم أهميّة الحراك الجزائريّ، في إعادة رسم خارطة الديمقراطيّة والإطاحة برموز الفساد، إلا أنّ هناك وسائل إعلام أجنبيّة، حاولت تشويه الحقائق وتقزيم حجم هذه المحطّة، عبرممارسة التهويل و مغالطة الرأي العامّ العالميّ، بالحياد عن الموضوع الرئيسي و التعتيم على سلمية و حضارية الحراك.
وكانت وكالة رويترز على سبيل المثال، قد روجت لمعلومة كاذبة عن أعمال شغبٍ وصدامات بين الشّرطة و متظاهرين ميّزت أول أيام التظاهر، وتحدث موقع إذاعة مونت كارلو الدولية عن "إصابة 183 شخصا في الاحتجاجات بالجزائر".
ولم تكن تغطية قناة فرانس 24 الحكوميّة، أقل عدوانيّة، وهو تحديداً ما دفع وزارة الاتصال إلى سحب اعتمادها نهائيا، بسبب " التحيز في تغطية مسيرات الجمعة و الذهاب دون رادعٍ إلى استعمال صوّر من الأرشيف، لمساعدة البقايا المناهضة للوطنيّة، المشكلة من منظمات رجعية أو انفصالية ذات امتدادات دولية" ،كما جاء في بيان للوزارة. يُذكر أيضاً، أنّ القناة كانت وراء أزمة دبلوماسيّة بين الجزائر وفرنسا، خلفيتها تصريحات باحث فرنسي تحدث في أحد بلاتوهاتها، عن تحويل الوفد الطبي الصيني الذي تنقل إلى الجزائر للمساعدة في مواجهة فيروس كورونا، إلى المستشفى العسكري بعين النعجة، وهي تصريحات تم تكذيبها و وُصفت بالمغرضة.
وفي ماي من سنة2020، تجددت الأزمةعلى خلفية بث قناة "فرانس 5" الحكومية لفيلم وثائقي حول الحراك، وظف كليشيهات رديئة و اعتبر مُسيئا للشّعب الجزائريّ ومؤسسات الدولة، وقد أثار حفيظة الكثير من الجزائريين على اختلاف توجهاتهم، وقال بيان الخارجية الجزائرية آنذاك" بأنّ الطابع المطرد والمتكرّر للبرامج التي تبثها القنوات العموميّة الفرنسيّة و التي تبدو في الظاهر تلقائيّة، تحت مسمى حرية التعبير، ليست في الحقيقة إلا تهجماً على الشّعب الجزائري ومؤسّساته، بما في ذلك الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير الوطني".
وفي ديسمبر من نفس السنة، بثت القناة الفرنسيّة " تي أف 1" وثائقيا حول قضية تهريب الحيوانات، تضمن اتهاما واضحا للجزائر.
على صعيد آخر، ورغم الحساسية التي لطالما ارتبطت بمنظمة "الماك" الانفصالية، إلا أن وكالة الأنباء الفرنسية، نشرت بتاريح 26 أفريل الماضي، أي قبل شهر واحد من تصنيف الحركة كمنظمة إرهابية، برقية حملت عنوان "حركة الماك القبائلية تدحض أي خطة لشن هجمات"، واصفة إياها بـ"المنظمة المؤهلة والمؤيدة للديمقراطية"، وهي برقية أعادت توظيفها صحف فرنسية عديدة على غرار " لوفيغارو"، التي نشرت تقريرا بنفس العنوان أرفقته بصورة علقت أسفلها " في هذه الصورة المأخوذة من الأرشيف المؤرخة في 20 أفريل 2002، عشرات الآلاف من البربر، يحيون الذكرى 22، للقمع العنيف الممارس ضد تظاهرات " الربيع الأمازيغي " المنظمة في بني دوالة بمنطقة القبائل في الجزائر"، مع إدراج ملاحظة تشير إلى أن الصورة لوكالة " آ .أف. بي".
إعلام الكيل بمكيالين
بيّنت قراءة في عناوين تغطيات موقع قناة فرانس 24، للانتخابات الرئاسية الجزائرية الأخيرة التي تزامنت مع انتخابات البرلمان البريطاني، بوضوح، غياب المهنية والجنوح نحو التهويل و التغليط، فبتاريخ 12 ديسمبر 2019، نشر الموقع تسعة تقارير منفصلة عن الرئاسيات الجزائرية، مقابل ثلاثة تقارير عن التشريعيات البريطانية، وجاء التعاطي مع الموعدين مختلفاً بشكلٍ صارخٍ،فقد عنون الموقع عن الشأن البريطاني كالآتي " أزمة بريكسيت : انتخابات بطعم الاستفتاء" و كتبت أيضا "بريطانيا: مكاتب الاقتراع تفتح أبوابها أمام الناخبين في انتخابات تشريعية مبكرة" كما نشر عنوان "استطلاعات الرأي تُرجّح فوز المحافظين بالأغلبيّة المُطلقة".
بالمقابل جاءت العناوين عن الجزائر في نفس الموقع كالآتي " الجزائر: هل تطوي الانتخابات صفحة الاحتجاجات" و "الانتخابات الجزائرية : فرز الأصوات بعد يوم عصيب شهد مظاهرات مندّدة بالمهزلة" و عنون الموقع أيضا "الجزائر: نشرة خاصة حول يوم سادته احتجاجاتٌ رافضة للاقتراع الرئاسي" كما نشرت تقريرا بعنوان " انتخابات رئاسيّة يرفضها الحراك وتوقّعات بإقبال محدودٍ على التّصويت" إضافة إلى عنوان آخر جاء فيه "متظاهرون أمام القنصلية الجزائرية بباريس يرفضون انتخابات خُطّط لها في ثكناتٍ عسكريّة"، ونشر في ذات اليوم تقريرين آخرين أولهما عن " الجزائر المستورد الأكبر للأسلحة في إفريقيا" و الثاني عن "سوء إدارة الثروات الاقتصادية ".
تعتيمٌ على قمع السّترات الصّفراء وتحيّزٌ في تغطيّة حراكِ الرِّيف
و في وقتٍ كان يحظى فيه الحراك و الشّأن السياسيّ الجزائريّ عموماً، بتغطيّةٍ ثقيلةٍ ومكثّفة في الإعلام الفرنسيّ، يغيب تماماً الحديثُ عن حراك الرِّيف في المغرب، وهو ما ذهب إليه بيان سابق لوزارة الاتصال ذكر بأن فرانس 24 مثلا "تحاول تغليط الرأي العام وتشويه سمعة الجزائر لفائدة بلدٍ مجاورٍ، حيث أنّ حركة شعبيّة قائمةً هناك منذ سنين لا تحظى بأي اهتمامٍ من طرف نفس وسيلة الإعلام الفرنسيّة، بالرغم من الأحكام القضائيّة الثّقيلة الصادرة ضدّ منشطيها"، في إشارة إلى أحداث حراك الريف، التي شهدها المغرب والأحكام القضائّية التي نطق بها في حقّ قادته. والملاحظ لمحتوى موقع هذه القناة وغيرها من وسائل الإعلام الفرنسيّة، يلمسُ ضعف التداول الإعلاميّ لقضيّة حراك الريف، ولعلّ ذروة الحديث عنه، كانت خلال النّطق بالأحكام القضائية ضدّ قادته.
سقطة أخرى عرفها الإعلام الفرنسيّ، حينما مارس التعتيم على أزمة السّترات الصّفراء، وتجاهل القمع والتعنيف والاعتقالات التي تعرّض لها المحتجون، كما تعامل مع الاحتجاجات على أنّها أعمال شغب منفصلة، وهو ما عكس بوضوح براغماتية الإدارة الفرنسيّة القائمة على سياسة الكيل بمكيالين.
وقد تحدّث عن الأمر الكاتب الفرنسي نيكولا فيدال في إصدار حديث بعنوان "وسائل الإعلام .. التيه الكبير" ، مبينا بأنه و خلافا لما يعتقده الكثيرون تحت وطأة الخطاب السياسيّ الظّاهري، فإنّ الإعلام الغربي بوجه عامٍ والإعلام الفرنسيّ بوجهٍ خاصٍّ ليس حراً ولا ديمقراطياً بِشكلٍ سليمٍ وكاملٍ، إذا ما استندنا حسبه، إلى حقائق تبدو مناقضة للتعدّدية الإعلاميّة والفكريّة، فالإعلام الفرنسيّ،كما أردف، تائه في التّزييف والتّضليل والتّشويه، وقد بيّن الكتابُ كيف ضحّت لوبياتٌ صناعيّةٌ وتجاريّةٌ بالمصلحة العامّة، خدمة لمركب أصبح يوجه الصحافيين ويراقبهم ويستعملهم كجنود في وجه حركات احتجاجية ومعارِضين، يُقدّمون إعلامياً كمتآمرين، لمجرّد أنّهم يشكّكون في الخطاب الرسمي، ويقرأون المفاهيم ويحلّلون المواجهات والتحديات والمشكلات السياسيّة والاجتماعيّة من منظورِ صراعِ المصالح المتضاربة والانتماءات الطبقية.
التعبئة الإعلامية سلاح حروب الجيل الرابع
بدوره أشار، عالم الأنثروبولوجيا الاجتماعية يزيد بن حونات في كتابه الصادر مؤخرا تحت عنوان " الدعاية الإعلاميّة في سيّاق ما بعد الاستعمار"، إلى أن التّعبئة الإعلاميّة الموجّهة والمُغرضة التي يقفُ خلفها أعداء الجزائر،هي صورة من صوّر حروب الجيل الرابع، وأنّ الحديث عن الحراك وعن الأحداث السياسيّة في الجزائر عموماً،ليس وليد العدم، بل يندرجُ ضمن علاقة الهيمنة والسيطرة الاستعماريّة و بعد الاستعماريّة و محاولة إطالتها و تمديد عمرها، خدمة للمصالح الاقتصادية و الجيوسيّاسيّة الحاليّة، و لذلك فإنّ فكّ شيفرة هذه الخطابات الإعلاميّة، مهمٌّ جداً لفهمِ التّحدياتِ و الرّهاناتِ التي تُواجهها بلادُنا.
وجاء في الكتاب أنّه، في حين تسير كل المحطّات و الأحداث السياسيّة في الجزائر بكل شفافيّة و سلاسة، على غرار الانتخابات وحتى الحراك الشعبي، دون تدخّل للجيش أو محاولة لممارسة التضييق أو القمع، يحاول الإعلام الفرنسيّ و الفرنكفوني، توجيه النّظرة للأحداث في اتجاهٍ مُعاكسٍ، و من خلال ازدواجيّة صريحةٍ في الطّرح، مع التغاضي عن التدخّل العسكريّ الفرنسيّ في رواندا و عن الاحتلال المغربيّ للصحراء الغربيّة و عن الممارسات الاستعماريّة القمعيّة الإسرائيليّة في غزة والقطاع.
كما يُمارس أيضا التعتيم الإعلاميّ على القمع الذي يتعرّض له أتباع السترات الصفراء في فرنسا، و يشار للمغرب كبلد صديق وتوصف إسرائيل بالديمقراطيّة الحقيقيّة الوحيدة في الشّرق الأوسط، فيما تُصوّر الجزائر على أنّها دولةٌ دكتاتوريّة أو نظامٌ عسكريٌّ.
من جهة ثانية، قدم البروفيسور عمار بلحيمر، أستاذ القانون العام و وزير الاتصال، مداخلة افتتاحية للكتاب، تناول فيها الجوانب المتعلّقة بعدم قانونيّة التواجد الإعلاميّ الفرنسيّ في الجزائر، و المتمثّل أساساً في مراسلين غير مرخصّين يحملون صفة " مراسل حدث" و وسائل محليّة مُموّلة من الخارج تحت غطاء الفرنكفونيّة، وهي ممارسات تمّ التوضيح في المقال، بأنّها غير قانونيّة ولا ترخّص بها حتى الدوّل التي تقف خلفها وتعمل على تمويل من يُكرّسونها.
فايسبوك لنشر «الفيك نيوز» و ضرب مصداقيّة الإعلام العمومي
ذكر أيضا المتابعون للشأن الإعلامي، بأن الجزائر تواجه حرباً إلكترونية خطيرة، وأن جهات أجنبيّة تقف خلف كمٍّ كبير من الأخبار الكاذبة التي يتلقاها الجزائريون عبر مواقع التّواصل والمواقع الإلكترونيّة يومياً. حسب الصحفي طارق حفيظ ، فإن آلةالدعاية المغربية لا تهدأ بما في ذلك القناة الإذاعية "ميدي 1" و موقع صحيفة "هيرسبريس" الذي يعد الجناح الإعلامي للجهاز الاستخباراتيّ المغربيّ.
وبدوره، ذكر الخبير في الأمن المعلوماتيّ كريم خلوياتي، بأنّ مواقع التواصل تعد بيئةً خصبةً لانتشار الفيك نيوز و ذلك بالنظر إلى طبيعة مستخدميها، فهذه المنصّات، حسبه، تُعدّ من بين أدوات البروباغندا و وسيلة لافتعال الأزمات، مشيرا، إلى محاولات ضرب مصداقيّة المؤسسات الإعلامية العموميّة عبر إدراج ملاحظات جانبيّة على صفحاتها، تفيد بأن الصفحة مُموّلة أو تخضع لرقابة الدولة و أنّها محسوبة على النّظام، كما حصل مع صفحتي مؤسستي التلفزيون العمومي و جريدة الشعب، و أوضح الخبير، بأنّ سوء النيّة ينعكس من خلال غيّاب هذه الملاحظات على صفحات قنوات أجنبيّة حكوميّة أو محسوبة على السلطة مثل فرانس 24 مثلاً.
أستاذ الإعلام والاتصال نصر الدين العياضي
توجّهـــات الإعـلام الخارجـي تخضـع لمعادلة السيّاســـة والمـــــال
حسب أستاذ الإعلام و الاتصال بجامعة الجزائر3، الدكتور نصر الدين العياضي،فإنّ التوجهات الإعلاميّة للمؤسسات الأجنبيّة ما هي إلا انعكاس لحقيقة الممارسة الإعلاميّة، فكلّ إعلام، كما قال، مرتبطٌ بمرجعيّة و بمصدر تمويل و يشتغل بناءً على هذه المرجعيّات تحديداً، وعليه فلا يُمكننا أن ننتظر من الصّحف أو القنوات الأجنبيّة أن تتعامل بموضوعيّة مع الشّأن الجزائريّ، أو أن تقوم بدورنا في نقل الحقيقة و تقديم صورةٍ صحيحةٍ أو برّاقةٍ عن الجزائر.
وأضاف المتحدّث، بأن لكل إعلامٍ خلفيّة معينة تخدم أجندات محدّدة، فالصّحافة لا تنشطُ من الفراغ، بل تخضع لقوّتين هما السيّاسة و الاقتصاد أوالمال، و لذلك فإنّ العلاقة بين الجزائر والإعلام الفرنسيّ، لطالما كانت مُرتبطة بهذه المعادلة، فكلّما توتّرت العلاقات بين البلدين، زادت الآلة الإعلاميّة الخارجيّة الفرنسيّة عدائيّة، وهو تماماً ما يُفسر منحنيات تعاطي فرانس 24 مثلاً، مع الحدث الجزائريّ.
من جهةٍ ثانيّةٍ أشارالعياضي، إلى أنّ التصدّي للأخبار الكاذبة أو الفيك نيوز، يقتضي الاعتماد على التجربة الأنجلوسكسونيّة في تحرّي الحقائق، وتجاوز مشكل الخلط بين الحادثة والرأي، على اعتبار أنّه من المآخذ التي تحسب على مهنيي الإعلام في بلادنا، خصوصاً وأنّ للأمر انعكاسات على مستوى الجمهور الذي يخلطُ أيضاً بين الآراء المتداولة على فايسبوك، وبين المعلومة المسنودة و الحقيقيّة.
وعليه يقترح أستاذ الإعلام، أن تُنشئ المؤسسات الإعلامية على اختلافها، منصّات متخصّصة لتحرّي صحّة المعلومات، شريطة أن تكون هذه المنصّات أو الهيئات مستقلّة، حتى تكتسب مصداقيّة وسط المتلقين، وأضاف أنّ الاعتماد على مصادر المعلومة يجب أن يكون قوياً، خصوصاً ما تُقدّمه السُّلطة و المُعارضة، زيادة على ذلك شدّد المتحدّثُ، على ضرورة صدور كل المعلومات المتعلّقة بذات الشأن، عن جهة واحدة أو عن مؤسّسة أو هيئة واحدة، لتلافي التّضارب في المعطيات، بما يساعد على توجيه الجمهور في الاتجاه الصحيح، كي لا يصدّق المتلقي كل ما يصله عبر مواقع التواصل أومن الإعلام الأجنبيّ، خصوصا وأن لكلّ إعلام خلفيّة معيّنة تخدمُ كما سبق ذكره أجندات محددة.
الإعلامي مصطفى آيت موهوب
المسؤوليّة الاجتماعيّة تسقط شرط الموضوعيّة في الإعلام
يرى الصحفي مصطفى آيت موهوب، بأنّنا يجب أن ندرك حجم التحدّيات التي تواجهها الجزائر اليوم، خصوصاً وأنّنا أمام وضع يتّسم بهجمةٍ إعلاميّةٍ شرسةٍ، هدفها تفكيك البنية الداخليّة والمساس بوعي الجماهير و إضعاف معنويات الشعب ومؤسّساته، وهي هجمة لا يقودها فقط الجار المعتاد على ممارسة الدعاية بشكل ممنهج و نمطيّ، بل تُشارك فيها أطرافٌ ثانيّةٌ، دخلت اللُّعبة بشكل يتعدى مسألة الأخبار الكاذبة أو البروباغندا، بل يهدف للمساس بالأمن الداخليّ للبلاد، خصوصاً وأنّ الأمر تجاوز الدعاية التقليدية إلى الفعل الرسمي، بدليل سماح المغرب لوزير خارجية دولة أجنبية" إسرائيل"بإطلاق تصريحات معادية للجزائر، في سابقة عربية لم تشهدها المنطقة من قبل .
وتعد هذه الحادثة، حسب آيت موهوب، امتداداً لتصريحات ماكرون للطلبة الجزائريين، و تعمده إحباط المعنويات من خلال الحديث عن مراجعاتية في التاريخ ومحاولة احتواء الذاكرة والتشكيك في الرواية الجزائريّة للذاكرة، و تقزيم دور الاستعمار في ضرب النسيج الاجتماعيّ الجزائريّ وبالتالي فإن بوادر الحرب على الجزائر واضحة جدا، حسبه،و لذلك يتوجّب علينا حاليا، إعادة النظر في النموذج الإعلاميّ الجزائريّ، عبر توسيع دائرة الفعاليّة لتشمل القطاعين العام و الخاص، بما في ذلك الصّحافة المكتوبة التي لعبت دوراً مهماً في معالجة قضايا ثقيلة سابقا، على شاكلة قضايا مكافحة الإرهاب.
الصّحفي قال، بأنه يتعيّن علينا تبني نموذج جديد يرتكز على إعلام المواطنة، بعيداً عن المفهوم الغربيّ البرجوازيّ لحريّة التّعبير والمرتبط أساساً بأصحاب المال، فالشّعب هو مصبّ الأخبار، لذلك من الواجب علينا مراجعة طريقة صيّاغتها وتقديمها إليه، بما يسمح بإعادة تشكيل وعيه، من خلال التّركيز على الإعلام الجواري، المتمثّل في القنوات الإعلاميّة التي تعطي الكلمة للمواطن، ليتحدّث عن وضعه، وأن نقدّم حريّة تعبير المواطنة كمفهوم إعلاميّ جزائريّ جديد.
معركة الفضاء الأزرق أصبحت مصيرية
ذكر المتحدث كذلك، أهمية تقديم منتوجٍ إعلاميّ حقيقيّ يهتمّ بانشغالات المواطنين و تُترك له المبادرة في التّعبير بكلّ حريّة، حيث يكون هو مركز العمليّة الإعلاميّة و ليس مجرّد متلق بدون رجع صدى، لأن هذا التوجّه سيساعد، كما أضاف، على بناء علاقة المواطن بمؤسسات الدولة من جديد، خصوصا وأنّ الإعلام التقليدي، كما نمارسه اليوم، لم تعد له قدرة على التأثير أمام التدفّق المعلوماتيّ الكبير الذي يستهدف الجزائر في الفضاء الأزرق، وعليه يتوجّب علينا، حسبه، التفكير في إنتاج مضامين ذات جودة عالية تكون موجودة ورائدة في فايسبوك، على اعتبار أن معركة الفضاء الأزرق، أصبحت معركة مصيريّة في وقتنا.
الإعلامي قال، إن مواقع التواصل الاجتماعيّ أصبحت تنافس وبشدّة وسائل الإعلام التقليديّة، لذلك يجب أن نوفر مضامين جديّة، تخدم رؤية الجزائر داخلياً، وفي المنطقة و تساهم في توطيد الجبهة الداخليّة وفي تطوير الأداء السياسيّ للمؤسّسات الحزبيّة والمجتمع المدنيّ، وتكون أداة فعالة وبناءة، وأن نفرض محتوانا إعلامياً على هذه المنصّات، عوض أن نترك المجال لمن يستغلونها بشكل مغرض ضدّ الجزائر.
وقال مصطفى آيت موهوب، إنّ الإعلام الغربي يكيل بمكيالين، حيث يتغاضى عن أحداث هامّة ويذهب إلى حدّ تشويهها، مثلما حصل مع السترات الصفراء، و ما يحدث من قمع في الصحراء الغربيّة و في فلسطين المحتلّة، وذلك لأنّه إعلام مبنيّ على سُلطة المال ويتوجّه، حسب مصالح خفيّة، رغم ترويجه لنموذجٍ ديمقراطيّ مُزيّف هدفه طمس الآخرو إضعافه بغرض التمكُّن منه، وهو تحديدا ما يحدثُ الآن في الجزائر.
الصحفي طرح أيضاً إشكاليّةً تتعلقُّ بموضوعيّة التناول الإعلاميّ للقضايا الوطنيّة، وقال، إنّ الموضوعيّة مفهوم نسبيّ و إنّ هناك ملفّات يمكن التغاضي عنها في سيّاق تاريخي أو وضع معيّن، خصوصاً إذا ما تعلّق الأمرُ بملفات بإمكانها أن تضعف الجبهة الوطنيّة أو تؤثر على مؤسّسات الدولة أو تثير الفتن في المجتمع، مشيراً إلى علاقة الإعلام بالمسؤوليّة الاجتماعيّة، التي يسقط أمامها،كما أوضح، شرط الموضوعيّة في حالات معيّنة، فالمعيار الأخلاقيّ، حسبه، يلزم الإعلامي بتجاوز الأخبار أو المواضيع التي يمكن أن تضر بالمجتمع حتى وإن كانت المعلومة مسنودة ومن مصادرها، لأن مهمته هي خدمة المجتمع وليس الإضرار به.
الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بوحنية قوي
الإعلام الوطني مطالب بدعم اللّحمة الوطنية
يؤكد الباحث في العلوم السياسيّة والعلاقات الدولية البروفيسور بوحنية قوي، بأن المحتوى الإعلامي الأجنبيّ، محكومٌ بأجندات ومرتبط بمجموعة من المؤسّسات التي تسهر على صياغته، وفق أهدافها العامّة المحدّدة من قبل طاقم التّحرير و طاقم الإشراف الإعلاميّ، فالمؤسسات الإعلاميّة الرسمية على سبيل المثال، يجب أن تعكس السيّاسة الخارجيّة و الأمنيّة والثقافيّة لدولها، بينما ترتبط وسائل الإعلام الخاصّة بأجندات حزبيّة أو إثنيّة.
لذلك فإن الإعلام التابع للحكومات مثل قناة فرانس 5 و فرانس 24 وقناة الحرّة و أصوات مغاربيّة وغيرها، ليس سوى انعكاسا لأجندات واضحة ودقيقة، أغلبها تنتمي إلى المؤسّسات الرسميّة الفرنسيّة و الأميركيّة، وبالتالي فإن محتواها يكون في العموم قريباً من السيّاسة الخارجية لهذه الدوّل تجاه الجزائر.
من جهة أخرى، يضيف الباحث، بأنّ الصّورة النمطيّة التي يتمُّ تشكيلها عن أيّةِ دولةٍ، تحتكمُ بالضّرورةلدرجة سيطرة لوبيّ معيّن على دواليب صناعة الإعلام، فمثلاً معروف أنّ الإعلام الفرنسيّ خاضع لسيطرةاللوبيّات اليمينيّة ولذلك كثيراً ما تغلب على خطابه، إشكاليات الهويّة و الإسلاموفوبيا و التحرّر والمواضيع الخلافيّة التي تُشكّل موضوع قلقٍ في العلاقات الجزائريّة الفرنسيّة، على غرار الاندماج ومسألة الحركى والمواعيد التاريخيّة وملف الذاكرة، بحيث تكون التغطيّة غير محايدة في أحيان كثيرة.
أستاذُ العلوم السياسيّة و العلاقات الدوليّة، أوضح ، بأنّ هذا الظّرف يضاعف مسؤوليّة الإعلام الوطنيّ، المطالب باتباع أجندة محدّدة لخدمة مجوعة من المسائل المهمّة والإستراتيجيّة والتكتيكيّة متوسّطة المدى، عبر ضبط خطّة ثلاثية الأبعاد قائمة على دعم اللّحمة الوطنيّة وخدمة قضايا التنميّة المحليّة وتعزيز دولة العدل والقانون و ترسيخ المسار الديمقراطيّ، إضافة إلى دوره في محاولة أخلقة الحياة الاقتصاديّة والسياسيّة والفكريّة، بشكلٍ يُعزّز قيّم الديمقراطيّة وحقوق الإنسان.
وأضاف الباحث، بأن التناول الإعلاميّ للملفّات التاريخيّة مهمٌّ جداً، خصوصاً وأنّ ذلك ينعكس إيجاباً على مسعى بناء الذاكرة الجماعيّة وتفكيك كل عناصر التوتر ومقاومة النزاعات والخلافات المناطقيّة والجهويّة والإثنيّة، ناهيك عن عدم تعزيز خطاب التسامح و التصدي لخطابات الكراهيّة والتفرقة الاجتماعيّة، خصوصاً في ظلّ تزايد تأثير مواقع التواصل الاجتماعيّ، فالاهتمام بالشأن الداخليّ ضروريٌّ جدا، حسبه، ومهمٌّ لبناء النسيج الاجتماعيّ ومقاومة جميع أشكال الصراعات.