أكد الدكتور محفوظ عاشور أستاذ التاريخ بجامعة البليدة 2 أن الثورة الجزائرية فريدة في العالم، وتركت بصمتها في حركات التحرر الأخرى التي كانت تطمح لنيل الاستقلال، وقال في هذا الحوار الذي خص به النصر أن الثورة الجزائرية هي الثورة الوحيدة في العالم التي وضعت حدا لاحتلال واستعمار استيطاني دام 132 سنة، مضيفا بأن الثورة التحريرية كانت لها استراتيجيتها ومبادؤها لوحدة كفاح الشعوب، وتحقيق الوحدة بين الحركات التحررية والتنسيق فيما بينها من أجل نيل الاستقلال والحرية.
حاوره: نورالدين عراب
النصر: ما الذي يميز الثورة الجزائرية عن حركات التحرر الأخرى في العالم؟
الدكتور محفوظ عاشور: أكيد هي ثورة متميزة عن باقي الثورات التحررية إقليميا وعالميا، وهذا يعود إلى أنها جاءت بعد أكثر من 100 سنة من الاحتلال، و كانت استمرارا لكفاح الشعب الجزائري الذي قاوم الاستعمار منذ 1830 في إطار المقاومات الشعبية المسلحة، وسياسيا ثم عسكريا، لكن النقطة الثانية التي تجعل منها ثورة متميزة أنها اندلعت بإمكانيات بسيطة وأسلحة قليلة وعدد المجاهدين كان قليلا أيضا، لا يتجاور 300 مجاهد أو أكثر بقليل، وكذلك أنها اندلعت في ظروف صعبة، والظروف التي ميزتها أزمة حركة انتصار الحريات الديمقراطية فيما يعرف بأزمة حزب الشعب الجزائري، كما أنها جاءت متميزة لأنها وقفت في وجه استعمار استيطاني ألحق الجزائر بأراضيه عام 1834، وهذا يعني أنه لم يكن ينوي العودة إلى الوراء والتنازل عن الجزائر، وكان مصرا على البقاء بالمعمرين في الجزائر وتحت حماية قواته العسكرية، والثورة الجزائرية كانت متميزة أيضا، لأنها كانت ضد قوة استعمارية من أكبر القوى الاستعمارية أنذاك، والمدعمة من الحلف الأطلسي.
وهذا التحدي الكبير والتضحيات التي قدمها الشعب الجزائري أعطت قوة كبيرة وإصرار كبير لمفجري الثورة والمجاهدين الأوائل الذين عقدوا العزم على أن يطردوا الاستعمار مهما كان الثمن إما بالنصر أو الاستشهاد، فهذا ما كان يميز الثورة التحريرية عن باقي الثورات سواء إقليميا في العالم العربي أو المغرب العربي الذي نجد فيه أن الثورات لم تكن بنفس القوة والتضحيات التي قدمها الشعب الجزائري، وعلى المستوى العالمي ليس هناك بلد في العالم تعرض للاحتلال لمدة 132 سنة، وليس هناك بلد مورس ضد شعبه كل أنواع الإبادة والتعذيب وكل أنواع الاقصاء والعنصرية التي ميزت الاستعمار الفرنسي الاستيطاني في الجزائر.
النصر: ما هي البصمات التي تركتها الثورة الجزائرية في حركات التحرر الأخرى في العالم؟
الدكتور محفوظ عاشور: أكيد أن الثورة الجزائرية تركت بصمات في الثورات التحررية الأخرى، فهناك تأثير كبير من طرف إرادة الشعب الجزائري وإرادة قادة الثورة وكل المجاهدين وكل من ساهم في هذه الثورة، وكل فئات الشعب الجزائري، وهذه الإرادة تأثرت بها الشعوب الأخرى ورأت بأنه يمكن أن يتم طرد الاستعمار من بلادهم بما أن الشعب الذي عانى الكثير، و هو الشعب الجزائري الذي تعرض للاحتلال والاستيطان والإلغاء والاقصاء وطمس الهوية وطمس اللغة، وتشويه كل مقومات الشخصية، بقي صامدا وتمكن من طرد الاستعمار بعد 132 سنة، فبالتالي هناك تأثير كبير، وهذا التأثير ساعد شعوب القارة الإفريقية وشعوب آسيا وكذلك حتى أمريكا اللاتينية، أين ظهرت فيها حركات تحررية استلهمت طريقها من الثورة التحريرية أو استطاعت أن تجعل الثورة الجزائرية ورقة طريق أو مثلا يقتدى به لانتزاع الحرية والاستقلال.
الثورة الجزائرية كانت سببا في استقلال معظم الشعوب الإفريقية
النصر: ما أشكال التنسيق بين الثورة الجزائرية وحركات التحرر الأخرى؟
الدكتور محفوظ عاشور: أشكال التنسيق بين الثورة الجزائرية والحركات التحررية الأخرى كانت قوية وقوية جدا خاصة في القارة الافريقية وفي المغرب العربي، فإذا عدنا إلى التجمع الأفروأسياوي نجد أن الثورة الجزائرية كان لها حضور في مؤتمر باندونغ في أفريل 1955 بإندونيسيا، كما كانت لها علاقات مع باقي حركات التحرر التي شاركت في التجمع الأفرو آسيوي، وكان هناك تنسيق كبير ولعب كل من حسين آيت أحمد وأمحمد يزيد دورا هاما في تفعيل هذا التنسيق خاصة في المحافل الدولية وعلى الصعيد الدبلوماسي، وكذلك الوفود الخارجية في الثورة التحررية كان لها أيضا دور في التنسيق مع الحركات التحررية التي كانت في المناطق التي احتلها أو تحت السيطرة الفرنسية، ونجد أن هذه الثمار كانت خلال الثورة التحريرية.
ويجب أن نعلم في سنة 1956 لو لم تكن قوة الثورة التحريرية لما تراجعت أو انسحبت فرنسا من الجارتين تونس والمغرب في سنة 1956 وحصولها على الاستقلال، وفي 1960 انسحبت فرنسا تحت ضغط الحركات التحررية وضغط الثورة التحررية الجزائرية من عدد من الدول الإفريقية، لأن فرنسا كانت تريد الاحتفاظ بالجزائر مهما كان الثمن، وبالتالي ركزت كل قواها على الجزائر، ولهذا انسحبت من دول عديدة فاقت 14 دولة إفريقية التي نالت استقلالها سنة 1960، هذا يمثل شكلا من أشكال التنسيق بين الثورة الجزائرية والحركات التحررية الأخرى، وتأثير الثورة التحريرية ومساهمتها في تحرير القارة الأفريقية وتحرير المغرب العربي، لأن الثورة الجزائرية كان لها بعد مؤتمر الصومام استراتيجية جديدة لمحاربة الاستعمار على كل الأصعدة، وخاصة على الصعيد الدولي والدبلوماسي.
صدى الثورة الجزائرية يظهر في مواقف الحركات التحررية
النصر: تحدثت عن منح فرنسا الاستقلال لعدد من الدول الإفريقية لتحتفظ بالجزائر مستعمرة فرنسية، كيف كان للثورة الجزائرية دور في توحيد جهود الشعوب الإفريقية والمغاربية لنيل الاستقلال؟
الدكتور محفوظ عاشور: أكيد الثورة الجزائرية فريدة من نوعها في العالم لأنها الثورة الوحيدة التي وضعت حدا للاستعمار واحتلال استيطاني دام 132 سنة، فقد كانت لها استراتيجيتها ومبادئ لوحدة كفاح الشعوب من أجل الاستقلال، هذه الوحدة لا تعود فقط إلى زمن الثورة التحريرية، بل تعود إلى الحزب الذي أسسه الجزائريون وهو نجم شمال إفريقيا و الذي تسميته كافية لتبين دور الجزائريين في توحيد جهود الشعوب وتحقيق الوحدة بين الحركات التحررية والتنسيق فيما بينها، وصدى الثورة الجزائرية نجده في مواقف الحركات التحررية والشخصيات البارزة، فمثلا إذا تحدثنا عن «أملكار كابرال» الزعيم الغيني الذي أسس الحزب من أجل تحرير غينيا، ومقولته الشهيرة «الجزائر مكة الثوار» فحين سئل في الندوات الصحفية التي عقدها لما كان في الجزائر عن سبب إطلاقه هذه العبارة، قال « المسلمون يحجون إلى مكة والمسيحيون يحجون إلى الفاتيكان، والثوار والحركات التحررية تحج إلى الجزائر» ولهذا مبادئ الدبلوماسية الجزائرية مستمدة من مبادئ أول نوفمبر وكفاح الشعب الجزائري، ومكانة الثورة الجزائرية صداها كان عند جميع الشعوب الإفريقية والعالم.
وصدى الثورة بلغ نقاط كبيرة في المعمورة، وهذا يدل على أن الثورة التي جاءت بعد كفاح الشعب الجزائري منذ 1832 إلى 1954، ليواصل الشعب بعد 1954 الكفاح المسلح بعد أن كان في شكل مقاومات شعبية مسلحة ثم مقاومات سياسية ثم ثورة بقيت متواصلة إلى غاية الحصول على الاستقلال، ولهذا فإن الثورة التحريرية تمثل استمرارية لكفاح الشعب الجزائري منذ الاحتلال الفرنسي، رغم التضحيات وسياسة الإبادة التي انتهجها المستعمر الفرنسي حتى في أوقات الثورة التي استعملت فيها مختلف الأسلحة المحرمة دوليا، وألحقت دمارا شاملا، ومن بينها قنابل النبالم، حيث أن الشعب الجزائري يدفع إلى يومنا هذا ثمن السياسة الاستعمارية الفرنسية في المناطق الحدودية وفي المناطق التي كانت فيها تجارب نووية كرقان وغيرها.
و ما زاد في تدويل القضية الجزائرية وأعطاها صدى أكبر هو مشاركة جبهة التحرير الوطني في التجمع الأفرو آسياوي في أفريل 1955 بوفد مشكل من حسين آيت أحمد وأمحمد يزيد في باندونغ، وهنا أمحمد يزيد ساهم بقسط في تدويل القضية الجزائرية، وكان يسمى في الأمم المتحدة برجل الأروقة، وكان دائما يتصل بالوفود، وفي باندونغ استطاع مع آيت أحمد أن يعطي صورة واضحة عن ما كان يحدث في الجزائر وقيمة وقيم الثورة التحريرية، ولهذا نالت إعجاب وانبهار كل الشعوب والحركات التحررية واستلهمت منها العبر وروح التضحية وطريقة الكفاح التي مكنتها من استقلال الجزائر.
النصر: الشعب الفلسطيني يخوض معركة قوية من أجل نيل الاستقلال والحرية، وبالمقابل العدو الصهيوني يرتكب مجازر بشعة وينفذ حرب إبادة جماعية في غزة ضد المدنيين الفلسطنيين، وبمناسبة الذكرى السبعون لاندلاع الثورة التحريرية الجزائرية، والذكرى الأولى لمعركة طوفان الأقصى، ماذا يمكن أن يستلهم الفلسطينيون من الثورة الجزائرية؟
الدكتور محفوظ عاشور: اليوم تحدث في غزة مجازر يرتكبها العدو الصهيوني، والشعب الفلسطيني يعرف جيدا ما تعرض له الشعب الجزائري من مجازر طيلة 132 سنة، آخرها مجزرة 17 أكتوبر 1961 في باريس، ولهذا الشعب الفلسطيني استلهم من هذه التضحيات وأصبح أكثر استعداد للتضحية من أجل تحقيق الحرية والاستقلال، ويعرف جيدا أن الشعب الجزائري بتضحياته وكفاحه استطاع أن ينال الحرية والاستقلال.
ن ع