توج، ابن ولاية البرج أكرم تومي، سلسلة ابتكاراته باختراع حديث لكرسي متحرك ذكي موصول بتطبيق خاص على الهاتف، ومزود بحساسات للاستشعار، أراد من خلاله مطاوعة الخدمات والمميزات التقنية التي توفرها التكنولوجيا لخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة، لا سيما المصابين منهم باعاقات حركية، أملا في تخفيف المعاناة عنهم، وتوفير وسيلة لتنقلاتهم تعفيهم عن قيود الحركة وتجعلهم في اتصال مباشر مع عائلاتهم.
ع/ بوعبدالله
أكرم، هو شاب في 27 سنة من العمر، متحصل على شهادة تقني سامي في الإلكترونيك الصناعية، ومولوع بالتكنولوجيات الحديثة والآلات المتحركة، تحدث في اليوم العالمي لذوي الهمم، عن فكرة ابتكاره، قائلا بأنه استلهمها من تجربة شخصية عايش من خلالها، تعذر تنقل صديق له في رحلة كشفية، ما زاد من إصراره بتصميم الكرسي، وتزويده بخدمات متنوعة لتحديد الموقع والتواصل المباشر عن طريق التطبيق المستحدث، فضلا عن استشعار حالة الشخص المعاق في حال التبول أو البرودة الشديدة أو ارتفاع درجة حرارة الجسم، ليحقق بذلك حلما كبيرا، يحسن من خلاله حياة هؤلاء الأفراد.
تصميم مائدة ذكية
استقبلنا الشاب أكرم بمنزله المتواجد ببلدية اليشير غرب ولاية برج بوعريريج، والذي يشهد في كل زاوية من زواياه عن ولادة شاب مخترع، بعدما حوله إلى ورشة مفتوحة لتجاربه واختراعاته، والتي كان من أبرزها تصميم مائدة ذكية، مزودة بنظام اتصال يسمح بإعطاء إشارات صوتية لتحريك المائدة باتجاه المتحدث، بالإضافة إلى تتويج سلسلة تجاربه بابتكار جديد لكرسي متحرك ذكي.
يقول أكرم في حديثه للنصر، وهو يستعرض مزايا هذا الاختراع الجديد، أن العالم يشهد تطورا تكنولوجيا متسارعا، يمكن استغلاله لتحسين حياة الأفراد في جوانبه الايجابية، خاصة وأنه أحدث نقلة نوعية في حياة العديد من الفئات، ومن أبرز هذه الفئات ذوي الهمم، كونهم بحاجة إلى ابتكارات تسهل من حياتهم وتمنحهم خدمات تخفف من الإعاقة، ومن ذلك الكرسي الذي اخترعه خصيصا لهذه الفئة، فهو يجمع بين التقنيات المتقدمة والتصميم المبتكر، إذ يعتبر حسب ما أفاد به أكثر من مجرد وسيلة نقل، فهو جهاز ذكي متصل بتطبيق خاص عبر الهاتف المحمول بواسطة شريحة وتطبيق صممه خصيصا للتحكم فيه عن بعد ومراقبة مستعمليه، إذ تسمح هذه التقنية بمجموعة واسعة من المزايا والخدمات، ما يساعد بشكل كبير مستخدميه ومن يعتنون بهم.
مزايا متنوعة وتطبيق على الهاتف للتحكم عن بعد
بينما كان يتحكم في الكرسي عن بعد، قال أنه استغرق وقتا طويلا للخروج بالنسخة والنموذج الأولي لهذا الكرسي المتحرك، وهو قابل للتعديل ودمج خدمات أخرى، بالإضافة إلى ما يوفره من مزايا متنوعة، على غرار إمكانية التحكم عن بعد عبر تطبيق مثبت على الهاتف الذكي، وموصول به، مما يتيح للوالدين أو المعتنين في حالة الأطفال الصغار أو الشخص المعاق بما في ذلك من يعانون من الشلل، إتباع تحركاته وتوجيهه عن بعد، بمجرد الكبس على التطبيق، فضلا عن تفقدهم من خلال كاميرا مدمجة في نظام الاتصال، تمكن المُستخدمين من رؤية ما يحيط بهم، والتواصل المباشر، ما يجنبهم العقبات أثناء السير وتحسين نظام الأمان والمتابعة من قبل عائلاتهم، من خلال مشاهدتهم وتتبع موقع تواجدهم عبر تقنية نظام تحديد المواقع (جي بي أس)، إذ توفر هذه التقنية المدمجة تحديد المواقع وتتبع حركة الكرسي في أي مكان، مقدمة بذلك إمكانية إضافية للمراقبة، خاصة للأطفال أو الأشخاص الذين قد يضيعون بسهولة ( المعاقون ذهنيا والمصابون بمرض الزهايمر).
ويحتوي الكرسي على حساسات متعددة، منها حساس لقياس درجة حرارة المُستخدم، ما يسهل التدخل في حال ارتفاع درجات الحرارة أو انخفاضها، وحساس لقياس الرطوبة (التبول)على قاعدة الكرسي، لا سيما بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من الشلل وصعوبة النطق والحركة أو الإعاقة الذهنية، ما يزيد من فعاليته في المراقبة وتوفير سبل الراحة التامة لمستخدميه، إذ يمكن إرسال التنبيهات إلى الهاتف الذكي في حالة حدوث أي تغييرات ملحوظة.
وزيادة على هذه المزايا التقنية، في كيفية الاستعمال، وضع المخترع في الحسبان، حسب ما أكد عليه في حديثه، بدائل متنوعة لتزويد الكرسي بالطاقة، بما في ذلك شحنه باستخدام الطاقة الشمسية، أو الشحن اللاسلكي عن طريق وضعه على قاعدة شحن خاصة، والاستغناء كليا عن أسلاك الشحن، ما يعفي المستعمل من الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية، وحتمية ربطه بشبكة الكهرباء، وما ينجم عن نفاذ البطارية من متاعب، عكس ما توفره الطاقة الشمسية من خدمات متواصلة.
كما يتميز هذا الجهاز، بنظام الدفع الرباعي، ما يمنحه القدرة على التحرك بسهولة في مختلف المسالك، متيحا حرية الحركة في الطرق الوعرة وغير المعبدة.
الاختراع انطلق من قصة مؤثرة لصديق من ذوي الهمم
تعود قصة اختراع هذا الكرسي، وفقا لما كشف عنه مصممه ومخترعه، إلى تجربة شخصية مؤثرة، ولدت من معاناة عايشها بنفسه خلال التحضير لرحلة كشفية، إذ لم يتمكن أحد أصدقائه من المشاركة بسبب كرسيه المتحرك التقليدي غير المناسب للطرق الوعرة، ومنذ تلك اللحظة، بدأ في رحلة البحث والتطوير، متسلحا بعزيمة وإصرار على تحقيق حلمه، بعدما تعذر على صديقه الذي يعاني من اعاقة حركية التنقل معه، ما حرك فيه روح التحدي، مستلهما من الحادثة فكرة تصميم كرسي متطور يساعد هذه الفئة على تحقيق المزيد من الاستقلالية، خاصة وأن والد صديقه رفض كل محاولات استعطافه كما قال، للسماح له بمرافقتهم في الرحلة رغم طمأنته برعايته ومساعدته.
وأشار أكرم تومي، إلى أن هذه الحادثة جعلته يبحث عن حل لهذه الفئة، ورفع التحدي من العدم، خاصة وأنه واجه العديد من الصعوبات خلال عملية التصميم، أبرزها التحديات التقنية والمالية، لكنه تمكن من التغلب عليها بفضل عزيمته وإصراره، مضيفا أن أكبر تحد واجهه، هو الحصول على التمويل اللازم لاقتناء جميع المستلزمات، والخروج بتصميم لائق، الأمر الذي جعل الاختراع يتوقف على تصنيع نموذج واحد مصغر يمكن استعماله للأطفال الصغار، في حين أشار إلى إمكانية الشروع في عملية التصنيع وبأحجام مختلفة، في حال الحصول على الدعم المادي، سواء عن طريق احتضان الشركات المتخصصة لابتكاره ورعايته، أو من خلال استحداث مؤسسة مصغرة، معربا عن أمله في الحصول على دعم الجهات المختصة لتجسيد مشروعه، خاصة وأن هذا الكرسي الذكي يمكن حسب ما أضاف، أن يحدث تغييرا إيجابيا كبيرا في حياة ذوي الهمم، متيحا لهم المزيد من الاستقلالية والحرية في التنقل، ما يساهم في اندماجهم مع المجتمع بشكل أفضل، كما أن تصميمه المبتكر يعتبر إضافة قيمة في مجال التقنيات المساعدة.
صعوبات في التمويل وفي إقناع الشركات لتبني الاختراع
وعلى الرغم من نجاحه في تطوير نموذج أولي، إلا أنه يواجه حسب ما أفاد به تحديات كبيرة، أهمها التمويل، إذ يقول "توجهت للاستدانة لتمويل مشروعي"، مضيفا أنه بحاجة "إلى دعم مادي لتصنيع النموذج النهائي"، مشيرا إلى اصطدامه بغياب الاهتمام من الشركات المحلية، إذ واجه "صعوبة في إقناع بعض الشركات الكبرى والمستثمرين بأهمية مشروعه"، رغم إمكاناته الواضحة وخصائصه المبتكرة.
ويضيف أكرم أنه قام بتسجيل براءة اختراع، وقدم مشروعه إلى العديد من الجهات المعنية، وحصوله على جوائز وتكريمات كان أخرها تكريمه من قبل مدير الشباب والرياضة بولاية برج بوعريريج، وفوزه بالمرتبة الأولى مؤخرا في مسابقة ابتكارات الشباب بولاية تمنراست.
ولعل ما يلفت الانتباه في قصة هذا الشاب في رحلته مع الابتكار والاختراع، هو اطلاعه الواسع على خبايا التكنولوجيات والتقنيات الحديثة في التصنيع، وولعه وشغفه اللامتناهي بكل ما يتعلق بالآلات والأجهزة المتحركة، إذ يرفض حسب ما قال صفة الجماد في أي منتج، وفوق كل هذا تحليه بالصبر إزاء العقبات وعدم الاستلام، إذ عادة ما يتسلح بروح التحدي والإصرار والعزيمة لتحقيق أحلامه، وتجسيد أفكاره على أرض الواقع، أملا في تقديم الأفضل لفئة ذوي الهمم والاحتياجات الخاصة، والمساهمة في تطوير المنتج الجزائري ودعم روح الابتكار التي تطغى على حديثه وتفكيره اليومي.
ع/ ب