الكيمياء الخضراء لامتصاص بقايا مصانع الأقمشة
قدمت ثلاث طالبات من كلية هندسة الطرائق بجامعة قسنطينة 03، بحثا بيئيا في إطار مشروع تخرج سنة ثانية ماستر هندسة كيميائية، وهو عبارة عن دراسة تطبيقية تتعلق بمعالجة المياه من الملوثات العضوية الناجمة عن ملونات بقايا الأقمشة، التي ترمى بشكل عشوائي في الأودية و البحر، وتوصلن من خلالها إلى ابتكار حلول تدرس في خانة ما يعرف بالكيمياء الخضراء، تخص عمليات أكسدة متقدمة تقضي تماما على التلوث الذي يهدد النبات و الثروة المائية و البيئة عموما و صحة الإنسان خصوصا.
أسماء بوقرن
نسومر بن قيقاقية و سندس بوشريبة و آية بوفريوة، طالبات هندسة كيمائية، اخترن رفقة مؤطرهن البروفيسور سليمان مرواني، إجراء دراسة علمية في إطار الكيمياء الخضراء تهدف إلى تكريس استعمال مواد كيميائية غير مضرة بالبيئة و الصحة للقضاء على الملوثات ومعالجة اختلال التوازن البيئي، وتحدثن للنصر، عن بحثهن معربات عن سعادتهن بالنتائج المبهرة التي توصلن إليها آملات في أن يتم تبنيها على أرض الواقع.
تحليل تجريبي باعتماد عمليات أكسدة
ترتكز الدراسة حسب الطالبات، على التحليل التجريبي باعتماد عمليات أكسدة للقضاء على مشكل التلوث الناجم عن مخلفات المصانع المختصة في صناعة الألبسة و الأقمشة ذات الألوان، بما في ذلك الألوان الجديدة بتركيبات كيميائية معقدة و صعبة التفكك، تستدعي عوامل خارجية و مواد مضافة لتفككها، و التي من غير الممكن أن تتحلل طبيعيا حسبهن خاصة في ظل انتشار استخدام تركيبات ألوان كثيرة، تختلف عن تلك المستعملة قديما و التي كانت طبيعية يسهل تفكيكها بعمليات الأكسدة المعروفة.
الطالبات انطلقن من إشكالية بحثية موضوعها يُطرح بحدة في الواقع كما قلن، تتمثل في ارتفاع معدل الرمي العشوائي لبقايا الأقمشة و الألبسة في الأودية و البحار، من قبل المصانع و ورشات الخياطة، ما يزيد من حدة تلوث المياه وذلك لاحتواء هذه البقايا على ملوثات عضوية بألوان مركبة كثيرة الضرر و يمكن أن تسبب أمراضا كالسرطان و أمراض الجهاز التنفسي و القلب و الشرايين، كما تؤدي إلى اختلال التوازن البيئي و تؤثر على طبيعة الهواء و تقلل نسبة الأوكسجين، ناهيك عن انعكاساتها الوخيمة على الثروة البحرية، في المقابل لم تعد حسبهن، عمليات الأكسدة القديمة المستعملة حاليا في محطات المعالجة ناجعة تماما، بفعل ظهور عدة عوامل أبرزها تطور استعمال الألوان.
و قد توصلن من خلال بحثهن التطبيقي، إلى ابتكار عمليات أكسدة حديثة تقضي تماما على الملوثات العضوية، حيث أخذن عينات من المياه و قمن بإخضاعها للتحليل و وجدن بأنها مشبعة بالملوثات العضوية الناجمة عن ألوان بقايا الأقمشة ويستحيل تفكيكها بعمليات الأكسدة القديمة، وقد طبقن طريقتهن الجديد القائمة على إجراء معالجة كيميائية خاصة بإزالة المواد العضوية في المياه عن طريق الأكسدة من خلال التفاعلات، باعتماد عوامل خارجية و مواد مضافة تقضي على مشكل التلوث الناجم عن ألوان الألبسة و بالأخص الألوان ذات التركيبة الكيميائية المعقدة صعبة التفكك.
تطوير استعمال الحديد و الحرارة
وأوضحت الطالبات، بأنهن اعتمدن في البداية تقنيات فيزيائية من خلال استخدام طرق للقضاء على الجزيئات الصلبة، و كذا تقنيات كيميائية ترتكز على إضافة مواد كيميائية تتفاعل مع تركيبة الملونات، إلى جانب تقنيات بيولوجية تعتمد على استخدام نوع من البكتيريا، غير أنها تقنيات غير فعالة بنسبة كبيرة و لا تقضي سوى على أقل من 50 بالمائة من الملوثات، وقد أظهرت التجارب بقاء نسبة معتبرة من الملوثات المضرة بالبيئة و المحيط و الغطاء النباتي، وأشرن إلى أنها تقنيات قديمة كانت تستعمل لتفكيك ألوان سهلة التفكك، غير أنها ما عادت مجدية في ظل التطور الذي نشهده في صناعة الألوان المعقدة.
وتمكنت الشابات من إيجاد حلول تتمثل في عمليات أكسدة حديثة مكملة لتقنيات الأكسدة القديمة، تقضي تماما على تركيبة الملونات و بنسبة كاملة، تعالج مشكل تلوث المياه من بقايا الأقمشة، و ذلك باستعمال مواد كالحديد، حيث تم اعتماد هذا العنصر و تطوير استخدامه مع إضافة عوامل خارجية كالحرارة و المركزات، و قمن بعمليات تجريبية على مياه البحر وكذا الأودية بعد أخذ عينات لمياه ملوثة بمواد عضوية صعبة التفكيك، و حصلن على نتائج إيجابية.
و أشرن في الختام، إلى أنهن لم يقدمن تفاصيل على العناصر الكيميائية المعتمدة في معالجة المياه، و فضلن عدم الكشف عنها في الوقت الحالي، إلى غاية عرض بحثهن على الجهات الوصية، على أمل أن تؤخذ النتائج بعين الاعتبار و تطبق على محطات معالجة المياه، و أجمعن على أن الكيمياء الخضراء من الحلول الناجعة في هذا المجال، لكونها تعتمد على مواد غير مضرة .
عز الدين غاشي خبير في علوم المياه السطحية للنصر
الأمطـــار الأخيـــرة ليـست تطرفـا مناخيــا
قال الباحث في علوم المياه السطحية بمعهد تسيير التقنيات الحضرية بجامعة قسنطينة 3، عز الدين غاشي، أن الأمطار الاستثنائية التي شهدتها الجزائر في الآونة الأخيرة عادية وسبق تسجيلها في سنوات ماضية، مؤكدا بأنها مفيدة للسدود والجيوب المائية، كما أنها مهمة جدا لإنجاح محاصيل الحبوب الجافة و بعض الخضر والفواكه.وشدد الباحث في حوار مع النصر، على ضرورة وضع مخططات شاملة وفعالة لدراسة المشاريع التي تعنى بإنجاز شبكات صرف مياه الأمطار.
حاورته : رميساء جبيل
هذه العوامل تتسبب في تشكل السيول الجارفة
ـ النصر: عرفت الجزائر مؤخرا تساقط كميات معتبرة من الأمطار خلفت سيولا في عدة ولايات فهل هي ظاهرة مناخية متطرفة و كيف تفسرونها ؟
ـ عز الدين غاشي: الجزائر معروفة بكونها واحدة من الدول التي تشهد فيضانات وسيولا مفاجئة، وهي من المشاكل التي تعيق عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتعود أسباب السيول إلى الأمطار الغزيرة الاستثنائية التي باتت تسجل بشكل سنوي، على غرار ما شهدناه في أوت سنة 2015 بعلي منجلي بقسنطينة، إذ تسببت الأمطار الطوفانية في وفاة شخصين بعدما تهاطلت بمعدل 90 ميليمترا في الساعة، ناهيك عن الأمطار الرعدية التي مست حي جبلي أحمد سنة 2019، و خلفت ضحيتين، كما تسببت الأمطار الغزيرة و الفجائية التي تهاطلت في شهر ماي الماضي في خسائر مادية معتبرة.
أما العامل الثاني للسيول من هذا النوع، فهو الموقع الجغرافي و طبيعة التوسع العمراني كما حدث في تيبازة مؤخرا، فالمنطقة كما بدا جليا شديدة الانحدار وهو ما تسبب في حدوث سيول غزيرة أدت إلى انزلاق التربة و المباني، خصوصا وأن سرعة تدفق المياه تزيد في المنحدرات، علما أن نسبة التساقط المطري وصلت بمنطقة ميناء الصيادين بخميستي إلى 70 ميليمترا خلال ساعات، ما أدى إلى تراكم آلاف الأطنان من التربة التي جرفتها السيول الغزيرة، و تسبب في اختفاء معدات الصيادين و توحل الميناء.
يكمن العامل الثالث وراء تشكل السيول، في انعدام الغطاء النباتي أو تدهور أجزاء منه، فالنباتات في الأحواض المائية تلعب دورا كبير في امتصاص المياه المطرية، كما تساهم في فرملة و وقف السيلان، ولهذا يؤدي التساقط المطري الكبير في الأماكن التي تعاني التعرية إلى حدوث كوارث مماثلة، وبهذا تنجرف التربة وتنسحب من المناطق المرتفعة باتجاه المناطق المنخفضة، و تتوجه جميعها نحو التجمعات السكنية والهياكل القاعدية مثل الطرق والوحدات الصناعية.
ـ هل هناك مناطق محددة على خريطة الجزائر يرتفع فيها خطر حدوث السيول و الفيضانات ؟
ـ من خلال الدراسات التي تقوم بها الجزائر سنويا، على مختلف بلديات الوطن تبين أولا أن هنالك 600 منطقة مهددة بالسيول وفقا لدرجات مختلفة، لكن العدد تقلص مؤخرا إلى حوالي 60 موقعا خطيرا.
أخطاء في إنجاز المشاريع قد تسبب بعض الكوارث
ـ ما هي الحالات التي يلعب فيها الإنسان دور المسبب للسيول؟
ـ فعلا يلعب العامل البشري دورا كبيرا كذلك في تسجيل مثل هذه الكوارث، نظرا للأخطاء التي يتم ارتكابها أثناء تصميم الشبكات وخلال تصنيف المياه المطرية فإغفال مخطط صرف المياه في بعض التوسعات العمرانية، يؤدي إلى حدوث فوضى سيلانية تتسبب في كوارث خطيرة. إضافة إلى الأخطاء في تصميم شبكات صرف مياه الأمطار، التي تسير في كثير من الأحيان بطريقة إدارية أكثر منها تقنية مع إقصاء قائمة المختصين والخبراء في هذا المجال عند العمل على المشاريع، لأنها أشغال لا تتعلق بالهيئات والمؤسسات المنجزة فقط، وإنما تتطلب حضور خبراء يدرسون العلاقة بين الأمطار التي تسقط من السماء وتحويلها على سطح الأرض ودراسة سيرورة العملية والتبخر وغيرها.
يكمن المشكل أيضا في قلة المختصين في علم الهيدرولوجيا، و وجود دراسات لا علاقة لها بخصوصيات المناطق، بسبب شح المعطيات المناخية.
ـ ما الذي يحدد فعالية مشاريع تصميم شبكات وقنوات صرف المياه ؟
ـ لإنجاح مثل هذه الدراسات التي تحولت إلى مشاريع، يجب التركيز على قياس معدل الأمطار المتساقطة، وهي خطوة تكاد تكون منعدمة في الكثير من المناطق في بلادنا، رغم أنه يتعين علينا قبل بدء هكذا مشاريع، أخذ معطيات دقيقة تخص كمية ونوعية الأمطار التي تساقطت خلال 24 ساعة، بواسطة جهاز البيبليوغراف، بغية إنجاز دراسات ناجعة وتصاميم جيدة لشبكات صرف المياه المطرية والقنوات تحمي النسيج العمراني، تماما كالأحزمة الواقية بوادي بومرزوق وجنان الزيتون بقسنطينة، والتي توجد مثيلات لها بمدن أخرى على غرار عنابة و باتنة.
أهم الأولويات لمواجهة مخاطر الفيضانات
ـ كيف يمكننا التكيف مع التقلبات المناخية و ما هي الاحتياطات الواجب أخذها لمواجهة مخاطر السيول والفيضانات في المدن ؟
ـ تعمل الجزائر في الحقيقة على أربع أولويات فيما يخص أخطار الفيضانات بداية بالاهتمام بأخطار الكوارث، وتدعيم حوكمة خطر الكوارث، إلى جانب توجيه الاستثمار نحو تقليص خطرها من أجل الصمود في وجهها وإمكانية استرجاع سيرورة الحياة الطبيعية في أقرب الآجال، وهو بالمناسبة المعيار الذي نقيس من خلاله تطور دولة أو تخلفها، أما الأولوية الرابعة فتتمحور حول تدعيم التحرير للكوارث بغية إعادة البناء بطريقة الري.
ويذكر أن للجزائر مساهمات في المخطط العالمي « سون لايف» باليابان الذي انطلق في 2015، بمشاركة عدة دول، بهدف دراسة الأخطار والكوارث الطبيعية والعمل على وضع حلول لها والتقليل من حدتها.
ـ ما هو الحل الأمثل لتجنب الكوارث الناجمة عن تقلبات المناخ؟
ـ لا يمكن وضع حد نهائي للأخطار والكوارث، فالطبيعة في كل مرة تقابلنا بأحداث معينة حتى نتخذها كدروس منهجية نتعلم منها، ومن خلالها نبحث عن حلول واستراتيجيات للتقليص من الحوادث، الحلول الممكنة والضرورية هي القيام بعمليات تنظيف دورية لشبكات الصرف الصحي وشبكات الحماية من الفيضانات، مع تهيئة الوديان بأحزمة وقاية لتفادي ارتفاع مستواها عند سقوط أمطار غزيرة، وبهذا نحافظ على النسيج العمراني من الضرر، إلى جانب الاعتماد على مقاربة دراسية باستخدام أدوات وتقنيات حديثة لإنجاز دراسات تعطي فعالية في تصميم شبكات صرف مياه الأمطار.
أؤكد أيضا، على وجوب اعتماد الصرامة في العمل وأن تكون الدراسات ذات مصداقية، وتقدم بطريقة دقيقة لإعطاء تقييمات صحيحة حول الخصوصية المناخية لكل منطقة، وكذا السهر على إنجاز وتنفيذ مشاريع وفق المقاييس المطلوبة، فنسبة 50 بالمائة من فشل المشاريع تتعلق بدراسة المشروع الأولية التي وضعت دون قياسات محلية مضبوطة، أين يتم اعتماد قياسات عامة عالمية تخص مناطق وبلدانا أخرى لا تنطبق مواصفتها على مكان إنجاز المشروع ولهذا السبب تحديدا تفشل جل المشاريع وتحدث الكوارث.
ـ في كل سنة تغرق مناطق بمدينة قسنطينة فهل للأمر علاقة بالجغرافيا كما سبق وذكرتم أم بضعف مخططات التهيئة ؟
ـ رغم الحوادث المسجلة مؤخرا، إلا أن قسنطينة من بين المدن التي تفطنت للفيضانات والسيول الجارفة، بوضع تدابير وقائية أثناء فترة تساقط الأمطار، ومع ذلك يغرق خط الترامواي الذي يمر على المنطقة الصناعية «بالما» بفعل تراكم المياه في كل مرة، الأمر الذي يتطلب وقفة جماعية تتكاتف فيها جهود السلطات المعنية والخبراء، من أجل تحيين مخطط القطاع الحضري ودراسته بشكل يوجد حلولا فعالة.
أمطار ماي مفيدة للمحاصيل الجافة
ـ ما هو منسوب الأمطار التي تتساقط في مثل هذه الفترة بقسنطينة وهل ما نسجله حاليا يدخل ضمن خانة المعدلات الطبيعية؟
ـ سابقا، كانت قسنطينة تتوفر على خمسة أجهزة لقياس معدل الأمطار المتساقطة لكن أعتقد أنه بقي منها جهاز واحد بمطار عين الباي، وهو مهم لتحديد نوعية وشدة المطر، و إعداد و دراسة تصميم شبكات تصريف مياه الأمطار في المجال الحضري، وأعتقد أنه سيكون هناك حساب لحجم التساقط وكمية الأمطار في شهر ماي و تحديدا في الفترة من 15 إلى 31 ماي.
أما المعدل السنوي للأمطار في المدينة على مدار 40 سنة الماضية، فقد راوح 500 ميليمتر، فيما أظهرت النتائج الخاصة بالثلاث سنوات الأخيرة، تراجعا في المنسوب وهو ما أثر على الفلاحة المطرية التي تتغذى على أمطار مارس و أفريل، مع إمكانية عودة المعدل مجددا خلال السنة الجارية.
ـ هل أمطار ماي و جوان عادية ؟
ـ تساقط الأمطار في شهر ماي أمر عادي جدا، عكس ما يعتقده المواطنون و المختصون يدركون جيدا أن مناخ الجزائر عموما والمناخ الذي شهدته قسنطينة منذ أزيد من 100 سنة، كان ممطرا في هذا الشهر تحديدا خاصة في الخمس أو الست سنوات الأخيرة، وأذكر هنا أيضا، أنه تم تسجيل تساقط للثلوج مع بداية شهر جوان خلال نهاية التسعينيات.
ـ كيف ستؤثر على المحاصيل الزراعية في رأيكم؟
ـ هذه الأمطار لها فائدة على زراعة الحبوب الجافة كالعدس والحمص، وكذا على زراعة بعض الخضر والفواكه على غرار البطيخ والطماطم والأشجار المثمرة و أشجار الزيتون، كما أن لها تأثيرا إيجابيا مباشرا على ملء السدود وإعادة ملء الجيوب المائية الجوفية التي تتغذى من المياه السطحية المتسربة إليها.
ر. ج
الإفرازات السائلة بالجزائر
جهــود متواصلــة لبـناء منشــآت لحمايــة الوسـط الطبيعـي
تواجه الجزائر المزيد من التحديات البيئية المرتبطة بالحركية الاقتصادية و الاجتماعية و تمدد العمران و ارتفاع معدلات الاستهلاك و تغير أنماط المعيشة بالوسط الحضري الذي يعد الأكثر إنتاجا للمخاطر البيئية المختلفة كالتلوث و انبعاث الغازات الدفيئة و استنزاف الموارد الطبيعية الهشة. وتعد الإفرازات السائلة التي ينتجها الوسط الحضري و شبه الحضري و الوسط الصناعي من بين المشاكل البيئية التي تعاني منها الجزائر في السنوات الأخيرة، و تبذل من أجلها جهودا متواصلة للحد منها و درء المخاطر الناجمة عنها، بينها مخاطر تلويث التربة و مصادر المياه و الإصابة بالأمراض المتنقلة عن طريق هذه الإفرازات متعددة الأنواع و المركبات الكيماوية و الفيزيائية.
و لا يكاد يخلو تجمع سكاني مهما كان حجمه من الإفرازات السائلة بالجزائر سواء تلك التي تنتجها الأحياء السكنية أو تلك الناجمة عن النشاط الصناعي، و هي من اخطر الإفرازات على البيئة و الموارد الطبيعية كالتربة الزراعية و المياه و الحياة البرية و التنوع الإيكولوجي.
واستنادا إلى الموقع الإلكتروني لوزارة البيئة و الطاقات المتجددة فقد بلغ تعداد مواقع الإفرازات الحضرية السائلة عبر 48 ولاية أكثر من 3500 موقع تقابلها 177 محطة تجميع و معالجة المياه المستعملة، و تعتزم الدولة بناء المزيد من المحطات لمعالجة المياه المنزلية المستعملة التي تنتجها التجمعات السكانية الآخذة في التوسع و خاصة بشمال البلاد حيث تتركز أكبر كثافة سكانية منتجة للسوائل الملوثة للوسط الطبيعي.
و تعد محطات الغسيل أيضا من بين المصادر المنتجة للإفرازات السائلة التي تصب كميات كبيرة منها في مجاري الصرف الصحي و تزيد من مخاطر التلوث عندما تصل إلى الوسط الطبيعي كمجاري الأودية و التربة الزراعية.
و قد أحصت وزارة البيئة و الطاقات المتجددة ما لا يقل عن 8 آلاف محطة غسيل في البلاد، ولا يعرف ما إذا كانت كل هذه المحطات مجهزة بنظام للتصفية و التخزين يحمي البيئة و يحول دون وصول هذه السوائل الصناعية الملوثة إلى مصادر المياه و التربة. وتتضمن قوانين حماية البيئة بالجزائر إجراءات صارمة تجاه محطات الغسيل وتلزمها بحماية البيئة تفادي الربط بشكات الصرف الصحي، و استخدام أنظمة متطورة للتصفية و التطهير و تدوير المنتجات النفطية المستعملة، غير أن بعض هذه المحطات مازالت تعمل بأنظمة قديمة لا تستجيب لإجراءات السلامة و حماية البيئة و الصحة.
و إلى جانب محطات الغسيل و مصبات الصرف الصحي تعد مراكز الردم التقني للنفايات أيضا من المصادر المنتجة للإفرازات السائلة، و تعمل وزارة البيئة على بناء المزيد من محطات معالجة عصارة النفايات الناجمة عن تحلل النفايات المنزلية العضوية.
و في هذا الإطار، أحصت الوزارة ما لا يقل عن 38 محطة معالجة للعصارة السامة المحملة بالمعادن الثقيلة عبر الوطن بتمويل من الصندوق الوطني للبيئة و الساحل FNEL، متوقعة بناء 8 محطات جديدة من ميزانية التجهيز للحد من تسرب العصارة السامة إلى التربة و مصادر المياه الجوفية بمراكز الردم الكبرى التي تستقبل كميات هائلة من النفايات المنزلية التي تنتجها التجمعات السكانية.
و تعد الإفرازات الحضرية و الصناعية السائلة ناقلا فعالا للأمراض عندما تصل إلى مصادر المياه و الغذاء، و لذا تحرص الجزائر على الحد من التلوث الناجم عن الإفرازات السائلة ببناء المزيد من محطات المعالجة و التصفية، و فرض قيود صارمة على النشاطات التجارية و الصناعية المنتجة للسوائل الملوثة للبيئة و مصادر المياه و التربة الزراعية و الحياة البرية، و خاصة بالمناطق الرطبة الأكثر عرضة للتلوث الناجم عن مصبات السوائل السامة سواء الصناعية أو الحضرية القادمة من التجمعات السكانية المجاورة.
و حسب وزارة البيئة و الطاقات المتجددة فإن الأرقام المتوصل إليها حتى الآن تعد أرقاما أولية حيث تتواصل عمليات الجرد و تحيين المعطيات الميدانية باستمرار حتى تتشكل صورة واضحة و دقيقة يمكن على ضوئها وضع الخطط الرامية إلى حماية البيئة و الصحة من خلال المزيد من الاستثمارات و التطبيق الصارم للقوانين و التصدي لكل سلوك أو نشاط ملوث للبيئة مضر بالصحة و الحياة البرية و التنوع البيولوجي الذي صار عرضة لمخاطر كبيرة بسبب التلوث الناجم عن الأنشطة البشرية الجائرة.
فريد.غ