تتبنى متاحف وطنية دمج فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، من خلال الارتقاء بالخدمات المقدمة لهم، وتوفير تجربة متحفية تفاعلية بتوظيف تقنيات التكنولوجيا الحديثة لتسهيل زياراتهم، والتجول في أرجاء هذه المؤسسات الثقافية والتعرف على الآثار و اللقى الموجودة بها، فضلا عن التمكن من لمس نماذج من التحف الأصلية واستكشاف تفاصيلها، وهو ما يؤثر إيجابا على الصحة النفسية لهذه الفئة ويعزز التوازن الانفعالي لديها.
تحدث متخصصون في الآثار والطب النفسي، عن أهمية حضور هذه الفئة في مختلف جوانب الحياة الثقافية للمجتمع الجزائري، للانتفاع بالمعلومات والمعارف المتعلقة بالذاكرة والهوية الوطنية، حيث يتحقق ذلك باستخدام تكنولوجيات المعلومات والاتصال لتحقيق الاندماج الاجتماعي لهم وتسهيل التفاعل مع ما يتحصلون عليه من معلومات تاريخية وثقافية، بالإضافة إلى أن زيارة هذه المؤسسات تؤثر إيجابا على الجانب النفسي لديهم وتحفز مواهبهم.
ابتكارات حديثة تجعل الزيارة مفيدة وممتعة
يعتبر أستاذ التعليم العالي بجامعة الجزائر 02، في تخصص صيانة وترميم بمعهد الآثار، محمد العرباوي، أن وجود عدة فئات من ذوي الاحتياجات الخاصة يعد تحديا في حد ذاته يواجه المتاحف التقليدية، إذ لا يمكن فصلهم إلى مجموعات، ومعاملة كل فئة حسب الإعاقة التي تعاني منها، وبالإضافة إلى الأصناف المتعارف عليها، يوجد أنواع أخرى نادرة مثل الموهبة والتفوق، حيث يوجد أشخاص يملكون ذكاء خارقا، فالدليل المرافق داخل المتحف يجد صعوبة في التعامل مع بعض اقتراحاتهم التي تكون أحيانا غير متوفرة في المؤسسة.
بينما توجد ابتكارات متطورة استحدثت أساليب مختلفة تمنح تجربة خاصة لكل فرد، يقول العرباوي، حيث يمكن إدراجها لتسهيل عملية التجول في أرجاء المكان والتعرف على ما يضمه من تحف أثرية.
فبالنسبة للمعاقين حركيا، ذكر الأستاذ أنه يجب التصرف على مستوى طرق السير، وتوفير إشارات توجيهية في المسارات، فضلا عن السلالم التي يجب أن تكون مسطحة لتسهيل التجول على أصحاب الكراسي المتحركة داخل المكان، أما للصم والبكم أفاد الأستاذ، أنهم اقترحوا طباعة تحف ثلاثية الأبعاد باستخدام "الليزر الغراميتري"، تكون نموذجا عن الأصلية ومن المادة ذاتها سواء فخار، أو بلاستيك، وإتاحتها لهم للمسها والتعرف على هيكلها وشكلها،
وعقب المتحدث، بأن هذه التقنية تحفظ التحفة الأصلية من مختلف الأضرار التي تهددها نتيجة استمرار نقلها ولمسها باليد، خصوصا وأن القانون 98-04 يمنع منعا باتا المساس بالتحفة الأثرية، كما يقترح العرباوي أيضا تزويد قاعات العرض بخزائن متحفية مُجهزة بمكبرات صوت، وجهاز استشعار فور وقوف الزائر أمامه يعطي إشارة لقراءة البطاقة التعريفية الخاصة بالتحفة بلغات مختلفة، وهي تقنية تتيح للمكفوفين، وفقا له الاطلاع على تاريخ التحفة، والمكان الذي وُجدت به وكل التفاصيل المتعلقة بها.
وقال الأستاذ إن المتاحف في الجزائر بُنيت بمعايير دولية، وهي تولي اهتماما بهذه الشريحة من المجتمع على غرار المتحف الوطني العمومي بسطيف، والمتحف العمومي الوطني بشرشال، حيث يتوفر فيهما ما ذُكر سابقا من خزائن تفاعلية، وسلالم مسطحة.
وبالإضافة إلى المتاحف، عرج الأستاذ للحديث عن تواجد ذوي الهمم في المواقع الأثرية أيضا، وأوضح أن السبب الوحيد الذي قد يُشكل عائقا أمامهم المسالك الصعبة نوعا ما التي يمكن أن تشكل تهديدا على سلامتهم خصوصا الذين يعانون من إعاقة بصرية.
فيما كشف أستاذ التعليم العالي بجامعة الجزائر 02، تخصص صيانة وترميم في معهد الآثار، محمد العرباوي، عن اجتهادات وأجهزة حديثة موضوعة على طاولة وزارة الثقافة في شكل مشاريع، ستتدعم بها المتاحف والمواقع الأثرية مستقبلا.
التجول افتراضيا في قصر الحاج أحمد باي
من جهتها قالت مديرة المتحف العمومي الوطني للفنون والتعابير الثقافية التقليدية، مريم قبايلية، إن المتحف يحرص دائما على برمجة أنشطة خاصة موجهة لذوي الهمم، سواء في المناسبات الخاصة بهم وحتى في الأيام العادية، أين يوفرون لهم، أنشطة ثقافية يتعرفون من خلالها على التراث الثقافي للجزائر، وقالت قبايلية، إن هذه الفئة أيضا من أبناء الوطن، ويجب توفير العناية الكاملة لهم، فضلا عن أنه من حقهم التعرف على تاريخ البلد الذي ينتسبون إليه، والاندماج في الفعل التراثي والثقافي والمشاركة في حماية التراث أيضا.
كما أشارت المديرة، إلى الزيارات الافتراضية الموجودة في قاعة الديوان وهي مخصصة، وفقا لها، للفئات التي يتعذر عليها التنقل في باقي قاعات المتحف، ومن خلالها يمكن لهم الاطلاع على كل التفاصيل المعمارية والزخارف الجمالية للقصر، كما أفادت أنهم يعملون أيضا من أجل توفير وسائل أخرى لذوي الهمم، وتساعد أيضا إطارات المتحف أثناء مرافقتهم، وذكرت تقنية "البرايل" للمكفوفين، حتى يتمكنوا من الاطلاع على مختلف المعلومات التاريخية، كما ستزود بها المكتبة أيضا ليطلعوا على مقتنيات المتحف، وبحسب المتحدثة، فإن المتحف يعمل أيضا على توفير تطبيقات أخرى متطورة مستقبلا.
المتحف بيئة تنتشل من العزلة الاجتماعية
وتؤثر زيارة المتاحف إيجابا على نفسية الأشخاص من ذوي الهمم، توضح المختصة النفسانية التربوية، والمعالجة الأسرية، صبرينة بوراوي، التي أوضحت أن الخرجات المنظمة إلى المتاحف، تعزز التوازن الانفعالي، وتساهم في تنمية الوعي الثقافي.
وأضافت، أن المؤسسات الثقافية تعد أيضا بيئة تفاعلية تعزز التعلم لدى ذوي الهمم كونها تقرب لهم المفاهيم وتمكنهم من معاينة تفاصيلها، فالتعلم يكون مختلفا وممتعا مقارنة بما يتلقونه في المركز، وشرحت قائلة "على سبيل المثال لو نتحدث عن العملة الوطنية ، الزائر في المتحف يتعلم أنها لم تأت من عدم بل تشكلت عبر فترات تاريخية، كما يتعرف على مختلف أشكالها"، وكذلك مثلا عندما يحضر لاحتفالات "يناير" ويتفاعل مباشرة مع العادات والتقاليد وخصائص كل ولاية.
وتزيد المتاحف أيضا من الإبداع لدى الذين يعانون من إعاقة معينة، تضيف بوراوي، فهناك عينات من ذوي الاحتياجات الخاصة يملكون مواهب في مجالات مختلفة، لكن الخجل الذي يصاحب حالتهم يمنعهم من التعبير عنها وإخراجها إلى النور، فالصور والنماذج التي يلتقون بها في المتاحف تثير فعل التعبير لديهم، خصوصا عندما يحاولون فهم أسلوب إنشائها، ويكتشفون تفاصيلها بأنفسهم.
كما لفتت الأخصائية النفسانية التربوية، والمعالجة الأسرية إلى ضرورة معرفة الدليل في المتحف بخصوصية الحالة التي يرافقها، لأن المعاملة تختلف من فرد إلى آخر.
إيناس كبير