الباحثات رجاء بوخرو و شافية بوعناقة و سماح سماعيلي
سيدات تألقن في مجال الابتكار و اخترعن أجهزة ذكية
رجاء بوخرو، شافية بوعناقة، و سماح سماعيلي، باحثات جامعيات نجحن في ابتكار أجهزة و تطبيقات ذكية، منها ما هو مخصص لمساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة، و الكشف عن الأمراض المستعصية، و أخرى خاصة بحل مشاكل النقل، كإشارات المرور الرقمية و السيارات الذكية، و ذلك سعيا منهن لاستغلال التطور التكنولوجي في تسهيل نمط الحياة و تذليل الصعوبات اليومية التي يواجهها المواطنون.
إعداد / أسماء بوقرن
الباحثات الثلاث تحدثن للنصر في عيدهن العالمي، عن شغفهن بالابتكار و طموحهن لتجسيد عديد الاختراعات الفعالة و المفيدة، و يتمنين أن يتم تبنيها من قبل الجهات المعنية، ليستفيد منها المجتمع، و لا تظل حبيسة المخابر.
* الدكتورة رجاء بوخرو أستاذة وباحثة في كلية الإعلام الآلي
ابتكرنا اليد الذكية لمساعدة المعاقين سمعيا
تعد الدكتورة رجاء بوخرو، الأستاذة بكلية الإعلام الآلي بجامعة عبد الحميد مهري بقسنطينة، من الباحثات اللائي ركزن بحوثهن العلمية في مجال الذكاء الاصطناعي و إنترنت الأشياء، لابتكار وسائل و إيجاد حلول للمشاكل التي يتخبط فيها أفراد المجتمع، و بالأخص ذوي الاحتياجات الخاصة، و ذلك بالتعاون مع طلبة بصدد تحضير مذكرات التخرج، لغرس الفكر الإبتكاري لديهم.
تحدثت الدكتورة رجاء بوخرو للنصر، عن شغفها بميدان الابتكارات و الاختراعات، مضيفة بأنها تسعى من خلال أبحاثها، و تأطيرها للطلبة، إلى تغيير الصورة النمطية حول الأبحاث الجامعية الكلاسيكية في تخصص الإعلام الآلي، التي تقتصر على الجانب النظري، في الوقت الذي نشهد ثورة تكنولوجية، من المفروض أن تتميز بمشاريع إبتكارية ناجعة، تراعي الخصوصية المجتمعية، و تحد من سياسة التبعية لكل ما هو أجنبي.
و أضافت الأستاذة بوخرو أنها تسعى دائما لإشراك الطلبة في تجسيد أفكار ابتكارية، خاصة الذين يتمتعون منهم بالحس الابتكاري، فأغلبهم، حسبها، لديهم أفكار ذكية و مبهرة، نتيجة مواكبتهم للتطورات التكنولوجية على الصعيد العالمي، و ساعد ذلك على تحقيق التكامل بين الأستاذ و الطالب، و بالتالي تقديم مبتكرات ناجعة، مكنت طلبة جزائريين من التألق في منافسات عالمية و برامج تلفزيونية علمية. من أبرز الاختراعات التي قدمتها الدكتورة رجاء، رفقة أحد طلبتها، و هو الطالب زين الدين زهواني، الذي فضل مواصلة دراسته في المجر، اختراع اليد الذكية، التي تهدف إلى تسهيل حياة المعاقين سمعيا، سواء إعاقة جزئية أو كاملة، و يقوم الجهاز باستبدال الصوت بحساس للاهتزاز، باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، و من هذا المنطلق تقول المخترعة رجاء ، نشأت فكرة "Ervar" و هو عبارة عن نظام ذكي، يساعد الأصم على التعرف على الأصوات المحيطة به و فهمها، سواء كانت لأشخاص أو لأشياء كالسيارات، و كذا في المحيط الأسري، و للتمكن من التواصل بسهولة مع زملائه في المدرسة أو الجامعة، و بالتالي تسهيل اندماجه المهني و المجتمعي.
وأوضحت المتحدثة في حديثها للنصر، بأن الاختراع جاء بناء على الإشكال العويص الذي تواجهه هذه الفئة، في التواصل مع المحيط و المجتمع، و ما تواجهه من أخطار قد تودي بحياتها، في حال وقوع كارثة ما، كما أن هذه الفئة تواجه صعوبات و عراقيل مهنية، حيث أثبتت الدراسات و الأبحاث التي قامت بها المتحدثة بمعية الطالب زين الدين زهواني، بأن هذه الفئة هي الأكثر إقصاء في مسابقات التوظيف، و تواجه مشاكل أكثر من فئة المعاقين حركيا، حسب تصريحات مسيري شركات، بسبب عدم قدرتهم على التواصل معهم، و هنا يجد فاقد السمع نفسه، كما قالت، أمام خيار واحد يتمثل في زراعة القوقعة، و هي عملية غير متاحة للجميع، ما دفعها كباحثة، إلى البحث عن حلول بديلة لتزويد العقل بالمعلومات المفقودة، و تجسدت في ما يعرف حاليا ب»الاستبدال الحسي»، لتمكين هذه الفئة من التواصل بشكل عادي مع محيطها.
عن خصوصية اليد الذكية، قالت بأنها على شكل جهاز موصول بالإنترنت، يتكون من مكيروفون لتسجيل الأصوات، و لوحة «راسبيري باي» تقوم بمعالجة الأصوات المسجلة و التعرف عليها، باستعمال الذكاء الاصطناعي، و من ثم تحويلها إلى أنماط اهتزاز، تقوم بتنشيط المستقبلات الحسية على الجلد، و إرسال رسائل عصيبة إلى المخ، موضحة بأنه تم تطوير تطبيق خاص في الهواتف الذكية يسمح للأصم بتعلم لغة الاهتزازات، و حل المسائل المساعدة على ترسيخ ما تم تعلمه، بالإضافة إلى إمكانية تخصيص الجهاز لتغيير شدة الاهتزازات مثلا، كما يوفر التطبيق منصة تسمح لفئة الصم، بمشاركة و تبادل الخبرات و التجارب، مما سيساهم بشكل كبير في خفض معدلات التعرض للمشاكل النفسية، كما يعمل على رفع المعنويات و تعزيز الثقة بالنفس.
أعمل على ابتكار نظام آلي لحماية الخصوصية
سطرت الأستاذة جملة من الأهداف لتطوير هذا الجهاز، حيث تعمل على جمع البيانات و معالجتها، بغية استخلاص الروابط بينها، لتستعمل في ما بعد في عدة مجالات، على غرار الدراسات الإحصائية و بناء أنظمة ذكية تعمل على تقديم مجموعة من الاقتراحات.
وبخصوص مشاريعها البحثية، قالت بأنها تسعى لابتكار نظام آلي لحماية الحياة الخاصة للأشخاص، سواء في مقرات العمل أو داخل بيوتهم، و هو بمثابة نظام تشويش، سيكون في شكل علبة توضع في مكان معين، مشيرة إلى أنه ليس بإمكانها تقديم معلومات دقيقة حول مشروعها الجديد، الذي تسعى من خلاله للحصول على براءة اختراع.
و عن رأيها في ما يتعلق بواقع الابتكار في الجزائر،قالت المتحدثة بأن الجامعة الجزائرية تواكب ما يقدم في الدول المتقدمة، و لا يوجد أي اختلاف في المستوى العلمي، و هذا ما لمسته من خلال تعاملها مع باحثين أجانب، بشكل دوري و خلال التربصات التي قامت بها في بلدان أوروبية، و حضورها ملتقيات علمية عن بعد، و الدليل على ذلك أن هذه الدول تستعين بجزائريين في تسيير و تأطير مخابرها العلمية، و الفرق يكمن فقط في توفر إمكانات أكبر لدى المخابر الأجنبية، نظرا لتمويلها من قبل خواص. و بخصوص عدم الاستفادة من الابتكارات التي تنجز بالجامعة، أكدت بأنها معضلة تواجه المبتكرين، نتيجة غياب حلقة وصل بين المخابر الجامعية البحثية و المعنيين بها، ما يعيق اعتماد الأجهزة المبتكرة و تسويقها، ليستفيد منها المواطن في وقتها، و بالتالي عدم بلوغ الهدف المرجو، فلا يختلف مصيرها عن مصير البحوث العلمية حبيسة الأدراج.
* الدكتورة شافية بوعناقة أستاذة في كلية الإعلام الآلي
تطبيق لاستشعار حركة السيارات و التحكم في إشارات المرور
تألقت الأستاذة و الباحثة في كلية الإعلام الآلي، بجامعة عبد الحميد مهري بقسنطينة، الدكتورة شافية بوعناقة، في مجال ابتكار أنظمة آلية ذكية، باعتماد إنترنت الأشياء و الذكاء الاصطناعي، لتحسين النقل و حركة سير المركبات، و حل مشكل الاكتظاظ المروري في أوقات الذروة، فالابتكار لا ينحصر فقط في اختراع أجهزة ، و إنما أيضا في ابتكار أنظمة و إضفاء ميزة الذكاء على وسائل يتم استخدامها في الحياة اليومية، و قد نجحت الدكتورة بوعناقة في تجسيد مشروع إشارات المرور الذكية، و تسعي بمعية طالبتين من طلبتها بالجامعة، إلى نمذجة مشروع السيارة الذكية.
نعمل على نمذجة مشروع السيارة الذكية
أعربت الأستاذة الجامعية، في حديثها للنصر، عن حبها لميدان الابتكار، و قادها شغفها به، لدراسة تخصص الإعلام الآلي، باعتباره ميدانا خصبا لابتكار وسائل تكنولوجية تسهل الحياة و تحد من المشكلات و العراقيل التي تعكر صفوها.
وجسدت هذا التوجه من خلال أبحاثها العلمية، ومن بين المشاريع التي قامت بها في إطار بحثي مع طلبة الماستر، مشروع رقمنة إشارات المرور، للتحكم في كل إشارة و ضبط توقيت تغيرها، بما يناسب الوضعية الحالية لمفترق الطرق، و إعطاء الأولوية للطريق الأكثر اكتظاظا، لتسهيل حركة السير، و تقليص وقت الانتظار، و ذلك من خلال تطبيق «ايزي ترافيك».
و يعد هذا التطبيق أول مبادرة لاستشعار حركة السيارات، و التحكم في إشارات المرور، و تغييرها بما يخفف من الاكتظاظ في الطرقات، كما يستطيع التطبيق استشعار سيارات الإسعاف، فبمجرد تحسس حركة قدومها تتغير الإشارات، بما يسمح بفتح المسالك التي ستمر عبرها، حيث أن التطبيق يعطي الأولوية لسيارات الإسعاف و سيارات الحماية المدنية و كل ما يتعلق بحالات الطوارئ.
و أشارت المتحدثة إلى أن المشروع مدعم من قبل مخبر المشاريع المبتكرة «فابلاب»، الذي يوفر له كل الإمكانات كأجهزة حاسوب ذات قدرات و طاقة أكبر، يتم اعتمادها في ابتكار الأنظمة و التطبيقات.كما تعمل الباحثة حاليا رفقة طالبتين من طلبتها بكلية الإعلام الآلي بقسنطينة، على تجسيد ابتكار السيارة الذكية، بإضفاء ميزة الذكاء على المركبة، بإيصالها بشبكة الإنترنت و تزويدها بتطبيق آلي، يساعد السائق على التعرف على وضعية المسالك التي سيمر عبرها، و يجنبه الازدحام و يقترح عليه المسالك غير المكتظة التي تمكنه من الوصول في وقت قصير إلى المكان الذي يقصده، و بالتالي يتم التغلب على القلق و التوتر و الاحتراق النفسي الذي قد يعاني منه بعض السائقين، و كذا التحكم عن بعد في السيارة.و أضافت المتحدثة أن تشجيع وزارة التعليم و العالي و البحث العلمي للمشاريع البحثية الابتكارية، و تنصيب خلايا توجيه و دعم الطلبة لإنشاء مؤسسات ناشئة، حفز الباحثين و الطلبة على حد سواء ، على تجسيد ابتكارات تعالج مشاكل مجتمعية.
و أكدت المتحدثة بأن المرأة أثبتت جدارتها في مجال الابتكار، فهناك طالبات قدمن مشاريع ابتكارية مبهرة، و اكتشفت خلال تجربتها البحثية و إشرافها على مذكرات و رسائل الطلبة بأنه لا يوجد فرق بين المرأة و الرجل في مجال الاختراعات، خاصة في ظل تكافؤ الفرص بين الجنسين، لكن تسعى المرأة لتقديم الأفضل و تحقيق التميز، حسبها.
* الطالبة سماح سماعيلي
صاحبة مشروع ابتكار
تعتبر سماح سماعيلي من الطالبات اللائي طرقن باب الاختراعات، فهي لم تكتف ببحث نظري ميداني في مذكرة تخرجها، بل فضلت أن تجسد، بمعية زميلتها خولة قيطوني، فكرة اقترحتها عليهما أستاذتهما الدكتورة شافية بوعناقة، خاصة و أنها تحب كثيرا مجال الابتكارات و البرمجيات و الأنظمة، كما قالت للنصر. و أضافت المتحدثة أنها قررت التركيز على ميدان النقل، فقامت بالتعاون مع زميلتها بابتكار نظام لإشارات المرور، يعمل عن طريق الذكاء الاصطناعي، حيث أنه يتوقع وضعية مفترق الطريق بعد دقائق، من خلال تمكنه من استشعار حركة السير، كما أنه يعمل على تغيير إشارات المرور بما يسهل حركة سير المركبات، و بإمكانه التمييز بين أنواع المركبات، سواء كانت سياحية أو نفعية، أو خاصة بالاستعجالات الصحية أو الأمنية، و ذلك من خلال توفر النظام على شريحة خاصة بالاستشعار، و يقدم حلولا ناجعة للحد من مشكل الاكتظاظ المروري، خاصة في أوقات الذروة، و كذا التدخل الناجع في الحالات الاستعجالية، و يقلص من مدة انتظار السيارات عند بروز الإشارة الحمراء.
و ثمنت المتحدثة الجهود التي يبذلها الأساتذة في كلية الإعلام الآلي بجامعة قسنطينة، لأجل توفير أجواء تشجع على الابتكار، و مرافقتهم لكل حامل لمشروع، كما ثمنت الإمكانات التي وفرتها وزارة التعليم الآلي في مجال الاختراع، من خلال تخصيص مخبر يوفر كل ما يحتاجه الباحثون و الطلبة على حد سواء، لتجسيد مشاريعهم، بعد أن كان العائق الأكبر أمام الباحث و الطالب على وجه الخصوص، عدم توفر الوسائل أو غلائها، فكان الطالب يكتفي بانجاز بحث في مذكرة التخرج، دون تحقيق حلم الابتكار.
و أضافت سماح بأنها تسعى لمواصلة الدراسات العليا لتجسيد أفكارها الابتكارية التي تأمل أن ترى النور على أرض الواقع قريبا، و يستفيد منها أفراد المجتمع.
أ.ب
حياتها تغيّرت بانخراطها في جمعية
الحرفية فتيحة تتحدى إعاقتها الحركية لتصنع التميز
تعتبر فتيحة بولبصل، ابنة بلدية السطارة، بأعالي جبال جيجل، مثالا للتحدي و الإرادة القوية، فقد تجاوزت إعاقتها الحركية و التضاريس الوعرة بقريتها النائية، لكي تتمكن من استغلال موهبتها و إبراز قدراتها، فأخرجت إبداعاتها الفنية الحرفية إلى النور، من خلال مشاركاتها المتعددة في المعارض المحلية و الوطنية.. و بذلك حققت حلما راودها و هي طفلة صغيرة، و عاشته في العشرينات من عمرها، محققة النجاح و التألق في الثلاثينات، لتصبح قدوة للكثيرات، خاصة بعد أن خاضت تجربة التكوين، لتساعد و تدعم ذوي الاحتياجات الخاصة مثلها.
سلاحها التحدي و الطموح
فتيحة بولبصل، تبلغ من العمر 32 سنة، حرمتها إعاقتها الحركية و ظروفها الاجتماعية الصعبة، من مواصلة الدراسة، خاصة و أنها تقيم مع عائلتها بقرية نائية، بأعالي بلدية السطارة في جيجل. و لم تستسلم الفتاة لليأس و الفراغ، بل رفعت التحدي، و تسلحت بالطموح، حيث قررت تعلم الخياطة و فن الديكور و التزيين، و يشهد لها كل من يعرفها بالاجتهاد و المثابرة، و عندما كانت تشارك في المعارض، كانت تجذب الانتباه بعفوية حديثها ومنتجاتها الجميلة متقنة الصنع .
النصر حددت موعدا للقاء الحرفية فتيحة بولبصل، بمحلها الكائن ببلدية السطارة، و عندما وصلنا شاهدنا والدها، و هو يحملها لينزلها من سيارة، ليضعها على كرسيها المتحرك.
أخبرتنا الفتاة بأن والدها أو شقيقها، يقومان بنقلها يوميا من البيت إلى ورشتها أو بالأحرى محلها التجاري، و كانت صديقتها بانتظارها هناك، و أكدت لنا بأن فتيحة شابة طموحة، يومياتها كلها رسائل، فقد صنعت التحدي و تغلبت على إعاقتها بمنطقة جبلية، يقال إن تحقيق الأحلام بها صعب، و من خلال تجربتها، أعطت القوة و الأمل لبقية الفتيات بالمنطقة، اللائي اقتدين بها و قررن إبراز قدراتهن مثلها.
و ذكرت المتحدثة أن فتيحة قامت منذ سنتين بمبادرة بالبلدية، تتمثل في تنظيم حملة لجمع المواد الغذائية و ألبسة العيد، لفائدة العائلات الفقيرة و المعوزة، كما أنها رافقت العديد من الفتيات المعاقات وساهمت في تكوينهن و تقديم يد العون لهن و غرس الأمل في نفوسهن.
الحصول على كرسي متحرك.. كان حلم ابنة العاشرة
دخلنا إلى محل فتيحة، فوجدنا هناك العديد من التحف التي أبدعتها بأناملها الذهبية، و قالت لنا إنها دخلت عالم الحرف عندما كانت طفلة في العاشرة من عمرها، و واجهت مصاعب الحياة، و لم تكن تملك سوى أحلامها البريئة.
و أضافت «في تلك الفترة لم أجد ما أقوم به، كنت طفلة صغيرة، مقعدة، و لم أكن أملك حتى أبسط الأشياء، وكان الكرسي المتحرك حلما بالنسبة إلي».
و أوضحت المتحدثة أن مكوثها في المنزل، جعلها تحتك بعمتها الحرفية التي كانت تتقن الخياطة و الطرز، وبمرور السنين أصبحت تساعدها، وعندما تزوجت عمتها و غادرت المنزل العائلي، أصبحت القريبات و الجارات يقصدن فتيحة، لأنها تجيد الخياطة والطرز وكذا النسيج ، من أجل خياطة وتطريز ملابسهن، و تمكنت تدريجيا من جذب زبونات من خارج السطارة وحتى من خارج جيجل.
تتقن العديد من الحرف
قالت فتيحة بأن حياتها تغيرت سنة 2012، عندما تعرفت على جمعية التحدي و الأمل للمرأة المعاقة، و اقتربت كثيرا من تحقيق أحلامها ، فقد مكنتها الجمعية من المشاركة في المعارض و الخرجات، و حصلت أخيرا على كرسي متحرك، تتحرك و تتنقل على متنه.
و ساعدتها الجمعية في الاندماج في المجتمع و تطوير نشاطها الحرفي عبر المرافقة المتخصصة و الداعمة، و قالت فتيحة بهذا الخصوص "طورت قدراتي و شاركت في معارض محلية و ولائية و وطنية، و تعرفت على فتيات معاقات أخريات، لديهن نفس أحلامي و أفكاري، و أجمل ما يميزهن التحدي والإرادة، واستجمعت شجاعتي وطورت حرفتي كثيرا».
وذكرت أنها انتقلت من الخياطة و «الكروشي» ، إلى مجال التزيين و صنع قطع الديكور المختلفة، و نسج ألبسة الأطفال الصوفية، وتفننت في مختلف الحرف اليدوية و أبرزت مواهبها، مشيرة إلى أنها تحاول تجسيد عديد الأفكار، مستغلة المواد الأولية المتوفرة، فتجسد تحفا و منتجات مختلفة.
و أكدت المتحدثة أن نجاحها لم تصنعه بمفردها، فهو ثمرة دعم والديها، و تشجيع أفراد أسرتها، مشيرة إلى أن والدها أو شقيقها، ينقلانها يوميا إلى محلها، و كذا إلى المحلات الأخرى بوسط البلدية، لاقتناء احتياجاتها أو تسويق منتجاتها.
كما أن رفيقتها نجيبة، التي علمتها مختلف الحرف، لا تكاد تفارقها، و قالت بهذا الخصوص « إننا واحدة، نساعد بعضنا البعض، و نساعد زميلاتنا بالمحلات الأخرى».
بخصوص أمنياتها، قالت فتيحة إنها بسيطة وواقعية، فهي تتمنى المشاركة في معارض دولية، و تحقيق استقلالية أكبر في حياتها، و مرافقة و دعم الفتيات المقعدات بمنازلهن، مؤكدة بأن الإعاقة هي إعاقة الفكر و فقط، و من يسعى لتحقيق أحلامه سينجح، كما تتمنى الحصول على سيارة مكيفة خاصة بالمعاقين حركيا، لتتمكن من التنقل إلى مختلف الأماكن بكل حرية.
كـ. طويل
جامعية اقتحمت حرفة كانت حكرا على الرجال
تسعديت .. من البطالة إلى «العالمية»
تُعتبر السيدة تسعديت بتروني أمزيان، من الحرفيات اللائي اقتحمن مجالا كان حكرا على الرجال، بقرية آث مزيان بولاية تيزي وزو، فتفوقن و تألقن به، و يتمثل في صناعة مختلف المنتجات اليدوية الفاخرة بالسلال. السيدة بتروني أمزيان تتميز بالعزيمة والإرادة و التحدي، فهي جامعية مثقفة، حصلت على شهادة الليسانس في الاقتصاد، تخصص مالية من جامعة مولود معمري بولاية تيزي وزو، إلا أن الحظ لم يسعفها في إيجاد عمل بشهادتها العلمية، رغم أنها تعبت كثيرا من أجل بلوغ هذا المستوى العلمي.
لم تبق تسعديت مكتوفة اليدين، و لم تستسلم لليأس، بل ظلت تبحث عن عمل، تفيد به نفسها و المجتمع، و بعد زواجها و تنقلها للإقامة في بيت الزوجية بقرية آث مزيان بمنطقة بترونة في بلدية تيزي زو سنة 2001، لاحظت أن جميع شيوخ ورجال وشباب هذه القرية، و من بينهم أفراد عائلة زوجها، يمارسون حرفة السلال، كما قالت في حديثها للنصر.
و بمرور الوقت أحبت تسعديت هذه الحرفة التقليدية العريقة التي تشتهر بها كثيرا القرية، و قررت أن تتعلمها، رغم أنها كانت حكرا على الرجال.
من الديكور إلى إبداع قطع أثاث فاخرة
و وجدت المساندة و الدعم و التشجيع من زوجها الذي لقنها جميع تفاصيل و خبايا الحرفة، بدءا بكيفية تحويل المادة الأولية إلى مادة قابلة للتطويع، ثم شرعت في صنع قطع فنية جميلة، وبعد مدة قصيرة ، انطلقت في صنع أغراض صغيرة لها عدة استعمالات منزلية، إلى جانب قطع الديكور التي تحمل لمستها الخاصة. وفي ظرف قياسي، تمكنت تسعديت من تطوير حرفتها، و خاضت تجربة صنع الأثاث، فأصبحت تبدع بأناملها الذهبية صالونات فاخرة، وغرف نوم، وأثاث المكاتب العصرية، منها الكراسي والأرائك و الطاولات، وما إلى ذلك. و تمكنت خلال فترة وجيزة من كسب ثقة الزبائن الذين أعجبوا بمنتجاتها التي شاركت بها في معارض وطنية و دولية، و أصبحت تتلقى طلبيات من كل ربوع الوطن، خاصة و أنها اتخذت من هوايتها مهنة و مصدر رزق.
شاركت في معارض وطنية و دولية و نالت إبداعاتها إعجاب الجمهور
سافرت الحرفية إلى فرنسا وبولونيا و إسبانيا، ورومانيا وغيرها من الدول، لعرض ما أبدعته أناملها الذهبية والتعريف بالمنتوج الوطني و الحرف التقليدية الجزائرية، فنالت منتجاتها إعجاب الأوروبيين أيضا.
أوضحت الحرفية للنصر، أن حرفة السلال أو «ثالزازث» بالقبائلية، فن عريق وإرث كبير، اشتهرت به قرية آث مزيان، و تم تناقله من جيل إلى جيل، مشيرة إلى أنها تشعر بالارتياح و السعادة عندما تقوم بصنع أغراض مختلفة بنفسها، و تسعى دائما إلى الإنفراد بصنع منتجات تحمل لمستها.
و أضافت المتحدثة أنها تقوم بمزج مواد أخرى مع السلال، مثل الزجاج و الحديد والخشب لصنع أثاث فاخر و أغراض جميلة تواكب الموضة و متطلبات هذا العصر، مشيرة في ذات السياق، إلى أنها تابعت دورات تكوينية مكنتها من تكييف هذا الفن مع الاحتياجات الجديدة لأبناء هذا العصر، لا سيما في ما يخص الديكور، كما درست التسويق و التصميم، مؤكدة أن التكوين ضروري لتطوير المواهب و المهارات. وأعربت السيدة تسعديت من جهة أخرى، عن أسفها ، لعدم توفر فضاءات واسعة تمارس فيها إبداعاتها وأعمالها الفنية، في ظل ظروف مناسبة، فالمكان الضيق الذي تشتغل فيه داخل بيتها المتواضع، يقيدها و يحرمها من توسيع نشاطها، أو تلقين هذه الحرفة اليدوية المهددة بالاندثار للأجيال الجديدة. وشددت على ضرورة حماية حرفتها من الزوال، مشيرة إلى أن غلاء مادة السلال، و عدم توفرها باستمرار ، من العوائق التي تواجهها هي و بقية حرفيي القرية، إلى جانب عدم إنشاء جمعيات تدافع عن مصالح الحرفيين في هذا المجال، و رغم كل ذلك، تتحدى تسعديت الصعاب وتواجه العقبات، لتواصل عملها بكل شغف، وتسعى دائما إلى ابتكار أشياء جديدة، مؤكدة أنها لن تتخلى عن هذا الفن الذي تمارسه عن حب، مهما حدث.
سامية إخليف
البروفيسور ليلى مخناش مديرة أول مدرسة عليا للطاقات المتجددة
رفضت الهجرة لأرد جميل بلادي
نشأت البروفيسور ليلى مخناش بين أحضان أسرة ثورية، زرعت فيها حب الوطن منذ الصغر، فرفضت التخلي عنه، رغم إغراءات العمل بالخارج، لكي ترد بعض الجميل للبلد الذي كونها و فجر طاقاتها لتواصل دراساتها العليا، إلى أن أصبحت أستاذة محاضرة و باحثة، سعت لتطبيق الذكاء الاصطناعي في تخصصها «الضغط المرتفع» ، و مثلت الجزائر في عديد الملتقيات العلمية الدولية الكبرى، ثم تم اختيارها، بفضل اجتهادها و مثابرتها و تميزها، كمديرة لأول مدرسة عليا للطاقات المتجددة و البيئة والتنمية المستدامة بباتنة، و هي الوحيدة وطنيا، و الثانية إفريقيا، و تسعى لجذب الباحثين لهذا المجال الذي وصفته ب»الصعب و الخطير».
البروفيسور ليلى مخناش، من مواليد جوان 1970، بالقرية التاريخية اشمول، بولاية باتنة، مهد الثورة التحريرية، نشأت و ترعرعت بين أحضان عائلة تمجد الوطن و تقدس الثورة و رموزها، فوالدها معلم و مدير مدرسة ابتدائية، شجعها على التحصيل العلمي و المثابرة لتحقيق طموحاتها، و كان يقول لها منذ نعومة أظافرها «اقتلعي ما تريدينه بيديك، فإن لم تفعلي ذلك، لا تنتظري من الآخرين أن يقدموه لك»، فاقتنعت بذلك و جسدته خلال مسارها التعليمي و المهني و البحثي، كما قالت في حديثها مع النصر، إلى أن بلغت المكانة العلمية التي كانت تطمح إليها.غادرت ليلى مسقط رأسها في سن مبكرة، و تنقلت رفقة عائلتها، عبر عدد من القرى و المدن، بحكم طبيعة عمل والدها، و كانت وجهة العائلة الأولى مدينة شير بالجنوب الغربي لولاية باتنة، أين بدأت دراستها بالطور الابتدائي، ثم توجهت الأسرة إلى سيدي عقبة ببسكرة، لتستقر بعد ذلك في مدينة أريس، التي تبعد عن قرية اشمول بحوالي 18 كلم، و واصلت تعليمها بالمتوسطة الفلاحية، المعروفة حاليا باسم إعدادية البشير الإبراهيمي، ثم بثانوية أريس.
اخترت تخصصا معقداو صعبا قلما تختاره النساء
اختارت الأستاذة الباحثة بعد حصولها على شهادة البكالوريا شعبة رياضيات سنة 1988، تخصص كهرباء تقنية، بجامعة باتنة، فافتكت في 1992 شهادة ليسانس في الهندسة الكهربائية، ثم ماجستير تخصص شبكات كهربائية و ضغط مرتفع من معهد الهندسة الكهربائية بنفس الجامعة عام 1997، ثم توجهت إلى المدرسة الوطنية العليا متعددة التقنيات بالجزائر العاصمة، لمتابعة دراساتها العليا و تحضير دكتوراه، في تخصص ضغط مرتفع وعلم المواد و تطبيقات الذكاء الاصطناعي، و ذلك سنة 2003، و أشرف على رسالتها آنذاك، الدكتور أحمد بوبكر، الذي لعب دورا كبيرا في توجيهها و اختيارها لمجال، وصفته في حديثها مع النصر، ب»الصعب و المعقد و الخطير»، الذي قلما تلتحق به النساء.
و أوضحت البروفيسور مخناش، أنها بدأت مسيرتها المهنية الحافلة بالإنجازات، كأستاذة مساعدة درست المواد المتعلقة بالضغط العالي على مستوى جامعة باتنة بقسم الكهرباء التقنية، و كذا بالمدرسة الوطنية متعددة التقنيات بالجزائر العاصمة، و جامعة العلوم والتكنولوجيا بوهران،و جامعة الأغواط، أين نالت رتبها العلمية، و تدرجت شيئا فشيئا، إلى أن حصلت على رتبة بروفيسور بجدارة.
و تابعت المتحدثة أنها خلال تدريسها و تأطيرها للطلبة في قسم الكهرباء التقنية بجامعة باتنة، كانت سباقة لربط الجانب النظري الذي تقدمه لهؤلاء الطلبة، بالشق التطبيقي الميداني بالمختبرات الصناعية، فكانت تتنقل مع طلبتها إلى العديد من الشركات الكبرى في الجزائر، كسونلغاز و سوناطراك، ليتمكنوا من استغلال المعطيات النظرية في إنجاز الأعمال التطبيقية، مشيرة إلى أنها كانت أحيانا تبقى رفقة طلبتها طيلة أسبوع، بولايات أخرى، من أجل الحصول على المعلومات الضرورية، التي يتم تطبيقها في ما بعد، في بحوثهم العلمية.
نشرت 110 أبحاث بصحف و مجلات عالمية محكمة
قالت البروفيسور ليلى مخناش أنها خلال فترة تدريسها، أنشأت مخبرا للبحث العلمي، مكنها من إنجاز مشاريع بحثية حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الأنظمة الكهربائية، تتمحور أساسا، حول تشخيص الأنظمة الكهربائية باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، مركزة على الأنظمة الكهربائية ذات الجهد العالي، والتشخيص الآني بوضع تنبؤات مستقبلية حول حالة الأنظمة الكهربائية، من أجل التخطيط والتدخل المسبق لتحديد العطب، قبل أن يتحول إلى خطر، يمس بأمن المواطنين، إلى جانب أبحاثها حول الحقول الكهرومغناطيسية وتأثيراتها على الكائنات الحية، من خلال المزج بين كل ماهو مغناطيسي وماهو بيولوجي.
و نشرت الباحثة، 110 أبحاث في ميادين متعددة بجرائد وطنية و مجلات عالمية محكمة دوليا و معروفة عالميا، كمجلة «آي 3 إي» الأمريكية و «آي 2 إي» البريطانية.
و تابعت ليلى مخناش بأنها بفضل الأبحاث التي أجرتها خلال مسارها الجامعي، أصبحت أول باحثة جزائرية تطبق الذكاء الاصطناعي على الضغط المرتفع، و تلقت دعوة في 2008 ، ليتم تكريمها من طرف رئيس الجمهورية، إلى جانب باحثين جزائريين آخرين.
نظمت ملتقيات وطنية و مثلت الجزائر في الخارج
جدير بالذكر أن البروفيسور مخناش، تنقلت إلى عديد البلدان، للاستفادة من تربصات لتزيد من كفاءتها العلمية، و تنفتح على التقنيات المعتمدة بالشركات العالمية الكبرى، حيث زارت عددا من المختبرات الصناعية في أوروبا الشرقية و بولونيا و المجر وكندا وفرنسا، إلى جانب مشاركتها في ملتقيات بأمريكا وفرنسا و بريطانيا، ومن أكبر الملتقيات التي حضرتها «سي أس أش» الذي نظم بكندا، إلى جانب ملتقى نظم بفرنسا حول المواد العازلة السائلة، و ملتقى حول الذكاء الاصطناعي و تطبيقاته في المجر و غيرها.
كما حضرت بعض الدروس بالجامعة التقنية لإسطنبول في تركيا، وزارت جامعات عالمية، على غرار أوكسفورد بأمريكا، ما ساعدها في وضع منهج تعليمي تكويني لطلبتها.
كما أنها صاحبة فكرة تأسيس ملتقى وطني دولي للضغط المرتفع، الذي يتم تنظيمه كل سنتين بإحدى الجامعات الجزائرية، و يشارك به خبراء من مختلف أنحاء العالم، وشخصيات مرموقة بمنظمة اليونسكو، نظرا لأهميته البحثية ونوعية منشوراته العلمية، مشيرة إلى أن الطبعة 12 من الملتقى ستنظم في شهر أكتوبر المقبل بجامعة سيدي بلعباس.
و أوضحت المتحدثة أن الهدف من الملتقى هو التعريف بمجال الضغط المرتفع الذي لا يحظى باهتمام كبير ببلادنا، كما أن هناك نقصا ملحوظا في الباحثين بهذا المجال بسبب خطورته، ما دفع المختصون إلى السعي لجمع الخبرات من خلال تنظيم ملتقى وطني.
و أشارت الأستاذة الجامعية إلى أنها عضوة في العديد من الجمعيات العلمية والتقنية، من بينها الجمعية الجزائرية لأنظمة الطاقة ذات الضغط العالي ، إلى جانب تحكيم العديد من المجلات العلمية.
و أضافت أنه تم استقبالها من قبل السيدة هيلاري كلينتون في البيت الأبيض، مع وفد من الباحثين، في إطار أول برنامج وضعه الرئيس الأمريكي الأسبق براك أوباما، و تم اختيار الباحثين على أساس السير الذاتية، و نتائج المسابقة التي شاركوا فيها من أجل متابعة تربص مدته 40 يوما، لتبادل الخبرات العلمية و البحثية، و تمت خلال التربص زيارة عدد من الشركات الكبرى «غوغل»،»ياهو»، «انتال» و»مايكروسوفت»، و جامعات مثل «ستانغفورت» و»بيركلي»و»كارليت جيميلن».
و بخصوص سؤالنا إذا فكرت في الهجرة و مواصلة أبحاثها في الخارج، ردت البروفيسور مخناش، بأنها تلقت فعلا عروض عمل بعدة دول، لكنها رفضتها و ترفض الهجرة ، مؤكدة «الجزائر لها دين على تكويني ووصولي لهذا المستوى، ما يتطلب مني رد الجميل».
ناضلت طيلة خمس سنوات من أجل فتح مدرسة عليا للطاقات المتجددة ..
في سنة 2015 ، تبنت البروفيسور فكرة فتح مدرسة وطنية عليا للطاقات المتجددة و البيئة والتنمية المستدامة، رفقة فريقها، و سعت لتجسيدها، رغم كل العراقيل الإدارية التي واجهتها، خصوصا و أن جامعة باتنة لها رصيد معتبر من الخبرات في مجال الطاقة الشمسية منذ الثمانينات، فقد عملت على موضوع الطاقات المتجددة من خلال فريق عمل ذي كفاءة علمية، بالتنسيق مع الجامعة التقنية في برلين الألمانية، ما جعلها تحصل على الكثير من التجهيزات و الخبرات في ميدان الطاقة الشمسية و مولت ألمانيا عديد البحوث العلمية، ما جعل مجموعة من الأساتذة يتوجهون إلى هذا البلد، لمتابعة دراساتهم العليا. و أوضحت المتحدثة أنها كانت ترغب في دخول الجزائر التحديات الطاقوية، خصوصا و أنها تملك كما هائلا من الطاقة الشمسية، لأنها تقع في الحزام الطاقوي، لكن مشروع افتتاح المدرسة الوطنية للطاقات المتجددة، تأخر بسبب عراقيل إدارية.
بعد طول انتظار، تم افتتاح المدرسة في جوان 2020 ، و أطلق عليها اسم المرحوم الدكتور عبد الحق رفيق برارحي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي الأسبق، و دشنها الوزير الأول آنذاك عبد العزيز جراد يوم 21 أكتوبر بنفس السنة، و تم تنصيب البروفيسور ليلى مخناش، مديرة للمدرسة العليا في 29 نوفمبر 2020 .
و تقع المدرسة بمحاذاة جامعة باتنة 2 ، على مساحة 40 هكتارا، و تضم 5 أقسام تشمل البيئة و الصحة، الهندسة و الإبداع، الأنظمة الدائمة والطاقات المتجددة، الكهرباء التقنية والشبكات الذكية، و القياسة، كما تتوفر على 4 مدرجات و4 مخابر للأعمال التطبيقية و البحث العلمي، و تصل طاقتها الاستيعابية إلى 1500 طالب، إلا أنها تضم حاليا 500 طالب وطالبة، حسب مديرة المدرسة.
و أكدت المتحدثة، أن المدرسة العليا تسعى لتوفير التعليم العالي و البحث العلمي والتطوير التكنولوجي لطلبتها في قطاع الطاقات المتجددة والبيئة والتنمية المستدامة والذكاء الاصطناعي، باختيار أساتذة ودكاترة أكفاء، أغلبهم خريجي جامعات خارج الوطن .
و تابعت البروفيسور مخناش أنها أدرجت تخصص الذكاء الاصطناعي في برنامج المدرسة، لأن التوسع في مجال الطاقات المتجددة يتطلب التمكن من تقنيات الذكاء الاصطناعي، و الدولة غير المتمكنة في هذا المجال، لن يكون لها وجود في المستقبل، حسبها.
و ذكرت المتحدثة أنها تسعى رفقة طاقم المدرسة، لعقد شراكات مع جامعات و شركات كبرى في العالم، تنشط في ميدان الطاقات المتجددة، إلى جانب تكوين مهندسين ليتمكنوا من فتح مؤسسات ناشئة، مع توفير المرافقة لهم لينطلقوا في مشاريعهم، كما يتم التباحث مع وزارة اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة من أجل التعاون وإصدار قوانين، تسهل إنشاء هذه المؤسسات، الى جانب دراسة مشروع إنشاء محطة لتوليد الطاقة الشمسية، بالتعاون بين جامعة باتنة و المدرسة العليا للطاقات المتجددة.
أعشق التاريخ و علم الاجتماع و تكونت في الطب البديل
الباحثة تتقن العربية و الانجليزية و الفرنسية، و أكدت لنا أنها تعشق التاريخ و درسته جيدا، و قالت بهذا الخصوص» من لم يطلع على خبايا التاريخ الإنساني، لا يستطيع تطوير نفسه و تقديم الجديد في عمله «. و أضافت أنها تحب العلوم الإنسانية، خاصة علم الاجتماع، فمجال تخصصها المعقد، لم يمنعها من تخصيص بعض الوقت للبحث في مجالات أخرى.
كما أنها سافرت إلى أمريكا و فرنسا و لبنان، لتعلم الطب البديل، كالعلاج بالإبر الصينية و علم الطاقة و أسس التغذية الصحية، و كذا الزراعة.
و إيمانا منها بقدرة الجسد على التشافي بطرق طبيعية، أسست جمعية ولائية رفقة زملاء لها، لتقديم محاضرات توعوية لمختلف شرائح المجتمع، و توضيح طرق الحفاظ على الصحة الجسدية و النفسية، بدءا بالالتزام بنمط معيشي صحي.
رميساء جبيل
حافظة أسرار التـراث مليكة دادي
متقاعدة تقاوم رياح العولمة بالترويج للموروث الشعبي الورقلي
تخطف السيّدة مليكة دادي، الأنظار و تستحوذ على الانتباه، أينما حلت بلباسها التقليدي الورقلي الأصيل، مقاومة رياح العصرنة التي عصفت بالموروث الشعبي، في العديد من المناطق ببلادنا.
عثمان بوعبدالله
قبل الاقتراب منها، يشدك لباسها المتناسق الذي تزيده جمالا الحلي التقليدية و الأساور التي تتزين بها، و عندما تتحدث إليها، ستكتشف أنها خزانة أسرار الموروث الثقافي، تحفظ بذاكراتها، رغم أنها في العقد السابع من العمر، عادات و تقاليد المنطقة و خباياها، و لجلساتها و لقاءاتها بزوار المناطق السياحية و معرضها، المقام بدار الثقافة مفدي زكريا بورقلة، نكهة خاصة، لأنها تسافر بالحضور عبر الزمن و تسلط الضوء على مجتمعها بكل خصائصه.
تناضل الموظفة المتقاعدة مليكة دادي، لإحياء الموروث الشعبي، و الحفاظ على عليه من الاندثار، و يعتبرها الكثير من أبناء المنطقة خزانة أسرار الموروث الورقلي بامتياز، و حامية العادات و التقاليد، الحريصة على الترويج لها في مختلف المناسبات و المعارض الوطنية و الدولية، للتصدي لرياح العصرنة و النسيان.
عنوان بارز للمشهد الثقافي و السياحي الورقلي
أصبحت السيدة دادي، عنوانا بارزا في المشهد الثقافي و السياحي الورقلي، ففي كل مناسبة تكون في مقدمة الحضور، و من أهم الشخصيات البارزة التي توجه لها الدعوات من قبل مختلف الهيئات و المديريات، لإبراز عمق موروث هذه الولاية الصحراوية، و هو ما حفزنا للالتقاء بها.
سردت المتحدثة للنصر، تجربتها في الدفاع عن عادات و تقاليد المنطقة، من لباس تقليدي و أكلات شعبية و أنشطة حرفية، مشيرة إلى أنها تقاعدت من قطاع الصحة، لكنها تأبى التوقف عن نشاط ورثته عن أجدادها، و تمارسه منذ نعومة أظافرها، فبالإضافة إلى أشغالها اليومية، تضع الصناعات التقليدية ضمن أولوياتها، فهي حرفية متمرسة، تزاوج بين العمل الميداني و النضال الدائم، للترويج لتراث المنطقة.
الملحفة لباس الأعراس الذي يقاوم رياح العصرنة
اشتغالها على إيصال صوت المرأة الورقلية و موروثها، جعلها تلم بعادات المنطقة، بداية باللباس التقليدي الذي ترتديه، و تروج له في كل المناسبات، و قالت بهذا الخصوص "هذا اللباس، المعروف محليا بالملحفة الورقلية، لا يكاد يفارقني في كل المعارض و المناسبات التي أقصدها، و حتى في حياتي اليومية، رغم تعليقات زوار المعارض، التي تزيدني عزما على التعريف بموروثنا والافتخار به، فالملحفة الورقلية لا تختلف عن اللباس التقليدي، مثل الفرقاني و الشدة التلمسانية، و غيرها من الألبسة التقليدية، التي يتم الترويج لها في مختلف المعارض، من قبل وزارة الثقافة".
و يتكون الزي الورقلي التقليدي الذي ترتديه عادة النساء في الأعراس و الأفراح و حفلات الختان، من ثلاث قطع رئيسية، تتم خياطتها باليد، تتمثل في القطعة الرئيسية المصنوعة من الحرير، التي يطلق عليها اسم "السورية" و الملحفة "أوتملحفت"، حسب المصطلح الشائع بالمنطقة، و توضع فوق الرأس و تتم خياطتها بأجود أنواع القماش، و كذا الحزام المزركش، و لا يتم ارتداء هذا اللباس في المآتم والأحزان، و قد توجهت بعض النساء إلى الألبسة العصرية و أصبحن يرتدينها في حياتهن اليومية، في حين تبقى الملحفة سيدة الألبسة في المناسبات و الأفراح.
الحديث مع السيدة دادي متشعب و متنوع، بتنوع ألوان و طبوع التراث، فهي تقودك في رحلة عبر عديد المحطات، لتجسد شغفها بهذا الموروث، الذي استحوذ على وقتها و اهتماماتها، و قالت بهذا الشأن " جبت 58 ولاية و شاركت في معارض وطنية و دولية، لن أتخلى عن الترويج لأصالة و تراث ورقلة، و لن يوقفني عن هذا النضال سوى الموت، أحاول منذ سبع سنوات، أن أجعل جميع أيام الأسبوع احتفاء بهذا التراث، من خلال المعرض الذي أشرف عليه على مستوى دار الثقافة مفدي زكريا بورقلة".
و أضافت "هذا المعرض عمره سبع سنوات و أصبح مقصدا للسياح و كبار المسؤولين و طلبة الجامعات، لإنجاز بحوثهم حول التراث".
«الدشيشة» و «المختومة» تتصدران المطبخ الورقلي
يزخر المطبخ الورقلي، كما قالت المتحدثة، بشتى أنواع المأكولات و المشروبات، إلا أن طبقي "الدشيشة" و "المختومة" من الأطباق المفضلة بالنسبة للعائلات و لزوار المنطقة، فهما مناسبان لخصائص المناخ الصحراوي الذي يتميز بالحر الشديد صيفا، فضلا عن مذاقهما المميز و تحضيرهما بمواد طبيعية تتمثل أساسا في العجائن و الحبوب، إلى جانب الخضر.
و يشبه طبق "الدشيشة" إلى حد كبير، طبق "العيش" أو "البركوكس" أو "الفريك" في شكله، لكنه يختلف كليا في طريقة التحضير و المذاق، و عند تقديمه تضع ربة البيت الفلفل الحار والمملحات فوقه.أما طبق المختومة، فيشبه "البوراك"، لكنه يختلف في طريقة تحضيره و نوعية العجين و المواد المستعملة، حيث تركز ربة البيت على إضفاء مذاق مميز له، باستعمال شحم الغنم، و هناك أطباق تشتهر بها المنطقة، على غرار الشخشوخة و الفول إلى جانب أطباق أخرى غزت مطاعم الولاية خلال السنوات الأخيرة، من أهمها "المايناما" و "المردومة" التي تتكون أساسا من لحم الغنم و الدجاج الذي يطهى على الجمر، أو داخل حفرة عميقة، بالنسبة للمردومة .
جذع و سعف النخيل لصنع الأواني و قطع الديكور و الأثاث المنزلي
لا يقتصر اهتمام المرأة الحرفية الورقلية، على اللباس التقليدي و الأكلات الشعبية، بل يشمل الصناعات التقليدية، حيث أنها تعتمد في صنع الأواني و الأثاث على النخيل، حيث تستعمل سعف النخيل في إبداع قطع ديكور منزلية مختلفة، إلى جانب صنع المفروشات التي توضع على الأرض للجلوس، و الأطباق و الحقائب و الطاولات و الكراسي، فجميعها تصنع من جذع و سعف النخيل، كما يتم تنويع استعمالات التمر، بين أكله طازجا، أو استعماله في تحضير مختلف الأطباق، فضلا عن استخراج مواد أخرى منه، على غرار مادة الخل، فضلا عن كونه أهم مادة كانت تستعمل في تجارة المقايضة قديما، إذ يتم استبداله بمواد غذائية أخرى، تجلب من الشمال و المدن الداخلية، و يعتبر أهم مورد للفلاحين بالمنطقة، بعد الدعم الذي استفاد الكثيرون منهم لإقامة بساتين لزراعة النخيل و تسويق منتجاتهم إلى العديد من ولايات الوطن .
جلسات الشاي لعرض الاحتياجات الاجتماعية بين العائلات
لا تزال العائلات الورقلية، حريصة على الحفاظ على علاقات طيبة و وطيدة بينها، انطلاقا من الالتزام بتنظيم جلسات يومية بعد صلاة العصر، يكون فيها الشاي، الذي يحضر بطريقة فريدة ، سيد الجلسة، و قالت مليكة بهذا الشأن " إنها لقاءات عائلية نستعرض خلالها أهم المستجدات و الاحتياجات.. فعندما يكون مثلا أحد أفراد العائلات المقربة، بحاجة إلى الاستدانة يعرض الأمر خلال هذا اللقاء، الذي بجمع الأبناء بالآباء و الأعمام و العمات و الخالات و الأخوال، كما يتم التطرق إلى مختلف الاهتمامات المشتركة بين العائلات، كالمناسبات و الأفراح وغيرها".
و أضافت المتحدثة " هذه الجلسات لا غنى لنا عنها، و في حال قدوم ضيوف يلزمون بشرب ثلاثة أكواب من الشاي، الكوب الأول للمحبة، و الثاني للعشرة، و الثالث لختام الجلسة".
رطل من الذهب و قنطار بخور و 300 قارورة عطر ..في جهاز العروس
لعل ما يميز ولاية ورقلة عن باقي الولايات، هي العادات والتقاليد المميزة التي تصر العائلات على الحفاظ عليها وحمايتها من الاندثار، كما أنها تعبر عن البعد الاجتماعي و الاقتصادي لسكانها، خاصة في ما يتعلق بجهاز العرائس، و أكدت مليكة دادي في حديثها للنصر، اهتمام العائلات الورقلية بالمرأة، و حرصها على ضمان مستقبلها و الحفاظ على كرامتها، و ذلك من خلال تجهيزها بكمية تقارب رطلا من الذهب، و قالت المتحدثة بهذا الصدد "كل عائلة تجهز ابنتها ب"محازات الزمان" و هي عبارة عن أقراط ذهبية ، وزنها يقارب أو يفوق 300 غرام، بالإضافة إلى الخلخال، و حلي ذهبية أخرى. أما الحلي الفضية فتستعملها النساء في حياتهن اليومية، و لا تتزين بها في الأفراح و المناسبات، مثل الحلي الذهبية".
و ترجع سفيرة الموروث الشعبي الورقلي التمسك بهذه العادات و الإصرار على حمايتها من الزوال، إلى تفكير العائلات في مستقبل بناتها، فلا شك أنهن سيجدن الأقراط الذهبية في وقت الشدة، بشرط عدم بيعها، و الاكتفاء برهنها في حال مرورهن بظروف قاهرة، ثم استرجاعها بعد قضاء حوائجهن، لتوريثها لبناتهن أو بنات الإبن، وغيرهن من القريبات اللائي يمكن لهن أن يرثن ممتلكاتهن.
و كشفت مليكة بأن الأمهات يحرصن على جمع قنطار من البخور، لبناتهن منذ صغرهن، لضمها إلى جهازهن في إطار التحضير لزواجهن، و قالت عن هذه العادة الورقلية "تتولى الأم مهمة جمع مختلف العقاقير المكونة للبخور، لأنها باهظة الثمن، بالإضافة إلى 300 قارورة عطر، من مختلف الأنواع، لكي تقوم بمزجها بالبخور، في يوم عرس ابنتها، و تقوم النساء بتحضير البخور، مثل الطعام، وسط أجواء روحانية، يميزها المديح الديني والصلاة على رسول الله"، كما يوزع البخور على المدعوين لحفل الزفاف، و تحتفظ أم العروس بالكمية المتبقية.
بن حليمة رقية مديرة الحرف والصناعة التقليدية بورقلة
مليكة بن دادي هوية و تراث متنقل..
قالت السيدة رقية بن حليمة، مديرة الحرف والصناعات التقليدية، بولاية ورقلة، للنصر، أن مليكة دادي، مثال يحتذى به، للحفاظ على الموروث الشعبي على المستوى الوطني، و اعتبرتها سفيرة فوق العادة للموروث الورقلي، و افتكت هذا اللقب بجهدها الدائم و تفانيها في الحفاظ على عادات و تقاليد المنطقة .
و أكدت في حديثها للنصر، أن أقل ما يقال عن مليكة إنها هوية و تراث متنقل، و ناشطة جمعوية، وقبل ذلك عرفت كحرفية تحافظ على التراث بلباسها التقليدي وحليها و جلستها والأواني التقليدية التي ترافقها، أينما حلت، بالإضافة إلى الشاي الذي توزعه على زوارها و ضيوفها، بكل حب و ود وكرم، فاستحقت بذلك لقب السفيرة و الممثلة الحريصة على الترويج لتراث ورقلة ، سواء محليا، وطنيا أو دوليا.
و تدعو المتحدثة نساء و شباب المنطقة إلى الاقتداء بالسيدة دادي، و الحذو حذوها، لإبراز التراث الورقلي في أحسن و أبهى صوره.
ع/ بوعبدالله