الاثنين 4 نوفمبر 2024 الموافق لـ 2 جمادى الأولى 1446
Accueil Top Pub

أستاذ العلوم السياسية نبيل ديب للنصر: لوبيات فرنسية متطرفة تسعى إلى خلق ذاكرة جديدة

يؤكد المتخصص في العلوم السياسية والعلاقات بجامعة صالح بوبنيدر قسنطينة 3، الدكتور نبيل ديب، بأن فرنسا هي التي تشكل العقبة الكبرى في عدم تسوية ملف الذاكرة مع الجزائر لأنها تخشى الخطوات التالية للاعتراف ولعلمها بأنها ارتكبت جرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم وهو ما يفسر ظاهرة المد والجزر في العلاقات بين البلدين، مشيرا في هذا الحوار مع النصر، إلى وجود لوبيات متطرفة تمثل رأس حربة لقوى متخفية تسعى حثيثا لإظهار الملف في شكله الشائك و أبرز بأنها تسعى إلى خلق ذاكرة جديدة تؤسس فيها لخرافات على أوهام التكافؤ، بحيث تساوي فيها الضحية بالجلاد والمضطهد بالمجرم.
حاوره: لقمان قوادري

النصر :تحتفل الجزائر بسبعينية الثورة التحريرية المجيدة، هل ما تزال هذه الذكرى تشكل نكسة أو أزمة لدى فرنسا إلى اليوم؟ وكيف ذلك؟ وإلى أي مدى؟
الدكتور نبيل ديب: في الحقيقة، اسم الجريدة هو مفتاح الإجابة عن سؤالكم، حيث توجت الثورة المباركة بنصر عزيز قلب كل الموازين القائمة في تلك الحقبة، وعليه فإن مرارة الهزيمة لدى الفرنسيين، تصدر من أبعاد مفتاحية عدة أولها «الفردوس المفقود»، كون المستوطنين أو المعمرين، فرنسيين وأوروبيين وبعد انتصارهم العسكري وقد ارتكبوا من أجل تحقيقه، مؤقتا، فظائع ومحارق يندى لها جبين الإنسانية، قد أصبحوا أسيادا وجعلوا أجدادنا الجزائريين مجرد أهالي تحكمهم قوانين جائرة، ليتم وفقها تجريدهم من إنسانيتهم وممتلكاتهم، وقد طالت مدة سيطرتهم إلى قرن وربع ؛ حيث فاجأتهم الثورة وأربكتهم وامتد الصراع ليكمل ثلث القرن، هذا البعد جعلهم يبكون خروجهم المذل في سنة 1962 ويحنون إلى استعادة سيطرتهم على بلاد الشمس والجمال، أين يوجد نفوذهم ومصالحهم...
السلوك السياسي لفرنسا تجاه الجزائر يناقض التصريحات الرسمية
أما البعد الثاني، فهو سياسي واستراتيجي، حيث تراجعت مكانة فرنسا الكولونيالية عالميا وإفريقيا، وبالتالي فقد انحسر مدها الإمبراطوري، دون تراجع النخب الحاكمة والمؤثرة عن أوهامها بجولة نصر جديد.، وعلى صعيد ثالث فعلى المستوى الاقتصادي والمالي و حتى وإن كان النفوذ الفرنسي في إفريقيا قويا وامتصاصها لخيرات القارة الثرية مستمرا عبر الاتفاقيات الظالمة وبتنفيذ النخب الموالية الحاكمة، إلا أن فقدانها لبلد بحجم الجزائر أفقدهم توازنهم وأربك حساباتهم وخفض مداخيلهم بشدة...
انتصار الشعب الجزائري شكل نكسة للدوائر الاستعمارية
أما البعد الرابع فهو على المستوى الرمزي والحضاري، فقد حدث انكشاف يعكس قطيعة بين مستوى الخطاب التبريري (المهمة التمدينية La mission civilisatrice وشعارات الأخوة، المساواة والحرية...) والسلوك السياسي والعسكري البربري غير القابل للتبرير، لكنه ترك أثره في نسبة عالية من النخب الحاكمة والمثقفة والأكاديمة والإعلامية... الأمر الذي أحدث انقساما غير هين أفرز نقاشا سياسيا صاخبا بل شرخا عميقا، أفقيا وعموديا، يفسر لنا ظاهرة المد والجزر في العلاقات القائمة بين البلدين، ما بعد الاستقلال، أين نسمع وعودا تقدم بشكل مناسباتي، ثم تنطفئ لانعدام القناعة واستخدام المناورة من جهة، وبتكثيف اللوبيات لضغوطها من جهة ثانية...و هذا بالضبط ما جر البرلمان الفرنسي إلى سن قانون تمجيد الاستعمار وبالتالي تمجيد الجرائم والمحارق، وعليه فانتصار الشعب الجزائري شكل نكسة للدوائر الاستعمارية وبالفعل، كما تفضلتم في سؤالكم ، أدت النكسة إلى أزمات خلقت عقدا وعقبات في وجه علاقات ندية وسوية بين الدولتين.
تؤكد فرنسا الرسمية على لسان رئيسها في كل مرة على مواصلة تسويتها لملف الذاكرة، لكنها تتعمد في كل مناسبة إثارة الخلافات والاستفزازات، في رأيك هل ما يزال التاريخ يشكل عقدة للفرنسيين؟ ومن هي الأطراف التي تدفع إلى التوتر في هذا الملف؟
ملف الذاكرة واضح وبسيط لدى الجزائريين، لأن رؤيتنا تنبع من واقع مرير عاشه أسلافنا وهو في عموم أحداثه ووقائعه موثق، لكن اللوبيات الأكثر تطرفا، وهي واجهات لقوى متخفية Des Forces Latentes ، تسعى حثيثا لتعقيده وإظهاره في شكل الملف الشائك وتدفع بوجود ذاكرات لا ذاكرة واحدة وتؤسس خرافاتها على أوهام التكافؤ بحيث تساوي الضحية بالجلاد والمضطهد بالمجرم، كما أنها تؤطر المشهد كله وتعيق تقدم المفاوضات بشكل يعرقل كل جهود التقارب، التي تصب في مصلحة الشعبين.
الطرف الفرنسي اختار التعقيد والتلاعب في تسوية ملف الذاكرة
أما بخصوص التصريحات الرسمية، فالسلوك السياسي يناقض الخطاب من جهة، كما إن الخطاب المتأخر يلغي الخطاب المتقدم، والمثال الأبرز خطابات الرئيس الفرنسي الحالي «إيماويل ماكرون» التي بدأت مطمئنة في حملته الانتخابية للعهدة الرئاسية الأولى ثم انتهت بالإنكار الكامل للأمة الجزائرية التاريخية، التي كانت حامية لفرنسا و ممونة لها بل ومنقذة لها عسكريا من الزوال واقتصاديا من الإفلاس... والمثل العربي القديم «جزاء سنمار» ينطبق تماما على هذه المواقف الفرنسية المخزية كلما وجدت ضعفا في أي مستوى من مستويات الدولة الجزائرية.
في نوفمبر من العام الماضي، اتفق البلدان عبر اللجنة المشتركة على استرجاع مليوني وثيقة مرقمنة خاصة بفترة الاستعمار وممتلكات منهوبة، إضافة إلى 29 لفة و13 سجّلا من الأرشيف المتبقي الخاص بالفترة العثمانية، لكن الأمر لم يتم إلى حد الساعة، في رأيكم ماهي الأسباب؟
أشرتم في سؤالكم الأول، إلى الأزمة التي تغذيها أطراف فرنسية ضمن النقاش البيني، ونضيف إليه حقيقة الاستراتيجية الفرنسية الشاملة والمنسقة، أين نجد الاستراتيجية الدعائية والإعلامية تسعى إلى الطمأنة واسترجاع الثقة في وعود السياسيين الفرنسيين وهي وعود كاذبة ومضللة، بل مجرد تسويق سياسي مشوه ومرتبك، يربكه ثبات الموقف الجزائري رسميا، نخبويا وشعبيا ووضوح الرؤية لدى عموم الجزائريين، بينما يتجه الإعلام الفرنسي في الوقت ذاته إلى أسياد اللعبة داخل فرنسا لطمأنتهم بأنهم يتحكمون في اللعبة ويحافظون على ترسيخ الخرافات المؤسسة Les mythes fondateurs بتعبير الأستاذ روجي غارودي، ومحاولة تعزيز المصالح والمكاسب دون تقديم أي تنازل ولو على المستويات الرمزية مثل تسليم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون برنوس الأمير عبد القادر و سيفه.. هذا، بإيجاز هو السبب الأول للظاهرة المسجلة والتي أثرتموها في سؤالكم.
النخب المؤثرة في فرنسا تحلم بنصر جديد
يشكل ملف الأرشيف الذي ترفض فرنسا تسليمه وكذا استرجاع جماجم قادة الثورات الشعبية فضلا عن تعويض ضحايا التجارب النووية، أهم مطالب الطرف الجزائري، لكن فرنسا استجابت فقط من خلال إعادة رفات 24 من قادة الثورة الشعبية؟ لماذا تتماطل أو ترفض فرنسا التجاوب مع هذه المطالب رغم أنها قد تدفع إلى علاقات أفضل بين البلدين؟
rrكما سبق وأشرنا، تتماطل فرنسا في تحقيق المطالب الجزائرية المشروعة، رغم إبداء التفهم والموافقة المبدأية، خوفا من التبعات السياسية - الاستراتيجية والإقتصادية – المالية، و خشية المتابعة والتبعات الحضارية الرمزيةـ التي ستسقط المركزية الإثنو - ثقافية التي يبنى عليها الخطاب والتنشئة كما التسويق والدبلوماسية، إذ يعلم الفرنسيون بأن الجرائم ضد الإنسانية، جرائم الحرب والإبادة وغيرها، لا تسقط بالتقادم، ولذلك فهم يخشون الخطوات التالية للاعتراف.
يؤكد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في كل مرة، أن ملف الذاكرة بين الجزائر والمستعمر الفرنسي، لا يقبل التنازل أو المساومة ويجب معالجته بجرأة لاستعادة الثقة بين البلدين، هل هذا يعني أن الجزائر قد تتجه إلى المطالبة رسميا بالاعتذار عن الجرائم الاستعمارية؟
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون محق تماما، بصفته جزائريا مواطنا ووطنيا، كما إنه لا يستطيع تحمل تبعات التهاون في مطلب شعبي يلقى الإجماع بصفته مسؤولا يمثل دولة الشهداء وشعب الصمود والتضحيات، وعليه ففي تصوري، الدولة الجزائرية، بغض النظر عن قوة أو ضعف اللوبي الموالي لفرنسا، تتجه إلى مطلب الاعتراف بالتدرج، لكن طريقة معالجة ملف الذاكرة من الجانب الفرنسي والأشخاص المعينين من الرئيس الفرنسي نفسه لتمثيل الدولة الفرنسية ووجهة نظرها الرسمية، دفعت الطرف الجزائري إلى التزام الحذر، خصوصا بعد إصدار المدعو «بنيامين ستورا» لتقريره و تسليمه للرئيس الفرنسي، مفسرا انحيازه الصارخ والمعيب وابتعاده عن الموضوعية المطلوبة، بأنه معين من الرئيس الفرنسي وبناء عليه فإن التقرير لا يمثل رؤية مشتركة بين الجانبين، وهذا ما يدفعنا إلى مزيد من الحذر كما أن الأمر يعطل مسار التقارب.
ثبات الموقف الجزائري الرسمي والشعبي تجاه ملف الذاكرة يربك الساسة الفرنسيين
هل يمكن أن يشكل الاتفاق وتسوية ملف الذاكرة عبورا نحو المستقبل بين البلدين؟
rrطبعا ولكن ... طبعا: لأهمية الملف وحساسيته ودرجة خطورته، ولكن: لأن الطرف الفرنسي اختار التعقيد والتلاعب، وماذا تنتظر ممن يمجد الاستعمار وينكر وجود الأمة العظيمة والدولة القوية التاريخية التي حمته إلى أن اعترتها عوامل الضعف بعد تحطم أسطولها، فما كان سلوكهم؟ هل ساعدوها على النهوض مجددا ؟ لا، بل استغلوا الفرصة التاريخية واحتلوا أرضها وأحرقوا شعبها واستنزفوا ثرواتها، وللتذكير فقط: بالإضافة إلى الأرشيف الذي يتكون من وثائق الحقبة العثمانية مضافا إليه أرشيف الحقبة الاستعمارية من 1930 إلى 1962، نجد الرفات والجماجم الطاهرة للشهداء من الشعب والمجاهدين وقادة المقاومة، التجارب النووية، الأوبئة والأرشيف الصحي، الكنوز المنهوبة مضافة إلى الديون السابقة، المكتبات المسروقة، المحارق في الكهوف، استخدام الأسلحة المحرمة والمجرمة دوليا...وغيرها .
الأمة الجزائرية لما قبل الاستعمار أنقذت فرنسا من الزوال والإفلاس
إذن، إذا كان الفرنسيون مستعدين للتخلص من الاستعلاء والتلاعب والانتقائية، وصدقوا مع المسؤولين الجزائريين، ستتوحد الرؤية ويقوم المختصون بما عليهم بصفة موضوعية ونزيهة، ثم يقوم بعدها المشرعون بسن القوانين اللازمة والساسة بتنفيذها وفقا للتوصيات المقبولة لدى الطرفين ، وهذا فقط برأينا ما يجعل مستقبل العلاقات الثنائية مشرقا.. الخلاصة: الطرف الفرنسي هو المشكلة. ل/ق

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com