الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق لـ 20 جمادى الأولى 1446
Accueil Top Pub

آثار تحت الأنقاض و القمامة

توقف الترميمات يعرض معالم قسنطينة  إلى الإتلاف

أضرحة وسط الأنقاض و آثار رومانية تغرق في القمامة
توقف الترميمات يعرّض شواهد قسنطينة إلى الإتلاف
أدى توقف الترميمات على مستوى المواقع التاريخية بالمدينة القديمة بقسنطينة ، إلى تحول العديد منها لبنايات متداعية يؤكد المختصون أنها قد تنهار في أية لحظة، و وقفت «النصر» على حجم الخراب الذي طالها، بعد أن هجرت مؤسسات الانجاز ورشات الترميم تاركة خلفها أضرحة أولياء صالحين و آثارا رومانية تغرق في الردوم و القمامة، و كاد الكثير منها أن يتحول إلى أوكار للمنحرفين لولا تدخل السكان لغلقها بالأقفال.

روبورتاج: ياسمين بوالجدري

بين أزقة قسنطينة القديمة و مبانيها الشاهدة على تاريخ أم الحواضر، أجرت «النصر» استطلاعا للوقوف على ما آلت إليه المنشآت القديمة و الشوارع التي تقرر ترميمها منذ 3 سنوات، و قد كانت البداية من الزاوية «الرحمانية» بحي طاطاش بلقاسم، و هو معلم يعود لقرنين من الزمن و كان في السابق مزارا يقصده المواطنون من جميع أنحاء الوطن و حتى من خارجه لـ “التبرك” بالعلامة و الولي الصالح الشيخ عبد الرحمان باش تارزي الذي دفن بالمكان، لكن هذا الموقع تحول اليوم إلى بناية شبه منهارة، لم يتبق منها سوى بعض الجدران و الأبواب المنجزة بالخشب العتيق.
تطلب دخولنا إلى الزاوية الرحمانية، التنسيق مع مكتب الدراسات الذي كان يشرف على ترميمها قبل عدة أشهر، و ذلك للحصول على مفتاح البوابة من حارس حظيرة السيارات المجاورة.. أول ما صادفنا عند دخول المكان هو كميات الردوم و الأخشاب المترامية في كل مكان و التي لا تزال شاهدة على أشغال لم يكتب لها أن تستمر، قبل أن نصطدم بمشهد ضريح الشيخ بن عبد الرحمان الذي يلفه غطاء أخضر قديم، و تحيط به أعمدة خشبية صارت آخر ما يدل على وجود ولي صالح بالزاوية، في مشهد مؤسف قال لنا سكان المنطقة أنه لم يتغير منذ عدة أشهر، متسائلين عن سبب عدم تحرك أية جهة، على الأقل من أجل “رد الاعتبار لحرمة الميت”.
ترميمات تكشف عن موقع أثري أسفل «الروتيار»
تركنا ضريح الولي الصالح يرقد بين الردوم، و مشينا أمتارا قليلة للاطلاع على آثار رومانية علمنا أنها اكتشفت بالقرب من محطة التيليفيريك، خلال أشغال الحفر التي كان يفترض أن تسبق مشروع متحف و موقف بالمكان.. الموقع كان محاطا بالصفيح و تم إغلاقه بالأقفال من قبل الشاب ذاته الذي يحرس الزاوية الرحمانية، و الذي استعنا به مرة أخرى من أجل دخول المكان، و هنا كانت مفاجأتنا كبيرة فقد تحولت الساحة التي خطط إقامة المشروع عليها، إلى مكب كبير للنفايات و الردوم، كما أن الحفر التي كشفت عن منازل تعود إلى العهد العثماني كان يفترض أن تتحول إلى متحف، فقد امتلأت بالأعشاب و حتى الخضروات.
مكتب الدراسات المعني بالعملية و الذي توقف عن العمل منذ عدة أشهر بسبب مشكلة عدم إبرام العقود، قال لنا أن هناك آثارا تعود للحقبة الرومانية تم اكتشافها منذ عدة أشهر خلال أشغال الحفر أسفل الساحة، لكنها تحولت بسبب الإهمال إلى مكب للنفايات و نمت بها الأعشاب، إلى درجة أننا لم نستطع تصويرها، و هو وضع قالت لنا صاحبة المكتب أنه قد تم إعلام الجهات الوصية بشأنه، حيث تم إيفاد خبراء للاطلاع عليه، في وقت يتحدث مدير الثقافة عن مشروع لتدعيم أرضية الساحة من أجل حمايتها من الانزلاق، و هي خطوة أكد بأنها سوف تتبع بعمليات تنقيب عن الآثار بالمنطقة من طرف لجنة مختصة من المركز الوطني للبحث في الآثار.
منحرفون يحولون مطبعة ابن باديس و مسجد «ربعين الشريف» إلى مخمرة
بالتوغل أكثر في المدينة القديمة، وجدنا زوايا و مساجد أخرى توقفت بها الترميمات لكننا لم نتمكن من دخولها لأنها كانت مغلقة بالأقفال، من طرف مواطنين لم نجدهم و منهم من يعيشون بمناطق بعيدة، لكن بعد توسط أحد مكاتب الدراسات مع السكان استطعنا دخول مسجد “ربعين الشريف” العريق.. بهذا المعلم لم نجد ما يوحي بأن الأمر يتعلق بمسجد، باستثناء اللافتة القديمة التي لا تزال مثبتة فوق بوابته، و بعض الأغراض التي وجدناها مترامية داخل هيكل متداع كان مليئا بالأتربة و الردوم، كما وجدنا بالمكان أكواب بلاستيكية قال لنا السكان أنها تعود لشباب اتخذوا من المسجد مرتعا لتعاطي الخمور، و هو ما جعلهم يحرصون على إغلاقه بالأقفال، و لو أن بعض المنحرفين يستغلون هدم جزء من الجدران لدخول المسجد.
و قد أكد لنا السكان أن المسجد كان بحالة جيدة و يتسع للمصلين الذين يؤدون العبادات، دون تسجيل أية تسربات مائية أو انهيارات، متسائلين عن سبب “تخريبه” و تركه ورشة مفتوحة سوف تعرض المكان للتدهور أكثر في حال حدوث اضطراب جوي، حيث ذكروا أن إغلاق المرفق دفعهم إلى أداء الصلوات بمسجد “ميمون” البعيد، و الذي ربطوه بحي “ربعين الشريف” بأسلاك من أجل سماع صوت الأذان من المكبرات.
و بالقرب من مسجد “ربعين شريف”، وجدنا مطبعة الشيخ العلامة عبد الحميد بن باديس مغلقة بالأقفال و الطاولات، حيث قال لنا مرافقونا أن الجيران اضطروا لغلقها بهذا الشكل لمنع دخول المنحرفين إليها، بعد أن استغلوا توقف أشغال الترميمات لتحويلها إلى وكر للفساد، مضيفين بأن هذه المطبعة التي كان الشيخ ابن باديس يطبع بها نشرية الشهاب، صارت مهملة و لا يوجد بداخلها سوى آلة كبيرة كانت تستعمل في الطباعة، و قد تأسف قاطنو المدينة القديمة لما يحدث و قالوا بأنهم صاروا يخجلون حتى من دلّ السياح الجزائريين و الأجانب إلى  المكان، الذي لا يعكس القيمة العلمية و التاريخية للعلامة ابن باديس.
الوضع لم يختلف كثيرا بقهوة “النجمة” بشارع العربي بن مهيدي “الطريق الجديدة” و بحمام “بوقفة” بـ «الروتيار»، بحيث وجدنا الأشغال متوقفة بهما، أما بزاوية “المشايخ” التي يرقد بها 15 شيخ إسلام بمنطقة “البطحة”، وجدنا بناية لم يتبق منها سوى هيكلها الخارجي و اكتشفنا من خلال إلقاء نظرة عليها من سقف دار الإمام، بأنها تحولت إلى مجرد خراب..
الشوارع و الدروب أيضا تم برمجتها للترميمات و ثبتت بها أعمدة خشبية و معدنية و ستارات شبكية، حولها الأطفال إلى أرجوحات و استغلها اللصوص للتسلق نحو المنازل، بعد أن ظلت في مكانها لأشهر دون أن تغير وجه مدينة قد لا تظل عريقة، لأن الشواهد التي تؤرخ لعراقتها تندثر تدريجيا، و تحتاج اليوم لالتفاتة جادة من الجهات المعنية، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.             

ي.ب

مدير الثقافة يقدر الغلاف المالي ب7.7 مليار دج ويطمئن

«لا يوجــد تأخــر و الترميمــات تتطلــب وقتــا»

يرى السيد فوغالي جمال الدين مدير الثقافة بولاية قسنطينة، بأنه لا يمكن الحديث عن تأخيرات في عمليات ترميم المدينة القديمة، رغم اعترافه بأنها توقفت بسبب مشكلة منح الاعتمادات للأجانب، و هي عقبة يقول أن السلطات تعمل على تسويتها، من أجل «استعادة» الذاكرة التاريخية لقسنطينة، و ذلك بعد «أخذ الوقت اللازم» و حتى لو استغرق الأمر سنوات عديدة.
و في لقاء مع “النصر” صرح مدير الثقافة بولاية قسنطينة، أن الديوان الوطني لتسيير و استغلال الممتلكات الثقافية المحمية، يعمل على متابعة ترميمات زوايا و مساجد و حمامات المدينة القديمة، و ذلك موازاة مع إصدار الوالي تسخيرات دورية، تسمح لمكاتب الدراسات بالعمل، و كانت آخرها الصادرة شهر سبتمبر الماضي.
 و يرى فوغالي أن المشكلة تكمن في مطالبة المجلس الوطني لهيئة المهندسين المعماريين، بشهادات تثبت ممارسة الشركاء الأجانب للعمل مع مكاتب الدراسات الجزائرية، و هو ما استلزم البحث في صيغة أفضل لإيجاد «الحلول» الكفيلة و “تصحيح” الوضع، إلى جانب العمل على تسهيل كل الوثائق، لأن المؤسسات المعنية لم تتلق مستحقاتها المالية منذ أكثر من سنة.
و لدى استفسارنا عن طبيعة «الحلول» التي يتحدث عنها، قال مدير الثقافة أنه يمكن على سبيل المثال تجاوز عقبة الاعتماد الممنوح للأجانب، لأن الأمر يتعلق، كما أضاف، بترميم و ليس بناء، و هنا يمكن إيجاد مخرج قانوني يسمح لهم بالعمل، و إجراء الترميمات التي تتطلب الدقة و الخبرة، مضيفا بأن مشاكل منح الاعتماد للأجانب ليست العائق الوحيد الذي يقف عقبة أمام تقدم الترميمات، حيث يقول بأن “العامل البشري” هو أيضا السبب، إذ لا تزال عمليات تهيئة الدروب و المدينة العتيقة، متوقفة لأن الباعة المتجولين احتلوها، ما يستلزم توعية و تحسيس هؤلاء.
كما يرى السيد فوغالي أنه لا يمكن الحديث عن تأخر في الترميمات، حيث قال بأن المساجد و الزوايا التي تقرر ترميمها و تم إغلاقها منذ سنة، بالرغم بقائها ورشات مفتوحة، إلا أن غلقها جنّب وقوع الأسقف و الجدران على المصلين و الزوار، رافضا تقديم أجل أو تاريخ لإتمام الترميمات بالمدينة القديمة، قائلا بأن الأمر يتعلق بـ “ذاكرة الأمة” و يتوجب أخذ الوقت الكافي لاستعادتها، بعد أن خصص لبرامج الترميم التي جاءت مع تظاهرة عاصمة الثقافة العربية،7.7 مليار دينار موزعة على 74 عملية.
و أكد المسؤول أن مصالحه لن تترك المنشآت المبرمجة للترميم عرضة للإهمال و العوامل الطبيعية، مضيفا بأن المشروع الذي أقرته الدولة و رصدت له أموالا كبيرة، لن يتم التغاضي عنه، بل عرف ظروفا “قاهرة» عرقلته، معللا ذلك بانتهاء الأشغال بمرافق لم تشهد مشاكل إدارية مع الشركاء الأجانب، على غرار ترميم الرسومات الحائطية بقصر أحمد باي و تقدم الأشغال بداري «الدايخة» و «البحري» و السويقة السفلي، مع قطع الدراسات الخاصة بإعادة الاعتبار للمدينة الأثرية “تيديس»، شوطا مهما، على حد قوله.            

ياسمين بوالجدري

مكاتب الدراسات المشرفة على الترميمات المتوقفة تحذر
 زوايــا مساجــد وحمامــات مهــددة بالانهيــار
حذّر أصحاب مكاتب دراسات أسندت لها مشاريع ترميم المواقع التاريخية بالمدينة القديمة بقسنطينة، من احتمال انهيار العديد من الزوايا و المساجد و الحمامات العتيقة في الفترة المقبلة، و ذلك لتوقف أغلب الورشات منذ قرابة سنة و تدهور هياكل البنايات، و هو وضع “لا يستحمل المزيد من التأخير” و أرجعوه في ندوة أدارتها “النصر”، إلى عدم إبرام عقود العمل و إلى الوضعيات غير القانونية للشركاء الأجانب، ما أدخل العديد منهم في الإفلاس، وسط “لامبالاة” يقولون أنهم لمسوها من الجهات المسؤولة.

أدارت النقاش: ياسمين بوالجدري

التقت “النصر” بأصحاب 8 مكاتب دراسات محلية و مقاولة، أسندت لهم مهمة ترميم 29 موقعا بالمدينة القديمة، بينها مساجد و زوايا و شوارع عريقة و حمامات و حتى مطبعات قديمة و مقاهي.. حيث أجمعوا على أن الوضع «خطير» و لا يحتمل المزيد من الانتظار، لأنه يخص التراث المادي الشاهد على تاريخ عاصمة الشرق الجزائري و الثقافة العربية، و الذي أصبح، حسبهم، مهددا بالزوال، ما يدفع للتساؤل عن مدى «جدية الجهات المسؤولية» في ترميم المدينة القديمة، عكس الخطاب الذي يقولون أنهم ما فتئوا يسمعونه من المسؤولين.
يقول أصحاب مكاتب الدراسات أنهم شاركوا دون تردد في مشاريع ترميم المدينة القديمة، لأنهم كانوا يرغبون في “خدمة مدينتهم و تحسين وجهها»، لكنهم اصطدموا بواقع صعب فرضه “سوء التسيير” الذي طبع العملية برًمتها، و لقد بدأ كل شيء، كما أضافوا، في جويلية من سنة 2013، عندما اجتمعوا مع السلطات المعنية بقصر أحمد باي و تم إبلاغهم بمشاريع الترميم، التي تقرر إسنادها لأصحاب الخبرة منهم عن طريق التراضي، كما عرض عليهم العمل إلى جانب الشركاء الأجانب للاستفادة من تجربتهم، و كل ذلك خلال عهدة وزيرة الثقافة السابقة خليدة تومي، التي وعدت حينها بتقديم كل الضمانات للعمل دون تعقيدات إدارية و قانونية.
هذه الوعود يقول محدثونا أنهم تلقوها أيضا من مدير الديوان الوطني لتسيير و استغلال الممتلكات الثقافية المحمية زكّار عبد الوهاب، خصوصا و أن العمل مع الشركاء الأجانب يتطلب عدة إجراءات، طبقا للقانون رقم 94-07 المتعلق بشروط الإنتاج المعماري و ممارسة مهنة المهندس المعماري، و الذي يلزم هذا الأخير بعدم إشراك الأجانب قبل حصولهم على اعتماد من السلطات الجزائرية.
و بعد سلسلة اجتماعات تم اختيار 22 مكتب دراسات، نصفهم من قسنطينة و ألزموا بإدخال شركاء أجانب في المشروع، و على هذا الأساس بدأ الشركاء الأجانب من اسبانيا و فرنسا و أوكرانيا و إيطاليا في القدوم إلى قسنطينة، من أجل معاينة المشاريع و التحضير للدراسات، و هنا يقول محدثونا أن المشاكل بدأت تظهر، فقد وجد الأجانب بأنهم يعملون دون عقود أو اعتماد يوضح وضعيتهم القانونية و يضمن لهم حقوقهم المادية، خصوصا و أن مكتب الدراسات لا يخضع لقانون التجارة لأنه يمثل شخصية فيزيائية تتمثل في المهندس المعماري، و ليس شركة.
الأجانب هجروا الورشات  لكن الفرنسيين يطالبون بحقوقهم
هذا الوضع دفع بمكاتب الدراسات المحلية، إلى اللجوء للموثقين من أجل إمضاء بروتوكول اتفاق مع الشريك الأجنبي، لملء جزء من الفراغ القانوني، موازاة مع العمل بالتسخيرات التي يصدرها الوالي كل 6 أشهر، في وقت وقفت لجنة الصفقات العمومية عند هذا الخلل الذي حال دون حصول الجميع على مستحقاهم المالية، لأن العقود لم تمض أصلا.
و يضيف أصحاب مكاتب الدراسات أن المشكلة لم تتوقف عن هذا الحد، فقد وقع منذ البداية خلط في توزيع العمل مع الأجانب الذين جاؤوا للعمل وفق قاعدة 51/49، رغم أن الجزائريين يتوفرون، برأيهم، على الخبرة الكافية التي تسمح لهم بالحصول على كامل المشروع، و أمام كل هذه التعقيدات اهتدت بعض مكاتب الدراسات المحلية، إلى فكرة العمل مع الأجانب على أساس أنهم شركات مناولة، للخروج من “المأزق” الذي وقع فيه الطرفان، غير أن هذا الاقتراح لم يطبق سوى على مكتب من الجزائر العاصمة، و هو ما يدفع، حسبهم، إلى طرح أكثر من علامة استفهام، خصوصا و أن شرط العمل مع الشريك الأجنبي لم يفرض سوى على مكاتب قسنطينة و استثني منه العاصميون، على حد قولهم.
و نتيجة لذلك وجد الأجانب أنفسهم في مأزق لم يستطيعوا الخروج منه منذ سنتين، و دفع أغلبهم إلى هجرة الورشات بلا رجعة، إلى درجة أن بعضهم “فقد الأمل” و “تنازل” عن مستحقاته المالية، باستثناء شريك فرنسي أودع شكوى لدى وزارة الخارجية الفرنسية، مضيفين أن ما عقد الوضع أكثر، عدم تسوية الوضعية القانونية للمقاولات و مؤسسات الانجاز، و هو ما صعب من العمل خصوصا و أن إعداد الدراسة يتم بالموازاة مع المقاولة، التي تقوم بإزالة الطبقات السطحية للجدران و غيرها من الأشغال، نظرا لخصوصية هذه الترميمات و دقتها.
خلل قانوني يمنع توقيع صفقات عمرها ثلاث سنوات
«نريد حلا.. لقد تم التلاعب بنا» هكذا واصل المهندسون المعماريون الذين استقبلتهم “النصر» حديثهم.. فقد أكدوا أنهم متوقفون عن العمل منذ عدة أشهر و اضطروا لترك الورشات مفتوحة، لعدم إبرام عقود العمل، ما أدى إلى إفلاس العديد منهم، بعد أن وضعوا جميع أموالهم في عمليات ترميم لم يتقاضوا مقابلها منذ 3 سنوات، كما أن الكثير، يؤكدون  تخليهم  عن مشاريع أخرى كانت لتدر عليهم أرباحا كبيرة، من أجل التفرغ لترميمات المدينة القديمة، التي كلفتهم أموالا باهظة، كون الدراسة تطلبت في البداية الاستعانة باليد العاملة و الخبراء، و هو وضع يقولون أن الوالي و مديري الثقافة و ديوان حماية و تسيير الممتلكات الثقافية المحمية، على علم به.
و في هذا الخصوص شرح محدثونا بأن الدراسات بجميع المواقع تطلبت في مراحلها الأولى، أشغال تمهيدية مثل نزع بعض مواد البناء ، كما تم اقتلاع عدد من الأسقف المتدهورة و استبدالها بأغطية مؤقتة، إذ أن توقف الأشغال منذ أزيد من ستة أشهر، بسبب المشاكل التي صادفوها، و بقاء هذه الهياكل على هذا الحال، يهدد الزوايا و الفنادق و المساجد و الحمامات ذات القيمة التاريخية الكبيرة، بالسقوط، لأن هياكلها هشة في الأصل و يمكن أن تُسقط عند أي اضطراب جوي، ما يتطلب، حسبهم، تدخلا مستعجلا لتسوية العقبات القانونية المسجلة، و إعداد دراسات أخرى أمام المعطيات الجديدة، التي فرضتها تعرية المباني لفترة طويلة.
و ذهب السيد عنينب سامي صاحب مكتب دراسات هندسية إلى أبعد من ذلك بالقول “لقد خربنا المعالم بأيدينا”، مقدما مثالا عن مسجد “الكتانية” الذي يشرف على ترميمه و الذي بدأ في أشغال تعرية جدرانه لمعرفة نوعية التدخل، لكنه اضطر لترك الورشة منذ عدة أشهر، لعدم إبرام عقد العمل و رحيل الشريك الأجنبي، ما جعل منارة المسجد معرضة للانهيار في أية لحظة.
مهندسون  يستنجدون بجمعيات الأحياء لتهدئة السكان
كما طرح محدثونا إشكالية «عدم تفهم» السكان للمشاكل التي وقعت فيها مكاتب الدراسات، خصوصا و أن العديد منهم خرجوا من المنشآت على أساس العودة إليها في فترة 6 أشهر، لكن مضى عامان دون التقدم في الترميمات، و هو ما دفع بالمهندسين إلى الاستنجاد بجمعيات الأحياء لتهدئة الوضع، خصوصا و أن بعضهم بدأ يتعرض للتهديدات.
و يؤكد السيد قحام نبيل صاحب مكتب الدراسات الذي أسندت له الترميمات بستة مواقع بالمدينة القديمة، أن التغييرات المتكررة في وزراء الثقافة في الفترة الماضية، زادت من تعقيد الوضع، حيث كانت الأمور تسير في البداية بشكل جيد مع وزيرة الثقافة السابقة خليدة تومي و وزير السكن عبد المجيد تبون، بترتيب جميع الأمور، قبل أن تأتي خليفتها لعبيدي بـ “رغبة كبيرة” في تحسين الأمور، لكن بعد أشهر من تعيينها، تم تنصيب عز الدين ميهوبي الذي «لم يبد بعد اهتماما بما يحدث بالمدينة القديمة”.
و أضاف المتحدث أن المجلس الوطني لهيئة المهندسين المعماريين الذي يترأسه جمال شرفي، حاول دون جدوى التدخل و إيجاد مخرج قانوني لمشكلة مكاتب الدراسات المكلفة بالترميمات بقسنطينة، ليجد المعنيون أنفسهم في مأزق، إذ لا يمكنهم التراجع و لا التقدم في الوقت ذاته، و هو وضع عرضهم للإفلاس، بحيث  لا تقل خسائرهم عن 400 مليون سنتيم، و وصلت بالنسبة للبعض إلى 1 مليار سنتيم.
«ما حدث في قسنطينة أسوأ من سيناريو تلمسان»
السيدة كريباش فاطمة الزهراء التي أسند لها مشروع ترميم الشطرين 1 و 2 في السويقة السفلي و التي أعدت المخطط الدائم للحفاظ على المدينة القديمة، قالت أن مكاتب الدراسات قادرة على أداء عملها دون الشركاء الأجانب، مضيفة “لقد تعبنا.. نريد أن نعرف من المسؤول»، مُبدية استياءها من «تقاذف» المهندسين المعماريين بين الولاية و مديرية الثقافة و ديوان حماية و استغلال الممتلكات الثقافية المحمية، الذي لم يعد مديره يرد على مكالمات المعنيين، رغم أنه كان، حسبها، أول من طمأنهم و شجعهم على المشاريع، و ذلك طيلة 3 سنوات، كما اعتبرت أن ما يحدث سببه «سوء في التسيير» و لا علاقة له بالطابع الاستعجالي لتظاهرة عاصمة الثقافة العربية، التي تم على أساسها إقرار كل تلك المشاريع.
صاحب مقاولة “سارل بوبر ألجيري” قال أن مؤسسته شكلت الاستثناء بين المقاولات المشرفة على الترميمات، حيث و بالرغم من عدم إبرام عقود تضمن حقه معه شريكه الأوكراني، لا تزال المقاولة تعمل على مستوى الشطر الثالث من السويقة السفلى، حيث أنجزت هناك “تيليفيريك” يربط بشارع رومانيا، و يعد تحفة فنية لم تسترع، حسبه، اهتمام السلطات، و في هذا الخصوص قال الشريك الأوكراني “فاليرا بوبير» الذي حضر اللقاء، «خلال عملي بقسنطينة لم أفهم أمورا كثيرة» و أضاف «أنا سعيد لأني أعمل لأول مرة بالجزائر، لكننا نعاني من مشكلة حقيقية، يجب إيجاد حلول لها بعد أن استثمرنا حوالي 2 مليون دينار بالجزائر»، لكن رغم ذلك أكد محدثنا أنه غير نادم على خوض هذه التجربة.
أما السيد سلطاني سفيان صاحب مكتب الدراسات الذي تحصل على مشاريع ترميم سبعة معالم تاريخية بالمدينة القديمة، فقال أن هناك مكاتب دراسات تتعرض للضغط من بعض المقاولات، التي لم تسو وضعياتها القانونية هي الأخرى، رغم أن ما يحصل ليس مسؤولية المهندس المعماري على حد تعبيره، فيما ذكرت السيدة زياني مريم المهندسة المعمارية المشرفة على ترميم الزاوية الرحمانية و ساحة طاطاش بلقاسم و كذا 4 شوارع، بأنها وضعت كراس الأعباء و أنهت دراستها لكن الصفقة لم تبرم و لم يتم اختيار المقاولة لهذا السبب.
من جهته ذكر المهندس المعماري روابح زين العابدين المشرف على ترميم الشطر الثاني من ملاح سليمان، أوضحألجرألأأنه اعتقد في البداية بأن الأمور سوف تسير بشكل جيد لأن السلطات أبدت حينها رغبة حقيقية بذلك، و على هذا الأساس بدأت مكاتب الدراسات تعمل بجدية، حتى أنها استعانت بخبراء على حسابها و سخرت تجهيزات مُكلفة، لكن الأشغال توقفت بعد 6 أشهر، لانتهاء مدة صلاحية تسخيرة الوالي و ظهور مشاكل أخرى.
أصحاب مكاتب الدراسات قالوا أنهم استشعروا “لامبالاة” من الجهات المسؤولة اتجاه مشاريع ترميم المدينة القديمة، مضيفين بـأن سيناريو «تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية” يتكرر بقسنطينة، لكن بـ «حدة أكبر”، لأن الأمر لا يتعلق بعقود و مستحقات مالية فقط، بل بموروث تاريخي مهدد بالاندثار.         

ي.ب

 

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com